نماذج التغذية الراجعة تجعلني أشعر بالكآبة

نماذج التغذية الراجعة تجعلني أشعر بالكآبة

قبل فترة سابقة تناولت طعام الغداء مع الرئيس التنفيذي لشركة معروفة جيداً في الحي المالي في لندن. وقال لي إنه في كل مرة يذهب فيها إلى حفل عشاء، يلتفت إلى الضيوف الجالسين على جانبيه ويقدم تغذية راجعة غير مرحب بها حول نوعية المحادثة خلال تناول الوجبة. وبناءً عليه، يمكن أن يقول لشخص ما إنه في حين أنه استمتع بالاستماع إلى وجهة نظره حول التحقيق بشأن تشيلكوت (التحقيق بشأن العراق)، كان بإمكانهم النظر إليه مباشرة وتوجيه بعض الأسئلة إليه. أو بدلاً من ذلك، على الرغم من أنه كان مهتماً بالاستماع إلى خيارات المدارس لأبنائهم، كان بإمكانهم اختصار الحديث، أو أن يكونوا أقل تفاخراً بشأن المسألة.
حين قال لي ذلك شعرت بالصدمة. وفكرت قائلة لنفسي كم أن الأمر مبتذل. ولكن رغم ذلك، في كل مرة أخرج فيها لتناول طعام العشاء والجلوس بجانب شخص لا يمكنه أن يخفض وزن جسمه، كنت أفكر بشأنه، وتمنيت لو كانت لدي الشجاعة الكافية لتقديم بعض النصائح حول الطريقة التي يمكنه بواسطتها إحراز بعض التحسن.
خلال ليلة الإثنين الماضي، جلست بجانب مصرفي رفيع المنصب في حفل رسمي كبير. وكان الشخص ذكياً ويملك ابتسامة لطيفة، واعتقدت أننا ننسجم معاً بشكل جيد إلى حد ما. وحين انتهينا من تناول القهوة، جاءت إليه زوجته وسألته ما إذا كان جاهزاً للمغادرة.
أعلن بصوت عالٍ: ''كم أتلهف للمغادرة''.
لأنني كنت متعبة إلى حد ما خلال ليلة الإثنين، وجدت نفسي أقول له إن في ذلك فظاظة إلى حد كبير، وإنني حتى تلك اللحظة كنت أستمتع برفقته، ولكن التأثير فسد الآن.
قررت أن تلك العبارة كانت التغذية الراجعة المثالية. فقد كانت عفوية، وصادرة من القلب، ومحددة، وتم توصيلها في الزمن الفعلي، مباشرة في الوجه. وبالحكم من التعبير الذي ظهر على وجهه، فقد كنت متأكدة للغاية بأنني أصبت الهدف.
في وقت مبكر من تلك الأمسية، أعطيت كمية أقل إلى حد ما من التغذية الراجعة المثالية. وكنت أستعد للخروج حين ظهر رجل على عتبة الباب وهو يحمل لوحة إعلانية ويحاول أن يجمع النقود لصالح مؤسسة خيرية للمشردين. وكان الرجل يثير الشفقة قليلاً، لذا طلبت منه الدخول. وبجهد بطيء، قام بتعبئة نماذج الطلب، وحين انتهى، تناول مجموعة أخرى أكبر من النماذج. فهل كنت سأعطي بعض التغذية الراجعة؟ بناءً عليه قلبّت صفحتي الأسئلة. ما مدى معرفتك بالمؤسسة الخيرية؟ كم كان مؤدباً؟ قمت بوضع إشارة على بعض الاسئلة عشوائياً، وصرفته خارجاً.
قضى هذا التمرين على أي شعور بالفضيلة ربما شعرت به، وشعرت أنني بلا جدوى على الإطلاق. والمعلومة الوحيدة ذات العلاقة بشأن أي شخص يجمع الأموال هي ما إذا كان يجمع الأموال: وهذا الرجل تحديداً حصل لتوه على جائزة – صغيرة إلى حد ما.
التغذية الراجعة كلمة سيئة، وعمل سيئ كذلك. ولم تعد هناك أي عملية، أو علاقة تجارية لا تتطلب تغذية راجعة. وتتم دعوتي بلا نهاية لتعبئة نماذج لوصف مشاعري تجاه رؤسائي في العمل، ومدير مدرسة أبنائي، ومجلس إدارة الشركة التي لا أشغل فيها أي منصب غير تنفيذي، وتجاه الرجل الذي قام لتوه بفتح المغسلة المسدودة.
تبدو نماذج التغذية الراجعة بلا طائل لأنه يتم طرح الأسئلة الخاطئة في الوقت الخاطئ على أشخاص هم عموماً ليسوا مستعدين ذهنياً للإجابة عنها بشكل ملائم. ومن ثم يتم حفظها في ملفات بعيداً، بعد تنفيذ الإجراء الرئيس بصددها وهو رسم الأشكال البيانية لإظهار النتائج.
التغذية الراجعة مهمة لأنها مفيدة في اكتشاف ما يفكر فيه الآخرون. ولسوء الحظ، لا توجد طريقة معيارية لاكتشاف ذلك. والطريقة الوحيدة هي تنفيذها عفوياً.
أفضل الأشخاص في إعطاء التغذية الراجعة العفوية هم الأبناء المراهقون للمرء. ولا تصلح التغذية الراجعة التي يقدمونها للاستخدام العملي الواضح: إذ إن عبارة الشتيمة مثلاً ''أنت كلبة'' لا تساعدك على ألا تكون كذلك. غير أن المراهقين مصدر قيم للغاية حين يقولون لك إن صوتك لا يبدو صادقاً، أو أن الرداء الجديد الذي اشتريته يبدو بشعاً. وفي حين أن لا شيء قد تغير على الإطلاق نتيجة قيامي بوضع إشارة على أي سؤال في أي نموذج، إلا أنني وبفضل التغذية الراجعة المراهقة، تخلصت من الرداء، وأحاول أن يبدو صوتي صادقاً على نحو أكبر.
المشكلة في تبني نموذج المراهقين للتغذية الراجعة في العمل هي الخوف. ولا نقول رأينا بصراحة لأننا خائفون، وفي الغالب لدينا سبب لذلك. غير أن أي شركة يكون فيها الأشخاص خائفين من التعبير عن آرائهم لن تساعدها أية نماذج للتغذية الراجعة التي ترسلها دائرة الموارد البشرية.
والمشكلة في تبنيها في حفلات العشاء هي آداب السلوك. ولكن، حتى هذه مضللة. فإذا قبلت دعوة إلى العشاء فإنك تدخل في عقد يقول: أشعر بالكآبة، وفي المقابل، سأحاول جاهداً أن أكون ممتعاً، ومهتماً. وإلى الحد الذي لا يحترم عنده الأشخاص عقودهم، فيجب إبلاغهم ذلك بحزم. وإن مثل إعطاء مثل تلك التغذية الراجعة لا يتعبر فظاظة، أو ابتذالاً، بل إنها خدمة عامة.

الأكثر قراءة