جاء دور الخليجيين في الجمع بين مفهوم المحطات النووية للكهرباء والمياه وأيضا الأبحاث والتدريب

جاء دور الخليجيين في الجمع بين مفهوم المحطات النووية للكهرباء والمياه وأيضا الأبحاث والتدريب

كيف ترى صدور قرار إنشاء مدينة للطاقة الذرية المتجددة هل جاء في الوقت المناسب أم متأخر؟
صدر هذا القرار ليحقق الحلم الذي كان يراود كافة العاملين في مجالات الطاقة والهندسة النووية في المملكة. كما أن هذا كان مطلبا ملحا لتحقيق متطلبات التنمية في السعودية والدخول في عالم الطاقة المتجددة والنظيفة في توليد الكهرباء وتحلية المياه، التي يتزايد الطلب عليها في العالم كله وليس في السعودية، وطالما أن هذا القرار قد صدر بهذه الصورة المشرفة فإنه سيحقق الأهداف المنشودة, إن شاء الله.

ما انعكاس انشاء المدينة على وضع الاقتصاد السعودي وتنوعه؟
سيكون لهذه المدينة وما أنيطت بها من مسؤوليات كبير الأثر في الوضع التقني والبحثي والاقتصادي في السعودية البلد المنتجة للنفط حيث لأول مرة تحدد الجهة المسؤولة والمباشرة والقادرة على التخطيط والتنفيذ في هذا المجال الحيوي والمهم للتقنية والتنمية. ولا بد أن يسهم قيام هذه المدينة في تنشيط كافة المجالات المتصلة، وهذا بدوره إسهام كبير في تنوع مصادر الدخل السعودي.

ما القطاعات المباشرة التي ستستفيد من هذه المدينة؟
هذه المدينة إذا ما قامت بالمسؤوليات المنوطة بها سيكون لها تأثير إيجابي ومباشر في قطاعات عديدة في المملكة، وخصوصا في مجالات توليد الكهرباء وتحلية المياه بطرق وطاقة نظيفة. وهناك قطاعات كثيرة ستستفيد من هذه المدينة مثل الزراعة والصحة والصناعة والتعليم واستخراج النفط والغاز, إضافة إلى توفير الكميات والأنواع المطلوبة من النظائر المشعة المستعملة في تطبيقات عديدة الآن في السعودية.

إلى أي مدى يمكن استفادة السعودية من برامج الطاقة الذرية في توفير النفط؟
إن استبدال الوقود الأحفوري (النفط بأنواعه والغاز الطبيعي) في عمليات الحرق التي تتم في محطات الكهرباء وتحلية المياه المنتشرة، سيوفر للمملكة العربية السعودية وللأجيال القادمة كمية كبيرة من مخزون النفط الذي يتم استعماله وحرقه الآن بكميات كبيرة لتوليد الطاقة. والنفط كما يعلم الجميع هو ثروة هائلة، وأن عمليات حرقه بهذه الصورة هو أسوأ استعمال له, إضافة إلى نفاد مخزونه غير المتجدد، فهو تلوث في غاية الخطورة للبيئة وما فيها من كائنات وخصوصا الإنسان.

هل المشاريع القائمة حاليا يمكن أن تستفيد من هذا البرنامج وخاصة في مجال الكهرباء والمياه أم تكون الاستفادة منه في المشاريع الجديدة؟
ربما لا تستفيد المشاريع القائمة الآن من هذا البرنامج ولكن المملكة كدولة سريعة النمو السكاني والصناعي والزراعي، في حاجة ماسة لإقامة العشرات من محطات توليد الكهرباء وكذلك في حاجة إلى إنتاج العشرات من محطات تحلية المياه، بينما يمكن الاستفادة من مفاعلات الطاقة في أغراض مزدوجة في آن واحد لتوليد الكهرباء والاستفادة من الأبخرة الناتجة في توربينات توليد الكهرباء في إنتاج مياه محلاة وصالحة للشرب والأغراض الأخرى، فالمملكة خلال السنوات العشر القادمة في حاجة إلى آلاف من جيجا وات من الكهرباء وإلى ملايين الأطنان من المياه الصالحة للشرب. والمملكة من فضل الله بلد واسع يقع على الشرق والغرب منها سواحل بحرية مترامية الأطراف وصالحة لإنشاء مثل هذه المفاعلات للأغراض المزدوجة.

هل الجامعات ومراكز الأبحاث السعودية مستعدة لهذا التطور خاصة فيما يتعلق بتوفير الكوادر البشرية؟
الجامعات السعودية كانت ومازالت مستعدة لهذا التطور ومواكبته في مجالات تخريج الكوادر البشرية المدربة من مهندسين وفيزيائيين وطلبة دراسات عليا وفنيين، فلدينا أقسام للهندسة والفيزياء الذرية في ثلاث جامعات على الأقل، وهي: الملك سعود، الملك عبد العزيز, والملك فهد للبترول والمعادن، وهناك الآن عدد لا يستهان به من خريجي هذه الأقسام. كما يمكن استحداث الكثير من الأقسام والمعاهد ومراكز الأبحاث، وهذا أمر سيكون من اختصاص ومسؤولية مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة التي تم الإعلان عن إنشائها, حسب الأمر الملكي السامي الكريم.

لتحقيق النجاح الكامل من هذا المشروع هل ترى أنه يمكن استفادة السعودية من خبرات الدول التي سبقتها في هذا المجال والاستعانة بخبرات من هذه الدول؟
نعم بالتأكيد، فالأعمال العلمية والتقنية هي في طبيعتها أعمال لا تتقيد بجنسية معينة، فالخبراء والأساتذة والباحثون موجودون من فضل الله داخل المملكة، كما يمكن التعاون مع كافة التخصصات والخبرات في كافة دول العالم كأفراد وجامعات أو معاهد أبحاث أو شركات تجارية، فالأعمال العلمية بطبيعتها أعمال تراكمية ذات صيغة عالمية لا تعرف الحدود، وتوطينها عمل قائم ومستمر في كافة دول العالم التي تود الدخول في هذه المجالات العلمية والتقنية المهمة والحيوية.

ما مدى شراكة السعودية مع دول خليجية أخرى في هذا المضمار مثل الإمارات والبحرين؟
المملكة العربية السعودية كما نعلم سباقة دائما إلى أعمال التنسيق والشراكة الإسلامية والعربية والخليجية على الأخص. ومصالحنا المشتركة في دول مجلس التعاون الخليجي كثيرة ومهمة واسترتيجية في بعض أوجهها، ونعلم أن هناك مشاريع قائمة ومستقبلية للتوسع في ربط خطوط النقل الكهربائي بين دول الخليج، كما أن إمكانية التوسع في شأن توزيع المياه وربط أنابيب المياه في دول الخليج، والاستفادة من الموارد المائية الكبيرة التي يمكن توفيرها من خلال محطات التحلية بالطاقة النووية، على الأقل وقت الأزمات، كجانب من جوانب التعاون والتآزر بين دول الخليج.

هل تتوقع آثار انعكاسات وأخطار بيئية من إنشاء هذا المشروع مثل التسربات التقليدية التي تحدث في محطات الطاقة النووية مثلما حدث وسجل في بعض الدول من حوادث؟
لا أتوقع أن تكون هناك أي آثار سلبية أو حدوث أخطار بيئية نتيجة لاستخدام الطاقة النووية وإقامة المفاعلات، ذلك أن سجل المفاعلات النووية المستعملة الآن عالميا لتوليد الطاقة الكهربائية تعتبر سجلات نموذجية، وأخطارها في أسوأ صورها لا ترقى إلى مستوى أخطار حوادث الطرق أو الطيران أو القطارات على سبيل المثال. علما أن المعايير المعمول بها في تشغيل المفاعلات النووية ونقل واستعمال وتخزين الوقود النووي تعتبر معايير في منتهى الدقة والحذر والحرفية. أما آثار التلوث البيئي نتيجة لتشغيل المفاعلات فهو معدوم تماما، حيث ليس هناك انبعاثات غازية نتيجة لعملية حرق الوقود النووي داخل المفاعلات.

بصفتك أستاذا وخبيرا وباحثا في مجال الطاقة النووية ما نصائحك للمختصين في هذه المدينة الجديدة في مجال الاستعانة باكاديميين وطنيين؟
إن القائمين على هذا المشروع «مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة»، وهم الأخ دكتور هاشم يماني, والأخ الدكتور وليد أبو الفرج والأخ الدكتور خالد السليمان كلهم زملاء عمل أكاديميون ولهم علاقات واسعة بالأوساط الأكاديمية داخل المملكة وخارجها، وهم أقدر وأعرف بالعناصر العلمية والأكاديمية المطلوبة لتنفيذ شبكة الأعمال والمعاهد والمختبرات العلمية المطلوبة لإنشاء وتشغيل هذه المدينة العملاقة، وتحقيق رسالتها السامية في توفير الرخاء للوطن والمواطن, ابتداء من إنتاج الكميات المطلوبة من الطاقة الكهربائية والمياه المحلاة من خلال المفاعلات، وانتهاء بأدق الأعمال والتطبيقات والأبحاث العلمية المطلوبة لإنجاح هذا العمل العظيم وتمكينه من تحقيق أهدافه الوطنية السامية والنبيلة المرسومة له.

هل إنشاء المدينة يعني حصول السعودية على مفاعل ذري سلمي؟
إن إنشاء المدينة لا يعني بالضرورة حصول السعودية على مفاعل ذري. إن المملكة بحكم تنامي وانتشار الكثافة السكانية في كافة مدنها، محتاجة إلى التخطيط لتصميم وبناء سلسلة من المفاعلات النووية العملاقة، وتوزيعها في كافة مناطق المملكة البحرية، وربط إنتاجها الكهربائي والمائي بشبكات التوزيع الوطنية والخليجية القائمة الآن. وللعلم فإن هناك دولا كثيرة مثل: فرنسا، اليابان وأمريكا تقوم بإنتاج أكثر من 50 في المائة من حاجتها من الكهرباء من خلال مفاعلات نووية (فرنسا تعتمد في إنتاج الكهرباء بنسبة 75 في المائة على الطاقة النووية).

السعودية هي أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، كيف يمكن الاستفادة من هذا المشروع في تقليل نفقات تكلفة تنقية المياه من البحر؟
إن استعمال التقنية النووية في تحلية المياه في المملكة، سيسهم حتما في تقليل تكلفة إنتاج المياه مقارنة بالأسلوب المعمول به الآن، القائم على استعمال النفط الخام، ومشتقاته في إنتاج الطاقة الكهربائية. إضافة إلى ذلك فإنه سيوفر للمملكة والأجيال المقبلة ملايين الأمتار المكعبة من النفط الخام، إضافة إلى الإسهام في تقليل التلوث البيئي وتلوث الهواء نتيجة لانبعاثات الغازات الناتجة عن حرق النفط ومشتقاته لتوليد الكهرباء في المحطات التقليدية القائمة.

هل يعني إنشاء مدينة للطاقة الذرية والمتجددة في السعودية بداية دخولها عصر الطاقة النووية، وهل سيؤدي ذلك إلى التنويع في الاقتصاد السعودي، والحفاظ على البترول والغاز باعتبارهما ثروة ناضبة؟
نعم إن إنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة يعني حتما دخول المملكة في عصر الطاقة النووية وتطبيقاتها المختلفة. كما أن الطاقة المتجددة تشتمل على صور أخرى للطاقة النووية مثل: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من بدائل الطاقة المتجددة والرخيصة وقليلة التلويث للبيئة والهواء. واستعمال هذه التقنيات سيوفر على المملكة كميات هائلة من النفط ومشتقاته، ليمكن بيعه أو استعماله لتوفير دخل أكبر من خلال التقنيات والاستعمالات الصناعية المختلفة للنفط. إن هذه التطبيقات ستؤدي إلى تنويع الاقتصاد السعودي والحفاظ على الثروات الناضبة في الوقت نفسه.
هل تتوقع أن تتوجه دول الخليج نحو الطاقة الذرية، وهل سينحصر في إنشاء مفاعلات صغيرة للبحث العلمي، من أجل إنشاء قاعدة علمية وطنية من الخبراء والمهندسين والتقنيين النوويين، الذين يمكن أن يطوروا هذا المجال بشكل أكبر في المستقبل؟
أنصح الدول الخليجية الراغبة في دخول هذا المجال «الطاقة النووية» بالجمع بين الشروع في التخطيط لبناء محطات نووية لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وكذلك بناء مفاعلات نووية صغيرة للأبحاث والتدريب، لتوفير قاعدة علمية محلية من الخبراء والمهندسين والفنيين في مجالات واستعمالات الطاقة النووية. إن بناء المفاعلات لإنتاج الطاقة النووية يحتاج إلى 6 - 10 سنوات لاختيار الموقع واختبار التصاميم والبناء والتزود بالوقود ثم التشغيل، كما يحتاج المفاعل النووي الواحد إلى ما لا يقل عن 400 شخص بين خبير ومهندس وفيزيائي وفني. وهذه الكفاءات تحتاج إلى اقسام متعددة للهندسة والفيزياء النووية في الجامعات والمعاهد السعودية، وهذه الأقسام والمعاهد تحتاج إلى بناء العشرات من المختبرات والمعامل والمفاعلات التعليمية ومفاعلات البحث العلمي، وذلك للتمكن من توفير البيئة العلمية والتطبيقية اللازمة لتخريج الكفاءات العلمية الوطنية المتمكنة من تشغيل وصيانة المفاعلات النووية اللازمة لتوفير الكهرباء والماء للوفاء باحتياجات المملكة التنموية المتزايدة.

الأكثر قراءة