المنطقة التاريخية.. حرائق وانهيارات ومصير مجهول
تزايدت في السنوات الأخيرة حدة الحرائق في المنطقة التاريخية وسط جدة دون معرفة الأسباب الحقيقية, وبدأت المباني الأثرية التي تم تقديمها إلى منظمة اليونسكو كموقع تراث عالمي في التساقط الواحد تلو الآخر في مدينة هي إحدى أهم المدن القليلة في المنطقة العربية التي احتفظت بتراثها المعماري, وأول منطقة تضع سجلا بالمباني والمعالم التاريخية, تراجعت أعداد المباني الأثرية في المنطقة إلى 300 مبنى من أصل 700، وحذر المهتمون بالتاريخ من خطورة الوضع, وتبادلت الجهات الرسمية الاتهامات وإلقاء المسؤولية على جهات أخرى, في وقت شهد تدخل الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار بجولات تفقدية شملت عددا من المناطق الأثرية في المملكة للمحافظة على التراث من الاندثار, مؤكدا أن هناك قرارات ستصدر قريباً وتطبق على أرض الواقع لانتشال هذه المنطقة وتحويلها إلى مقصد للتاريخ والثقافة والتميز, ووعد بأن تصبح جدة التاريخية معلماً تاريخياً وثقافياً, ويسعى الأمير سلطان بن سلمان الذي وقف على المنطقة التاريخية بعد الحادث الأخير إلى إنقاذ المباني القديمة من عبث الزمان والعمالة الوافدة التي لا تقدر الموروث التاريخي, «الاقتصادية» فتحت ملف التحقيق وكشفت الأسباب الرئيسية وأسباب الحرائق في المنطقة التاريخية والحلول المقترحة للحفاظ على تاريخ جدة القديمة.. إلى التفاصيل:
لماذا يتكتمون؟!
تناول الدكتور عدنان عدس مدير إدارة المنطقة التاريخية في أمانة محافظة جدة أسباب الحرائق في المنطقة التاريخية وسط البلد وأسباب تدهور المنطقة، وقال إن عددا من الحرائق في مباني المنطقة التاريخية بفعل فاعل لإعادة البناء من جديد وفقدان التراث التاريخي, حيث إن النظام صريح ويمنع هدم تلك المباني الأثرية, ويأتي إحراق تلك المباني من قبل ملاكها للاستفادة من الموقع.
وطالب الدكتور عدنان عدس إدارة الدفاع المدني بفتح ملفات التحقيق المتعلقة بالحرائق في المنطقة التاريخية والتي لم تظهر خلال السنوات الماضية, وقال لم نسمع أي نتائج لتلك التحقيقات وفرق التحقيق, وتسأل «لماذا يتم التكتم على أسباب الحرائق من قبل الدفاع المدني».
وتطرق إلى أساليب الإطفاء وقال «الدفاع المدني يستخدم أساليب خاطئة في معالجة الحرائق في المنطقة التاريخية، ونطالب بنشر الإحصائيات من الدفاع المدني عن الحرائق في المنطقة التاريخية وأسبابها».
وبالعودة إلى أسباب تكرار الحرائق في المنطقة التاريخية أوضح عدس أن الأسباب لا تتعدى أن تكون بفعل فاعل بهدف استثمار تلك المواقع من قبل الملاك, أو التمديدات الكهربائية العشوائية والتوصيلات الممتده بشكل خاطئ, والمواقد التي حذرنا منها مرارا وتكرارا والتي تسببت في عدد من الحرائق في المباني الأثرية.
كما أبلغ مدير إدارة المنطقة التاريخية عن عدم تعاون وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف فيما يخص نحو 170 مبنى تاريخيا تابعا لها, حيث إنها لاتهتم ولاتتعاون مع أمانة جدة فيما يخص صيانتها وفقا للمواصفات والأنظمة التي تحافظ على تراث المنطقة, مشيرا إلى احتراق 14 مبنى منذ بداية العام الجاري.
وكشف الدكتور عدنان عدس عن تحركات لأمانة جدة لتأجير المباني التاريخية لمصلحة شركة جدة الذراع الاستثمارية لأمانة محافظة جدة لحماية تلك المباني والمحافظة عليها بالشراكة مع الملاك لتلك المباني.
وبين أن الأمانة، ضمن لجنة من المحافظة والدفاع المدني، وضعت إشعارات وقطعت التيار الكهربائي عن المباني, ولكن الساكنين يلجأون إلى وسائل غير سوية لإيصال التيار الكهربائي, وجميع المحال التجارية حاولنا إعادة تنظيمها ولكن لرغبتهم في الاستفادة من المنطقة دون النظر إلى تاريخها خاصة أن معظمهم عمالة وافدة فليس هناك أي اهتمام من قبلهم, مبينا أن الأمانة تحاول وتحارب في جميع الاتجاهات.
#2#
#3#
إخلاء المنطقة التاريخية بالقوة
حذر الدكتور عدنان من فقدان المنطقة التاريخية في وسط جدة والإرث المتبقي، وقال «يجب أن تتدخل إمارة المنطقة وجميع الجهات الحكومية أو يتدخل المستثمرون للمحافظة على تاريخ المدينة وإلا فإن النهاية حتمية حتمية لامحالة».
وأضاف أنه يجب أن تخلى المنطقة بالقوة, كما يجب أن توضع آلية للإخلاء وتعويض الملاك, حيث إن نحو 90 في المائة من الملاك غير متعاونين ويقوموا بتأجير المباني للوافدين الذين يستخدمونها استخداما جائرا يؤدي إلى انهيارها, وذلك رغم الوضع والحالة السيئة لتلك المباني.
واستطرد: التراث أمامنا يفقد والملاك غير متعاونين والمباني التاريخية انهارت ولم يتبق سوى 300 مبنى من أصل 700 مبنى في وسط البلد والمصير حتمي إذا استمر التهاون من الجميع ولم تتدخل الدولة في الحفاظ على تاريخ المدينة.
كما نحتاج إلى سن قوانين وتشريعات لحماية التراث وتفعيل القرارات الخاصة في المحافظة على الآثار والصادرة بمرسوم ملكي, وعلى المستوى الخاص نحتاج إلى زيادة الوعي وتعاون الملاك للمحافظة على التاريخ وعدم تسليمه للوافدين.
وأشار إلى تحركات الأمانة لإنشاء شبكة لإطفاء الحرائق في المنطقة التاريخية, حيث تم الانتهاء من المرحلة الأولى, وجار استكمال باقي المراحل للحد من الحرائق.
وبين أن التحدي الذي يواجه المنطقة التاريخية كبير، واللغز يتمحور حول كيفية حمايتها ونحن نشاهد بأعيننا اللحظات الأخيرة لتلك المنطقة, مبينا أن السبيل الوحيد لحمايتها هو مشروع واحد تطويري للترميم والاستفادة والمشاركة في الإيجارات مع الملاك.
مستودعات التخزين
سبب الحرائق
أرجع العميد عبد الله جداوي مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة أسباب الحرائق في المنطقة التاريخية إلى عاملين مهمين يتمحوران حول استخدام المباني القديمة التاريخية لغير الأغراض الطبيعة كمستودعات ومناطق تخزين لمواد تتفاعل بسرعة وتتطلب درجات حرارة معينة ومواد أخرى تتطلب استمرارية التبريد بأجهزة تكييف لا تعتمد على معايير السلامة في وسائل الصيانة, إضافة إلى تمديدات كهربائية عشوائية وتوصيلات كهربائية رديئة في الداخل وسلوكيات العمال غير المعروفة مثل المدخنين وغير المدخنين وهي من أهم العوامل المسببة للحرائق.
وأوضح جداوي أن السبب الثاني للحرائق يعود إلى الفئة التي تستخدم المباني في المنطقة التاريخية وهي فئة العمالة سواء العمالة النظامية أو المخالفة وهي لا تدرك الموروث التاريخي للمنطقة ولا تدرك القيم التاريخية لتلك المباني وبالتالي نرى استخدامات غير طبيعية داخل تلك المباني ونلاحظ تمديدات كهربائية عشوائية, كما نلاحظ انتشار السخانات الكهربائية والمواقد التي تسبب الحرائق داخل الغرف وغيرها من العوامل التي تتطلب الجهد الكهربائي العالي جدا بينما التمديدات الكهربائية العشوائية لا تتحمل ذلك الجهد وأمور أخرى لاتلتزم بمعايير الأمن والسلامة مثل تركيب المكيفات على الرواشين دون صيانة ومكيفات مستعملة يتم تركيبها وجميعها عوامل مسببة للحرائق في المنطقة التاريخية.
الدفاع المدني: لا نتهم أحدا والأمانة رفضت تنفيذ مشروع الرش بالرذاذ
عن تعمد إحراق بعض المباني التاريخية من قبل الملاك قال جداوي من الصعوبة إلقاء التهم على أحد دون امتلاك الدليل, إضافة إلى أن عمليات التحقيق في الحرائق من أصعب عمليات التحقيق, نظرا لأن سقوط المبنى يضيع كثيرا من الأدلة التي يمكن الاعتماد عليها في عمليات التحقيق, وفي كل عمليات التحقيق نضع كل الاحتمالات منها المخاطر الموجودة والتي تتضمن سوء الاستخدام أو الشبهة الجنائية أو التعمد, ولم نكتشف خلال التحقيقات السابقة أي عمليات حرائق متعمدة.
#4#
#5#
وعن طرق الإطفاء في المنطقة التاريخية أوضح مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة أننا نعاني صعوبة وصول آليات الدفاع المدني إلى داخل المنطقة التاريخية نظرا لضيق المداخل, وطلبنا من الأمانة تنفيذ مشروع الرش بالرذاذ ونظام التبريد في مناطق محددة في المنطقة التاريخية لتشغيل تلك الأنظمة في حال أي حوادث حرائق دون استخدام المياه بضغوط عالية, وسيسهم المشروع في عدم حصول انهيارات في المباني, لكن للأسف لم يتم تنفيذه حتى الآن من قبل أمانة جدة.
وبين جداوي عددا من النقاط الفنية المتعلقة بالحرائق في المنطقة التاريخية والتي تتمثل في عدم القدرة على المغامرة بإدخال رجل المطافي إلى تلك المباني نظرا لأنها مهددة بالسقوط في أي لحظة, نظرا لعدة عوامل تتعلق بالحمل الحراري الكبير للنار الذي ينتج من حريق أخشاب الرواشين أو السقوف ومحتويات المباني التاريخية وجميعها عوامل تولد أحمالا عالية من الحرارة وهي تؤثر في سلامة المنزل إضافة إلى أنابيب الغاز والمواقد والكمبروسرات في مبان أثرية قديمة إضافة إلى بناء تلك المنازل بالأحجار التي ترتفع درجة حرارتها ويؤدي التبريد المفاجئ إلى خلخلتها بعد الحرارة الكبيرة, كذلك بناء تلك المباني بمواد طينية والتي تتأثر نتيجة ضغط المياه العالي أو المنخفض وجميعها عوامل تؤدي إلى انهيار تلك المباني.
وأشار إلى عمل اللجان المختصة والجهات المعنية بالمشاركة مع الدفاع المدني على وضع الحلول والمقترحات التي تسهم في الحفاظ على المنطقة التاريخية, مبينا أن هناك حلولا تتم مناقشاتها حاليا لوضع الحلول النهائية المناسبة.
نوار: مشروع خزانات الحريق سيحد من المشكلة
#6#
#7#
أكد سامي نوار مدير السياحة والثقافة في أمانة جدة أن الحرائق في المنطقة التاريخية تمثل إحدى أهم المشاكل التي تعانيها منطقة وسط البلد, وقال جميع العوامل ومن ضمنها الرواشين، وتلاصق المنازل يساعد علىسرعة انتشار الحرائق في المنطقة والحل جهد مشترك ما بين الجهات المعنية وملاك المباني والسكان.
وشدد على سرعة اتخاذ الحلول العاجلة والتي تتمثل في التنبيه على جميع السكان بخطورة الحرائق وتوزيع طفايات الحريق على جميع المنازل والتوعية بالخطر الداهم للمنطقة وانتشار الحرائق من خلال الرواشين.وبين نوار أن مشروع إنشاء خزانات الحريق الذي تقوم عليه الأمانة سيسهم كثيرا في الحد من انتشار الحرائق وسرعة السيطرة عليها حال اشتعالها وسيخفف معاناة المنطقة التاريخية لتأهيل وتطوير المنطقة.وعن الحريق الأخير الذي أتى على سبعة منازل واستمرت أعمال الإطفاء نحو يومين, أوضح نوار أن موقع الحريق أتى على أحد المسارات الرئيسية للزوار السياحيين للمنطقة وهو موقع جميل يتميز بالرواشين وبالطراز المعماري المتميز.
وأبان أن عدم الوعي وانتشار المستودعات في تلك المباني وعدم تطبيق إجراءات السلامة عوامل ساعدت على تردى أوضاع المنطقة وتكرار الحرائق في تلك المباني.
وتابع بمرارة الابن الذي ترعرع في تلك المنطقة منذ الصغر وما زالت عائلته تقطنها حتى الآن «المنطقة التاريخية إرث تجب المحافظة عليه قبل اندثاره».
وزاد نوار أن الحريق الأخير هو الحريق الثالث أو الرابع خلال العام الجاري, وأي حريق في المنطقة ينتقص من تاريخ مدينة جدة وإن شاء الله سيكون آخر حريق في المنطقة التاريخية وسط البلد. وأضاف أن تاريخ جدة وتراثها المعماري مهم للغاية ويجب المحافظة عليه، حيث إنه تراث لمنطقة البحر الأحمر, ومعظم المدن التاريخية لمنطقة البحر الأحمر انهارت واندثرت سواء المدن القديمة في الوجه أو ينبع أو المدن الأخرى التي لم يبق فيها إلا عدد من المنازل الأثرية القديمة, بينما جدة ما زالت إحدىالمدن العالمية التي احتفظت بالإرث وما زالت تحافظ على تراثها من خلال المباني الأثرية في المنطقة التاريخية. وأشار إلى أهمية تضافر الجهود لمنع تدهور المنطقة التاريخية, والحفاظ على تاريخ المدينة, واتخاذ الخطوات الكفيلة في الحفاظ على تلك المباني.
وأكد مدير السياحة والثقافة في أمانة محافظة جدة أن الخطط الجديدة لرعاية المنطقة وتأهيلها لها دور كبير في المحافظة على المنطقة التاريخية.