سيطرة العقل الرأسمالي الربوي في المؤسسات الإسلامية وراء محاكاة المنتج التقليدي

سيطرة العقل الرأسمالي الربوي في المؤسسات الإسلامية وراء محاكاة المنتج  التقليدي
سيطرة العقل الرأسمالي الربوي في المؤسسات الإسلامية وراء محاكاة المنتج  التقليدي
سيطرة العقل الرأسمالي الربوي في المؤسسات الإسلامية وراء محاكاة المنتج  التقليدي

كشف الدكتور موسى القضاة أن المصرفية الإسلامية تعاني تحديات عدة, لعل أهمها غياب الكادر المؤهل والمدرب وأيضا محاكاة المنتج التقليدي وضعف الجوانب الإبداعية.
ودعا القضاة إلى ضرورة الاستفادة من مراكز البحث العلمي وكراسي البحث الجامعية في تطوير المنتجات الإسلامية، مؤكدا أن محاكاة التقليدي هي جزء من سيطرة العقلية الرأسمالية الربوية.

وأضاف القضاة أن على المؤسسات الإسلامية ألا يفوتها ما يقال عن أنها في صورتها الحالية أكثر استغلالا للعملاء من المؤسسات التقليدية، ويتضح ذلك من خلال ما نشاهده من تكلفة عالية للمنتجات المالية الإسلامية مقارنة بالمنتجات المالية التقليدية، وهذا ينفي عنها كثيرا من الصفات الأخلاقية، إذ تبدو مستغلة وجشعة، وهذا يتطلب إعادة النظر في تكاليف هذه المنتجات، وإيجاد الطرق الكفيلة بجعلها أقل تكلفة على المتعاملين معها, فإلى تفاصيل الحوار الذي أجراه الدكتور يوسف ربابعة :

ثمة حضور فاعل وكبير للمصرفية الإسلامية وهذا يطرح سؤالا حول الكوادر المؤهلة والمدربة وأهميتها، وتأثير نقصها في التعاملات المصرفية الإسلامية؟
- لعل من أهم التحديات التي تواجه الصناعة الإسلامية هذه الأيام نقص الكوادر البشرية المؤهلة تأهيلا مزدوجا (شرعيا ومهنيا)، إذ إن معظم الذين يعملون في المصارف الإسلامية هم خريجو المؤسسات المالية التقليدية، ونحن نحتاج إلى الكوادر المدربة على إدارة المالية الإسلامية، إذ تكمن أهمية التدريب الشرعي في كونه يولد في نفس العامل الإيمان بالفكرة، فكيف لمن لا يؤمن بالفكرة أن يقوم على تنفيذها بالشكل الصحيح؟!
ويمكن حل هذه المشكلة من خلال التدريب المصرفي المتخصص، حيث هناك كثير من المؤسسات التي تمنح ما يسمى شهادة المصرفي الإسلامي المعتمد، بعد اجتياز الدورات التدريبية، وهذا أقل ما يمكن عمله في الوقت الحاضر، والطموح الأعلى هو الوصول إلى تأهيل كافة العاملين, ويمكن إجمال فوائد التدريب والتأهيل والتثقيف فيما يلي:
1 - ضمان تطبيق الصيرفة الإسلامية بصيغتها الصحيحة.
2 - نقل هذه الثقافة إلى العملاء.
3 - رفد الأسواق المحلية والإقليمية والعالمية بالموارد البشرية المؤهلة لسد الحاجة المتنامية لهذه الصناعة.

هناك من يرى أن كل ما تقوم به المصارف الإسلامية ما هو إلا محاكاة للمصارف التقليدية، ما أفقد البنوك الإسلامية جانبا من مصداقيتها بين الناس؟
- هذا صحيح، فكثير من الباحثين يقولون بذلك، بل هناك من يرى أكثر من ذلك، حيث إن المنتجات التقليدية في بعض الأحيان تكون تكلفتها أقل من المنتجات الإسلامية، ولعل من أهم الأسباب التي أوصلت إلى هذه النقطة نقص الكوادر المدربة، وعدم رغبة البنوك الإسلامية في الدخول في مخاطرات غير محسوبة، إضافة إلى سيطرة العقل الرأسمالي الربوي على كثير من أصحاب القرار في المؤسسات الإسلامية.
ويمكن حل هذه المشكلة من خلال التوجه إلى مراكز البحوث من جامعات ومعاهد ومراكز بحثية للبحث في التراث الفقهي الإسلامي من أجل التوصل إلى منتجات جديدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وينبغي دراسة المنتجات الإسلامية من وجهتين متوازنتين؛ وهما الصحة الشرعية لشكل العقد إلى جانب التوافق مع مقاصد الشريعة، فلا يجوز أن يكون المنتج ذا شكل عقدي صحيح شرعا، وفي المقابل يكون معارضا لمقاصد الشريعة.

كثير من البنوك الإسلامية لا تقدم خدمة الودائع، بل تقدم مقلوب التورق، أي المرابحة العكسية، فكيف تفسر ذلك؟
يعد التورق اليوم من أهم المسائل التي تشغل المؤتمرات والندوات الفقهية، وهناك أخذ ورد بين الفقهاء وقادة العمل المالي الإسلامي حول مشروعيته، وهنا أشير إلى أن على الباحثين في التورق أن يقوموا بدراسة الآثار الاقتصادية والمقاصدية والترويجية لهذه العملية، وأعني بالترويجية، صورة المؤسسات المالية الإسلامية التي تتعامل بالتورق لدى جمهور المتعاملين مع هذه المؤسسات.
#2#
يعاب على النظام المصرفي الإسلامي غياب النظام الرقابي الموحد، فلكل بنك نظام رقابي خاص، وليس هناك تصنيف موحد!
- هناك حاجة ملحة لتوحيد المعايير الشرعية الناظمة لعمل المؤسسات المالية الإسلامية، فهناك عدة جهات تعمل على مأسسة المعايير الشرعية، كهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين، ومجلس الخدمات المالية الإسلامية في ماليزيا، كما يقوم مجمع الفقه الإسلامي الدولي بإصدار قرارات ذات صلة بالمنتجات المالية الإسلامية. في الوقت الذي تقوم فيه هيئات الرقابة الشرعية لكل مؤسسة بإصدار فتاوى مستقلة.
في ضوء ما سبق, ومع تسليمنا بأن الخلاف بين الفقهاء معتبر، إلا أننا نجد بعض أعضاء هيئات الرقابة الشرعية أعضاء في جميع الجهات المذكورة آنفا، وفي الوقت نفسه لا يلتزمون بما يصدر عنها عند إصدارهم الفتاوى الخاصة بمؤسساتهم، كما أن من أهم التحديات التي تواجه تطبيق المعايير عدم وجود الإلزام القانوني بها من جهات الرقابة والإشراف التابعة للمؤسسات الرسمية في الدول، وفي هذا الصدد ندعو إلى وجود هيئات رقابة شرعية عليا ومستقلة، تكون على المستويين الوطني والعالمي.

هل كان لوجود عنصر المخاطرة وعدمه دور في توسيع وانتشار البنوك الإسلامية؟
- قاعدة المشاركة هي أحد أهم مميزات التمويل الإسلامي التي تفرق بينه وبين القروض البنكية التقليدية، إذ إن اتباع مبدأ المشاركة الفعلية يعد أهم خطوط الدفاع في مواجهة الأزمات المالية العالمية، وعليه ينبغي على المؤسسات المالية الإسلامية أن تركز على المنتجات التي تعتمد هذا المبدأ، مع العلم أنه من خلال الواقع العملي فإن كثيرا من المؤسسات المالية الإسلامية – إن لم يكن أغلبيتها – لا تحبذ التوسع في مثل هذا النوع من الاستثمار رغبة منها في الابتعاد عن المخاطرة العالية، كما أن المشاركة تتصادم مع بعض قواعد المصارف، مثل قاعدة إدارة السيولة, فلأن المشاركة تعد من الاستثمار طويل الأجل بشكل عام، وطبيعة عمل البنوك تعتمد على توافر السيولة في كل وقت وكل ظرف، أي أن تكون الأموال تحت الطلب من أجل الوفاء بالتزاماتها تجاه العملاء والمتعاملين الذين يطلبون السيولة في كل وقت وحين.

هناك من يرى أن المصرفية الإسلامية استثمار أخلاقي, فقد كتب الباحث في المصارف الإسلامية لاحم الناصر عن كون المصرفية الإسلامية استثمارا أخلاقيا فيقول: “من أسباب توسع المصرفية الإسلامية أنها استثمار أخلاقي، فكل إنسان عنده أخلاق في العالم سيلجأ إلى الاستثمار الإسلامي, ولعل من النوادر التي تذكر أن في ماليزيا 40 في المئة من المودعين هم من الصينيين غير المسلمين، وأول من فتح حسابا في البنك الإسلامي في بريطانيا كان غير مسلم، وكذلك الكنائس الكاثوليكية في أمريكا تستثمر في الصناديق الإسلامية لأنها تراعي الجانب الأخلاقي فيها”، ما تعليقك على ذلك؟
- لا بد بداية من بلورة هذا المفهوم ، فهل يعني, الاستثمار والتمويل في المجالات المباحة شرعا؟ وبعبارة أخرى أن يقتصر التمويل والاستثمار على المشاريع المباحة شرعا؛ أم أنه يعني بعد المؤسسات المالية الإسلامية عن الجشع والطمع والاستغلال ظاهرا وباطنا؟ إذ يجب ألا يغيب عنا ما يقوله البعض من أن المؤسسات المالية الإسلامية في صورتها الحالية أكثر استغلالا للعملاء من المؤسسات التقليدية، ويتضح ذلك من خلال ما نشاهده من تكلفة عالية للمنتجات المالية الإسلامية مقارنة بالمنتجات المالية التقليدية، وهذا ينفي عنها كثيرا من الصفات الأخلاقية، إذ تبدو مستغلة وجشعة، وهذا يتطلب إعادة النظر في تكاليف هذه المنتجات، وإيجاد الطرق الكفيلة بجعلها أقل تكلفة على المتعاملين معها، من أجل تشجيع الناس وحضهم على المعاملات المالية الإسلامية, وفي هذا الصدد لا بد من توجيه الدعوة للمؤسسات المالية الإسلامية للدخول في عالم المنافسة من حيث تقديم أفضل الخدمات للعملاء, وعدم الاقتصار على الترويج اعتمادا على مشروعية الخدمات المقدمة.

بعض المراقبين يرون أن الهيئات الشرعية لا تعاين العمليات المالية عن قرب وبشكل عملي، لكنها تكتفي بمقولات العاملين وتثق بتوصيفهم ومن ثم تبني أحكامها على ذلك، فهل هذا هو الحاصل أم أن هناك شيئا آخر؟
- أولا، هناك قواعد وشروط عامة تحكم الفتوى الشرعية، وأخرى خاصة بمن يحق له الإفتاء في المسائل المتعلقة بالصيرفة الإسلامية، ومن أبرز الشروط العامة, العلم بالكتاب والسنة واللغة وأصول الفقه والقواعد الفقهية الكلية ومقاصد الشريعة ومواطن الإجماع. أما الشروط الخاصة، فتتمثل في تصور المسألة محل الفتوى التي يعبر عنها بلغة اليوم بالتأهيل العلمي والمهني في مجال الصيرفة الإسلامية، وهذه الشروط معروفة لدى الفقهاء قديما وحديثا.
أما فيما يتعلق بالهيئات الشرعية ومعاينتها القضايا المالية بشكل عملي، فإن ما قلته كان في بداية عهد العمل المصرفي الإسلامي، إذ كان الأمر يقف عند حد ما يسمى بالمستشار الشرعي، الذي يعني بأبسط صوره أن المؤسسة المالية تقدم تساؤلا ما لهذا المستشار وتطلب الإجابة عنه، ويقوم هو بالإجابة وفق المعطيات التي تصله من المؤسسة، إلا أن هذا الواقع قد تغير اليوم، فإن ما عليه معظم المؤسسات المالية الإسلامية هذه الأيام يستند أولا إلى وجود دائرة للتدقيق أو الرقابة الشرعية، وهي تعد أحد أجهزة المؤسسة ومن أهم مهمامها متابعة سير الأعمال اليومية للمؤسسة، والتأكد من مطابقتها للمعايير الشرعية والأحكام الفقهية، ثم ترتبط هذه الدائرة بهيئة الرقابة الشرعية, مقدمة لها التقارير الدورية. ومن مهام هيئات الرقابة الشرعية مراجعة جميع العقود والمعاملات وتوجيهها ومن ثم إقرارها أو رفضها في حال وجود أي مخالفة شرعية فيها.
#3#
وهل لهذه الهيئات سلطة على المؤسسة؟
- بالطبع هناك سلطة كبيرة، فالهيئة لها الحق في رفض أي معاملة ترى فيها مخالفة للشريعة, كما أن الهيئة تصدر تقريرا سنويا موجها للمساهمين والجمهور, يتضمن رأيها في معاملات الشركة, والمخالفات التي ارتكبت.

يبدو أن تحرك بعض الدول الغربية وبخاصة بريطانيا وفرنسا نحو الاستفادة من التعاملات المالية الإسلامية يثير كثيرا من التساؤلات حول الدوافع والأهداف الكامنة وراء تلك التوجهات. فهل هناك تعليق على هذا الموضوع؟
- توجه الغرب نحو المالية الإسلامية من وجهة نظري له دافعان أساسيان؛ الأول ناتج عن فاعلية التمويل الإسلامي في مواجهة الأزمات المالية العالمية التي يمكن أن تقع فيها العمليات المالية التقليدية، والثاني هو الرغبة في استقطاب رؤوس الأموال العربية والإسلامية – وبخاصة دول الخليج – للاستثمار في تلك الدول، لمعرفتهم أن كثيرا من أصحاب رؤوس الأموال في هذه الدول يرغبون في التعامل الإسلامي في مجالات الاستثمار والودائع.

الحديث الآن يدور حول مستقبل التأمين التكافلي ودوره في المنطقة، وبصفتك عضو هيئة رقابة في شركة البركة للتكافل، كيف ترى مستقبل التامين التكافلي؟
- التأمين التكافلي باعتقادي يسير في نمو مطرد، فهذا الحجم الهائل من الاستثمارات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية يجب أن يوازيه توسع في مجال التأمين التكافلي، إذ إن التمويل والتأمين متلازمان في أغلبية الأحيان، وهناك فرص كثيرة لازدهار التأمين التكافلي وتطوره، ومن أهمها:
- عدد المسلمين نحو 20 في المئة من سكان العالم.
- ارتفاع معدلات النمو السكاني, في العالم الإسلامي.
- النمو المذهل في القطاع المالي الإسلامي, حيث بلغ حجم السوق المالية الإسلامية 260 مليار دولار أي ما يعادل 20 في المئة من القطاع المالي العالمي. وكما هو معلوم فإن من متطلبات نجاح المؤسسات المالية الإسلامية توفير الأغطية التأمينية على أساس تكافلي.
- تدني حجم الإنفاق على التأمين بالنسبة لمعدل دخل الفرد في دول العالم الإسلامي حيث بلغ 1 في المئة مقارنة بـ 8 في المئة لدول أمريكا الشمالية.
- الإصلاحات التشريعية التي تم تبنيها في بعض الدول, المتمثلة في جعل صيغة التأمين التكافلي هي الصيغة التأمينية المعتمدة كما هو الأمر بالنسبة للسعودية والسودان، وتشجيع بعض الدول الاستثمار في مجال التأمين التكافلي كما هو الحال في ماليزيا والكويت وقطر.
- صدور قوانين في بعض دول الخليج كالسعودية تلزم جميع الأجانب المقيمين على أراضيها بالاشتراك في التأمين الصحي, مما يعني ارتفاعا حادا في أقساط التأمين.

يقال إن أهمية التأمين التكافلي تكمن في كونه ضمانة للصكوك والتقليل من مخاطرها.
- تعد الصكوك بمختلف أنواعها من القضايا الحيوية في أيامنا هذه, نظرا للإقبال الشديد عليها من جميع المستويات أفرادا ومؤسسات ودولا. إلا أن المكتتبين فيها تساورهم مخاوف الخسارة, مما يجعلهم يحجمون أحيانا عن الاكتتاب, ولهذا يسعى المصدرون للصكوك لتبديد تلك المخاوف, عن طريق ضمان الصكوك من طرف ثالث, وفقا لأرجح المذاهب الفقهية, فإن ضمان طرف ثالث لرأس مال المضاربة أمر جائز, ولكن هل يمكن أن تكون شركات التأمين التكافلية هي الضامن؟ وهل لجميع أنواع الصكوك حكم المضاربة؟ هذا ما يحتاج لبحث معمق, لعلنا نجيب عنه في أعداد قادمة من مجلتكم الرائدة.

الأكثر قراءة