عقبات أمام تحقيق حلم تمويل الفقراء بصيغ إسلامية

عقبات أمام تحقيق حلم تمويل الفقراء بصيغ إسلامية

لم يكن الطريق معبداً أمام الصيغ الإسلامية لتمويل المشروعات الصغيرة، حيث ظهرت تحديات جمة يرصدها الخبراء.

وبالنسبة للتحديات التي تواجه المشروعات الصغيرة في الدول العربية تطرح دراسة للدكتور محمد عبد الحليم عمر رئيس مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر تحت عنوان "أساليب التمويل للمشروعات الصغيرة أهم هذه التحديات":

غياب التمويل الرسمي عنها لعدم قدرتها على التعامل مع مؤسسات التمويل الرسمية سواء من حيث عدم وجود فروع لهذه المؤسسات قريبة منها أو عدم توافر متطلبات الائتمان من المؤسسات الرسمية لديها، مثل وجود حسابات منتظمة أو قدرتها على تقديم الضمانات المطلوبة. ومن التحديات المهمة أن هذه المشروعات لا تجد أمامها سوى التعامل مع مؤسسات التمويل غير الرسمية بشروط صعبة مثل معدل الفائدة المرتفع وانخفاض حجم التمويل الذي يمكن الحصول عليه من هذه المؤسسات وقصر أجله، مما لا يمكنها من تمويل رأس المال الثابت. ومنها صعوبة تسجيلها رسميا لتعدد الإجراءات وعدم إمكانية تحقيق الشروط الرسمية بالتسجيل وارتفاع تكاليف التسجيل. وأيضاً صعوبة التسويق لمنتجاتها لعدم قدرتها على النفاذ إلى الأسواق المناسبة. يضاف إلى هذا عدم القدرة على النمو ونقص الخبرة التنظيمية. وأخيراً ملاحقة الأجهزة الحكومية لأغلبية تلك المشروعات لقيام أغلبيتها بدون تراخيص.

الالتفاف حول الشريعة

وفي دراسته التحليلية لمؤسسات التمويل الإسلامي للمشروعات متناهية الصغر، يشير الباحث حبيب أحمد إلى التحديات التي تواجه هذه الصناعة بشكل عام. أول تلك التحديات هو تواضع تطبيق النماذج الإسلامية لصور تمويل تلك المشروعات. ويوضح أن النموذج الأكثر شيوعاً بين مؤسسات التمويل هو البيع المؤجل، وكي يندرج هذا النموذج تحت مظلة شرعية لا بد أن تشتري مؤسسة التمويل البضائع أو الأصول من السوق وتبيعها للمستفيدين. وفي الوقت الذي تسعى فيه تلك المؤسسات للحفاظ على الشكل الشرعي لتعاملاتها، بدأ عدد كبير منها في التخلي عن هذه الإجراءات. وكان السبب المعلن هو التكلفة العالية لهذه العملية فضلاً عن الصعوبة التي تظهر أحياناً في شراء ما يحتاج إليه المستفيد. وبدلاً من قيام مؤسسات التمويل الإسلامي بمنح المستفيد نقوداً فإنها تكلف شخصاً آخر بشراء البضائع أو الأصول. ويفترض أن يقوم المسؤولون بمتابعة مدى إنفاق الأموال على شراء تلك البضائع، وذلك خلال الاجتماع الدوري التالي. ويري حبيب في دراسته أن النموذج الإسلامي لم يتم تطبيقه بشكل كامل. وللتغلب على تلك المشكلة يوصي باستخدام نماذج أخرى تعتمد على المشاركة في الأرباح. ويشير إلى أن لهذه النماذج مشكلاتها التي يمكن التغلب عليها بالرقابة والمتابعة الدقيقة للتعاملات وحسابات المستفيدين لضمان عدم حدوث أي تجاوزات.

نقص الدعم والخبرات

ومن التحديات المهمة التي تواجه تمويل المشروعات الصغيرة بصيغ إسلامية هو نقص الدعم، حيث يقرر بعض مسؤولي المؤسسات المعنية أن التوسع في أنشطة مؤسساتهم مهدد بنقص الدعم. وتكمن المشكلة في أن تلك المؤسسات لا تستطيع أن تجتذب المودعين كما هو الحال في البنوك التجارية. وفي الغالب يكون رأس المال الذي بدأت به مؤسسة التأمين عملها عبارة عن تبرعات، وتعتمد على مصادر خارجية فضلاً عن مدخرات المستفيدين. وتكون الحاجة للنقد على أشدها عندما تنخفض إيداعات المستفيدين من حصيلة سدادهم أو تكون شبه منعدمة. إلا أنه مع تنامي أنشطة تلك المؤسسات أخذت مدخرات المستفيدين تزداد بصورة يمكن معها استغلالها في تمويل مشروعات صغيرة جديدة. وتكمن الصعوبة للحصول على دعم خارجي في أن أية معونات حكومية يتم تقديمها تكون بشروط معينة لا تتفق في الغالب مع أساسيات المصرفية الإسلامية. وعلى سبيل المثال فإن بعض تلك المعونات يقدم بسعر فائدة محدد تكون مؤسسة التمويل الإسلامي مطالبة بدفعه، وهو ما ترفضه الشريعة.

وثمة تحدٍ يتعلق بالكوادر العاملة في تلك المؤسسات، حيث رصدت الدراسة أن الرواتب التي يتقاضاها العاملون في المؤسسات الإسلامية تقل عن تلك الخاصة بنظيرتها التقليدية، وهو الأمر الذي يدفع الكفاءات للعمل في الأخيرة. كما أن التدريب الذي يتلقاه العاملون في تلك الصناعة لا يعد كافياً، حيث يتطلب النهوض بالتمويل الإسلامي للمشروعات الصغيرة إلى تدريب ذي طبيعة خاصة. ومن المجالات التي يجب التدريب عليها مختلف حالات التمويل الإسلامي، وكذلك تفاصيل برامج التنمية الاجتماعية. وفي الوقت الذي تحرص فيه المؤسسات التقليدية على تدريب العاملين فيها من وقت لآخر على الموضوعات التقليدية مثل المحاسبة والقضايا الإدارية. يلاحظ أن المؤسسات العاملة في التمويل الإسلامي تفتقر إلى هذا التدريب الدوري.

من جانبه يقول الدكتور عبد الرحمن يسري ــ أستاذ الاقتصاد الإسلامي ــ إن الإطار النظري للتمويل الإسلامي للمشروعات متناهية الصغر اصطدم بمعوقات عند التطبيق من أبرزها: اقتراب شروط هذا النوع من التمويل على أرض الواقع من شروط تمويل البنوك التقليدية نفسها التي تتعامل بالفوائد الربوية. ويرجع هذا إما لقيود البنوك المركزية في تلك الدول وإما لقناعة القائمين على التطبيق في البنوك الإسلامية بما تعلموه في البنوك التقليدية، وعدم رغبتهم في تطبيق أساليب جديدة. وأضاف ــ في تقرير نشرته صحيفة الرياض ــ أن من المعوقات الخطيرة عدم نضج تجربة تمويل البنوك الإسلامية للصناعات الصغيرة، فمجرد التخلي عن التمويل بفائدة ليس كافيا، حيث كان منتظراً أن تبذل البنوك الإسلامية جهدا أكبر لمساعدة صغار الصناع لما في ذلك من آثار إيجابية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، كما برزت مشكلة عدم تعاون البنوك الإسلامية مع بعضها بعضا لمواجهة مشكلات تمويل الصناعات الصغيرة، خاصة تطوير الممارسات العملية والأخذ بأفضل الأساليب في دراسة جدوى المشروعات الصغيرة وتنظيم تنفيذ عمليات تمويلها بأقل التكاليف، وانخفاض الوعي المصرفي والتسويقي لدى أصحاب المشروعات الصغيرة، إضافة إلى غياب دراسات الجدوى الجيدة التي تحدد مدى إمكانية نجاح هذا المشروع من عدمه.

الأكثر قراءة