المباني الخيرية لجامعة الملك سعود .. هل ستقلل من شخصية مبانيها؟

تعد جامعة الملك سعود أحد أهم المعالم البارزة لمدينة الرياض إن لم يكن للمملكة ككل. فهي منارة شامخة للعلم وأحد المعالم العمرانية الكبرى للمدينة, التي نفتخر بها مضمونا وشكلا. وتتميز إضافة إلى تصنيفها العالمي بمبان ذات تصميم فريد ومتناسق مع الطابع العمراني المحلي والعمارة الإسلامية. ويسجل للجامعة مبادراتها الجميلة وما تقوم به من تطوير وتنمية لحرم الجامعة الذي ترك سنوات من دون الاستفادة منه. وهي تقوم مشكورة بجذب الاستثمارات والوقف للرفع من مستوى الجامعة ودورها في خدمة المجتمع. ولكني أرى أنها ربما لم تسجل نجاحا ملحوظا في تقبل أي نوع من التطوير يقدم لها دون أن يكون لها الدور في توجيهه للمصلحة العامة، فمباني وحرم الجامعة الحالية صرف عليها تكاليف عالية ومجهودات كبيرة لتصاميم وتخطيط تلك المباني مكونة الحرم الأكاديمي الرئيسي للجامعة. وتمت دعوة أكبر مكاتب التصميم العالمية وشركات التنفيذ قبل عقود من الزمن لتتكلل تلك الجهود بمفخرة عمرانية، إلا أن الجامعة وفي سياق اهتمامها بجلب تلك الاستثمارات لم تراع تناسق تلك المباني مع النمط والنسق الأصلي للحرم الجامعي . فظهرت مبان شاذة عن نسق الحرم الجامعي ولا تنتمي إليه وذلك على أطراف سور حرم الجامعة. وهي مبان لم تتوافق مع مبادئ العمارة والتخطيط. بل خرجت عن الشخصية الذاتية لمكانة وهيبة وعظمة تلك الجامعة ورسالتها العلمية. فنمت حولها مبان رخيصة الطابع العمراني ومتنافرة مع طابع المباني الأساسية للجامعة الذي يربط التراث المحلي والإسلامي. كما أن مواقع تلك المباني لم تكن مدروسة عمرانيا وتخطيطيا, خاصة الفراغات والحركة التي تربطها. ويبدو أنه لم يتم التخطيط المسبق لها لتكون جزءا من مخطط عام رئيس للحرم الجامعي تحتسب فيه الخطط المستقبلية للتوسع حسب الاحتياجات المستقبلية. ويتم ربط تلك المباني بعضها ببعض بطريقة هندسية وتخطيطية. الوضع الحالي لتلك المباني يفتقر إلى أساسيات التخطيط العمراني الشامل والتشكل الفراغي وربطه ببقية المباني ودراسة حركة المشاة كجزء من الحركة العامة للحرم الجامعي ليصبح كمدينة متكاملة ولترتبط الفراغات بين تلك المباني وبقية أجزاء الجامعة ومبانيها. وأن تتم دراسة تناسق تلك المباني مع العمارة المحلية والتصاميم الحالية. فاليوم نرى أن الجامعة كأنها تتعارض مع ما تدرسه في منحاها الأكاديمي، خاصة أنها تفتخر بتبنيها أكبرمعقل للعمارة والتخطيط في المملكة وتخرج فيها مجموعة كبيرة من المؤهلين الوطنيين .
إن ما تقوم به الجامعة حاليا لذلك المعلم الجميل, يستدعي الوقوف على تداعياته المستقبلية. حتى لو كانت تلك المباني مباني خيرية وأوقافا تقدم لبنائها بعض رجال الخير، إلا أن ذلك لا يعني أن نتقبل أي تبرع كما هو دون أن نحاول أن نتبناه بتسخيره وتعديله ليكون ذا منفعة للوطن والمواطن. وحتى المتبرعين جزاهم الله خيرا يجب أن تتم توعيتهم بضرورة وأهمية أن تكون تبرعاتهم تصب في منفعة المدينة, فهم قد يكونون مجتهدين, لكن ما كل مجتهد مصيب. عمل الخير يجب أن يكون بطريقة مهنية, ويجب على من يوافق عليه أن يتقبله لكن بعد أقلمته ليتماشى مع مسارها العلمي, وذلك لإعطاء الثقة بمظهر الجامعة وأن تعطي بعض رد الاعتبار لمبادئها وما تدرسه في كلية العمارة والتخطيط وأن تستشير أبناءها وخريجيها.
لقد كتبت وطالبت منذ سنوات في عام 1425هـ بأن يتم استغلال المساحات المحيطة بالحرم الجامعي والاستفادة منها, وأن المخطط الشامل لحرم جامعة الملك سعود يعتبر من أجمل المواقع العمرانية التي لم تمسها أعمال التسوية التي تعانيها بقية أجزاء المدينة, فالحرم آنذاك كان لا يزال يحافظ على طبوغرافيته وجمال طبيعته ومرتفعاته وإطلالته الرائعة على مدينة الرياض. وهو يشغل مساحة كبيرة من رقعة المدينة لم يستغل منه منذ بنائها إلا جزء بسيط لمباني الجامعة والإسكان والخدمات الترفيهية. فلماذا لا يستفاد من هذه المساحات والفراغات العمرانية داخل المدينة للاستفادة منها عمرانياً وفق أحد الاقتراحات التالية:
أن يكون موقعا بديلا لمقر كليات البنات الذي يتم بناؤه حاليا على الطريق الدائري الشرقي والاستفادة من الموقع لغرض آخر, حيث إن وجود كليات البنات قرب الجامعة سيساعد على حل مشكلات نقل الطالبات والمدرسات, حيث يسهل أن يقوم بعض الطلبة أو الدكاترة الذين يدرسون في الجامعة بتوصيل أخواتهم أو بناتهم أو زوجاتهم وقريباتهم في مشوار واحد بدلا من الحاجة إلى سائقين أو إشغال الآباء بهذه المهمة, وبذلك نحل مشكلات استقدام السائقين الأجانب وأمراضهم الاجتماعية. وقد تم التماشي مع اقتراحي والآن تم الانتهاء من تصميم كليات البنات داخل حرم الجامعة.
وقد اقترحت حينها الاقتراح الثاني (لم يتم تحقيقه) وهو أن يتم على الأقل الاستفادة من هذه المساحات الكبيرة كمتنزه وحدائق عامة ومتنفسا للمدينة لحين الحاجة المستقبلية إليه. أو أن يخصص على الأقل كمتنزه لمنسوبي الجامعة والطلاب وعائلاتهم من الضيوف. ويتم تشجيره بطريقة بسيطة وغير مكلفة مع المحافظة على طبوغرافيته كإضافة رائعة لتجميل المدينة واستمرارية المساهمة في اهتمام الدولة بالبعد الإنساني, وأن تكون موصلة بالمتنزهات الحالية, وأن يتم توفير وتخصيص مواقع معينة كحدائق عامة ومظلات أو ممرات للمشاة أو الجري. والاستفادة من مياه التنقية لإنشاء بحيرات صغيرة. وأن تكون استمرارية لمتنزه سلام وما قامت به أمانة منطقة الرياض من تطوير جذاب لأرصفة المشاة ومشاريع حدائق الأحياء.
أعرف أن هناك كثيرا من المستاءين من مواقع وأشكال وتصاميم تلك المباني, وأنا أكتب عادة لتوعية المسؤولين. وإن كانوا واعين لكنهم يحتاجون إلى الحجة فأنا أعطيها لهم بلسان المواطن الغيور. وأرى أنه ما زال هناك متسع من الوقت لتغيير - على الأقل - الشكل العام لتلك المباني، فهي ما زالت في مرحلة الهيكل الخرساني, لكن الواجهات لم تنفذ بعد. وأرى على الأقل تخفيف المسطحات الزجاجية وإحلالها ولو بشرائح أو تكسية بلون البيج الرملي أو الحجري المشابه للمباني الحالية للجامعة. وآمل إعادة النظر في مواقع تلك المباني والتأكد من صحة مواقعها حتى لا تضطر الجامعة مستقبلاَ إلى تكلفة هدمها لإنشاء المبنى الذي كان مناسبا.
لقد كتبت في العام نفسه قبل ست سنوات عن مطار الملك خالد وأنه يجب استغلاله قبل أن يتم تقطيعه دون هدف واضح أو يصبح عقبة للمدينة مثل ما كان عليها المطار القديم. واليوم أرى الحلم يتحقق وأرى جامعة الأميرة نورة في ذلك الموقع, كما أسمع عن مجهودات الهيئة العليا لتطوير منطقة الرياض وهي تتناول هذا الموضوع بجدية وتقوم حاليا بدراسة موقع المطار وإعادة تخطيط الأجزاء المتبقية منه. لذلك فأملي كبير في أن تحذو الجامعة حذوهم أو أن تستفيد من تجربتهم. وأن يكون لها دور في توعية المجتمع والارتقاء بحسه الذوقي وأن تتكامل مجهوداتها مع مجهودات أمانة منطقة الرياض ورؤية أمير المنطقة التي أصبحت تحصد الجوائز العالمية بسبب تميز مشاريعها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي