أخيرا يا ربيع الرياض!!

أخيرا يا ربيع الرياض!!

استيقظت هذا الصباح على وقع المطر وقد آذن ربيع الرياض أخيرا بتشكيل وجه الجمال للحياة, هذا الموسم من السنة سخي يسر النظر وينعش الروح، ويخصب الفكر..
وما كدت أدرك كل ذلك الجمال المفاجئ حولي, حتى اهتز جوالي بنغمته التي تقرع كقرع الباب فتولد لدي حس عجيب بين بدائية الشيء وتطوره, ولكن لم يكن ذلك هو التضاد الوحيد هذا اليوم, فثمة تناقض غريب بين الجمال والألم, لا تزال الحياة تصر على أن تجعلهما مترافقين ولو سبق أحدهما الآخر!

كان اتصال صديقتي الحميمة منذ صفوف الدراسة الأولى وقد خنقتها العبرة واكتظ صوتها بحشرجة الحزن, أخافني, فبادرت بسؤالها, وحكت لي ألم تقطعه أنفاسها المتعبة..

ومنظر السحاب الذي يعيش حفلة الربيع أمامي, يجتمع بسرعة ويروح ويعود ليجتمع, ويمطر ويمسك, إنه أشبه بعرس في السماء ستحضره النجوم..

إنه أجمل الفصول واقصرها .. إنه ربيع الرياض الذي يأتي بغتة ويذهب بغتة.

لقد اختلط في نفسي خلال تلك اللحظات ما عجزت عن تفسيره, فكيف يجتمع في الوقت نفسه في جوف واحد السعادة والألم!

بل الأكثر من ذلك أن لساني ثقل عن مواساتها, وتلعثمت أحرف شفتي, وتسربت الحكمة من بين يدي..

فآثرت أن أمازحها, ولو أن المزاح ثقيل جدا في مثل هذه الظروف..

خرجت بعد أن أنهيت الاتصال بتذكيرها بحقارة الحياة أمام عظمة الله ورحمته وبأن حب الله ما إن يكون هو الغالب حتى يتصاغر ما دونه مهما عظم حتى يتلاشى. خرجت أتبع خطاي التي تساير النبض وقد امتزجت به تلك المشاعر..

وفي نفسي شيء يقول, يا ترى هل لا يزال بعض الناس يحتفظ بحبله السري فيختنق به كلما أراد الخروج من الظلام إلى النور.. كم من الدهشة يلزمنا لنفهم كيف يتلعثم في خطى الشقاء بعضنا ثم يسقط في حفرة أرنب ويخالها بئرا ليس لها قرار..

لماذا تلتف حولنا الحيرة فنصبح كمن تاه في بيداء كل اتجاهاتها لا تدل إلا على المجهول, وعلى مشارف النظر واحة غناء غفلت عنها القسوة والجفاء لا نراها..

لم تبقي بعض الصغائر تنمو على أكتافنا حتى تضع بأوزارها كل الأحزان كموج يتبعه موج من ورائه موج...

كم من العمر سنعيش حتى ندرك كل ما يرضي البشر, وكل حكم الدنيا, وكل ما جمع الأولون, وكل من بكى وفرح كل من مر على وجه هذه البسيطة ... إنه ليس إلا عمر واحد في هذه الدنيا, سندرك أنه قليل جدا يوم نلقى الله .

* "هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية" تم نشرها اليوم في النسخة الورقية"

الأكثر قراءة