الأمم المتحدة: هوة بين صغار المزارعين وشركات التصنيع

الأمم المتحدة: هوة بين صغار المزارعين وشركات التصنيع

حذر أوليفييه دو شاتر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء من استمرار ما وصفه بـ «عدم التوازن» بين صغار المزارعين وشركات تصنيع وتجارة المواد الزراعية العالمية داعيا إلى تصحيح هذا الوضع. وقدم دو شاتر في تقريره السنوي أمام مجلس حقوق الإنسان الدولي مجموعة من التوصيات المهمة لمعالجة هذا الخلل.

في مايلي مزيد من التفاصيل:

حذر أوليفييه دو شاتر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء من استمرار ما وصفه بـ «عدم التوازن» بين صغار المزارعين وشركات تصنيع وتجارة المواد الزراعية العالمية داعيا إلى تصحيح هذا الوضع. وقدم دو شاتر في تقريره السنوي أمام مجلس حقوق الإنسان الدولي مجموعة من التوصيات المهمة لمعالجة هذا الخلل تبدأ بضرورة دعم الدول لمواقف صغار المزارعين
من خلال بعض الآليات مثل إنشاء تعاونيات للمزارعين ومنحهم حوافز ضريبية لتعزيز قدرة صغار المنتجين على الحصول على أسعار أعلى عندما يسعون لبيع منتجاتهم ومساعدة المنتجين على تنفيذ المعايير الصناعية التي تزداد تعقيدا.
في الوقت ذاته، دعا المسؤول الدولي إلى «ضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الممارسات غير العادلة من الشركات والتركيز على إنشاء شبكات بيع المنتجات الغذائية الضخمة، وكذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد إساءة استعمال المراكز المهيمنة التي حصلت عليها بعض الجهات، حيث تضعف القوانين الحالية الموقف التفاوضي لصغار المزارعين»، إلى جانب تشديده على ضرورة دعم الصناعات الزراعية المحلية والإقليمية.
أما التوصية الثانية فإنها تركز على ضرورة وضع معايير خاصة تتعلق بشروط الإنتاج الغذائي تتناسب مع رأسمال أصحاب الحيازات الصغيرة، حيث وجد المقرر الخاص أن المعايير المفروضة الحالية تتطلب رؤوس أموال أعلى من إمكانات عديد من صغار المنتجين.
كما اقترح دو شاتر «إدخال تغييرات في ترتيبات الزراعة التعاقدية وتعزيز التجارة العادلة»، محذرا من «غياب آليات التظلم حيث يجب على المشتري أن يكون قادرا على تقديم شكوى من دون الخوف من الانتقام» مستندا في ذلك إلى رصده «مخاوف صغار المزارعين من الشطب إذا تقدموا بشكاوى ضد كبار المنتجين».
وتتناول التوصية الثالثة مجموعة من المقترحات تواجه الضغوط التي يتعرض لها المزارعون للإنتاج بأسعار منخفضة، حيث يجب على الدول وضع إطار قانوني واضح مع آليات إنفاذ قوية على أن يلتزم أصحاب الأعمال بمسؤولية احترام الحق في الغذاء وحماية العمال الزراعيين، حيث لا تسهم الشركات الزراعية بصورة مباشرة أو غير مباشرة في انتهاكات حقوق الإنسان من خلال علاقتها مع الموردين.
ويحدد التقرير مجموعة من الأدوات في هذا الصدد مثل مدونات السلوك والاتفاقات الإطارية الدولية التي تكون متاحة لشركات الأعمال الزراعية لضمان الأجور وتحسين ظروف العمل.
وشدد المسؤول الأممي في كلمته على أهمية الأعمال التجارية الزراعية في لعب دور رئيس في أعمال الحق في الغذاء لكن هذا يتطلب من الدول «إعطاء المزيد من الدعم لصغار المنتجين ودفع الشركات لتغيير سياسات التسعير والمعايير».
وأشار إلى أن عولمة قطاع الأغذية «أدت إلى وضع غير متكافئ بين كبريات الشركات المهيمنة وصغار الملاك الزراعيين، مما يضعف موقفهم التفاوضي فيما يتعلق بحصولهم على أسعار عادلة لمحاصيلهم».
وأكد دو شاتر أن هذه السلبيات مجتمعة تترك أثرا سلبيا على الحق في الغذاء «وهو ما يفسر جزئيا لماذا يعاني أصحاب الحيازات الصغيرة في البلدان النامية من الجوع في العالم اليوم»، على حد تعبيره.
وتعتبر الزراعة من أقدم الصناعات المكونة للاقتصاد العالمي، وقد شهدت تحولاً كبيراً في القرن الـ 20 خاصة خلال النصف الثاني منه، حيث تطورت أساليب الإنتاج والتخصص، وكان ذلك في كل من الدول النامية والدول المتقدمة، ولكن بدرجات متفاوتة، وتستوعب الزراعة على المستوى العالمي نحو 1.3 مليار عامل، وتنتج سلعاً مختلفة تبلغ قيمتها 1.3 تريليون دولار سنويا، ورغم اتساع مساحة الأرض المزروعة في العالم بنحو 10 في المائة فقط خلال الـ 40 عاما الماضية، إلا أن نصيب الفرد من المواد الغذائية ارتفع بنسبة 25 في المائة خلال الفترة نفسها رغم زيادة تعداد سكان العالم بنسبة 90 في المائة.
ويرجع ذلك إلى التطور الذي تمَّ في قطاع الزراعة في مجال طرق الإنتاج وأساليبه؛ مما أدى إلى انخفاض أسعار المواد الغذائية بنسبة 20 في المائة، وأصبحت تكاليف الغذاء لا تمثل سوى 14 في المائة من دخل الأسرة في الدول الغنية. ولقد تأثرت الزراعة كغيرها من النشاطات الأخرى بالتقدم التكنولوجي، وتعرضت في الوقت نفسه لبعض القيود السياسية والاقتصادية، فأصبح قطاع الزراعة مطالبا بإنتاج مواد غذائية بتكاليف منخفضة، وفي الوقت نفسه مراعاة الاعتبارات المتعلقة بالحفاظ على البيئة، وسلامة الأرض والحيوانات وصحة المستهلك، وفي ظل التطور الذي لحق بالزراعة أصبح المزارعون في معظم دول العالم مطالبين بالاستجابة لعوامل السوق، ومراعاة مطالب المستهلك النهائي للمنتج الزراعي، والملاحظ أن التطورات التي مرت بها الزراعة - ولا تزال - قد غيَّرت شكلها وحولتها إلى صناعة متعددة الفروع، ولا تقف عند حدود المزرعة بل تتعداها إلى معامل الإعداد والتجهيز والتصنيع، هذا إضافة إلى صناعة المخصبات وإمداد المزارعين بها، وتوفير الآلات الزراعية لهم، ويضاف إلى ذلك التسويق، حيث يبدأ النشاط الزراعي بالبذرة سواء الطبيعية أو المعدلة وراثيا وينتهي بمنافذ التجزئة، وتحول شكل النشاط الزراعي من سلسلة من الحلقات التي كانت تبدأ بالمزرعة وتنتهي بالمستهلك النهائي للسلع الزراعية إلى شبكة معقدة من موردي مستلزمات الإنتاج، والقائمين بعمليات التجهيز للسلع المنتجة، والمصنعين والمسوقين لها، وفي ظل إعمال آليات السوق أصبح هناك حرية الاختيار لما تزرعه وأين تبيعه، كل هذه عوامل وتطورات أثرت في الناتج الزراعي، ونصيب القائمين على العمل بالقطاع الزراعي.
وفي ظل المنافسة الدولية في مجال الإنتاج الزراعي، وكذلك المنافسة داخل الجماعات العاملة في القطاع الزراعي نفسه داخل كل دولة بدأ الإنتاج الزراعي يتحول من إنتاج المواد الأولية الزراعية أو السلع الخام العادية إلى إنتاج سلع على درجة عالية من التخصص لدرجة أن البعض أطلق عليها «بوتيك الزراعة» التي أصبحت تتحرك في عمليات التطوير لتلبية احتياجات المستهلكين في المقام الأول، وأصبح هذا واضحاً في السياسات ابتداء من مرحلة البذور وانتهاء بمرحلة البيع للمستهلك، وأصبحت أحلام المستهلك بالنسبة للسلع الزراعية أوامر للجهات القائمة على تطوير الزراعة في العالم، وعلى سبيل المثال كان بعض الأفراد يحلمون بنوع من العنب خالٍ من البذور، وقد نجحت الجهات العاملة في مجال البحوث الزراعية في تحقيق ذلك، وأصبح هذا المنتج الزراعي منتشراً في مختلف دول العالم .. وهكذا.

الأكثر قراءة