متسول إلكتروني!

متسول إلكتروني!

المُتسولُ بثيابه الرَّثة.. وملامحه المُنكسرة.. وتوسلاته المُعتادة، وجلوسه المعهود على قارعة الطريق، وأمام المساجد، وتجوله في الأماكن المزدحمة.. من أجل انتزاع عطاء ممن حلَّ أو رحل، ربما تكون صورة تقليدية في طريقها للانقراض والزوال، وذلك بعدما أدخل أصحاب ''الحرفة'' وسائل التقنية الحديثة - ممثلة في شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) - في تطوير أساليب التسول، لتشهد هي الأخرى نقلة نوعية تنسجم مع عصر التكنولوجيا.!

وبذا فلا غرابة أن نجد المتسول وقد جلس الآن أمام حاسوب متصل بالشبكة العنكبوتية، بَدَلَ الجلوس على ناصية الطريق، وتجول في دهاليز المواقع بَدَلَ التجول في أماكن وجود ''المُحسنين''، وسعى لتجميع أكبر عدد من عناوين البريد الإلكتروني ليكون أصحابها ''ممولين'' مستهدفين، ثم فكر في صياغة رسائل مؤثرة ليضغط بها على مشاعر من يعتقد أن جيوبهم ستمطر نقداً في حِجْره ساعة أن يستجديهم، مستغنياً بالحيلة والكلمة المَمْشُوقة عن الثياب المُقطَعَة والأركان المُهلهلة.

نعم، يحدث هذا ويكتسب المتسولون - من أفراد وشركات - خبرات جديدة سوف تمكنهم من إحكام الحيل الإلكترونية للإيقاع بأكبر عدد ممكن من الضحايا من مستخدمي الإنترنت، الأمر الذي يضع علامة استفهام كبرى أمام شبكة الإنترنت كمصدر آمن ومُطمْئِن للحصول على المعلومات دون خوف من أن طرفاً ما، مجهول الهوية، ينصب على الجانب الآخر فخاخاً من كذب واحتيال للإيقاع بالغير، بقصد الاستيلاء على أمواله بغير وجه حق.

وقصص ضحايا التسول عبر الإنترنت كثيرة ومتنوعة، ومُضحكة في ذات الوقت، وتكشف عن سذاجة بعض المتعاملين مع هذه التقنية الخطيرة بسقوطهم في حبال ''النصابين الإلكترونيين''، تحت إغراء الكسب السريع بلا تعب ولا نصب.. مثلاً: تجد في صندوق بريدك رسالة مفادها أن عنوان بريدك الإلكتروني قد دخل السحب السنوي الأخير، ومن حسن حظك أن الكمبيوتر قد اختار عنوان بريدك لتفوز بمبلغ (500 ألف) دولار، وما عليك إلا إرسال اسمك، ونوعك، وبلدك، وعمرك، إلى العنوان الالكتروني أدناه.. وبعد فترة تصل رسالة أخرى مفادها: لقد وصلتنا بياناتك وجارٍ إتمام الإجراءات البنكية لإرسال المبلغ إليك، وبعد فترة تصل رسالة أخرى حاملة صورة الشيك وبه اسمك والمبلغ الذي فزت به، وفي نهاية الرسالة تنويه بسيط بضرورة إرسال مبلغ (750 دولاراً) كمصروفات بنكية دون أن تقول: اخصموها من مبلغ الشيك لأن الشيك قد تحرر فعلاً...!!، والسؤال: كم من ساذج قد أرسل مبلغ (750 دولاراً)؟.. أعتقد أن كثيرين قد صدَّقوا ودفعوا وانتهى الأمر، ولا أخفيكم أن صندوق بريدي الإلكتروني قد شهد مقدم عشرات الرسائل من مثل هذه النوعية، وغيرها من قصص الأرملة التي ورثت عن زوجها ثروة تقدر بـ (25 مليون دولار)، وحتى تضع يدها على التركة لا بد من تدخل رجل في حياتها بشكل ما.. وتنتهي القصة بأن يرسل المضحوك عليه رقم بطاقته البنكية.. والباقي بعد ذلك معلوم.

إذن نحن أمام طائفة تسخر التكنولوجيا من أجل التسول والنصب الاحتيال، دون أن تكون هنالك وسيلة حقيقية لردعها سوى التحذير فقط من حيلهم واحتيالهم، لأنه من المستحيل تتبع كافة المتسولين على الإنترنت ومن ثم الإمساك بهم، ناهيك عن تكاثرهم اللافت تحت وطأة الفراغ والبطالة، والرغبة في الكسب السريع بلا أدنى مجهود.. ربما يكون ذلك أحد عيوب الشبكة العنكبوتية، التي هي في النهاية اختراع بشري لا يخلو من عيوب ولو حرص البشر على إتقانه.

فاحذر عزيزي المستخدم.

عدد القراءات: 630

* "هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية" تم نشرها اليوم في النسخة الورقية"

الأكثر قراءة