إبادة النوع
تخيل أنك أحد زوجين شابين ينتظران طفلهما الأول في دولة فقيرة سريعة النمو. فأنت جزء من طبقة وسطى جديدة، ودخلك بدأ في الارتفاع، وتريد تكوين عائلة صغيرة. لكن العادات التقليدية قوية في مجتمعك، وأهمها تفضيل الأبناء على البنات. وربما لا تزال هناك حاجة إلى شخص قوي جسديا في العائلة لتتمكن من كسب معيشتها. وربما الأبناء فقط هم الذين يرثون الأرض. وربما تعد الابنة عضوة في عائلة أخرى حين تتزوج لكنك تريد شخصا يهتم بك حين تشيخ, وربما أيضا تحتاج الفتاة إلى مهر.
والآن تخيل أنك قمت بإجراء التصوير بالموجات فوق الصوتية؛ فهو يكلف 12 دولارا، لكنك تستطيع دفع التكلفة, وتبين من الفحص أن الجنين فتاة. وأنت تفضل صبيا، وبقية أفراد العائلة يتوقون إلى وجود صبي ويعبرون علانية عن ذلك. بالطبع أنت لا تفكر أبدا في قتل طفلة رضيعة، كما يفعلون في القرى. إلا أن الإجهاض يبدو مختلفا .. ماذا ستفعل؟
بالنسبة إلى ملايين الأزواج، الإجابة عن هذا السؤال هي إجهاض الفتاة، ومحاولة إنجاب صبي. وفي الصين وشمال الهند، يولد أكثر من 120 صبيا مقابل كل 100 فتاة. ويولد عادة عدد أكبر بقليل من الذكور مما يولد من الإناث لتعويض تعرض البنين الأكبر لأمراض الطفولة, لكن ليس على هذا النطاق.
لكن بالنسبة إلى أولئك الذين يعارضون الإجهاض، يعد هذا قتلا جماعيا. وبالنسبة إلى أولئك الذين يعتقدون أن الإجهاض لا بد من أن يكون ''آمنا وقانونيا ونادرا'' (على حد تعبير بيل كلينتون)، يعتمد كثيرون على الظروف، إلا أن النتيجة التراكمية لمثل هذه الأفعال الفردية على المجتمعات كارثية. فمن المتوقع في الصين وحدها أن يكون عدد الشباب غير المتزوجين - الذين يطلق عليهم ''الفروع العارية''- مماثلا لعدد جميع سكان أمريكا من الشباب. ووجود ذكور شباب غير مستقرين في أي دولة يعني المشكلات؛ في المجتمعات الآسيوية، التي يعد فيها الزواج وإنجاب الأطفال الشكل المعترف به للدخول إلى المجتمع، ينظر إلى الرجال العازبين كأنهم خارجون عن القانون, فمعدلات الجريمة والاتجار بالعرائس والعنف الجنسي, بل حتى معدلات الانتحار بين الإناث كلها في تزايد وستزيد أكثر مع بلوغ الأجيال غير المتوازنة إلى ذروتها. وليس من قبيل المبالغة أن نطلق على ما يحدث أنه إبادة النوع, فالنساء يختفين بالملايين ـ سواء بالإجهاض أو القتل أو الإهمال حتى الموت. وفي عام 1990، قدّر الاقتصادي الهندي، Amartya Sen، العدد بـ 100 مليون؛ والعدد أعلى الآن. لكن هناك بارقة أمل، وهي أن الدول تستطيع تخفيف الأذى، وأن إحدى الدول، كوريا الجنوبية، أثبتت أنه يمكن تجنب الأسوأ. ويجب على دول أخرى أن تتعلم منها إذا أرادت وقف هذه المذبحة.
الندرة وموت الشقيقات الصغيرات
يعرف معظم الناس أن هناك أعدادا كبيرة بصورة غير طبيعية من الأولاد في الصين وشمال الهند. لكن لا يدرك سوى قلة فقط مدى سوء المشكلة، أو حقيقة أنها آخذة في التفاقم, ففي الصين كان اختلال التوازن بين الجنسين 108 صبيان مقابل كل 100 فتاة بالنسبة إلى الجيل المولود في أواخر الثمانينيات، لكنه بلغ 124 إلى 100 في السنوات الأولى من العقد الممتد بين 2000 و2009. وترتفع النسبة إلى مستوى غير مسبوق في بعض المقاطعات الصينية، إذ تبلغ 130 إلى 100. وهذا الاختلال هو الأسوأ في الصين لكنه انتشر إلى خارجها. فهناك اختلالات كبيرة في التوازن بين الجنسين في دول أخرى في شرق آسيا، بما في ذلك تايوان وسنغافورة والدول الشيوعية السابقة في غرب البلقان والقوقاز، بل حتى بعض شرائح السكان الأمريكيين (الأمريكيون اليابانيون والأمريكيون الصينيون مثلا). فإبادة النوع موجودة في كل قارة تقريبا، وهي تؤثر في الفقراء والأغنياء والمتعلمين والأميين والهندوس والمسلمين والكونفوشيوسيين والمسيحيين على حد سواء. ولا تمنع الثروة حدوث مثل هذه الإبادة, فاقتصاد تايوان وسنغافورة منفتح وثري. أما في الصين، فإن المناطق التي تنتشر فيها أعلى معدلات اختلال التوازن بين الجنسين هي الأكثر ثراء والأفضل تعليما. وسياسة الطفل الواحد المطبقة في الصين ليست سوى جزء من المشكلة، بالنظر إلى أن كثيرا من الدول الأخرى تعانيها أيضا.
إن الضرر الواقع على الرضّع من الفتيات هو في الواقع نتاج ثلاث قوى: التفضيل القديم للذكور، والرغبة الحديثة في تكوين عائلات أصغر، ومسح الموجات فوق الصوتية والتقنيات الأخرى التي تحدد جنس الجنين. ففي المجتمعات التي من الشائع فيها إنجاب أربعة أو ستة أطفال، فإن الصبي سيأتي في النهاية، لذا لن يكون تفضيل الذكور هنا على حساب البنات. إلا أن الأزواج الآن يريدون إنجاب طفلين - أو لا يسمح لهم إلا بإنجاب طفل واحد، كما هو الحال في الصين - لذا سيضحون بالبنات اللاتي لم يولدن بعد من أجل الحصول على ابن. وهذا هو سبب كون معدلات التوازن بين الجنسين هي الأكثر اختلالا في المناطق العصرية المنفتحة في الصين والهند. وهو أيضا السبب في كون المعدلات أكثر انحرافا بعد الطفل الأول: فقد يقبل الوالدان بالابنة في المرة الأولى لكنهم سيفعلون أي شيء لضمان أن يكون المولود التالي - وربما الأخير- ولدا. وتزيد نسبة الأولاد إلى البنات على 200 في المائة بالنسبة للطفل الثالث في بعض الأماكن.
كيفية وقف ذلك
إن الفتيات الصغار هن ضحايا لمزيج خبيث من التمييز القديم والتفضيل الحديث للعائلات الصغيرة ولم تتمكن سوى دولة واحدة من تغيير هذا النمط, ففي التسعينيات كانت النسبة بين الجنسين في كوريا الجنوبية مشوهة مثل النسبة في الصين تقريبا. أما الآن فهي تتجه نحو المعدل الطبيعي. ولم تحقق كوريا الجنوبية ذلك بصورة متعمدة، بل بسبب تغير الثقافة. فتعليم الإناث ودعاوى مكافحة التمييز العنصري والأحكام الصادرة لمصلحة المساواة في الحقوق, كل هذه جعلت تفضيل الذكور يبدو قديما وغير ضروري. فقد أسهمت قوى الحداثة في البداية في تفاقم هذا التمييز- ثم تغلبت عليه. إلا أن هذا حدث حين كانت كوريا الجنوبية غنية. ولو انتظرت الصين أو الهند - التي تبلغ الدخول فيها نسبة الربع والعشر من مستويات كوريا - إلى أن تصبحا بنفس ثرائها، ستمر أجيال عديدة قبل تحقيق ذلك. ولتسريع التغيير، عليهما اتخاذ إجراءات تصب في النهاية في مصلحتهما. وبالطبع، يجب أن تلغي الصين سياسة الطفل الواحد. وسيعارض قادة الدولة هذا بسبب خوفهم من نمو السكان؛ كما أنهم يرفضون مخاوف الغربيين بشأن حقوق الإنسان, إلا أن سياسة الطفل الواحد لم تعد ضرورية لخفض معدل الخصوبة (هذا إن كانت أصلا ضرورية: قللت دول أخرى في شرق آسيا الضغوط على السكان بالقدر نفسه الذي حققته الصين). كما أنها تشوه المعدلات بين الجنسين بصورة كبيرة، ولهذا نتائج مدمرة. ويقول الرئيس هيو جينتاو إن إنشاء ''مجتمع متناغم'' هو المبدأ الذي يسترشد به؛ ولا يمكن تحقيق ذلك بوجود سياسة تفسد الحياة الأسرية بهذه الصورة الكبيرة. وينبغي على جميع الدول أيضا رفع قيمة الفتيات, فعليها تشجيع تعليم الإناث، وإلغاء القوانين والأعراف التي تمنع البنات من وراثة الممتلكات، ومعاقبة المستشفيات والعيادات التي تظهر معدلات غير طبيعية بين الجنسين، وإشراك النساء في الحياة العامة - باستخدام كل شيء من قارئات نشرات الأخبار التلفزيونية إلى شرطة المرور النسائية