وماذا عن سعر الطاقة النووية؟

وماذا عن سعر الطاقة النووية؟

يعتقد كثيرون أنه بات من الواضح جدا الآن أن إيران تفضل الاستمرار في تخصيب اليورانيوم على التحدث مع أمريكا أو غيرها عن أنشطتها النووية المشبوهة. وإذا كانت جهود إقناعها قد فشلت، هل يمكن أن تدفع الضغوط الاقتصادية الشديدة النظام إلى أن يفكر ثانية في الثمن الذي سيدفعه مقابل تحديه؟
سيتم قريبا طرح قرار لفرض عقوبات جديدة للمناقشة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. لكن لنفترض أن الأمم المتحدة لم تتمكن من إقناع إيران بوقف نشاطها في معالجة اليورانيوم والبلوتونيوم- لاستخدامهما في مفاعلات الطاقة النووية المدنية التي لم يتم بناؤها بعد، كما تقول إيران، على الرغم من أن آخرين يشكون أنه سيتم استخدامهما لتصنيع قنبلة. في هذه الحالة، يجب إقناع عدد أكبر بكثير من الحكومات لفرض عقوبات اقتصادية مؤلمة لاجتذاب اهتمام النظام. لقد أضعفت روسيا والصين اللتان تمتلكان حق النقض ثلاث مجموعات سابقة من عقوبات الأمم المتحدة، وحققت مكاسب تجارية نتيجة لذلك. لكن ربما بدأت روسيا تشعر بالتردد. والأسباب موضحة في التقرير الذي سيتم مناقشته في الأول من آذار (مارس) من قبل مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية المكون من 35 دولة، هيئة المراقبة النووية التابعة للأمم المتحدة. وفي العام الماضي، تم اكتشاف أن ِإيران تقوم ببناء مصنع تخصيب يورانيوم كان سريا حتى ذلك الوقت في مجمع عسكري خارج مدينة قم. وزاد هذا المخاوف من أن لديها بالفعل برنامجا عسكريا سريا. وفي عام 2007، توصلت أمريكا إلى استنتاج مثير للجدل مفاده أن إيران كانت تطور رأسا حربيا نوويا لصاروخ، لكنها توقفت عام 2003. وفي أحدث تقرير لها، تتحدث الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن ''أنشطة سرية حالية'' محتملة، ما يوحي إلى أن مثل هذه الأنشطة لا تزال مستمرة.
وقد رفضت روسيا في السابق مثل هذه الأدلة باعتبار أنه لم تثبت صحتها. لكنها تشعر بالغضب من إيران لسببين. فقد رفضت الجمهورية الإسلامية صفقة تم وضعها العام الماضي من قبل أمريكا وروسيا وفرنسا والوكالة الدولية للطاقة الذرية كان من شأنها كسب الوقت للمحادثات عن طريق إخراج معظم يورانيوم إيران منخفض التخصيب (3.5 في المائة) من الدولة، وإعادته لاحقا على شكل قضبان أعلى تخصيبا (نحو 20 في المائة) لتوفير وقود جديد لمفاعل أبحاث صغير في طهران.
ثم بدأت إيران، وفقا لأحدث تقرير للمفتشين، في وقت سابق من هذا الشهر بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة بنفسها، في مصنعها الرئيس في ناتانز، رافضة الدعوات لكي تنتظر إلى حين توفر المفتشين ووضع مزيد من الرقابة. والمخزونات الكافية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة ستقلل بصورة كبيرة الوقت الذي يستغرقه التخصيب بنسبة 90 في المائة وهي النسبة اللازمة لتصنيع قنبلة.
وإذا كانت روسيا تؤيد الآن فرض عقوبات أكثر صرامة من قبل مجلس الأمن، قد لا ترغب الصين أن تكون العضو الدائم الوحيد في المجلس الذي يعرقل التدابير الجديدة. لكن سواء صوتت الدولتان بالموافقة، أو امتنعتا عن التصويت، ستعملان على إبقاء عقوبات الأمم المتحدة تستهدف الأفراد والشركات والبنوك المعنية مباشرة ببرامج إيران النووية والصاروخية. وقد يكون من بين التدابير الأخرى- التي سيكون تجاهلها أصعب بكثير- فرض حظر على مبيعات الأسلحة لإيران (تمنعها العقوبات السابقة بالفعل من تصدير أسلحتها) أو منع الاستثمارات الجديدة في صناعات الغاز والنفط. إلا أن روسيا تبيع الآن أسلحة لإيران (على الرغم من أنها أوقفت شحنة من صواريخ S-300 المتقدمة المضادة للطائرات)، واقتنصت الشركات الصينية عقود الطاقة التي تخلت عنها شركات أخرى بتشجيع من حكوماتها. وفي أواخر العام الماضي، بدأت أمريكا سرا بعقد اجتماعات غير رسمية مع مجموعة مكونة من نادي مجموعة السبع للاقتصادات الغنية, إضافة إلى أستراليا وكوريا الجنوبية والسعودية والإمارات. وتهدف هذه المبادرة إلى استراتيجية احتياطية في حال فشل عقوبات الأمم المتحدة أو إذا تبين أن العقوبات غير صارمة.
وهناك كثير من الأفكار عن التدابير الجديدة في وزارة الخزانة الأمريكية، التي أدركت قوة العقوبات المالية عام 2005، حين حددت بنك في ماكاو، وهو Banco Delta Asi، بسبب الاشتباه بقيامه بغسل الأموال نظرا لخدماته المصرفية لأشخاص وشركات مشبوهة في كوريا الشمالية وقامت لاحقا بقطع تعاملاته مع البنوك الأمريكية تماما. وقد أجبر هذا بنوكا أخرى على الاختيار بين التعامل مع كوريا الشمالية أو الحفاظ على قدرتها على الوصول للنظام المصرفي الأمريكي. ونفذت أمريكا حيلة مماثلة مع إيران. فقد تم الآن منع مجموعة من البنوك الإيرانية من نقل المال إلى أو من الولايات المتحدة، وقطع أكثر من 80 بنكا أجنبيا علاقاتها مع إيران أو في طور فعل ذلك. وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي، تم تغريم بنك Credit Suisse بغرامة قدرها 536 مليون دولار لأنه ساعد إيران على إخفاء صفقات مالية.
ويجبر هذا التجار والشركات الإيرانية على اتباع طرق ملتوية، وبالتالي مكلفة، لتمويل تجارتهم. وفي الوقت نفسه، عاقبت أمريكا أكثر من 100 شخص وكيان بسبب دعم برامج إيران النووية والصاروخية وهي تشجع حكومات أخرى على الحذو حذوها، حيث جمدت حسابات البنوك وأصول أخرى. وصنفت الحرس الثوري الإيراني، الذي ينظر إليه على نحو متزايد باعتباره قوة اقتصادية في الدولة من خلال ملكيته كل شيء من المناجم حتى شركات الهواتف المحمولة والبناء وميناء، بوصفه مؤسسة تشجع الانتشار النووي. وقالت للأجانب إنهم قد ينتهكون دون قصد القانون الأمريكي عن طريق تعاملهم مع المؤسسات أو الشركات الفرعية المملوكة للحرس الثوري. وقد بدأت ائتمانات التصدير لإيران تجف بسرعة، بما في ذلك الائتمانات من ألمانيا، التي كانت حتى وقت قريب جدا أحد شركائها التجاريين الأكثر حماسا. وتتفحص الحكومات من النمسا حتى أستراليا بعناية أكبر تراخيص التصدير الآن.
وتشمل الأفكار الأخرى التي تتم دراستها تمديد العقوبات المطبقة الآن على البنوك لتشمل شركات التأمين وإعادة التأمين أيضا؛ وفي الآونة الأخيرة، أخبر Lloyd من لندن صحيفة Financial Times أنه سيوقف تأمينه لشحنات النفط المكرر إلى إيران إذا نفذ الكونجرس خططه لإقرار عقوبات على مثل هذه التجارة. وقد يتم أيضا فرض قيود على السفن الإيرانية.
وكلما زاد عدد الحكومات التي تستطيع أمريكا إقناعها بالانضمام إليها، كانت العقوبات أكثر إيلاما. وتفيد التقارير بأن الاتحاد الأوروبي، الذي يمتثل بدقة حتى الآن للعقوبات التي وضعتها الأمم المتحدة (على الرغم من أن بعض الأعضاء مثل بريطاينا ذهبوا إلى حد أبعد، خاصة فيما يتعلق بالتدابير المالية)، يدرس الآن مقترحات جديدة قاسية. إلا أن حشد دول مثل السعودية والإمارات سيكون له تأثير رمزي وسياسي عظيم - خاصة إذا انضمت دبي، التي لديها تجارة مزدهرة مع إيران وكانت مركز الشبكة النووية غير المشروعة لعبد القادر خان، الذي ساعد إيران وغيرها في الأنشطة النووية السرية. وقد يؤثر هذا أيضا في تركيا والبرازيل، اللتين تشعران بالتردد حتى الآن بشأن العقوبات الجديدة، واللتين تقولان إنهما تستقيان الإرشاد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية (التي كانت أقل أهمية في السابق). والآن بدأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تغير رأيها .. فهل ستفعل تركيا والبرازيل ذلك أيضا؟
ويزعم قادة إيران حتى الآن أنهم لم يتأثروا بالتهديد بالعقوبات. ويقولون إن العقوبات تسهم في تقوية الأمة. وفي الحقيقة، فإن ما يسبب معظم الضرر هو سوء الإدارة الاقتصادية من قبل الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجّاد, فسياساته المبذرة استنفدت احتياطات الدولة، التي كان ينبغي أن تكون وفيرة بسبب الأرباح الطائلة التي تم تحقيقها في الماضي من النفط والغاز. والبطالة منتشرة، والتضخم بلغ معدلات كبيرة، وقد يرتفع بصورة خطرة إذا لم يتم التعامل على نحو صحيح مع إزالة الإعانات للوقود وغيره من السلع الأساسية التي تخنق الميزانية. وقبل فترة طويلة من الاحتجاجات التي اندلعت في أعقاب ما يعتبره كثيرون الانتخابات الرئاسية المسروقة في حزيران (يونيو) الماضي، كان أحمدي نجّاد يتعرض لانتقادات كثيرة في البرلمان وطبقة التجار في إيران، بسبب سلوكه الاستفزازي الذي لا داعي له الذي أدى إلى رفع تكلفة القيام بالأعمال وأعاق التجارة الإيرانية. إن الاقتصاد الإيراني أكثر ضعفا الآن. وقد يكون النفط والغاز، أكبر نقطة قوة له، نقطة ضعف أيضا. فصناعات النفط والغاز في إيران في حاجة ماسة إلى الأموال والدراية الأجنبية. وأشار تقرير حديث صادر عن مركز بحوث المجلس، البرلمان الإيراني، إلى أنه دون الاستثمارات الكبيرة، ستستورد إيران النفط بعد 16 عاما في أحسن الأحوال، وبعد ثماني سنوات في أسوأ الأحوال.
ولا يزال يتم عقد بعض الصفقات في مجال الطاقة، لكن لا يتم استكمال سوى القليل منها. ومن بين أصدقاء أمريكا ذوي العقلية المتشابهة هناك كثير منهم - مثل اليابان وكوريا الجنوبية في آسيا وبعض الدول في أوروبا - الذين لا يزالون يشترون كثيرا من نفطهم من إيران. فهل سيكونون على استعداد للبحث في مكان آخر بدلا من إيران؟ وهل ستكون السعودية وغيرها مستعدة للحفاظ على تدفق نفطها إذا فعلوا ذلك؟ إذا أريد للعقوبات على إيران أن تنجح، فإن الآن هو الوقت المناسب لتجربتها

الأكثر قراءة