ليست هناك أرض موعودة في نهاية كل هذا

ليست هناك أرض موعودة في نهاية كل هذا

الأمور جيدة بالنسبة إلى لاعبي كرة القدم في العراق, فقد أعادوا تأسيس منتخب وطني، وفازوا بكأس آسيا لعام 2007، واستضافوا العام الماضي أول مباراة دولية بعد سقوط صدام حسين. ثم في تشرين الثاني (نوفمبر)، وصلت قافلة من سيارات الشرطة المدرعة إلى مقر اتحاد كرة القدم العراقية في شرق بغداد. واقتحم رجال يرتدون الزي العسكري المبنى، وأنشأوا مواقع للمدافع الرشاشة. وكانوا يتصرفون بناء على أوامر اللجنة الأولمبية العراقية، التي تسيطر عليها الحكومة العراقية الشيعية. ولا يزال السنة يديرون اتحاد كرة القدم. واتهمت الحكومة مديريه بارتكاب مخالفات وطلب منهم التخلي عن السيطرة. وحين رفضوا، دخل الجيش.
وهناك أكثر من طريقة للنظر إلى ما حدث. وكان رأي ''فيفا''، هيئة كرة القدم العالمية، متشائما في هذا التدخل المسلح في شؤون أحد أعضائها، ومنع العراق من جميع المسابقات الدولية إلى أن يتم إلغاء عملية الاستيلاء على المبنى. إلا أن القادة العسكريين لأمريكا في العراق يشهدون تقدما: ففي النهاية، لم يتم إطلاق أي عيار ناري ولم يصب أحدا. وعلّق الجنرال Stephen Lanza بالقول: ''كنا نستيقظ كل صباح ونجد 100 جثة أخرى في النهر'', فهو يعتقد أن وضع العراق يتحسن نظرا إلى ''نضج'' المؤسسات والتحسينات الملحوظة في مستوى الأمن.. لكن هل هذا هو الحال فعلا؟
مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة الأحد الماضي السابع من آذار (مارس)، لا شك أن شوارع العراق أصبحت أكثر أمنا مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات. فقد يمر شهر أو أكثر دون أن يلقى جندي أمريكي حتفه أثناء القتال, كما إن عدد الضحايا المدنيين في أدنى مستوى له منذ ست سنوات - على الرغم من أن هذا يعني أن نحو 300 مدني يموتون شهريا من جراء العنف السياسي. وتلتزم الميليشيات الشيعية عموما بوقف إطلاق النار. ولا يزال بعض السنة نشطين ويشنون هجمات واسعة النطاق أحيانا. لكنهم فشلوا في إعادة إشعال فتيل القتال الطائفي على نطاق واسع الذي أدى إلى مقتل ثلاثة آلاف مدني شهريا في أسوأ الفترات من عامي 2006 و2007.
وتم إضعاف ''تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين'' إلى جماعة أساسية لا يمكن ردعها أو شراؤها بالمال. لكنه لم يعد ندا للجيش والشرطة, الذين يتوسعون بشكل سريع. ووفقا لبعض التقديرات، يرتدي أكثر من مليون عراقي الآن الزي العسكري. وتنفق الحكومة خمس ميزانيتها تقريبا على أجور العاملين في مجال الأمن وتستفيد من المساعدة الأمريكية. وأدت التحسينات في التدريب والمعدات إلى تحصين معظم أجزاء الدولة. وهناك في بغداد وحدها 1500 نقطة تفتيش ومئات الأميال من الجدران الأسمنتية الواقية من التفجيرات. وأصبحت المدينة معسكرة أكثر مما كانت عليه تحت حكم صدام حسين. ومع ذلك، الحياة جيدة نسبيا, فالحدائق العامة ممتلئة ويفد ملايين من قاصدي المزارات في الإجازات.
ولم تعد المشكلة الرئيسة للعراق هي العنف، بل السياسة, فمعظم مؤسسات الدولة لم تتحسن بنفس سرعة تحسن قوات الأمن. والمثال الأوضح على ذلك هو البرلمان العراقي الذي يحتل منزلا مؤقتا منذ أن استولت وزارة الدفاع على مبناه. وتتحرك التشريعات ببطء شديد عبر مراحل دراستها واللجان. فقانون مكافحة الإرهاب مثلا هو القانون الـ 33 من قائمة تضم 79 مشروع قانون ينتظر الموافقة. وتوقف أيضا قانون للهيدروكربون ضروري جدا لتنظيم صناعة النفط، كما توقفت تدابير تسوية الحدود الداخلية المتنازع عليها.
إلا أن التوقعات السياسية ليست كئيبة تماما, فالأقليات تحظى بالتمثيل، على الرغم من أن قوات الأمن لا تستطيع حمايتها دائما. وتلتزم المؤسسة الدينية جانب الحياد، إذ تدرك المعارضة العامة لحكم رجال الدين على غرار النظام الإيراني. ويساعد نظام ''القوائم المفتوحة'' الانتخابي الجديد على التنوع. وللمرة الأولى في الانتخابات العامة، يمكن للعراقيين يوم الأحد التصويت لأفراد بدلا من أحزاب فقط.
ومع ذلك، لم تتغير طبيعة السياسة العراقية خلال الولاية البرلمانية الكاملة الأولى للدولة. ويهدف قادة الحزب إلى التخلص من المنافسين بدلا من إشراكهم. والتحالفات عابرة وغالبا ما تنتهي بالخيانة. والسبب في ذلك هو جذور عديد من السياسيين العراقيين، المنفيين السابقين الذي تآمروا في الظلام لسنوات عديدة بسبب مطاردتهم من قبل عملاء صدام. ولا يزالون اليوم يتصرفون بحماس العاجزين. فهم لا يثقون بأحد، ويخلدون نظاما انتهازيا واستبداديا. ولا يزال الاغتيال السبب الأكثر احتمالا للوفاة في السياسة العراقية.
وبيروقراطية الدولة مختلة وظيفيا بالقدر نفسه, فالمؤسسات الحكومية تعد غنائم، يتم تقسيمها بين الأحزاب. وتمتلئ لجنة الهجرة بموظفين حلفاء لشيعة إيران. ويسيطر حزب الدعوة على منظمة الشهداء، التي تدعم أسر ضحايا الحرب. وأصبح حتى البنك المركزي واللجنة الانتخابية حزبيين. ولا يسيطر رئيس الوزراء، نوري المالكي، كثيرا على وزرائه، إذ إن العديد منهم تحت سيطرة منافسيه. وتلوث الحروب على المناطق كل شيء.
ما سبب هذا العدد الكبير من أصحاب المصلحة؟ أحد الأسباب هو انعدام الثقة العميق بين الأحزاب. والأهم من ذلك الأموال التي يمكن كسبها, فالعراق هو رابع أكثر دولة فاسدة في العالم، وفقا لمنظمة الشفافية الدولية، هيئة المراقبة في برلين. فلوحة السيارة تكلف ثلاثة آلاف دولار من الرشا. وتكلف وظيفة الشرطي خمسة آلاف دولار. ولشغل منصب عقيد في الجيش، يجب دفع 300 ألف دولار. ومناصب القضاة تكلف أكثر من ذلك، بالنظر إلى الفرص الواسعة لتوليد الدخل الخاص من تلك المناصب.
إلا أن المواطنين العراقيين هم الخاسرون, فلا يمكنهم الاعتماد على حكومتهم للحصول على البنية التحتية الأساسية. ولا يتم تسيير رحلات جوية من بغداد إلى الموصل، المركز الواقع شمال البلاد، بما أن قادة منافسين يتولون زمام الأمور هناك. وتتناثر على الطريق إلى عمارة والبصرة جسور علوية نصف مبنية، ولن يتم إنهاء بنائها كما يبدو. وتوجد على جانب الطريق أبراج كهرباء وقعت على الأرض. لا عجب إذن أن نسبة 25 في المائة من العراقيين فقط يحصلون على الكهرباء التي يحتاجون إليها. وتستطيع هذه النسبة المئوية نفسها الحصول على الرعاية الصحية؛ 22 في المائة يعانون سوء التغذية. ويحتل العراق المكانة 162 في التصنيف العالمي للدخل الفردي.

ابق بعيدا إن استطعت
هناك شيء واحد فقط يمنع حدوث أزمة إنسانية: العمالة في القطاع العام, فالدولة تسهم بثلاث وظائف من أصل خمس وظائف، وسيتم إنفاق 70 في المائة من ميزانية هذا العام على الرواتب والمعاشات التقاعدية. ويعترف إياد السامرائي، رئيس البرلمان، بأن النفقات الرأسمالية نادرة. ومكتبه مزين بكراسي مذهبة ومنحوتات باهظة الثمن، تم طلبها من قبل سلفه. وهو يقول: ''هذا ما يعتبر بصورة خاطئة استثمارا''.
وحالة القطاع الخاص أسوأ. فلم تظهر سوى القليل من الشركات متوسطة الحجم منذ الغزو. والشركات هي إما شركات عائلية صغيرة وإما شركات عملاقة قوية. ومن المفترض أن تستوعب الصناعات غير النفطية، التي لا تزال مملوكة جزئيا للدولة، العمالة. لكنها لا تمثل سوى 13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي (المتوسط الإقليمي هو 33 في المائة). والنتيجة هي التكاسل عن العمل على مستوى جماهيري. ويقول الجنود الأمريكيون المتمركزون في مناطق ريفية لا يوجد فيها كثير من الوظائف الحكومية, إن معدل البطالة هناك يقترب من 80 في المائة. ويبلغ معدل البطالة الوطني 45 ـ 47 في المائة، بما في ذلك العاملون في وظائف لا تتناسب ومؤهلاتهم - وتنمو قوة العمل بمقدار 240 ألفا سنويا بسبب ارتفاع معدل المواليد.
والبقعة المشرقة الوحيدة هي الاستثمار الأجنبي، الذي معظمه في النفط. ففي الأشهر الثلاثة الأخيرة، وقع العراق عشر اتفاقيات مع شركات دولية كبيرة: قد تسهم هذه في النهاية في زيادة عائدات النفط العراقية، التي تعد المصدر الرئيس لتمويل الدولة، بنسبة الضعفين أو ثلاثة أضعاف. وبدأت أيضا شركات البناء والخدمات بالتوافد، ومعظمها من الدول المجاورة وآسيا. إلا أن الشركات الغربية غير النفطية تميل إلى البقاء بعيدا. ففي العام الماضي، في المعرض التجاري الأول منذ الغزو، كانت هناك ثلاث شركات أمريكية فقط فقط من أصل 396 شركة. وأحد أسباب ذلك هو الأمن. وتشير التقديرات إلى أن حماية الموظفين والمنشآت تزيد النفقات بنسبة 25 في المائة تقريبا. والأهم من ذلك هو أن المديرين التنفيذيين يخشون ''النظام التنظيمي الغامق غير المنسق، وتسجيل الأراضي غير الواضح أو غير المؤكد، وآليات تسوية الخلافات غير المجربة، والفساد المستشري''، كما جاء في تقرير حديث صادر عن الكونجرس الأمريكي. ويحتل العراق المكانة 153 في العالم من حيث سهولة ممارسة الأعمال التجارية.
ومن المفترض أن يكون لدى الدولة كثير من المال في المستقبل. فقد تم شطب معظم ديونها. وتأمل أن تتمكن في غضون عامين أو ثلاثة من الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. ويراوح النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي حول نسبة 5 في المائة وانخفض معدل التضخم من 13.6 في المائة عام 2008 إلى 5.5 في المائة عام 2009. وهذا ليس سيئا، لكن هل سيستفيد الفقراء من الثروة النفطية؟ تتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء في الوقت الحالي.
وفي خضم كل هذا، تضع الحكومة خططا لتدفق العمال الوافدين من جنوب آسيا الذين سينظفون ويطهون ويبنون الطرق بأجور أقل من السكان المحليين.
ومن المنصف القول إنه من الصعب بناء دولة تتعرض للهجوم, ففي الأشهر الستة الماضية، دمرت السيارات المفخخة خمس وزارات. ويركز المتمردون بدرجة متزايدة على الحكومة، فهم يريدون تقويض النظام عن طريق منعه من إنجاز الأمور. والتغيير على مستوى النظام بعيد المنال حتى لو لم يكن هناك تمرد. فقد كان العراق منغلقا وفاسدا ومركزيا بشكل كبير منذ عقود عديدة. وإعادة الإعمار ستستغرق وقتا طويلا على كل الأحوال.
ويطالب الجنرالات والدبلوماسيون الأمريكيون بالتحلي بالصبر، وهم على حق. فهم أنفسهم يعملون في ظل ظروف صعبة - على الرغم أنهم يسهمون أحيانا في الاختلال الوظيفي في العراق. فالتناوب المستمر للموظفين ومشاركة أكثر من 60 وكالة حكومية أمريكية في إنفاق 53 مليار دولار أضعفت أكبر مشروع للمساعدات منذ خطة مارشال.

إلقاء اللوم على السياسيين
لكن لا أحد يتحمل أكثر المسؤولية عن الحالة المؤسفة للعراق أكثر من القادة السياسيين فيه, فقد توافرت لهم فرصة كبيرة لتسوية خلافاتهم حين أرسل جورج بوش قوات إضافية إلى الدولة قبل ثلاث سنوات، ما خفض مستوى العنف بدرجة كبيرة, لكنهم لم ينتهزوها. وعلى الرغم من أن العراقيين سئموا العنف، إلا أن قادة الميليشيات وزعماء الأحزاب في الوقت نفسه يؤيدون فكرة المصالحة دون أن يفعلوا شيئا حيال ذلك. ويقول موفق الربيعي، مستشار الأمن القومي السابق: ''الأمر أشبه بمضغ علكة. فأنت تمضغها لبعض الوقت ولا يحدث شيء، ثم تبصقها من فمك''.
ونجح بعض التدابير، حيث حصل رجال الميليشيات السنية الذين تعاونوا مع القوات الأمريكية على الوظائف الحكومية التي وعدوا بها، وإن كان كثير منهم لا يشعر بالسعادة بتوظيفهم كعمال نظافة بدلا من جنود. واتخذت الميليشيات الشيعية أيضا خطوات نحو التعايش السلمي، حيث أفرجوا عن بعض الرهائن (على الرغم من حدوث بعض عمليات الاختطاف أخيرا وشن هجمات بقذائف الهاون تستهدف المنطقة الخضراء الآمنة في بغداد، التي أثارت الشكوك في نياتهم).
لا تكمن المشكلة الحقيقية في المقاومة المسلحة، التي هي الآن نشاط هامشي، بل في عدم التعاون في الوسط, فالمستقبل يعتمد على تقاسم السلطة بين اللاعبين الرئيسيين. وعلى السنة أن يتقبلوا فكرة أنهم، باعتبارهم طائفة أقلية، سيكونون في المكانة الثانية. وبالمثل، يجب على الشيعة الامتناع عن اعتبار نصرهم في الحرب الطائفية بمثابة ضوء أخضر لتحقيق أهداف متطرفة. ويجب على الأكراد التخلي عن حلمهم في الاستقلال التام، الذي قد يغرق العراق في حرب عرقية - وهو الخطر الذي يصفه الجنرال Ray Odierno، قائد القوات الأمريكية في العراق، أكبر خطر يهدد الاستقرار في المستقبل. لقد كان الأمل كبيرا العام الماضي في أن تؤدي الانتخابات إلى التغيير. فقد كانت أمريكا تعد الانتخابات حدثا تحويليا من شأنه أن يرسخ الهدوء في الشوارع ويتيح لقواتها القتالية العودة إلى الوطن. فقد كانت فرصة كي يختار العراقيون قادة جددا أقل اهتماما بالمكاسب الشخصية والطائفية. وكان يبدو أن الأحداث السياسية تؤكد التفاؤل الأمريكي، خاصة تفكك الكتلة البرلمانية الشيعية التي فازت بالسلطة في الانتخابات الأخيرة عام 2005، ما أدى إلى إخراج معظم السنة من اللعبة.
وفشل قادة الشيعة هذه المرة في تشكيل قائمة جديدة. فقد انقسموا إلى مجموعتين كبيرتين بسبب عدم قدرتهم على الاتفاق على مرشح لمنصب رئيس الوزراء. واندمج اثنان من الفصائل الشيعية الرئيسة الثلاثة في زواج مصلحة. واجتمع المجلس الإسلامي الأعلى للعراق، المقرب جدا من إيران، مع عدوه اللدود، مقتدى الصدر، رجل الدين وزعيم الميليشيا الشعبي. واتحد الاثنان عبر عدة مجموعات أصغر وشكلوا مجموعة شيعية رئيسية، هي التحالف الوطني العراقي. ومعظم أعضاء هذه المجموعة ملتزمون بالقيادة الدينية الشيعية. إلا أن كثيرا من العراقيين انقلبوا الآن ضد هذه الرؤية لبلادهم. وعادت القومية العربية للظهور. ومع ذلك، سيفوز هذا التجمع الشيعي بكثير من الأصوات, فأهمية الصدر على وجه الخصوص لا تقدر كما هي حقا. فقد تخلى عن جذوره القتالية واكتسب مكانة كمرشح لطبقة رجال الدين برتبة مجتهد وبنى آلة سياسية هائلة.

شكرا.. لا نريد دولة دينية
إلا أن التغيير الذي طرأ المزاج العام أعطى المالكي، الذي يقود ما تبقى من حزب الدعوة، الفصيل الشيعي الرئيسي الثالث، فرصة. فقبل أربع سنوات كان رئيس الوزراء نكرة. وقد اختاره حلفاؤه المتشاحنون ليرأس الحكومة بسبب ضعفه المفترض. لكنه تمكن من تحويل نفسه إلى زعيم وطني له أتباع أقوياء. وبفضل مساعدة أمريكا (التي نادرا ما يعترف بها)، تمكن من تقليل مستوى العنف وتعزيز التوقعات المستقبلية للنفط. وهو اليوم يصنف نفسه كمدافع عن العراق السيادي المزدهر ويعد بأن يعتني بالسنة والشيعة على حد سواء إذا تمت إعادة انتخابه.
ويتنافس أيضا تحالفان جديدان وعلمانيان بصورة واضحة في انتخابات يوم الأحد, فالحركة الوطنية العراقية يرأسها إياد علاوي، رئيس الوزراء الشيعي السابق، الذي لديه عديد من الشركاء السنة المؤثرين. ويروج تحالفه لهوية عربية علمانية قوية بعيدة عن إيران. وهناك كتلة غير طائفية أخرى بقيادة جواد البولاني، وزير الداخلية الشيعي، الذي انضم إلى أحمد أبو ريشة، الزعيم القبلي السني القوي. ويعد تحالفهما، تحالف الوحدة، بتحقيق الكفاءة التكنوقراطية والقضاء على الفساد.
والتجمع الجدي الآخر الوحيد في ورقة الاقتراع هو التحالف الكردي الرئيسي. وهو حاليا الشريك الأصغر في الحكومة التي يقودها الشيعة، ويتنبى وجهات نظر عرقية بصورة صريحة. ويأمل أن يجبر بغداد على الاتفاق على حدود داخلية مواتية، وصفقات لاقتسام عائدات النفط، وضمانات دستورية للحكم الذاتي. لكنه يواجه، مثل الشيعة، معارضة من الداخل. فالحزب الكردي الجديد، Goran (التغيير)، يسحب منه التأييد عن طريق فضح انتهاكاته للسلطة. وهناك ثلاثة تحالفات على الأقل لديها فرصة واقعية لترشيح رئيس وزراء: تحالف المالكي وتحالف علاوي والحزب المظلي الشيعي. ومن المرجح أن يحصل كل منهم على ما بين 15 في المائة و30 في المائة من الأصوات، وفقا لاستطلاعات الرأي العراقية التي يعرف أنها غير موثوقة. وسيحتاج الفائز إلى شريكين أو أكثر في التحالف للحصول على أغلبية. ويشير هذا إلى تشكل حكومة وحدة وطنية. وسيكون بعض السنة على استعداد لتقاسم السلطة؛ فقد فشلوا، خلافا للشيعة، في تشكيل حتى ما يشبه جبهة موحدة.
لكن للأسف، هناك حدود للمد المتصاعد من الفترة ما بعد الطائفية. فقبل شهرين، قامت لجنة غامضة فقدت فاعليتها كانت مكلفة بمهمة استئصال أعضاء من نظام صدام حسين بمنع أكثر من 500 مرشح من أصل ستة آلاف من الانتخابات. ولا شك أن بعضهم كان فاسدا. إلا أن معظمهم كانوا من العلمانيين والقوميين المشروعين الذين كان من المرجح أن يكون أداؤهم جيدا. ويسيطر التحالف الشيعي الذي يخضع للنفوذ الإيراني على هذه اللجنة. وتم تبادل اتهامات صاخبة لمدة أسابيع. وفي النهاية، تم السماح لمعظم المرشحين المحظورين بترشيح أنفسهم أو الانسحاب طوعا. إلا أن السنة هددوا بمقاطعة الانتخابات واتهم الزعماء الشيعة خصومهم السنة بأنهم حلفاء للديكتاتور السابق. وتخلى المالكي نفسه عن الموقف الوسط العلماني وانضم لمطاردة المناهضين لصدام. وعاد الناخبون من كلا الجانبين إلى تداول الرواية الشعبية التي تتحدث عن الضحايا والانتقام. وهكذا بدأت حملة انتخابية قذرة جدا. فقد تم قتل وترهيب موظفي الأحزاب. وانتشر شراء الأصوات. كما انتشرت ممارسة حشو صناديق الاقتراع على نطاق واسع. واستجاب الناخبون لذلك باللامبالاة أو العداء الصريح. ولم يتجرأ سوى قليل من المرشحين على الخروج ومحاولة الحصول على الأصوات. ولم يكن ذلك لأسباب أمنية فقط, فالناخبون الشيعة بصورة خاصة يشعرون بخيبة أمل من النظام برمته. وعلى عكس السنة، صوتوا بأعداد كبيرة في الانتخابات الأخيرة، لكنهم لم يروا نتائج سوى تنازع السياسيين الذين ملأوا جيوبهم بالمال. وفي الأسبوع الماضي، بثت قناة ''الشرقية'' التلفزيونية لقطة لأحد المرشحين وهو يقترب من جماعة من البدو ويعرض عليهم كومة من البطانيات كهدية. لكنهم رفضوا وقالوا: ''أنت من تحتاج إلى هذه البطانيات - لتغطية خطاياك''. وقد يقرر الناخبون يوم الأحد البقاء في منازلهم. ويتوقع أن يكون الإقبال ضعيفا، وربما أقل من نصف الناخبين المسجلين البالغ عددهم 19 مليونا. وهناك خطر حقيقي ألا تتمكن المؤسسات الديمقراطية في العراق من البقاء. فهي ضعيفة جدا وفاسدة للغاية بحيث لا تستطيع حل كثير من مشكلات الدولة على نحو سلمي وموثوق. ويستطيع السياسيون الطموحون الخروج من الإطار المؤسسي لتحقيق أهدافهم الحزبية. وبدورهم، بدأ الناس يفقدون إيمانهم بالديمقراطية، التي لا يبدو أنها تحقق لهم أي نتائج. وعدم الاستقرار هذا يفتح المجال ثانية أمام الميليشيات. ويبدو أنها توفر طرقا مختصرة لتحقيق النجاح، خاصة في أعقاب الانتخابات. وبما أن أسيادهم السياسيين سيعلقون قريبا في مفاوضات حساسة لتشكيل التحالفات، والتي قد تستمر لعدة أشهر، قد يتم اللجوء إليها لشن هجمات تهدف إلى التأثير في تقسيم السلطة. وحينها قد يلوم السياسيون المتنافسون بعضهم بعضا، ما يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار.
وليس من المرجح بعد العودة إلى حرب طائفية شاملة، بالنظر إلى الوجود الأمني المكثف. إلا أن هناك كثيرا من الطرق الأخرى التي قد ينزلق فيها العراق. فقد يؤدي النزاع العربي ـ الكردي، إذا لم تتم تسويته، إلى تحريض قوتين مسلحتين جيدا ضد بعضهما بعضا. وهناك أيضا حديث عن انقلاب. والظروف مهيأة: نخبة فاسدة، وقوات مسلحة تزداد قوة، وسكان ساخطون يرغبون في الاستقرار، وإن كان تحت قيادة زعيم قوي من النوع الذي يعرفه العراق جيدا.

العودة إلى النظام الاستبدادي
لكن المرجح أكثر من الانقلاب هو استيلاء سياسيين وجنرالات مستبدين يعملون معا. ومثل كثير من منافسيه، يبدو المالكي عاجزا عن اتخاذ مثل هذه الخطوة. فقد جعل السيطرة على الأجهزة الأمنية مركزية، وفرض حظر تجول، وتغاضى عن ممارسات التعذيب التي تقوم بها الشرطة، وحاول تكميم أفواه الإعلام، ونشر القوات المسلحة للتأثير في الخلافات بين الأحزاب السياسية. وفي أفضل الأحوال، يمكن للعراق أن يتوقع استمرار الحالة الراهنة. وسيعزز الشيعة سلطتهم ويحتلون أرخبيلا من الإقطاعيات، ويخدعون الشعب كثيرا. وستكون سياسة حافة الهاوية هي القاعدة. ويصف أحد كبار المستشارين في الحكومة الوضع كما يلي: ''يمكن توقع حدوث أزمة في العراق. فلن تكون هذه دولة طبيعية، لكنها لن تنهار أيضا ـ إن شاء الله''. ويراقب جيران العراق الأحداث بقلق. وربما ليس للدول العربية إلى الجنوب تأثير يذكر، لكن لديها الكثير لتخسره إذا انزلقت الدولة ثانية إلى مدار إيران. وعلى الرغم من أن إيران لا تزال لا تحظى بشعبية كبيرة في الشارع العراقي، إلا أن لها جذورا عميقة في الطبقة السياسية، التي تترسخ أكثر فأكثر على مر السنين. حتى المالكي، الذي طالما كان يميل إلى أمريكا، بدأ أخيرا بالميل نحو إيران، حيث يدعم الحملة التي تقودها طهران بتطهير المرشحين المرتبطين، كما يزعم، بصدام. ويتضاءل نفوذ أمريكا بصورة ملحوظة مع انسحاب قواتها. وعلى الرغم من إنفاق 800 مليار دولار على العراق خلال السنوات السبع الماضية، إلا أن الخطة التي وضعتها للدولة لم تنجح بعد

الأكثر قراءة