مؤتمر البيئة وسياسة لا نفط لمن يلوث
كان لي حوار مع مجموعة من السفراء الأجانب الذين كانت لهم وجهات نظر حول مؤتمر البيئة الدولي الذي شهدته مدينة كوبنهاجن في الدنمارك العام الماضي, الذي سبق أن أشرت إليه في مقال سابق ودعوت أن نحضره. وهو أحد أهم المؤتمرات التي تهتم بالإنسان والأرض. وكان النقاش حول مشاركة المملكة بحضور قادة الدول العظمى لإعلان خططهم ومبادراتهم للحد من الاحتباس الحراري. حيث اتضحت لهم سياسة المملكة بأنها مع موضوع الحد من التلوث, لكن ليس على حساب صادراتها النفطية. وهي سياسة دفاعية وحكيمة, لكني رأيت أننا يجب ألا نكون في موقف دفاعي دائما. مشكلة التلوث هي مشكلة الجميع وليس نحن فحسب, وأننا يجب أن نقحم العالم معنا في موضوع التلوث, وأن نجعلهم يتحملون المسؤولية معنا وأن نرمي الكرة في ملعبهم. وأرى أن تكون سياستنا هي ''لا نفط لمن يلوث البيئة''. ومن يريد النفط فعليه أن يتحمل المسؤولية معنا بالبحث عن العلاج والحلول. فهم في حاجة ماسة للنفط وهي ضرورة وأساس لاقتصادهم. وقد نكون أغنى منهم بالنفط لكنهم أغنى منا في مجال الأبحاث والمعلومات والعقول. وأنه يجب أن يكون لهم دور معنا, وأن نطالب تلك الدول الكبرى التي تستخدم نفطنا لبذل مجهودات أكبر لدعم الأبحاث حول كيفية الحد من التلوث الذي يسببه النفط. وأنه حري بنا أن نبين للعالم جديتنا بأن ندعو إلى كرسي خاص في إحدى الجامعات الدولية الكبرى لتلك الدول مثل جامعة هارفارد وإم آي تي وجامعة الملك عبد الله لأبحاث الحد من التلوث الذي يسببه النفط. وأن نلعب دور التاجر الذي يبيع سلعة لاغنى للناس عنها في الوقت الذي هو يوضح لهم أن لها مساوئها. فنحن يجب ألا نخاف كثيرا من موضوع استغناء العالم عن النفط فهو المصدر الوحيد للطاقة وسيبقى لمئات السنين مهما حاول العالم إيجاد وسائل وخيارات بديلة. لكن الذكاء هو أن نقحمهم معنا فيما يرونه مشكلة.
إنها السياسة الحكيمة نفسها التي تبنتها حكومتنا الرشيدة عندما دعت العالم الذي كان يتهمنا بالإرهاب إلى مؤتمر مكافحة الإرهاب في المملكة قبل أعوام. السياسة نفسها وهي أننا قد يكون لدينا إرهابيون لكننا نبحر في السفينة نفسها. ولنثبت للعالم أننا ضد الإرهاب دعوناهم لمؤتمر عالمي وباستعدادات جبارة, وكذلك سياستنا في حوار الديانات. فتكون سياستنا هي حوار الطاقة والتلوث, وبذلك نبيع النفط, لكن نحذرهم من أنه يلوث وأن عليهم بذل مجهودات للحد من ذلك. وهي شبيه لكن ليس بالمستوى نفسه ولا يقارن بما تقوم به شركات التبغ من بيع التبغ, لكن مع وضع إعلان أن التدخين مضر بالصحة ننصحك بالامتناع عنه, فالتدخين لا يقارن بإيجابيات النفط وضرورته, ولكن تلك الشركات قانونيا تخلي مسؤوليتها.
يتزامن هذا المقال مع توصيات المؤتمر الثاني عشر لمنتدى الطاقة الدولي في كانكون ـ المكسيك, الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في جدة في حزيران (يونيو) 2008. وهو الذي نتج عنه إعلان كانكون الذي وافقت عليه 66 دولة في اختتام أعمال المؤتمر. وكان الأهم تأسيس المجموعة الإشرافية العليا التي ترأسها المملكة العربية السعودية لتقديم توصيات إلى المؤتمر الثاني عشر لمنتدى الطاقة الدولي لتعزيز هيكل الحوار بين المستهلكين والمنتجين من خلال المنتدى، والحد من التقلبات في أسواق الطاقة. وتأسيس مجموعة إشرافية عليا جديدة تضم ممثلين للدول التي توافق على إعلان كانكون وترغب في المشاركة بصورة فاعلة في عملية الإشراف على صياغة ميثاق منتدى الطاقة الدولي. والاجتماع قبل آذار (مارس) 2011 في الرياض، لاعتماد ميثاق منتدى الطاقة الدولي، ومناقشة ما تم إحرازه من تقدم في العمل التحليلي, وستقوم المجموعة الإشرافية العليا بمتابعة التقدم المتحقق في تنفيذ مجالات التعاون بين وكالة الطاقة الدولية، ومنتدى الطاقة الدولي، ومنظمة أوبك.
وهذه المجموعة الإشرافية العليا يجب أن يكون لنا دورنا الفاعل في وضع سياساتنا وإقحام العالم معنا. كما يجب أن تقوم بالتنسيق مع مجلس الوزراء لوضع سياساتنا القادمة للطاقة والبيئة. فكلا المنتديين، منتدى الطاقة الدولي وكذلك منتدى البيئة هما فرصتانا للدخول في زخم من الاتصالات والمشاورات والإعداد والتخطيط المسبق بين رؤساء تلك الدول قبل أي مؤتمر قادم. المؤتمر الماضي سبقته اتصالات ومشاورات كثيرة, حيث أعلن أوباما ورئيس البنك الدولي بتعهد منهما للعمل على ذلك. ولطرح مبادرات لحماية الكون ولحث الجميع على المشاركة الفورية لحماية الأرض والبيئة. وهو امتداد للمؤتمر الذي عقد في إيطاليا في تموز (يوليو) الذي سبقه. وتوصياته للحد من كمية الانبثاق الحراري وتخفيض نسبة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يؤدي إلى خرق طبقة الأوزون ما يسبب الاحتباس الحراري. وتتصدر أمريكا والصين والاتحاد الأوروبي قائمة الدول التي اتخذت قرارات صارمة وخططا للوصول إلى معدل قريب من الصفر خلال العشر إلى العشرين سنة المقبلة. حيث إن التركيز سيصب على البعد البيئي للتنمية المستدامة وتأثيرها في البعد المناخي والبيئي والاجتماعي والاقتصادي.
إن التركيز على البدائل الجديدة للطاقة التي لا تؤثر في الاحتباس الحراري هي في تطوير الطاقة الطبيعية من الشمس والهواء والرياح والمياه والمواد العضوية الطبيعية مثل الكحول والسكر والحبوب الزراعية. وهو توجه مكلف ولا أرى أنه سيصل إلى نتائج تغنينا عن النفط. وهو توجه في طريقين متوازيين الأول لتطوير بدائل الطاقة بأنواعها المختلفة والآخر للتوفير والحد من إهدار الطاقة, خاصة في الآليات والمباني الخضراء. حيث توصل بعض الشركات الأمريكية إلى تبني فكرة الأسطح الخضراء التي توفر 25 في المائة من طاقة التكييف. وهي أسطح عبارة عن حديقة عادية في السطح ويتم عادة سقيها من مياه المطر وشبكة ري احتياطية في حالة قلة المطر. وبذلك فهي تعمل كعازل حراري جيد في الصيف وكذلك لحفظ الحرارة داخل المبنى في الشتاء.
يبدو لي أننا لا بد ألا نكون في موقف الخائف على ثروته, لكن في موقف القوي الذي تحتاج إليه الناس, لكن يطلب منهم مشاركته في الهموم. ونفكر من الآن في أن يشاركنا الجميع في إيجاد وسائل للحد من التلوث الذي يحدثه النفط. العالم لديه أكثر منا عقولا وخبراء ومراكز أبحاث. وأن نوضح للعالم أن الله حبانا بهذه الثروة التي أنتم في حاجة إليها أكثر منا,لا لذلك يجب أن تفكروا معنا وتشاطرونا المسؤولية. وتسخير بعض البحوث والجهود للدخول في هذا المضمار. وألا ننسي أنه حري بنا أن نهتم بتطوير البحث في البدائل الحديثة والصديقة للبيئة قبل أن نضطر إلى استيرادها. وأن يتم إدخال هذا المبدأ بمعاييره كإضافة جديدة لكود البناء السعودي الذي لم يتطرق إليها بصورة متكاملة بعد ليتأقلم مع أنظمة البناء والعزل والحد من الانبعاث الحراري والمقايسات العالمية التي ستفرض علينا.