الدراما الخليجية
من الواضح اليوم أن الدراما الخليجية تعيش في أزمة حرجة وتحتاج إلى إدخالها غرفة العناية المركزة حتى تشفى من عللها المزمنة وتظهر بصورة مقبولة أمام المشاهد الخليجي والعربي، ما دام أن الهدف من الأعمال الإعلامية بصفة عامة يكون إما الترفيه وإما التثقيف، والدراما الخليجية يجد المتابع أنها لم تنجح في الأولى أو أفلحت في الثانية.
ولنتأمل في حال المسلسلات الخليجية سنجد فيها أن المسلسل التلفزيوني مثلا يطرح عددا كبيرا من القضايا الاجتماعية والأخلاقية المنتشرة في المجتمع الخليجي، وكأن كاتب القصة أو واضع السيناريو في تلك الأعمال يحاول أن يواكب سير موضة الأعمال الأخرى الدارجة، إما إرضاء للمنتج الذي يشترط أن يتشابه عمله مع أي عمل آخر حقق نجاحا ما، وإما سعيا لإرضاء شريحة من الجماهير ذات التفكير السطحي التي لا تهتم بالكيف، ويظهر هنا الوضع السلبي لتلك القضية التي يناقشها العمل الدرامي دون طرح أي حلول ودون الوصول إلى نتيجة لتلك القضية، هذا إضافة إلى تشتيت ذهن المشاهد وهو يتأرجح من قضية لأخرى ويحاول أن يلاحق الأحداث لا أن يتابعها، وشتان بين متابع وملاحق.
وفوق كل هذا افتقار تلك المسلسلات إلى الواقع، ففجأة يظهر البطل الهمام من العدم وفي وقت غير متوقع لينقذ البطلة ويترك المشاهد في حيرة، مما يقلل من قيمة العمل الدرامي .
أما الترفيه فلقد اغتصب حقه وخسر قيمته، لأن الترفيه لا يعني التفاهة أو إظهار الخليجين بالصورة الساذجة والسطحية التي لا فائدة منها ولن تخدم المجتمع بشكل أو بآخر، ربما أكبر عمل درامي حطم هذا المبدأ هو ''مسلسل طاش ما طاش'' الذي كان يناقش قضايا المجتمع بصورة فكاهية تدعو إلى الضحك والبكاء في وقت واحد، ولكنه في النهاية على الأقل كان يضرب رأس كل قضية حساسة أضرت بالمجتمع وأثرت فيه سلباً .
ولعل أبرز المشاكل التي أثرت سلبا في الدراما الخليجية وجعلت المشاهد الخليجي يتحول عنها إلى الأعمال الدرامية العربية و(التركية المدبلجة) هي الإعادة والتكرار، ففي كل مسلسل تعود الدراما لتدور حول نفس المحاور مع تغير الحوار وفي أحيان كثيرة يقوم الممثل أو الممثلة بإعادة نفس الدور مرارا وتكرار وكأن الهدف أصبح أن يحفظ المشاهد القصة لا أن يتعلم أو أن يستفيد.
فكم مرة نوقشت قضية المخدرات بلا حل والطلاق والزواج بالإكراه وغيرها كثير وفي أغلبية المسلسلات تنساق فيها الضحية كالنعجة إلى مصيرها المحتوم كأن في الأمر دعوة مفتوحة لأن يكون كل المجتمع سلبيا عديم الإرادة.
ففي النهاية الغرض أن يستفيد المجتمع بأن يتعلم ما لا يعرف ويتجنب ما قد يقع له، لكن أن تترك الأمور عائمة لا يستفاد منها إلا مضيعة الوقت في مشاهدة دراما لا هدف لها إلا النكد، فهذا شيء غير معقول.
عدد القراءات: 608
* "هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية" تم نشرها اليوم في النسخة الورقية"