نجاح الصيرفة الإسلامية في ظل الأزمة المالية العالمية
أوصى المؤتمر المؤتمر الخامس للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، الذي عُقد في دمشق أخيرا في ختام أعماله، بضرورة العمل والتنسيق بين الحكومات، ولا سيما وزارات المالية والمصارف المركزية، لإيجاد الأدوات الملائمة لإدارة السيولة لدى المصارف الإسلامية بشكل يضمن مساهمتها في تمويل المشاريع الاستثمارية في الموازنة العامة للدولة ومشاريع البنى التحتية والمشاريع الحيوية للاقتصاد الوطني عبر تفعيل صيغ التمويل الإسلامي، ودعا إلى إيجاد الأطر الملائمة لضمان الودائع والتمويلات في المصارف الإسلامية، وتضمين السياسات التنموية للحكومات آليات لضمان مخاطر التمويل الموجه نحو القطاعات الأكثر أهمية كالقطاع الزراعي والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، كما أوصى بإيجاد الآلية الملائمة لتوحيد المرجعية الشرعية للعمل المصرفي والإسراع في تطوير واستكمال المعايير الموحدة لتنظيم عمل المصارف الإسلامية، وإيجاد الأطر القانونية لتسهيل عمل المصارف الإسلامية وتمهيد الطريق لتحقيق مساهمتها الفاعلة في تمويل القطاعات الحيوية والتنموية، والسعي إلى إيجاد الأطر الملائمة لجعل التمويل الإسلامي منهجاً أساسياً وغالباً في تمويل الاقتصاد.
كما أشار المؤتمر إلى ضرورة اضطلاع المصارف الإسلامية بمسؤوليتها الاجتماعية وزيادة التعامل مع جميع شرائح المجتمع ومتابعة العمل على إصدار الضوابط الناظمة للعمليات المصرفية الإلكترونية، وتوحيد نصوص وثائق التأمين وشروط اتفاقيات إعادة التأمين الإسلامي، والعمل على تبني إنشاء شركة إعادة تأمين إسلامية ذات ملاءة مالية كبيرة وفق معايير تصنيف مقبولة في الدول العربية، والاستفادة من التقنية الحديثة وتأسيس قاعدة علمية وعملية لإدارة الاستثمارات.
كما أكدت التوصيات أهمية إعادة النظر في الإطار الضريبي المعمول به في سوريا وغيرها من الدول بما يتلاءم مع خصوصية العمل المصرفي، وعدم معاملة نشاط التمويل في المصارف الإسلامية كنشاط تجاري، وشددت على سن بعض الإعفاءات كمحفزات لتفعيل الصيغ التمويلية للتمويل الإسلامي القائمة على المشاركة في المخاطر، كالاستثمار المباشر والمشاركات والمضاربات، داعية إلى مزيد من العناية بالعمل المصرفي الإسلامي من ناحية الدراسات التخصصية والتطبيقات العملية، والسعي إلى مزيد من تنمية الخبرات العملية لوضع حلول لإدارة مخاطر الائتمان للحد من التعثر المالي للمديونيات والاستثمارات في المصارف الإسلامية.
وقد أكد المصرفيون من دول عربية وإسلامية، الذين شاركوا في أعماله، أن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية أثبتت قدرتها على مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية الأخيرة، وذلك في ظل التحديات التي تواجه هذا القطاع الناشئ.
جاء ذلك خلال فعاليات المؤتمر الخامس للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، الذي عُقد في دمشق تحت شعار “نجاح الصيرفة الإسلامية في ظل الأزمة المالية العالمية”، لمدة يومين من 15 إلى 16/3/2010، وشارك في المؤتمر الذي استمر لمدة يومين عدد من حكام المصارف المركزية ورؤساء مجالس إدارة، والمديرين التنفيذيين لمصارف ومؤسسات مالية إسلامية بلغوا 800 شخصية من 12 دولة عربية وأجنبية.
ففي كلمة راعي المؤتمر خلال الافتتاح، أكد حاكم مصرف سوريا المركزي الدكتور أديب ميالة، أن المؤتمر يأتي ضمن حلقة جديدة في سلسلة الصيرفة الإسلامية، لإلقاء الضوء على النجاحات التي حققتها والعقبات التي اعترضتها وتحديد الاتجاهات لما ستكون عليه في ظل الأزمة المالية، كما تحدث عن تجربة سوريا في هذا القطاع، حيث يعمل فيها بنكان تمت زيادة رأسمال كل واحد منهما من 100 مليون دولار إلى 330 مليون دولار، وزيادة حصة مساهمة الجهة المؤسسة من غير السوريين من 49 في المئة إلى 60 في المئة، كحافز للتوسع لتأسيس البنوك الإسلامية.
ويضيف ميالة أن ما يميز الصيرفة الإسلامية هو سعة أفقها وقدرتها على التواؤم مع متطلبات العصر في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية، إلا أن مسيرة التمويل الإسلامي لازمتها جملة من التحديات، من أبرزها إيجاد البيئة الملائمة لتكريس وتعزيز نموذج المشاركة في المخاطر والعوائد، حيث لم يتمكن العمل المصرفي الإسلامي من كسر قيود العمل المصرفي التقليدي، وكذلك إيجاد الأطر القانونية والضريبية الملائمة لتسهيل عمل المصارف الإسلامية، والإسراع في تطوير واستكمال المعايير الموحدة لتنظيم عملها، إضافة إلى توحيد المرجعية الشرعية لتجنب الانقسام والجدل الفقهي، وتدريب الكوادر البشرية، ووضع السياسات الكفيلة بتنويع أدوات وصيغ التمويل، وتطوير الهندسة والأسواق المالية الإسلامية، والتنسيق والرقابة عبر الحدود مع الجهات المعنية لضمان استقرار النظم المالية.
وقال محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي السيد محمد الجاسر إن الصيرفة الإسلامية تسهم في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال استثمارها المباشر في المجالات ذات العلاقة بالاقتصاد الحقيقي، وأثبتت نجاحها في جذب المدخرات وتلبية احتياجات المتعاملين، كما أنها نجحت في تطوير العمل المصرفي من خلال تطوير أدوات ومنتجات مبتكرة وتبني صيغ تمويلية مناسبة. وقال إن المصرفية الإسلامية شهدت أخيرا انتشارا واسعا امتد إلى عديد من المراكز المالية العالمية، وأن بعض المؤسسات الدولية أصبحت تنشر مؤشرات خاصة بالقطاع منذ عام 1999، كما أن حجم أصول المؤسسات المالية الإسلامية بلغ 822 مليار دولار نهاية 2009، مع التوقع بتجاوز أصولها إلى نحو تريليون دولار نهاية العام الجاري، كما أوضح الجاسر أن حجم إصدارات الصكوك تضاعف أربع مرات خلال السنوات الأربع الماضية ليتجاوز 100 مليار دولار في نهاية 2009، وأن المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية تشكل نحو 15 في المئة من أصول أكبر 30 مصرفا في منطقة الشرق الأوسط، كما أن عدد المؤسسات المالية الإسلامية بلغ 430 مؤسسة في أكثر من 75 دولة، ولدى 191 بنكا تقليديا نوافذ إسلامية. وقال الجاسر إن إجمالي أصول الصناديق الاستثمارية الإسلامية في نهاية الربع الثالث لعام 2009 يُقدر بنحو 27 مليار دولار أمريكي موزعة، على 478 صندوقا استثماريا إسلاميا في العالم كافة.
من جانبه قال السيد عدنان يوسف رئيس اتحاد المصارف العربية إن اعتماد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية على قاعدة المشاركة في الربح والخسارة والتدويل الفعلي للأموال والموجودات، يعطيها ثقة أكبر في النظام المالي العالمي، وتسهم في زيادة الإقبال على الخدمات والمنتجات المالية الإسلامية، وأكد على اعتبار الأزمة المالية الأخيرة فرصة تاريخية للقطاع المالي الإسلامي لإثبات جدارته ونجاحه في مواجهة الأزمات.