احتساب التكاليف
كان المزاج العام في تشيلي خلال الأيام القليلة الماضية متقلبا بصورة عنيفة تماثل عنف الزلزال الذي حدث في 27 شباط (فبراير). وسرعان ما تحول الرعب من جراء الزلزال الهائل الذي بلغت قوته 8.8 على مقياس ريختر- شديد للغاية ـ بحيث إن كثيرين لا يزالون لا يستطيعون التحدث عنه - إلى مصدر للراحة، على الأقل في العاصمة، سانتياجو، التي نجت دون حوادث خطيرة. ويدل هذا على جودة معايير البناء في الدولة. حتى الزجاج المقوى للمكاتب والشقق الحديثة لم تتحطم، على الرغم من التمايل المخيف الذي حدث لهذه المباني. لكن ينتشر الغضب في الجنوب، حيث حدث معظم الدمار والفوضى.
وبحلول الثالث من آذار (مارس)، تم تأكيد وفاة أكثر من 800 شخص، لكن قال المسؤولون إن مئات الأشخاص لا يزالون في عداد المفقودين. وكانت الأكثر تضررا هي سلسلة من البلدات والقرى على الساحل في جانبي مدينة Concepcion، ثاني مدينة في الدولة، وكذلك جزر Juan Fernandez النائية. وأثار الزلزال عدة موجات عملاقة جرفت آلاف المنازل. ومن ضمن الضحايا هناك صيادو الأسماك وعمال المزارع - بعض أكثر الناس فقرا في تشيلي- وكذلك المتنزهون الذين شيدوا خياما وكانوا يتنزهون في المنطقة للاستمتاع بالأسبوع الأخير من العطلة الصيفية في الدولة.
وبدت الحكومة بطيئة في استجابتها. فتشيلي، المعتادة منذ زمن طويل على الكوارث الطبيعية، لديها كثير من الحصص الغذائية في حالات الطوارئ، إلا أن المساعدات لم تبدأ في الوصول إلى المناطق الأكثر تضررا إلا بعد ثلاثة أيام من الزلزال. وبحلول ذلك الوقت، حدثت عمليات نهب على نطاق واسع في Concepcion، المدينة التي يعيش فيها 600 ألف شخص. وتحدث أحد المسؤولين المحليين عن ''زلزال اجتماعي''. ومما هز صورة التشيليين عن أنفسهم بوصفهم شعبا يتقيد بالقانون هو أن عمليات النهب لم تشمل فقط متاجر السوبرماركت بل أيضا المحال التجارية الكبرى، حيث نهب اللصوص أشياء مثل شاشات البلازما التلفزيونية، التي لا يمكن أن يكون الجوع أو البرد ذريعة لسرقتها. واستجابة لذلك، أعلنت الرئيسة ميشيل باشليه مناطق Bio-Bio وMaule ''مناطق كارثة'' وأرسلت عشرة آلاف جندي لحفظ النظام - المرة الأولى التي يتم فيها استخدام الجيش بهذه الطريقة منذ أن استعادت تشيلي النظام الديمقراطي عام 1990. ويبدو أن حظر التجول ودوريات الحراسة التي يقوم بها الجنود وضعت حدا لكثير من الفوضى.
ويعترف المسؤولون بأنهم ارتكبوا بعض الأخطاء. وأكثرها خطورة هو تأكيد مكتب الطوارئ الوطني في وقت سابق أنه ليس هناك خطر لحدوث تسونامي (حسب خطأ مركز الزلزال بأنه على الأرض). وكان أحد أسباب الاستجابة البطيئة للحكومة وفشلها في الحفاظ على النظام اعتمادها على الإنترنت والهواتف المحمولة - التي تعطلت بسبب انقطاع الكهرباء - بدلا من أنظمة الراديو الكلاسيكية. وهكذا لم يكن لدى الحكومة في الساعات السبع الأولى أي معلومات عن الظروف جنوب سانتياجو. وكانت مترددة في البداية في طلب المساعدة الدولية. وتعد باشليه رئيسة ناجحة تحظى بالشعبية، لكن من المقرر أن تسلم السلطة في 11 آذار (مارس)، منهية بذلك 20 عاما من حكم تحالف Concertacion من يمين الوسط. وسيقع على عاتق Sebastian Pinera، رجل الأعمال من يمين الوسط الذي فاز بالانتخابات الرئاسية في كانون الثاني (يناير)، قيادة عملية إعادة الإعمار. وسيرث اقتصادا تعرض لعرقلة انتعاشه بعد الركود بسبب الدمار واسع النطاق الذي لحق بالطرق والموانئ والشركات. وحققت شركة Eqecat، وهي شركة لوضع نماذج للمخاطر في كاليفورنيا، الدعاية حين وضعت تقييما فوريا أظهر أن الزلزال قد يكون سبب أضرارا بقيمة 15 إلى 30 مليار دولار، أو ما يعادل 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لتشيلي. وهذا مجرد تخمين بما أن الشركات لا تزال تحسب التكلفة. وربما يتم إغلاق قطاع الغابات، الذي يمثل نحو 8 في المائة من الصادرات ويتركز في المناطق الأكثر تضررا، لمدة لا تقل عن شهر بسبب الأضرار التي لحقت بالمصانع ووصلات النقل، كما يقول Charles Kimber من شركة Arauco الكبيرة للغابات. وتعاني أيضا شركات النبيذ المتركزة بين Maule وسانتياجو, فقد انفجرت صهاريج التخزين في بعض كروم العنب. وتواجه الحكومة مهمة ترميم الطرق والموانئ، وبناء 500 ألف منزل جديد، وإصلاح مليون منزل آخر تعرضت للضرر. ويمكنها الاعتماد على نحو 11 مليار دولار من صندوق سيادي، التي تم ادخار معظمها من قبل حكومة باشليه من الإيرادات الهائلة من صادرات النحاس. وأمام Pinera مهمة شاقة ليقوم بها