من سرق المصحف؟

من سرق المصحف؟

كان أبو الحسن الأشعري (260 - 333 هـ) يُلقي درساً، قيل إن موضوعه دار حول الأمانة، على مجموعة من طلاب العلوم الدينية ومريديه في مسجد البصرة.

ولقد ألهبت بلاغة موعظة الأشعري، وحسن بيانه، عاطفة الحضور، ولامست القلوب، وبعد الانتهاء من موعظته، تلفت ذات اليمين وذات الشمال باحثاً عن مصحفه الثمين، فاكتشف أنه فقد! رفع رأسه ونظر إلى الحضور، فرأى علامات التقوى، والورع، والخشوع ترتسم على وجوههم، بل إن الدموع الغزيرة بللت لحاهم تأثراً بالموعظة التي ألقاها للتو، فتعجب لما رأى القوم على هذه الحال، وتساءل في دهشة: كلكم تبكون .. فمن سـرق المصحف؟!
الغريب أن البكاء نابع من إحساس بالألم. والألم إما أن يكون حسيا وإما أن يكون نفسيا وكلاهما بحاجة إلى طبيب .. وإذا كان في المقدور اكتشاف أمراض الأبدان بالآثار التي تدل عليها من تعبيرات الوجوه وألوان العيون .. وإذا كنا نلجأ إلى الطبيب في محاولة للقضاء عليها أو التخفيف من حدتها فإنه بالنسبة لعلل النفوس لا يتيسر معرفتها بالعين المجردة، وإذا عرفت فهي على المدى الطويل.

إن الدود الذي يأكل زرعنا الأخضر .. وإن الآفات التي تجتاح ما تصنعه أيدينا كل ذلك هي أخطاؤنا تحولت إلى هذا الوباء فكان ما كان .. وإذا أردنا أن نتخلص من هذه الآفات فلا بد من الانتصار على أخطائنا .. إن المسؤولية لا ننفيها عن كل فرد - مهما كان موقعه - عنده قدر من اللين يستطيع به استمالة القلوب إلى طريق الحق والخير والرشاد لتحقيق الغاية المنشودة.. إن الفرد الصالح في نفسه الساكت عن تحذير غيره .. سيخسر فضائله يوما ما حين لا تسمح البيئة ببقائها ولا باستثمارها.. وعلى ما في النقد من تجريح لكنه دليل يقظة الأمة التي تهب للدفاع عن آمالها وأمانيها بالكلمة مهما كانت خشنة وقاية لها من مستقبل يكلفها كثيرا من أموالها وطاقاتها..

كل من لاقيت يشكو شجوه

ليت شعري هذه الدنيا لمن؟!

عدد القراءات:673

* "هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية" تم نشرها اليوم في النسخة الورقية"

الأكثر قراءة