أثر الصين في أسواق النفط العالمية .. أخبار وتعليقات

تناقلت وكالات الأنباء في الأيام الأخيرة أخبارا ثلاثة عن الصين تتعلق بأسواق النفط العالمية.

الخبر الأول: رفع أسعار النفط والكهرباء
قررت الحكومة الصينية أخيرا رفع أسعار المحروقات والكهرباء داخل الصين على أثر ارتفاع أسعار النفط في الفترات الأخيرة حتى تجنب المصافي المحلية خسائر هائلة عانتها في الماضي. وكانت الحكومة قد رفعت أسعار المحروقات والكهرباء ابتداء من تموز (يوليو) الماضي بعد أن حققت المصافي الصينية خسائر مالية هائلة بسبب الارتفاع الكبير في أسعار النفط في الأسواق العالمية، بينما حصل المواطن الصيني على المشتقات النفطية بأسعار مخفضة بسبب تحديد الحكومة هذه الأسعار. كما تبنت طريقة جديدة للتسعير تقضي برفع أسعار المحروقات إذا ارتفع متوسط أسعار النفط أكثر من 4 في المائة خلال 22 يوم عمل (تقريبا شهر كامل مع عطل نهاية الأسبوع). وبناء على هذه الطريقة قامت الحكومة برفع الأسعار خمس مرات وخفضتها ثلاث مرات.

التعليق
يرى البعض أن رفع أسعار المشتقات النفطية والكهرباء سيخفف من حدة نمو الطلب على النفط في الصين، وبالتالي سيمنع أسعار النفط من الاستمرار في الارتفاع. هذه الفكرة صحيحة طالما أن النمو الاقتصادي والدخول ثابتة، لكن إذا استمر الاقتصاد الصيني في النمو بمعدلات عالية واستمرت دخول الأفراد في الارتفاع فإن رفع أسعار المحروقات والكهرباء لن يخفض الطلب على النفط. ويرى الخبراء الصينيون أن رفع أسعار المحروقات والكهرباء لن يسهم في رفع مستويات التضخم لأن هذه الرفع سيحد من الطلب. لكن الواقع أنه إذا لم ينخفض الطلب على النفط بسبب الارتفاع المستمر في الدخول فإن رفع الحكومة لأسعار المحروقات والكهرباء سيؤدي إلى رفع مستويات التضخم. الحقيقة أنه رغم إعلان الحكومة الصينية أن هدفها هو توفير الطاقة وحماية البيئة، إلا أن رفع الأسعار لاعلاقة له بالطلب على النفط, لكن هدفه هو تفادي قيام الحكومة بتغطية خسائر المصافي التي تشتري النفط من الأسواق العالمية بالسعر العالمي وتبيعه مكررا في الداخل بأسعار تحددها الحكومة بأقل من سعر السوق. خلاصة الأمر أن رفع أسعار المحروقات والكهرباء لن يحد من نمو الطلب على النفط في ظل تزايد مستمر في الدخول، الأمر الذي يؤيد بقاء أسعار النفط مرتفعة.

الخبر الثاني: رفع قيمة العملة الصينية «يوان»
هناك إشارات قوية من الصين بأن الحكومة ستقوم برفع قيمة عملتها مقابل العملات الأخرى، خاصة الدولار واليورو، في الصيف المقبل. تشير أغلبية التحليلات إلى أن العملة الصينية مقيمة رسميا بأقل من قيمتها السوقية، وأن السبب الرئيس لرفع اليوان هو الضغوط الخارجية، خاصة الأمريكية.

التعليق
إذا حصل التضخم المذكور أعلاه فإن أحد الحلول لتخفيض التضخم هو رفع قيمة اليوان، لهذا فإن الرفع ليس بسبب الضغوط الخارجية وإنما لأنه يخدم مصلحة الحكومة الصينية. بغض النظر عن ذلك فإن رفع العملة الصينية سيخفض فاتورة النفط المستورد بالنسبة نفسها. فإذا تم رفع اليوان بمقدار 5 في المائة مقابل الدولار، فإن أسعار النفط داخل الصين مقيمة بالعملة الصينية تنخفض بمقدار 5 في المائة. هذا التخفيض سيضمن استمرار الزيادة في الطلب الصيني على النفط، خاصة أنه سيعوض نوعا ما عن الزيادة في أسعار المحروقات المذكورة في الخبر الأول. هذه النتيجة تؤكد الخلاصة السابقة وهي أن هدف رفع أسعار المحروقات لاعلاقة له بترشيد استهلاك النفط أو حماية البيئة. خلاصة الأمر أن رفع قيمة اليوان سيسهم في زيادة الطلب على النفط في الصين وإبقاء أسعار النفط في مستوياتها المرتفعة. (ملاحظة: رفع الصين قيمة عملتها سيسهم في زيادة مستويات التصخم في دول الخليج).

الخبر الثالث: الاستثمار في حقول الرمال النفطية في كندا
يقول الخبر إن شركة النفط الصينية سانوبك قامت بشراء 9 في المائة من شركة سينوكرود الكندية التي تنتج النفط من الرمال النفطية في ألبرتا بمقدار 4.6 مليار دولار. قبل ذلك قامت شركة النفط الصينية بتروتشاينا بشراء مشروعين في الرمال النفطية بمقدار 1.9 مليار دولار في العام الماضي. وكانت الصين قد قامت في السنوات الماضية بالاستثمار في كثير من الدول النفطية في شتى أنحاء العالم، الأمر الذي جعل المحافظين الأوروبيين والأمريكيين يحذرون من هذا النفوذ الصيني، في الوقت الذي يرى فيه البعض أن الصين تحاول تعزيز أمن طاقتها عن طريق امتلاك مصادر النفط.

التعليق
لا يمكن فصل العوامل السياسية والاستراتيجية عن القرارات الصينية للاستثمار خارج الصين, إلا أن هناك حقيقة مهمة يجب ذكرها, وهي أن بعض استثمارات شركات النفط الصينية موجودة في أماكن لن تذهب إليها الشركات الغربية لأسباب سياسية. هذا يعني أن استثمار الصين في هذه المناطق والاستفادة من نفطها يعزز أمن الطاقة العالمي لأنه يزيد في الإمدادات وينوع مصادرها. وفي الوقت الذي يرى البعض أن الصين بالغت في الأسعار التي دفعتها إلى شراء بعض الشركات أو دخول بعض الدول للاستثمار فيها، علينا أن نتذكر أن لدى الصين فوائض مالية ضخمة في وقت انهارت فيه البورصات العالمية وقيمة الدولار وأسعار الفائدة, لهذا فإن للاستثمار في القطاع النفطي منافع مالية. وعلينا أن نتذكر أن الاستثمارات لم تكن في النفط فقط وإنما كانت في كل المجالات، بما في ذلك المناجم والتعدين.
لكن ما سر قيام الصين بدفع مبالغ أكبر مما تدفع الشركات الغربية للحصول على عقود في دول مختلفة؟ وإذا كانت سيطرة الشركات الصينية على منابع النفط يهدد أمن الطاقة في البلاد الغربية, كما يقول البعض، لماذا تقوم الشركات الغربية، وبموافقة حكوماتها، بالاشتراك مع الشركات الصينية مثلما حصل في العراق ودول أخرى؟ السبب هو أن الشركات الصينية تستطيع أن تنتج النفط بتكاليف أقل من الشركات الغربية بسبب اعتمادها على مواد صينية من جهة، والعمالة الصينية الماهرة والرخيصة نسبيا من جهة أخرى. لهذا قامت الشركات الغربية بمشاركة الشركات الصينية في الحقول العراقية، وقد يصل الأمر إلى أن تقوم الشركات الغربية بدعوة الصينيين للمشاركة في كل المشاريع الضخمة في شتى أنحاء العالم بهدف تخفيض التكاليف.
خلاصة الأمر أن أسعار النفط سترتفع بسبب استمرار الطلب الصيني على النفط في الارتفاع، وفي الوقت نفسه ستسهم الشركات الصينية في تخفيض تكاليف الإنتاج في شتى أنحاء العالم. هذا التخفيض لن يؤدي إلى تخفيض أسعار النفط، لكن سيسهم في زيادة أرباح الشركات الصينية وشركائها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي