قوى السوق جعلت التعددية الفقهية نقمة وأذية
دعا محمد أنس بن مصطفى الزرقا إلى أهمية الاستفادة من الغرب في العلوم التطبيقية وبما يفيد المالية الإسلامية، كما دعا إلى أهمية إيجاد متخصصين في الجوانب الشرعية والاقتصادية للوقوف على التخصصات الفنية الجديدة.
وقال الزرقا إن حلول مشكلات الفقر والبطالة ممكنة في ضوء النظرية الاقتصادية الإسلامية، موضحا أن هناك بدائل شرعية لمنح المعوزين والفقراء قروضا إنتاجية تعولهم دون الحاجة إلى ضمانات، كما هي عليه في المؤسسات المالية التقليدية. وحول اختلاف الفتاوى من بلد إسلامي إلى آخر قال الزرقا إن التنوع مهم، وأهمية التنوع والاختلاف في البيئات والمشارب أنه يسهم ويساعد على إنضاج التفكير، وقال الزرقا إن الترخيص المفرط ساهم في تعزيز المنافسة بين المفرطين وغير المفرطين ما أدى إلى انحدار السوق نحو أدنى المستويات الفقهية.. فإلى تفاصيل الحوار الذي أجراه مدير التحرير:
ماذا عن حياتكم الشخصية كيف بدأتم وإلى أين انتهيتم بالدراسة والتعليم الجامعي وأين؟
- كانت دراستي في البداية في جامعة دمشق قسم الحقوق لكني رغبت آنذاك في دراسة الاقتصاد، والسبب في هذه الرغبة هو الإجابة عن تساؤلات كانت تدور في أذهاننا في فترة الخمسينيات حول الربا والنظام الاقتصادي الصحيح وما إليه، وكنا نسمع أن علم الاقتصاد يؤكد على ضرورة الفائدة الربوية بينما الشريعة تحرمها، فما الموقف الصحيح؟
تخرجت الأول على دفعتي وحصلت على بعثة من جامعة دمشق لدراسة الاقتصاد في أمريكا. وبعد إكمالي الدراسة عدت إلى سوريا وخدمت في وزارة التخطيط المدة المطلوبة وهي سبع سنوات. ثم درّست في جامعة الرياض (الملك سعود الآن) سنة ونصفا، وشاركت في المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي، ثم انتقلت إلى جامعة الملك عبد العزيز حيث تقرر إنشاء المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي، وعملت في المركز منذ إنشائه وفي قسم الاقتصاد منذ عام 1398 هـ (1978 م) إلى 1420 هـ (2000م)، ثم انتقلت إلى الكويت فعملت نحو عشر سنين في شركة المستثمر الدولي، وهي شركة استثمارية إسلامية، ثم انتقلت إلى "شورى"، وهي شركة استشارية لا ربحية في التمويل الإسلامي. وكان من طبيعة اهتماماتي العلمية بناء الجسور بين الفقه وعلم الاقتصاد ــ ومنه التمويل. وكانت كل بحوثي ودراساتي تدور في مجال التواصل بين الشريعة وعلم الاقتصاد الحديث، وإن شئت فقل السعي لتحقيق إسلامية علم الاقتصاد، والإسهام في إنشاء علم الاقتصاد الإسلامي.
هل من ذكريات علمية في بنسيلفانيا؟
- تحضرني أمور كان فيها عبرة .. الأول منها أن الاقتصادي البريطاني المشهور (روي هارود) ــ وهو من تلاميذ كينز ــ دعي إلى المشاركة في حلقه بحث لفصل دراسي واحد، فحرصت على التسجيل فيها وتحينت الفرصة لأسأله عن رأيه المشهور في الدعوة إلى تخفيض معدل الفائدة إلى الصفر، فأجابني بأنه قال ذلك حين كان وكثيرون من الاقتصاديين يخشون تكرار الكساد الكبير الذي ساد في الثلاثينيات من القرن العشرين، وهو لم يعد يرى ذلك الآن (أوائل السبعينيات) لأن الاستثمار عاد نشيطا. لك أن تتصور خيبة أملي حينئذ .. لكنني تلقيت درسا ما كان أحوجني إليه وهو أن الاقتباس من كبار الاقتصاديين (مثل معرفة الأحكام الشرعية العملية) لا يكفي لتكون فقيها، بل المطلوب هو أن تتفقه في الأحكام فتعرف أدلتها ومداخلها ومخارجها واستثناءاتها فتبني حجتك على الأدلة لا على الاقتباسات.
الثاني ذكر أستاذنا في مقرر النقود والمصارف أن طالبا أراد منه الإشراف على رسالة حول الأعمال المصرفية بلا فوائد باعتبار إن الاسلام يحرم الربا، فأقنعه الأستاذ بصعوبة وتغير الموضوع لأنه طريق مسدود، وأكد له أن النصارى (وهو نصراني رحيم القلب من طائفة الكويكرز المسالمين) حاولوا ذلك كثيرا ولم يوفقوا لحقيقة. كان ذلك في منتصف الستينيات وعرفت بعدئذ أن الطالب كان (محمد عزيز) من باكستان من تلاميذ المودودي ومن الرواد في الكتابة عن البنوك بلا فوائد، وكان على التخرج حينئذ من بنسيلفانيا دكتورا في الاقتصاد.. ودار الزمان وإذا بما كان يُظن طريقا مسدودا قد صار طريقا ضخما معبدا وسجلت عشرات رسائل الدكتوراه حوله في جامعات أمريكية وأوربية منذ أوائل الثمانينيات. والثالث، جمعية الطلاب المسلمين في الجامعة التي كان محمد عزيز أول رئيس لها، نظمت بالتعاون مع جمعية الطلاب المسلمين في الولايات المتحدة مؤتمرا عن (النظام الاقتصادي في الإسلام) في 1968/4/14-12م صدرت بحوثه بالإنجليزية في كتاب نحو 170 صفحة، ومن أبرزها بحث عبد الحميد أبو سليمان ــ محمد عبد الرؤوف ــ الدكتور فيما بعد ــ مع مقدمة مهمة للدكتور إسماعيل الفاروقي.
البيئة شامية، الدراسة أمريكية، العمل والأعمال خليجية، كيف أفادكم هذا التنوع؟
- يستفيد الإنسان فكريا من الاطلاع على الأفكار والبيئات المتنوعة. وفقهاؤنا الكبار يؤكدون أهمية الارتحال في طلب العلم، ولقاء علماء آخرين. و للأمام أحمد مثلا كلام معروف في هذا.
#2#
في المصرفية الإسلامية هناك مدارس كثيرة واختلاف في وجهات النظر والتجارب، كيف ترى ذلك الاختلاف؟
- إن ظهور مؤسسات مالية تعلن التزامها بمرجعية الشريعة الإسلامية في جميع أعمالها، وما صاحب ذلك من نشاطات فقهية، هو رحمة من الله ونعمة عظيمة فتحت للمسلمين فرصة اجتناب الربا وسواه من المحرمات وابتغاء فضل الله بالحلال. كما أن ظهور هذه المؤسسات وما سبقه وصاحبه من نشاطات فكرية وتطبيقية يعد أهم مساهمة حضارية إنسانية قدمها المسلمون للعالم خلال القرن العشرين الميلادي.
لكن المتأمل في تعدد الهيئات الشرعية والاجتهادات المنفردة، يرى في الفتاوى المالية أن (الفتوى الضعيفة تطرد الفتوى الجيدة من التداول). وأقصد بالضعيفة هنا: المترخصة بإفراط، أو المهتمة فقط بالأثر الجزئي على المؤسسة الواحدة، دون رعاية المآلات الاجتماعية للفتوى.
فعندما تسمح هيئة شرعية منفردة بصيغة تمويلية فيها ترخيص مفرط، فإنها كثيرا ما تجذب العملاء من المؤسسات المالية غير المترخصة، مما يولد ضغطاً تجاريا قويا على هذه المؤسسات أو يهددها بالخسارة إن لم تجار المترخصين، كما يولد ضغطاً نفسياً على هيئتها الشرعية بأنها تتسبب في تراجع نشاط المؤسسة أو خسارتها. وبهذا التنافس نحو الذي هو أدنى تنحدر السوق كلها نحو أدنى المستويات الفقهية. وهو أمر لاحظناه عمليا في أكثر من حالة، نذكر منها صيغة التورق المنظم التي شاعت أخيراً على نطاق واسع مع الأسف، وبعض صيغ من الصكوك ضعيفة بل واهية فقها، فتعدد الاجتهادات الذي عده بحق بعض كبار الفقهاء مزية ونعمة، قلبته قوى السوق أذية ونقمة.
ومع هذا لا أنكر أن هذا التعدد كان له أثر إيجابي من جهة تشجيعه الابتكارات الفقهية النافعة وغير المبنية على حيل. لكن لا بد من رقابة على النوعية الشرعية للفتاوى من جهة علمية حيادية، وهو ما نفتقده حتى الآن، ولذلك حديث آخر.
ما دور المؤسسات المالية الإسلامية في إنشاء مراكز للبحث والدراسة والتدريب؟
- إن منافع البحث بعضها يعود على الصناعة في المؤسسات المالية عموما لكنه لا ينحصر فيمن تحمل تكلفته، بل يستفيد منه أيضا من لم يساعد على إنجازه، وهذا هو الشأن في كثير من العلم. ولذلك فإن الحافز التجاري على هذا النوع من البحوث ضعيف لا يكفي ولا بد من حوافز أخرى ومن أهمها الحوافز الدينية (ثواب من ترك علما نافعا) وحوافز اجتماعية (الذكر الطيب بين الناس والتقدير بصوره المختلفة).
ثم إن نتائج البحث قد لا تتفق مع المصلحة التجارية لهذا وذاك، فإذا تركنا دعم البحوث للمؤسسات التجارية وحدها فإننا نعرض مصلحة المجتمع للخطر. لا بد أيضا من دعم اجتماعي للبحوث مستقلا عن المصالح التجارية سواء في القضايا التي يبحثها أو في حياديته ونزاهته بحيث يبتغي الحق ومصلحة المجتمع.
وضعت الأزمة المالية العالمية المصرفية الإسلامية على رأس الاهتمام العالمي، كيف تقرأ ذلك؟
- إن اهتمام الغرب بالمصرفية الإسلامية كان ابتداء لكونها مشروعا تجاريا يدر ربحا، إضافة إلى الاعتبار الاستراتيجي باعتبارها منافسا محتملا.
والأزمة المالية الحالية ليست حدثا عاديا بل هي زلزال مالي كما علم الجميع، وزلزال فكري كما يعلم الاقتصاديون. إذ قوضت الأزمة الثقة السابقة بمقولات مشهورة اقتصادية وتمويلية. وطامنت من بعض غرور الاقتصاديين. وحيث لاحظ الجميع أن المؤسسات الإسلامية كانت أقل تأثرا نتيجة التزامها بتحريم بيع الدين وكثير من المشتقات المالية، فقد ولد ذلك اهتماما علميا مستجدا بالتمويل الإسلامي. ومثال على ذلك: بعد أن شارك الاقتصادي وليم بويترW. Buiter الأستاذ بمدرسة لندن للاقتصاد والخبير الدولي في العلوم المالية، بعد أن شارك في ندوة عقدها في لندن برنامج جامعة هارفرد للتمويل الإسلامي عام 2009، كتب مقالين في صحيفة "فايننشال تايمز" عن المصرفية الإسلامية، قال في أحدهما (16/3/2009): هل آن لنا أن نلزم الأسواق المالية بقاعدة "لا تبع ما ليس عندك؟"، ودعا في الآخر (22/7/2009) إلى الأخذ ببعض القواعد الإسلامية مثل تحويل الديون إلى حقوق ملكية. كما انتقد تراخي بعض الفقهاء بإجازتهم منتجات لا تختلف في المضمون عن المنتجات التقليدية.
هذا بلا شك يزيد المسؤولية على المسلمين القادرين، لأن العالم الآن مستعد أكثر من الماضي أن يسمع وجهة نظرنا، ويجب أن يكون لدينا من يستطيع التعبير عن حقائق الشريعة الإسلامية باللغة التي يفهمها الاقتصاديون والماليون.
كيف تنظر إلى فكرة إنشاء معهد مصرفي إسلامي؟
- هناك عديد من النشاطات التدريبية والتأهيلية تتم من قبل جهات مختلفة تعنى بالمالية الإسلامية، وهو جهد مشكور يلبي حاجة ملحة لهذه الصناعة التي تنمو بسرعة وتصطدم بعقبة افتقاد الكوادر.
هذا من جهة المؤهلين لتشغيل الصناعة المالية الإسلامية والحاجة إليهم هي بالمئات أو الألوف، لكن هناك حاجة أقل ظهورا وإن لم تكن أقل أهمية هي الحاجة لآحاد أو عشرات من ذوي التخصص على أرفع المستويات العالمية في العلوم الاقتصادية والمالية من جهة، وفي الشريعة وفقه المعاملات من جهة أخرى. هؤلاء مهمتهم ليس تشغيل المؤسسات الماليه بل دراسة البدائل الكبرى للنظام المالي والنقدي وتحديد الاستراتيجيات والسياسات الكلية المؤدية إلى تحقيق مقاصد الشريعة وإقامة أحكامها الكبرى في ضوء الوقائع والسنن المؤثرة في الحياة الاقتصادية التي تدرسها العلوم الاقتصادية والإدارية المعاصرة. هؤلاء مهمتهم أيضا مخاطبة العالم وإيضاح الأحكام الشرعية والمقاصد باللغة التي يفهمها العالم وهي لغة العلم وأن الأزمة العالمية الحالية أظهرت تقصيرنا في تأهيل وصناعة مثل هؤلاء الذين يستطيعون أن يوضحوا البديل الإسلامي لصانعي السياسات والخبراء الماليين.
إن تأهيل الواحد من هؤلاء يبدأ باختيار طالب متفوق في مستوى الماجستير او البكالوريس وابتعاثة لأرقى الجامعات مع تأهيله في الفقه قبل ذلك أو بعده. كل هذا لا يكلف أكثر من ثلث مليون دولار موزعة على 4 ــ 5 سنوات للعالم الواحد لتصنع علما يمكث في الأرض وينفع الناس.
هل تقصد أن ذوي التخصص العالي غير موجودين؟
- بل إنهم موجودون لكن العدد قليل جدا لا يكفي، وسأضرب لك مثلا على ما هو مطلوب بالبيان الذي أصدرته الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي حول الأزمة المالية. هذا البيان شارك في إعداده أكثر من عشرة اقتصاديين ذوي معرفة شرعية متوسطة إلى عالية واستغرق تداوله وتنقيحه أكثر من شهر، كل فقرة فيه يمكن توثيقها بإحالات بينهم إلى بحوث علمية معتبرة، ومن الواجب تفعيله في كتب لغير المتخصصين. ومثل هذا وأضعافه مطلوب في قضايا اقتصادية عديدة ومهمة للشريعة الإسلامية فيها مقاصد واضحة وأحكام صريحة لكنها محجوبة عن الإنسانية بتقاعسنا نحن المسلمين وعدم إعدادنا من يستطيع أن يخاطب بها العالم بلغة العلم. هذا من جملة فروض الكفاية على الأمة الإسلامية وواجبها نحو نفسها ونحو الإنسانية.
ماذا عن مراكز البحوث في الاقتصاد الإسلامي .. ألا تؤدي دورا في هذا المجال؟
- نعم بلا ريب، وأضرب مثلا بمركز الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبد العزيز.
الاقتصاد العالمي متشابك، ويلزم الأدوات المالية الاشتباك مع الآخر فكريا واقتصاديا .. ألا يشكل هذا حوارا للأديان؟
- قلت إن التمويل الإسلامي يعد أهم مساهمة حضارية قدمها المسلمون للعالم خلال القرن العشرين الميلادي، وأضيف أنه أحد أفضل الموضوعات للحوار الحضاري لأن اهتمام الجميع به ليس فيه تكلف. وإنه لإنجاز تاريخي كبير للمملكة ولجامعة الملك عبد العزيز أن أنشأت أول مركز جامعي في العالم لبحوث الاقتصاد الإسلامي بوصفه فرعا مميزا من فروع المعرفة. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن طريقة المركز في أداء مهامه العلمية كانت رائدة أيضا في الحوار الحضاري، إذ كان خطابه دوما عالميا ويتعاون علميا مع المتخصصين من مسلمين وغيرهم. وقد استكتب كثيرا من الباحثين الأجانب غير المسلمين، ونشر لهم بحوثا مميزة. وكذلك مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي التي يصدرها المركز نشرت منذ عددها الأول بحوثا علمية لغير المسلمين، كما ترسل لهم بحوثا للتحكيم الفني الاقتصادي بحسب اختصاصهم. وكذلك الشأن في المؤتمرات التي يعقدها المركز، يدعى لها المتخصصون ذوو الاهتمام من غير المسلمين. فالمركز رائد في الحوار الحضاري فضلا عن ريادته في علم الاقتصاد الإسلامي.
ماذا عن مكافحة الفقر وتخفيف التفاوت بين الناس في إطار الشريعة، كيف نظرت له وتعاملت معه، خاصة أن أغلبية شعوب العالم الإسلامي اليوم من الفقراء؟
- جميع الشرائع السماوية حضت على معونة الفقراء، وقد نص القرآن العظيم في مواطن متعددة في شأن أهل الكتاب، لكن الشريعة الإسلامية تميزت بوضوح وتحديد لا نظير له وألغت وظيفة الوساطة الدينية التي كانت تزاحم الفقراء في الصدقات والصلاة ودفن الميت والزواج وذبح الحيوانات وكثير غيرها لا بد أن يقوم بها رجل دين، بينما في الإسلام يؤديها أي مسلم إذا تعلم أحكامها. والزكاة لا يجوز أن تنفق على بناء المساجد بل تنفق حصرا على مصارفها الثمانية التي حددها القرآن الكريم خلافا لما عليه الحال في ديانات أخرى، والقرآن العظيم ميز صراحة بين معونة الفقراء من خلال الصدقات عموما والزكاة خصوصا وبين تخفيف التفاوت بين الناس. يقول الله تعالى في سورة الحشر (كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم) ولا نعلم ديانة أخرى صرحت بذلك. وعلم الاقتصاد يكشف لنا كثيرا من مزايا الزكاة وسواها من الأحكام الشرعية التي تستهدف تحويل المال من الغني إلى الفقير ومنع تركزه في أيدٍ قليلة، وقد أحصيت في بحث سابق أكثر من عشرين نظاما إسلاميا طبقت فعلا في العهد النبوي لهذا الغرض، بعضها إلزامي كنظام الإرث وأحكام الفيء، وبعضها تطوعي كنظام الوقف الدائم والمنيحة المؤقتة لأصل إنتاجي مثل نخلة مثمرة أو شاة حلوب.
طرحتم في جامعة الإمام محمد بن سعود فكرة الوقف النقدي، ما طبيعتها وما الهدف من طرحها الآن؟
- الهدف من الصيغة التي اقترحتها هو تمويل الفقراء القادرين على الإنتاج من خلال وقف نقدي يمكن أن يساهم فيه أي إنسان عنده فائض من مال، أو على سبيل القرض الحسن مؤقتا لصندوق الوقف. والوقف المقترح يتلقى هذه القروض الحسنة ويضمن تسديدها بحسب شروط المقرضين، كما يقدم الوقف التمويل الدقيق مع التوجيه الإداري للفقراء لمشروعات إنتاجية صغيرة. هذه الصيغة تفسح المجال لأي شخص ولو لم يكن من الأثرياء أن يساهم في تمويل الفقراء دون مخاطرة عليه ودون عناء.
لماذا اخترت صيغة الوقف التي تنطوي على شروط تنظيمية وتعقيدات إدارية أحيانا؟
- ليست صيغة الوقف ضرورية لتنفيذ الفكرة، بل يمكن تحقيقها أيضا بصيغة جمعية تعاونية للإقراض الحسن أو صندوق يديره أصحاب الفكرة.
تحدثت عن تقديم كفالات للفقراء من هذا الوقف، كيف يكون ذلك؟
- إذا أراد فقير شراء آلة إنتاجية (سيارة أو آلة خياطة مثلا) بثمن مؤجل فيمكن للوقف أو الصندوق أن يساعد بالتمويل مباشرة، بل أيضا وبدلا عن ذلك أن يكفله لدى بائع الآلة.
هل تقترح استخدام أموال الزكاة في تمويل الفقراء؟
- لا أقترح ذلك كونه لا يجوز إقراض مال الزكاة للفقير ليرده بعد حين، بل يجب أن أملـّكه إياه، لكن الفكرة المبتكرة في مقترحي هي أن نطلب ممن تجب عليهم الزكاة أن يكونوا كفلاء للتمويل المقدم من الوقف النقدي إلى الفقراء، فإذا عجز فقير عن السداد فأصبح من الغارمين فإن سهم الغارمين يمكن استخدامه لسداد هذا الدين، فإن كانت نسبة العجز عن السداد هي عشرة في المائة مثلا، فإن غنيا يقدم للوقف كفالة بقيمة ألف ريال يساعدنا على اجتذاب قروض حسنة للصندوق بعشرة آلاف، وهي قروض مضمونة التسديد بفضل تلك الكفالة التي ــ وإن لزم صرفها ــ فإنها تصرف من سهم الغارمين.
كلمة أخيرة
علينا الابتكار لوسائل تحقق مقاصد الشريعة في ضوء المستجدات وعلينا إعداد فئة من الخبراء على مستوى دولي.