قضية القمح.. تراكم التوصيات
من النادر أن تتفق عدة جهات على قضية واحدة، إلا قرار تخفيض زراعة القمح بنسبة 12.5 في المائة سنويا، الذي جاء ضمن إجراءات ترشيد المياه في القطاع الزراعي كان حاضرا في المنتديات, وفي قاعات النقاش الرسمية والأهلية.
هذا التفاعل يعده البعض دلالة على ديناميكية هذه الجهات, سواء الرسمية أو الأهلية مع الوضع المحلي حتى في أدق تفاصيله، لكنه من جهة أخرى, مؤشر على أن تطبيق القرارات خاصة التي تمس شرائح كثيرة, يحتاج لكثير من الدراسة والبحث، والأهم الشفافية وأخذ آراء العموم ومرئياتهم في قضايا تهمهم، لضمان تحقيق أكبر قدر من الفائدة والمصلحة العليا، كما أراد صاحب القرار، وتقليل التأثيرات السلبية إلى حدها الأدنى.
في الحلقة الرابعة من هذا الملف الشائك نستعرض أهم القرارات والتوصيات التي صدرت من مجلس الشورى حول القضية، وتلك التي صدرت عن منتدى الرياض الاقتصادي، وعن غرفة الرياض التي قدمت ثلاثة مقترحات رفعت بها إلى المجلس الاقتصادي الأعلى. ونذكر بأن الحلقة السابقة من هذا التحقيق تناولت آراء رؤساء اللجان الزراعية في القصيم وحائل والجوف وهي من أهم المناطق الزراعية في البلاد، وقبلها استعرضنا وضع المعدات الزراعية ورصدنا المبالغ الهائلة التي أنفقتها الدولة لبناء القطاع الزراعي، بعد أن كنا قد نشرنا في الحلقة الأولى تقديرات عن خبراء أكدوا ارتفاع حجم استهلاك المياه الجوفية بسبب القرار جراء التحول إلى زراعة الأعلاف.. إلى التفاصيل:
#2#
الشورى يتدخل
من أهم الجهات التي تناولت قضية تخفيض شراء القمح كان مجلس الشورى، وهو دون جدال من أهم المؤسسات الرسمية في الدولة التي يؤخذ رأيها في الحسبان في مختلف القرارات.
المجلس أصدر الشهر الماضي توصية صوت عليها بشكل علني تطالب بوضع الآليات اللازمة لتفعيل كامل بنود قرار مجلس الوزراء الخاص بقواعد إجراءات ترشيد استهلاك المياه وتنظيم استخدامها في المجالات الزراعية، والتي من أبرزها تعويض المزارعين المتضررين من تطبيق قرار إيقاف شراء القمح.
كما أوصى بأهمية الحد من زراعة الأعلاف في المملكة والتوجه نحو تفعيل استراتيجية مدخلات الأعلاف, وتشجيع صناعتها التي سبق إقرارها، مع إطلاق حملة توعوية للمعنيين, ومربي المواشي تحثهم من خلالها على استخدام الأعلاف المصنعة.
تفاعل لافت
توصية المجلس جاءت على هامش الاستماع إلى وجهة نظر لجنة المياه والمرافق والخدمات العامة بشأن ملحوظات الأعضاء وآرائهم تجاه التقرير السنوي لوزارة الزراعة للعام المالي 1427/1428هـ.
ومن المعلوم أن القرار (335) صدر في نهاية عام 1428 هـ وهذا يعني أنه لم يرد في تقرير الوزارة محل المناقشة في المجلس، لكنه من زاوية أخرى يدل على أن المجلس حاول استثمار النقاشات للتوصل إلى توصية تسهم في تفعيل القرار.
وعلى الرغم من أن توصية المجلس لم تتضمن توصيات إضافية أو تحدد أطرا زمنية أو تحمل جهات معينة مسؤولية تنفيذ القرار بشكل كامل، إلا أنها لقيت أصداء في القطاع الزراعي الذي عدها مؤشرا على أن المجلس يتابع التطورات ويراقبها بشكل مكثف.
#6#
البراهيم: متابعة دقيقة
حول هذه النقطة يقول لـ«الاقتصادية» الدكتور خليل بن إبراهيم البراهيم عضو مجلس الشورى إن التوصية جاءت بعد أن تبين أن هناك فقرات من القرار 335 الخاصة بترشيد استهلاك المياه في القطاع الزراعي، لم تفعل من بينها الفقرات التي تؤكد أهمية النظر في تعويض المتضررين من السياسات الجديدة.
وشدد الدكتور البراهيم على أن اللجنة رأت أن التوصية التي أصدرها المجلس الخاصة بتفعيل جميع فقرات القرار 335 كافية في المرحلة الحالية، خاصة أن القرار مكون من 21 فقرة مهمة وتنفيذها يعطي القرار.
ومن المعلوم أن مثل هذه التوصيات ترفع من قبل رئاسة مجلس الشورى وفق المتبع في مثل هذه الحالات إلى الجهات العليا.
وهنا قال الدكتور خليل البراهيم إن المجلس سيتابع تطورات التوصية أثناء مناقشة التقارير السنوية للجهات الحكومية ومنها وزارة الزراعة، و»النظر فيما تم حيال هذه التوصيات».
#5#
الكريديس: التوصية مهمة
في السياق ذاته, قال الدكتور منصور بن سعد الكريديس عضو مجلس الشورى لـ «الاقتصادية» إن توصية المجلس ركزت على أن تكون للمطالبة بتنفيذ القواعد التي تضمنها القرار، نظرا لأنه يحوي فقرات مهمة للغاية لا ينقصها أي إضافة, بل إن المهم هو تنفيذ الفقرات, لأنها مترابطة, خاصة فيما يخص التعويضات ومساعدة المزارعين على التحول وترشيد المياه.
وشدد الكريديس على أن توصية مجلس الشورى هي «دلالة على أن المجلس يتابع بدقة القرارات التي تصدرها الجهات الحكومية ويتابع تأثيراته وأنه قريب من المواطن».
ونبه عضو مجلس الشورى إلى أن القرار 335 تضمن إرشادات وإجراءات لترشيد المياه في القطاع الزراعي، وبالتالي فالفقرات الـ 21 هي إجراءات تنفيذية وليست سياسة زراعية جديدة, كما يعتقد البعض.
وقال الكريديس إن ما جعل القضية تأخذ هذه الأبعاد هو أن القطاع الزراعي استبق على ما يبدو تنفيذ القرارات لأسباب مختلفة, وهو ما قلص شراء الدولة من القمح بنحو 40 إلى 45 في المائة العام الماضي في حين أن القرار كان يستهدف 25 في المائة خلال ذات الفترة على اعتبار أن المستهدف هو تقليص الشراء بنسبة 12.5 في المائة سنويا.
فض الاشتباك
منتدى الرياض الاقتصادي ــ وهو من أهم المنتديات إن لم يكن أهمها على الإطلاق ــ فلم يكن بعيدا عن هموم المزارعين والقطاع الزراعي بشكل عام حيث خصص محورا بقضية الأمن المائي والغذائي في البلاد، ونقاش بصراحة من خلال عدة أوراق عمل فضلا عن الدراسة الرئيسية التي كانت عن الوضع المائي، هذه القضية بكل أبعادها في نقاشات أدارها وزير الزراعة وحضرها وزير المياه, حيث خلص المنتدى في توصية ترفع بدورها إلى المجلس الاقتصادي الأعلى بضرورة وضع خطة لتأهيل صغار المزارعين المتضررين من تغيير الأنشطة الزراعية.
#4#
بين الزراعة والمياه!!
هذه التوصية كانت موجهة بالدرجة الأولى إلى وزارة الزراعة كما ورد في التوصيات وألحقها بمطالب أخرى مثل مراجعة استراتيجيات الوزارة وأهدافها وفقا لاعتبارات الأمن المائي والغذائي، ولم يوفر المجلس وزارة المياه من التوصيات حيث طالبها بسرعة بناء قاعدة معلومات متكاملة وحديثة عن الموارد المائية، خاصة أن أكثر الانتقادات التي توجه للوزارة حاليا عدم الانتهاء من الدراسات المائية التي يمكن أن تبنى عليها القرارات.
بيد أن اللافت هو توصية وجهها المنتدى بالاسم إلى المجلس الاقتصادي الأعلى طالبه خلالها بتبني إنشاء كيان متخصص لتولي مهام قطاع المياه في البلاد.
مرد هذه التوصية ــ وفق مراقبين ــ إلى أن الجهات التي تقع تحت مسؤوليتها المياه عديدة سواء وزارة المياه، التحلية، وزارة الشؤون البلدية، وغيرها، في حين أن هناك عدة جهات أيضا تحتاج إلى المياه من بينها وزارة الزراعة، الصناعة، الشؤون البلدية وغيرها من الجهات.
ومثل هذه التوصية يراد بها ــ على ما يبدو ــ فض الاشتباك الحاصل حاليا في إدارة قطاع المياه في البلاد.
#3#
الغرفة .. أول من حضر
غرفة الرياض بدورها لم تتأخر عن النظر للقضية وفق رؤية استراتيجية حيث تكفلت بدراسة علمية أجراها عدد من الخبراء خلصت إلى توصيات مهمة رفعت إلى المجلس الاقتصادي الأعلى (نشرت «الاقتصادية» الدراسات في وقت سابق)، ويسجل لغرفة الرياض أنها أول من تحرك في هذا الإطار.
حيث قدمت الدراسة ثلاثة مقترحات لمعالجة الآثار السلبية لقرار وقف زراعة القمح الذي أقر العام الماضي، مع اتخاذ إجراءات أخرى للتخفيف من حدة الأضرار الأخرى المترتبة على القرار من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية.
وقدمت الغرفة ثلاثة مقترحات للتعويض هي: التعويض المباشر (200 ريال لكل طن قمح), ويقدر أن يكلف هذا المقترح الخزانة العامة 3.2 مليار ريال.
أما المقترح الثاني فيتعلق بشراء الدولة للأراضي المخصصة لزراعة القمح وتقدير سعر الأرض بواقع خمسة ريالات للمتر المربع (50 ألف ريال للهكتار)، وسيترتب على ذلك تحمل الدولة نحو 25 مليار ريال على مدى السنوات الثماني المقبلة.
في حين أن المقترح الثالث يدعو إلى شراء الدولة الأراضي الزراعية وتعويض المزارعين بقيمة خمسة ريالات للمتر المربع، على أن يدفع للمزارع 40 في المائة بشكل مباشر ويقدر ذلك بنحو عشرة مليارات ريال، و60 في المائة تحول إلى إنشاء شركة مساهمة قابضة للاستثمار في الخارج, يشارك فيها المزارعون.