السباق إلى القاع

السباق إلى القاع

في السابق كانت الدول تفتخر بعملاتها القوية، حيث كانت تعدها رمزا لقوتها الاقتصادية والسياسية, واليوم، يبدو أن أسواق صرف العملات الأجنبية موطن للعملات الضعيفة.
في البداية، انخفض الدولار عام 2009 مع عودة الرغبة في المجازفة والقدرة على اقتراض العملة بأسعار منخفضة جدا، ما أدى إلى تدفق المال من أمريكا لاستخدامه في صفقات ''تجارة المناقلة'' التكهنية. ثم انخفض اليورو بسبب المخاوف من تعرض منطقة اليورو لمشكلات الديون السيادية في جنوب أوروبا. وأخيرا انخفض الجنيه الاسترليني هذا الأسبوع بسبب المخاوف من عجز الحكومة البريطانية وجمود السياسة التي ربما ينتج عن البرلمان المعلق بعد الانتخابات العامة المتوقعة في أيار (مايو).
هل هناك أي دلائل تشير إلى أن السياسيين ومحافظي البنوك المركزية يشعرون بالاستياء من تخفيضات قيمة العملة هذه؟ لا، ليس على الإطلاق. فمحافظ بنك إنجلترا، Mervyn King، يرحب، كما يبدو، بضعف الجنيه الاسترليني معتبرا إياه دفعة للمصدرين. وأعرب السياسيون الأوروبيون، مثل Christine Lagarde، وزيرة المالية الفرنسية، عن سرورهم من انخفاض اليورو في الآونة الأخيرة لأسباب مماثلة. وفي الوقت الذي تردد فيه السلطات الأمريكية إيمانها بقوة الدولار، إلا أنها لم تفعل شيئا لدعمه، حيث لم ترفع أسعار الفائدة أو تخفض العجز المالي أو تتدخل في الأسواق.
وليس هناك أيضا كثير مما يدل على الفرح في الدول التي لا تزال عملاتها قوية. فقد تدخل السويسريون لخفض قيمة الفرنك. ودعا وزير المالية الياباني، Naoto Kan، إلى ضعف الين (على الرغم من أنه تلقى توبيخا من رئيس الوزراء لأنه فعل ذلك).
والدولة الوحيدة التي يتفق معظم الاقتصاديين على أنها يجب أن تسمح لعملتها بالارتفاع هي الصين (نظريا، من المفترض أن ترتفع عملات الدول سريعة النمو على المدى الطويل). إلا أنها تقاوم هذا الإغراء، وتتدخل لمنع اليوان من الارتفاع مقابل الدولار.
لماذا تفضل الدول العملات الضعيفة هذه الأيام؟ يبدو أن السبب هو مصالح المصدرين التي هي في المقام الأول الآن، بالنظر إلى التدافع اليائس لتحقيق النمو الذي أعقب أزمة الائتمان والركود العالمي.
وبطبيعة الحال، لأنه لا يمكن أن تنخفض قيمة العملات كلها مرة واحدة، يبدو أن هناك نوعا من تناوب الأدوار بين الدول كي تكون أرض سعر الصرف المرتفع. ويبدو أن دور البطولة قصير، إما لأن الحكومة تتخذ إجراءات لإضعاف العملة، وإما لأن الأخبار الاقتصادية تدفع الأسواق لتخفيضها.
وفي الوقت نفسه، لم تتم معاقبة العملات الأضعف بالطريقة التقليدية - أي بارتفاع معدل التضخم. خذ الجنيه الاسترليني مثلا. فإذا أخذنا فترات ذروة العملة عام 2007 دليلا، نجد أن الجنيه الاسترليني انخفض بصورة أكثر حدة مقابل الدولار واليورو (نحو 25 ـ 30 في المائة) مما حدث بعد الانسحاب من آلية سعر الصرف عام 1992.
وفي السبعينيات، كان هذا الانخفاض في قيمة العملة مصحوبا بمستويات تضخم عالية. إلا أن الزيادة السنوية لمؤشر أسعار التجزئة البريطانية كانت 3.5 في المائة فقط في كانون الثاني (يناير)، بل زادت هذه النسبة جراء المعدلات الأعلى من ضريبة القيمة المضافة، وهي عامل محلي. ولا تدفع بريطانيا أيضا ثمنا باهظا لفقدانها الدائنين الأوروبيين والأمريكيين أكثر من ربع أموالها في ثلاث سنوات. وتبلغ أسعار الفائدة قصيرة الأجل 0.5 في المائة فقط والعائد على سندات الحكومة لمدة عشر سنوات 4 في المائة.

والدرس المستفاد من كل هذا واضح بالنسبة إلى البعض. فإذا كان جميع مصدري النقود الورقية يريدون تخفيض قيمة عملاتهم، فإن الحل الوحيد إذن هو امتلاك أصول لا يمكن للبنوك المركزية تخفيض قيمتها - خاصة الذهب. ولا بد من أن يكون أحد أسباب ارتفاع سبيكة الذهب إلى أكثر من 1100 دولار للأونصة الواحدة هذا العام القناعة بأن الحكومات ستزيد التضخم لتقليل الديون.
لكن من الصعب أن نرى كيف يمكن إحداث الزيادات المطردة في التضخم في السنوات القليلة المقبلة، بالنظر إلى كمية الطاقة الإنتاجية الفائضة في الاقتصاد العالمي. وليس من المؤكد على الإطلاق أيضا أن الحكومات قادرة على تنفيذ استراتيجية متعمدة برفع التضخم، بالنظر إلى فترة الاستحقاق القصيرة لديونها (أقل من خمس سنوات في حالة أمريكا). فالأسواق ستدرك ذلك وبالتالي تزيد عائدات السندات وفقا لذلك.
وفي الواقع، قد يكون التوتر الكبير السائد حاليا بشأن الديون السيادية دلالة على أن الدائنين بدأوا في فرض أنفسهم مرة أخرى، وأنهم يطالبون بعائدات أعلى من الحكومات الأقل حكمة. وقد تجد الحكومات التي تعتمد على الأجانب لتمويل العجز أن الخيار ''السهل'' لتخفيض قيمة العملة يحمل تكلفة أعلى بكثير عما كان عليه في السنوات الأخيرة. وبمرور الوقت، قد يتم اعتبار امتلاك عملة قوية مرة أخرى ميزة، وليس عائقا

الأكثر قراءة