إعادة تعريف المخاطر

إعادة تعريف المخاطر

قبل 11 شهرا، دفعت الحكومة الإندونيسية نحو 12 في المائة لجمع أموال طويلة الأجل على أسواق رأس المال الدولية، في حين كانت أمريكا تمول ديونها بأقل من 3 في المائة. وبحلول أوائل كانون الثاني (يناير)، زادت النسبة على الديون الأمريكية، إلا أن تكاليف التمويل لإندونيسيا انخفضت إلى أقل قليلا من 6 في المائة.
ولا يقتصر هذا التحول الملحوظ في تكاليف التمويل على إندونيسيا فقط. فقد أصدرت الحكومة الفلبينية سندا يستند إلى الدولار في كانون الثاني (يناير) بسعر فائدة يبلغ 5.7 في المائة. وقبل ذلك بعام، كان سعر الفائدة على سنداتها المستحقة 8.4 في المائة. ويشاع أيضا أن ماليزيا وكوريا الجنوبية في السوق من أجل الديون، وفي تناقض حاد مع بعض الإصدارات في الدول الغنية، من المرجح أن يكون المشترون بنفس حماس البائعين.
كما إن حماس المستثمرين لا يقتصر فقط على آسيا, فالعائدات على الديون السيادية في الأسواق الناشئة معا تقترب من أدنى مستوياتها على الإطلاق. ووفقا لـ Fernando Garrido، الذي ينسق عمليات الدين العام في وزارة المالية البرازيلية، فقد اجتذبت المزادات الثلاثة الأخيرة لسندات العشر سنوات طلبا قياسيا. وبلغت الملكية الأجنبية لسندات البرازيل المحلية أعلى مستوى لها على الإطلاق في كانون الثاني (يناير)، كما يقول.
ويكمن جزء كبير من جاذبية الأسواق الناشئة في هيكل ميزانيات الدول, ففي آسيا، ساعد مزيج من الإعفاء من الديون والنمو السريع وضبط الإنفاق الحكومي على تقلص معدل الدين نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بصورة حادة في كل الدول تقريبا منذ عام 2001. وفقا لوكالة التصنيف Standard & Poor's، انخفض الدين العام لإندونيسيا من 65 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2001 إلى أقل من 30 في المائة الآن.
إلا أن هناك استثناءات لهذه الصورة المشرقة، وأبرزها أكثر الأسواق تطورا في آسيا، أي اليابان، التي يبلغ إجمالي الدين العام فيها نحو 200 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وشهدت ماليزيا وفيتنام ارتفاع مخزونات الدين أيضا. إلا أن معدل الدين نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في كلتا الدولتين ليس مرتفعا جدا - أقل من 50 في المائة في ماليزيا وأقل من 30 في المائة في فيتنام - إلا أن أي زيادة في هذا المعدل قد يؤدي إلى إعادة التقييم، خاصة بالنسبة إلى فيتنام، التي تعاني أيضا ارتفاع معدل التضخم وضعف القطاع المصرفي.
ومع ذلك، من الصعب التقليل من شأن جاذبية الاقتصادات المتوسعة، خاصة في البيئة الحالية. فقد أدى هذا إلى تدافع على الأوراق المالية الآسيوية، ما كشف عن تحول كبير آخر حدث خلال العقد الماضي. فمنذ الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 ـ 98، حين جعل انخفاض العملات سداد المال للدائنين الأجانب أصعب بكثير، حرصت العديد من الأسواق الناشئة على جمع المال للديون السيادية محليا. والمبالغ التي جمعتها في أسواق رأس المال العالمية ضئيلة: أقل من 2 في المائة من الدين الحكومي لكوريا الجنوبية وسنغافورة هو بالعملة الأجنبية مثلا. ويقول Ronan McCullough، رئيس قسم القروض المشتركة لآسيا في البنك الاستثماري Morgan Stanley: ''إن تأثير هذه الندرة هائل.'' وخلافا للديون السيادية الأوروبية والأمريكية، المتوافرة جدا، فإن أحد أسباب كون أسعار الديون الآسيوية مواتية هو كونها نادرة.
ومن الممكن أن يشتري المستثمرون من الخارج الديون الآسيوية محليا، لكن هذا ليس بالأمر السهل. وتطبق بعض الدول ضرائب مقتطعة. وهناك القليل من السيولة، ويعني شراء الديون السيادية محليا تحمل مخاطر العملة. إلا أن هناك عوامل تعويضية. فالعائدات على الديون السيادية التي يتم إصدارها داخل إندونيسيا والفلبين ودول آسيوية أخرى أعلى بكثير من العائدات على السندات بالدولار. والحكومات مستعدة لتحمل هذه التكاليف الأعلى من أجل تجنب الإغراق وهروب رأس المال مثلما حدث خلال الأزمة الآسيوية، لكن من الغريب أن يطلب المستثمرون المحليون تعويضا أكبر من المستثمرين الدوليين. ولعل قربهم من السوق يمنحهم معلومات يفتقر إليها المقامرون الدوليون

الأكثر قراءة