بسبب تحكيم قانونهم الوطني.. تحـد قضــائي يواجهه التمويل الإسلامي في الغرب

بسبب تحكيم قانونهم الوطني.. تحـد قضــائي يواجهه التمويل الإسلامي في الغرب
بسبب تحكيم قانونهم الوطني.. تحـد قضــائي يواجهه التمويل الإسلامي في الغرب
بسبب تحكيم قانونهم الوطني.. تحـد قضــائي يواجهه التمويل الإسلامي في الغرب
بسبب تحكيم قانونهم الوطني.. تحـد قضــائي يواجهه التمويل الإسلامي في الغرب
بسبب تحكيم قانونهم الوطني.. تحـد قضــائي يواجهه التمويل الإسلامي في الغرب

مع تزايد الإقبال على فتح نوافذ مصرفية إسلامية، أصبحت هناك حاجة ملحة لتقديم الدعم والعون للمصارف الإسلامية في الجانب الحقوقي والقانوني، خاصة أن معظم البنوك الإسلامية نشأت في ظل اقتصاديات كانت موجهة في الأساس للبنوك التقليدية، الأمر الذي أسهم في نشوء بعض النزاعات والخلافات القانونية لبعض المؤسسات المالية الإسلامية، والسبب هو عدم فهم طبيعة عمل البنوك الإسلامية التي تستند في تعاملاتها إلى الشريعة الإسلامية، والخلافات الطبيعية التي تطرأ حول تفسير بند من بنود العقد. حيث أسهم تأخر بعض القضايا في المحاكم في تأخير مصالح بعض البنوك الإسلامية، ما دعا إلى إنشاء  جهة/منظمة تحكيمية محايدة ومتخصصة في التحكيم تتولى فض النزاعات المتعلقة بالمؤسسات المالية الإسلامية.
الدكتور عبد الستار الخويلدي الذي باشر عمله أمينا عاما للمركز الإسلامي للمصالحة والتحكيم في مطلع يناير 2007، والذي تزامن مع افتتاح المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم في دبي .. «المصرفية الإسلامية» تحاوره وتفتح معه بعض الملفات المتعلقة بالصيرفة الإسلامية، فإلى تفاصيل الحوار الذي أجراه مدير التحرير :

ماذا عن المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم، وكيف جاءت فكرة إنشائه؟
- تم تأسيس المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم (المركز) بتضافر جهود كل من البنك الإسلامي للتنمية صاحب الفكرة، والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بصفته المظلـة القانونية للمؤسسات المالية الإسلامية، ودولـة الإمارات العربية المتحدة بصفتها الدولة المستضيفـة لمقر المركز. وكان تأسيس المركز تلبية لحاجة ملحة، إذ لا يخفى على الجميع أن مفهوم الصناعة المالية الإسلامية عموماً والصيرفة الإسلامية خصوصاً كان إلى عهد قريب مجرد فكرة وطموح، وكانت تلك الصناعة مجرد جهود فردية متفرقة تبذل هنا وهناك. وسعيا لتحقيق هذا المفهوم على أرض الواقع، برزت جهود مؤسساتية موفقة ترجمت هذا المفهوم إلى واقع لا يمكن تجاهله، وأصبح للصيرفة الإسلامية كيان مستقل له سمات وخصائص تختلف في مضمونها عن الصيرفة التقليدية وإن اشتركت معها في خدمة الاقتصاد وتلبية حاجة الناس للتمويل. واليوم نشهد تعاظم دور هذه المؤسسات كمّا وكيفا لتصبح صناعة مالية إسلامية تشكل المصارف الإسلامية أهم مكوناتها. ولكن بالرغم من كثرة عددها وقوة وزنها المالي لم يترجم تعاظم دور المؤسسات المالية الإسلامية من ناحية الكيف إلى صيغ وآليات تعكس خصوصية المنهج المتبع في التعامل الذي يختلف عن النظام المالي التقليدي. ونتيجة لهذا الاختلاف بين الفكر المالي الإسلامي والفكر المالي التقليدي ظهرت الحاجة لأن يكون للصناعة المالية الإسلامية مؤسسات بنية تحتية تؤطر الصناعة وتأخذ بالخصوصيات. ويندرج تأسيس المركز (وهو أحدث مؤسسات البنية التحتية) في هذا الإطار، إذ أسس المركز لسد الفراغ في مجال فض النزاعات في فقه المعاملات المالية بناء على أحكام الشريعة الإسلامية وبالسرعة والمهنية المطلوبتين. وبناء عليه يجنب تأسيس المركز المؤسسات المالية الإسلامية الاحتكام إلى المحاكم الغربية التي استبعدت أحكام الشريعة الإسلامية لأسباب متعددة سوف نعود إليها.
أما من الناحية العملية فقد تم تتويج كل جهود المخلصين في تأسيس المركز بانعقاد الجمعية العمومية التأسيسية في إمارة دبي يوم 2005/4/9م، ومع نهاية استكمال الإجراءات القانونية في نهاية 2006م، بدأ المركز نشاطه الفعلي في بداية يناير 2007م.
#2#
هناك انتشار كبير للاستثمارات المالية الإسلامية في الدول الأوروبية والغربية، لكن ما تخشاه هذه الاستثمارات هو البعد القضائي والتحكيمي حال وجود منازعات. كيف تعمل هذه الاستثمارات (الإسلامية) بينما تطبق عليها القوانين الوضعية؟
- وجود الاستثمارات المالية الإسلامية في أوروبا بحجم كبير أدى إلى التفكير بجدية في القانون الذي يجب أن يطبق على تلك الاستثمارات عند نشوب خلاف، خاصة أن أصحابها عادة ما يكونون متمسكين بتحكيم الشريعة الإسلامية في معاملاتهم. وقد ذهبت بعض اللجان الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية إلى إيجاد صيغ توفيقية منها صيغة تطبيق القانون الوضعي «بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية»، وذلك انطلاقا من أن القوانين الوضعية (وخاصة في البلدان العربية والإسلامية) لم تبنَ أساسا على مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، فهناك في القوانين الوضعية كثير من المبادئ والإجراءات التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية بل تكون أحيانا مستمدة منها.
ولكن أثبت الواقع أن مثل هذه الصيغ التوفيقية كانت سببا مباشرا في تضرر بعض المؤسسات المالية الإسلامية عند تفعيل الصيغة، إذ إنه بعرض الأمر على القضاء للبت في النزاع، تبين سوء التفسير لتلك الصيغ حيث كانت النتيجة التقليل من شأن أحكام الشريعة الإسلامية إن لم يكن الاستبعاد الكلي لها، وهو أمر لم تتوقعه المؤسسات المالية الإسلامية التي نصت على مثل تلك الصيغة التي رأت فيها (وهذا اجتهاد منها) مخرجا يقوم على عدم استبعاد القانون الوضعي السائد من حيث القوة الفعلية وفي الوقت نفسه عدم إغفال أحكام الشريعة الإسلامية التي بنت عليها كيانها.
ومع بدء نشاط المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم الذي أسسته أهم المؤسسات الراعية للصناعة المالية الإسلامية نفسها ليكون مرجعا في مجال فض النزاعات بالصلح أو بالتحكيم، فقد طرأ على موضوع القانون الواجب التطبيق عنصر جديد قد يعطي الموضوع أبعادا أخرى يتعين دراستها دراسة مستفيضة. فبعد تأسيس المركز أصبحت الرخص التي أصدرتها اللجان الشرعية والمجامع الفقهية للتحاكم مؤقتا لدى المحاكم الغربية محل نظر، بل زالت أسباب الرخصة.

هناك جهل قضائي غربي بالأمور الشرعية الإسلامية وقواعدها، ما جعل بعض المحاكم تفضل القواعد القانونية الغربية في الفصل في المنازعات والتحكيم. ألا يسيء ذلك للمصرفية الإسلامية، وكيف يمكن تجاوز ذلك؟
- إن صيغ التمويل والاستثمار المعتمدة اليوم في الساحة المالية الإسلامية ــ وإن كانت مستمدة من الفقه الإسلامي على اختلاف مذاهبه ــ إلا أن تقديمها في ثوب جديد غيّر شكلها المعهود في كتب ومدونات الفقه الإسلامي، حيث أصبحت أساسا عقودا مركّبة بعد أن كانت بسيطة. فهذه الأدوات انكبت عليها المجامع الفقهية واللجان الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية وبلورتها بصورة تتماشى في مجملها مع القوانين ولكن لا تتعارض في كل الحالات مع أحكام الشريعة الإسلامية. فالمعاملات المالية الإسلامية كما تمارس اليوم مقارنة بما ورد في الفقه القديم تتميز باختلاط الأموال، وتعدد أطراف المعاملة الواحدة ودخول الوكالة فيها وغيرها.
وبناء على ذلك أصبحت معرفة عقود الصناعة المالية الإسلامية معرفة جيدة ودقيقة مسألة اختصاص. فحتى في عالمنا العربي والإسلامي هناك كثير من النصوص القانونية تحيل لأحكام الشريعة الإسلامية صراحة أو دلالة يمكن أن تفسر لصالح تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية استنادا إلى إرادة واضع القانون الذي يريد أن يخضع التصرفات القانونية إلى الشريعة كمبدأ عام إلا ما استثناه بنص قانوني صريح، إضافة إلى نصوص قانونية عامة، ولكن ضعف مكانة فقه المعاملات المالية المعاصرة لدى كثير من القضاة جعل من الصعب التفاعل مع حقل واسع وجديد وهو فقه المعاملات المالية المعاصرة، بل يقع القاضي أحيانا في حرج كبير عند التداخل بين الشرعي والقانوني. وبدلا من ملء الفراغ التشريعي بالرجوع لأحكام الفقه الإسلامي، بات الاستئناس بالقانون والاجتهاد القضائي الوضعي الأجنبي (المتميز بالجرأة، والثراء، والحجة) هو الملاذ الآمن لإصدار الأحكام، ولا يزال الاجتهاد القضائي الشرعي في فقه المعاملات بابا يخشى القضاة طرقه.
أما القضاء الغربي، ونعني أساسا القاضي البريطاني الذي تعرض عليه جل القضايا في المعاملات المالية الإسلامية وإن كان يتسم بالحياد والسعي لاستيعاب خصوصية المعاملات المالية الإسلامية في السنوات الأخيرة، إلا أن هذا السعي يبقى محدودا بسبب تشبث القاضي البريطاني بتطبيق قانونه الوطني واستبعاد أحكام الشريعة الإسلامية، وهذا أمر جلي لمسناه من خلال تحليل الأحكام الصادرة عن المحاكم البريطانية. ويأخذ هذا الإستبعاد عدة طرق منها:
- الاستبعاد بحجة عدم تقنين أحكام الشريعة الإسلامية.
- والاستبعاد عن طريق إعادة تكييف المعاملة لتنصهر في قوالب القانون الوضعي.
بالنسبة لعدم تقنين أحكام الشريعة الإسلامية ذكرت المحاكم. أن معظم القانون الإسلامي للمعاملات التجارية والمالية لم يقنن في قانون أو أحكام محددة المعالم وإنما أسس القانون الإسلامي على الآراء المتباينة للمدارس الفقهية المختلفة. ويمكن أن نسلم إلى حد ما بأن عدم تقنين أحكام الفقه الإسلامي وخاصة في مجال فقه المعاملات (ونظرا لثراء الفقه الإسلامي حيث نجد أكثر من رأي في المسألة الواحدة) لا يساعد على سهولة البحث عن الحلول والاهتداء لها كما لو كانت تلك الأحكام مقننة مع الترجيح لحل يحظى بالإجماع ويعتمده الجميع، لكن الغرابة تكمن في أن الحجة تأتي من مدرسة قانونية لا يعتمد نظامها القانوني على التقنين، بل يعتمد على السوابق والأعراف، ونعني بذلك المدرسة القانونية البريطانية. كما أن الحرص والإصرار على الوصول إلى الحلول يدفع الباحث إلى الاهتداء إلى بعض المراجع العامة في فقه المعاملات وهي متاحة. ونعني بذلك القرارات الصادرة عن المجامع الفقهية. وقد شملت مبادئ أساسية في فقه المعاملات، وهي عادة مترجمة وفي متناول الجهات القضائية والتحكيمية.
أما بالنسبة للاستبعاد عن طريق إعادة التكييف نتيجة التأثر اللاإرادي بالمحيط القانوني: لاحظنا من خلال تتبعنا ودراستنا للأحكام الصادرة عن بعض المحاكم الغربية أن هناك حرصا من قبل هيئة المحكمة (أو البعض من أعضائها) على عدم التناقض مع المنظومة القانونية العامة السائدة التي تعمل في دائرتها المحكمة. ومن أمثلة ذلك إذا كان القانون يأخذ بمبدأ الفائدة أخذا وعطاء، وكذلك غرامات التأخير عند التأخر في سداد الدين فلا يتوقع أن يلتزم القاضي بشرط تطبيق أحكام الشريعة المنصوص عليها في العقد مستبعدا إرثا قانونيا بلغ عنده مرتبة العقيدة. وهذا ما يفسر الاجتهاد أحيانا في استبعاد تلك المحاكم أحكام الشريعة بالاستناد إلى إعادة التكييف (وهو عمل قانوني مطلوب ولكنه استغل لتعزيز موقف معين) حتى تنصهر المعاملة ضمن منظومة القانون الوضعي، أو الاحتجاج بالعرف، أو بحق التعويض، أو بوجود الشرط التغريمي (الجزائي). والسبب في ذلك تأثير وظيفة النقود في الفكر الغربي وعدم توافر شرط الحيـاد الثقافي في التعامل مع أحكام الشريعة الإسلامية.
ولا شك أن مثل هذه الأحكام تسيء إلى سمعة المؤسسات المالية الإسلامية ومن ورائها الصناعة بكاملها.
وخلاصة القول في هذا الموضوع أن الأحكام الصادرة عن المحاكم الغربية تفتقر إلى فهم المنتج المالي الإسلامي بأبعاده وفقهه وشروطه. وما لجوء القاضي الغربي لتعيين خبير للتعريف بالمرابحة أو لمعرفة شروط وآثار الوكالة بالاستثمار إلا دليل على هذا الافتقار. إن لجوء القاضي للخبرة ليس أمرا مستهجنا، ولكن يجب أن ينتدب الخبير لتغطية مسائل فنية. وقد صاحب ذلك ضياع المال والوقت في ظل المبالغ المالية الطائلة التي تتقاضاها تلك الجهات من أتعاب محاماة، ومصاريف تنقل، وإقامة، وترجمة وثائق. كما أن اللجوء إلى المحاكم الأجنبية لم يعد له مبرر بحكم تغير ميزان القوى لصالح المؤسسات المالية الإسلامية، فعليها أن تعي هذا الدور.
#3#
تعقد المؤسسات المالية الإسلامية فيما بينها بعض العقود كأن يكون عقد شراكة أو تمويل مصرفي مجمع، أو إدارة استثمار بالخارج، وبعد التوقيع على تلك العقود يتبين أن المؤسسات المعنية أغفلت النص على شرط تحكيم جهة إسلامية، ولم تضم هذه العقود ملحقات وشروحا للمفاهيم الإسلامية حتى لا يقع التباس قانوني، فكيف ترون ذلك؟
- لا يخفى ما لمعرفة القانون الواجب التطبيق والجهة المختصة بتطبيقه من أهمية، خاصة في المعاملات الدولية التي تحتمل تطبيق أكثر من قانون، واختصاص أكثر من جهة. فإذا حصل خلاف في المعاملات الدولية سواء عرض على القضاء أو التحكيم فلا بد من معرفة القانون الواجب التطبيق. وتعد هذه المعرفة مسألة أولية تسبق كل حل للنزاعات، بل إن التسوية الودية نفسها لا تخلو من السعي لمعرفة القانون الواجب التطبيق، وذلك لتقدير حجم ونوعية التنازلات التي يعتزم كل طرف تقديمها استنادا إلى مرجعية قانونية معينة.
ولا يتصور أن تغفل المؤسسات المالية الإسلامية النص على شرط التحكيم، لأن غياب مثل هذا الشرط سوف يجعل القضاء (الذي له ولاية عامة) هو المختص لأن التحكيم لا يفعّل دون اتفاق الطرفين سواء قبل النزاع أو بعده. وبما أنه لم يتم النص على فض النزاع بالتحكيم في صلب العقد (أي قبل نشوب النزاع)، فإنه من العسير جدا قبول الطرفين فض نزاعهما بالتحكيم وقد دخلا في مرحلة نزاع القبول بالتحكيم في هذه المرحلة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن صياغة العقود عمل قانوني وشرعي دقيق يجب عدم التقصير فيه.

بعد أن تراجع مجمع الفقه الإسلامي وبعض المشايخ والعلماء عن إجازة التورق .. ما الأبعاد القانونية التي تتعرض لها البنوك والمصارف التي تعاملت بصيغة التورق اعتمادا على فتاوى سابقة تم التراجع عنها أخيرا؟ وما موقف العملاء أيضا؟
- لا بد من الإشارة إلى أن موضوع التورق شكل منذ بداية طرحه كمنتج مالي نقاشا كبيرا حتى قبل الحديث عن التورق المصرفي المنظم وأجيز بضوابطه وشروطه. كما يتعين التوضيح أن مجمع الفقه الإسلامي الدولي لم يتراجع عن الفتوى بل عرض عليه الموضوع لأول مرة في دورة الشارقة سنة 2009.
والسؤال فيه تفصيل: إذا كان التراجع صادرا عن هيئة الفتوى عن فتوى سابقة لأنه ظهر لها أن الفتوى الأولى لم تتضمن كل الشروط الشرعية، أو أن الممارسة أخلت بجوهر المعاملة، فعلى المؤسسة أن توقف العمل بالفتوى القديمة، أي لا تدخل المؤسسة المالية التي تشرف عليها تلك الهيئة في معاملات جديدة بناء على الفتوى القديمة. أما الالتزامات والعقود التي تمت وفق الفتوى القديمة وما زالت سارية فلا تستطيع المؤسسة أن تفسخها بإرادة منفردة دون موافقة العميل. أما إذا كان التراجع في الفتوى من جهة خارجة عن هيئة الرقابة الشرعية للمؤسسة المالية المعنية بالتورق ــ كما حصل في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي ــ فإن لهيئة الرقابة الشرعية حرية الاختيار بين أن تأخذ بقرار المجمع نظرا لثقله الفقهي في الساحة المالية الإسلامية وتسعى لمراجعة فتواها مع احترام الالتزامات التي عقدت وفق الفتوى القديمة، أو أن تواصل العمل بفتواها، بحسب هذا الاختلاف يندرج ضمن الاجتهادات بين جهات الفتوى مع التشديد على احترام الضوابط الإجرائية في تنفيذ التورق.

ما المعايير التي يعتمد عليها المركز عند إدارة عملية التحكيم؟ وهل من شروط يجب توافرها في المحكمين؟
- إن المعايير التي يعتمد عليها المركز في التحكيم هي ذاتها المعايير المتبعة في القوانين الدولية، ومنها احترام حق الدفاع، ووسائل الإثبات، وتمثيل الموكلين وغيرها من المعايير الإجرائية التي تتوافق وأحكام الشريعة الإسلامية. لكن يختلف التحكيم لدى المركز عن التحكيم لدى المؤسسات التحكيمية الأخرى في أن القرارات الصادرة من خلال المركز لا تتعارض وفي كل الأحوال مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، ذلك أن المنتجات المالية الإسلامية التي يختص المركز بفضها أساسها الشريعة وفقه المعاملات. كما أن النظام الأساسي للمركز يفرض عليه الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية في جميع قراراته وأحكامه، ولو اختار أطراف النزاع قانونا محددا يحكم العقد.
أما بخصوص المحكمين فإن الأصل أن يكون اختيارهم من قبل أطراف النزاع إن توافقوا على ذلك. ولمساعدة أطراف النزاع على الاختيار يضع المركز على ذمة المتخاصمين قائمة من المحكمين ذوي الخبرة والمعرفة والسمعة الحسنة والدراية الكافية بفقه المعاملات، ويتم اختيار المحكمين من هذه القائمة بناء على طلب الخصوم، وتجدر الإشارة إلى أن المعيار الشرعي رقم 31 الخاص بالتحكيم أجاز تحكيم غير المسلم متى توافرت الشروط الواردة أعلاه. ووفق نص الفقرة الثانية من المادة العاشرة من النظام الأساسي للمركز «يشترط في المحكم أن يكون من رجال القانون أو القضاء أو من ذوي الخبرة العالية والاطلاع الواسع في التجارة والصناعة والمال والملمين بأحكام الشريعة الإسلامية، وأن يكون متمتعاً بالأخلاق العالية والسمعة الحسنة والاستقلال في الرأي».
#4#
لا شك أن اللجوء للمحاكم والقضاء يكلف المؤسسات والأشخاص مبالغ كثيرة، فكيف هو الحال مع اللجوء لمركز التحكيم؟
- أسس المركز كمؤسسة من مؤسسات البنية التحتية لخدمة الصناعة المالية الإسلامية. وعليه يكون المركز ذا طبيعة غير ربحية، فهو يقدم خدمات قانونية مجانية عدة يهدف من ورائها لخدمة الصناعة المالية الإسلامية ويكتفي المركز بتقاضي رسوم زهيدة لتغطية المصاريف التشغيلية بما يعزز الاستقلالية والحياد الذي يتصف به المركز. وكما هو معلوم لدى الجميع أن المجال القضائي يتصف بتعدد درجات التقاضي والتقيد بالشكل وبالتالي إطالة أمد الخصومة. وفي هذه الإطالة مضيعة للوقت والمال وبخاصة المؤسسات المالية الإسلامية لأنها لا تتقاضى غرامات تأخير. وهذا الأمر غير مطروح أمام التحكيم لدى المركز الذي من خلاله يمكن تحديد زمن لفض النزاع بحد أقصى 6 أشهر في الغالب، مع إمكانية التمديد بستة أشهر أخرى باتفاق الطرفين. أما من ناحية التكلفة ونظرا لأن المركز مؤسسة دولية غير ربحية فإن تكاليف نفقات التحكيم التي تدفع له وفق نسب مقبولة، وفي كل الأحوال، فإن جميع مصاريف التحكيم ببنودها مجتمعة لا تتجاوز نسبة 2 في المئة من قيمة النزاع، أي بواقع قدره1 في المئة لكل طرف من الأطراف المتنازعة، وكما هو معلوم فإن هذا المبلغ لا يقارن بمصاريف التحكيم لدى مؤسسات التحكيم الأخرى وبخاصة تلك التي تنشط في الغرب، فضلاً عن عدم التخصص في موضوع النزاع.

هل تتوقعون أن يتوسع المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم ليصبح نواة لمعهد قانوني وتدريبي للتحكيم والتقاضي المالي الإسلامي؟
- للتوسع عدة درجات وصيغ. إن الصبغة الدولية للمركز تجعل من الضروري التفكير في التوسع وفتح فروع له تماشياً مع التوسع الذي تحققه الصناعة المالية الإسلامية. وفي حقيقة الأمر فإن وجود المركز في إمارة دبي يجعله أكثر تواصلا مع كثير من المؤسسات المالية الإسلامية. وكما تعلمون فإن فتح الفروع تمليه الحاجة لوجود هذه الفروع، منها وتيرة اللجوء لخدمات المركز وكثرة المنازعات المطروحة لدى المركز في بلد معين. وقد شرع المركز في رصد مواطن الثقل الاقتصادي في العالم الإسلامي للنظر في مدى جدوى مثل هذه الفروع. أما عن التدريب والتأهيل فقد شرع المركز بالتنسيق مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية في إعداد مجموعة من الدورات التدريبية تتوج بشهادة تعرف باسم «شهادة المحكم في الصناعة المالية الإسلامية». وتهدف الدورات إلى تقديم تأهيل متكامل بغرض إعداد محكمين في الجوانب الشرعية والقانونية والإجرائية بحيث يمكّن التأهيل أصحاب الشهادات من معالجة المسائل القانونية والشرعية بيسر ووضوح. ومثل هذا التأهيل مطلوب لفض النزاعات التي تكون المؤسسة الإسلامية طرفا فيها. وسوف يحافظ المركز على هدفه الأساسي ألا وهو فض النزاعات بصيغتي الصلح والتحكيم.
#5#
ما نصيحتكم للمؤسسات المالية الإسلامية في المجال القانوني وهو مجال اختصاص المركز؟
- على المؤسسات المالية الإسلامية أن تولي عناية خاصة لصياغة شروط عقودها لحمايتها من سوء التفسير ولتفادي النزاع، وذلك مهما كان القانون الواجب التطبيق وجهة فض النزاع.
إذا اضطرت المؤسسة المالية الإسلامية إلى تطبيق القانون الوضعي (بناء على رأي معلل من هيئة الرقابة الشرعية للمؤسسة) فعليها إلى جانب تقييد القاضي بعدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، اعتماد التفصيل الوافي في صياغة الشروط، ولا سيما تلك التي تختلف فيها أحكام الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي اختلافا بينا ويخشى تفسيرها ضد المبادئ والأسس التي قامت عليها تلك المؤسسات. ومن أمثلة ذلك غرامات التأخير، ومفهوم الشرط التغريمي، والسداد المبكر في عقود البيع، وتعريف هامش الجدية، وحقوق الكفيل، ونطاق مسؤولية الوكيل إلخ...
نظرا لوجود مركز تحكيم إسلامي دولي متخصص في فض النزاعات في مجال الصناعة المالية الإسلامية وذلك بصيغتي الصلح والتحكيم، على المؤسسات المالية الإسلامية أن تفعّل دور المركز بعرض نزاعاتها عليه، ولا سيما المنازعات الدولية، وذلك بفضل حرص نظم ولوائح المركز على إصدار قرارات تحكيمية لا تخالف أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية مهما كان مضمون القانون الذي تخضع له المعاملة موضوع النزاع.
في غياب تقنين وافٍ لفقه المعاملات المالية من شأنه تسهيل عمل القضاة والمحكمين، ويقدم بوضوح النظام المالي الإسلامي، على المؤسسات المالية الإسلامية أن تقدم المعايير الشرعية، وفتاوى المجامع الفقهية على أنها مبادئ وأحكـام تحكم المعاملات المالية الإسلامية تؤدي وظيفة تقنين جزئي لفقه المعاملات، ترجع لها الجهات القضائية والتحكيمية ولو على سبيل الاسترشاد.

الأكثر قراءة