دراسة مشلولة

دراسة مشلولة

وفقا لـ Paul Krugman، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد وكاتب عمود في New York Times، فإن أمريكا الحديثة تشبه بولندا في القرن الـ 18. فهو يقول إن بولندا أصبحت غير قابلة للحكم إلى حد كبير بسبب شرط التوصل إلى إجماع الذي يفرضه البرلمان، وإنها اختفت كدولة لمدة تزيد على القرن. وبعد عدة سنوات قضاها في الصين بصفة كاتب لمجلة Atlantic Monthly، كتب James Follows عند عودته أنه وجد في أمريكا ثقافة حيوية ومتجددة ذاتيا تجتذب مواهب العالم وأيضا ''نظام حكم أشبه بمزحة''. وعن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الشهر الماضي، كتب Tom Friedman، وهو كاتب عمود آخر لصحيفة New York Times، إنه لم يسبق أن سمع الناس في الخارج يتحدثون عن ''عدم الاستقرار السياسي'' في أمريكا, لكنه سمع ذلك هذه الأيام.
والفكرة المتنامية بين النقاد المؤثرين بأن أمريكا ''غير قابلة للحكم'' تنبع إلى حد كبير من فشل باراك أوباما حتى الآن في إقرار بعض القوانين الرئيسة التي يريدها, وهذا لغز محير في الواقع. فهو في النهاية رئيس فاز قبل أكثر من عام بقليل بالرئاسة بهامش جيد: 53 في المائة من الأصوات الشعبية وأغلبيات كبيرة في كل من مجلس النواب والشيوخ. وتولى الرئاسة وفي يده أجندة كبيرة، تتضمن خططا لإصلاح نظام الرعاية الصحية في أمريكا وتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة. وحتى وقت قريب، كان يبدو أن أداءه جيد, ففي مقابلة مع أوبرا وينفري في كانون الأول (ديسمبر)، منح نفسه علامة ''B+ كاملة''.
وأقر مجلس النواب مشروع قانون حول الحد الأقصى والاتجار بانبعاثات غازات الدفيئة العام الماضي. وفي بداية هذا العام، أقر مجلسا النواب والشيوخ مشروع قانون إصلاح الرعاية الصحية, إلا أن أوباما يجد نفسه عالقا فجأة الآن. وما لم تحدث معجزة تشريعية، يبدو من المستحيل تقريبا أن يتمكن من دفع مشاريع القوانين هذه إلى خط النهاية, ففيما يتعلق بالصحة، يناشد علنا خصومه الجمهوريين لإنقاذه. وقد وافقوا على مضض على دعوته لعقد قمة تضم الحزبين حول الإصلاح الصحي في البيت الأبيض الأسبوع المقبل (لا يحب الناخبون أن يكون حزب الأقلية معيقا بالكامل). ولكن مع اقتراب انتخابات منتصف الفترة في تشرين الثاني (نوفمبر)، لدى الجمهوريين أسباب وجيهة لكيلا يرموا سترة النجاة للديمقراطيين المتخبطين في المياه.
كيف وجد أوباما، السياسي الداهية، نفسه عالقا في مأزق، إن لم يكن مهزوما، في وقت مبكر جدا من رئاسته؟ يكمن جواب هذا السؤال في تقاطع بين قاعدة وحدث واتجاه. والقاعدة هي قاعدة Standing Rule XXII لمجلس الشيوخ، أما الحدث فهو انتخابات الشهر الماضي في ماساشوستس لانتخاب خليفة للسيناتور الراحل تيد كنيدي، والاتجاه هو الاستقطاب المتواصل في العقود الأخيرة، ليس فقط للأحزاب السياسية الأمريكية، بل أيضا للشعب الأمريكي.

قاعدة XXII
لنبدأ بالقاعدة, في معظم أوقات القرن الـ 19، لم يكن لدى الأغلبية في مجلس الشيوخ طريقة لإغلاق باب النقاش وفرض تصويت. وأدى هذا (كما يتذكر جيمي ستيوارت في ''السيد سميث يذهب إلى واشنطن'') إلى تمكين أي عضو تقريبا في مجلس الشيوخ من عرقلة أي إجراء تقريبا فقط عن طريق مواصلة التحدث. وفي عام 1917، وبسبب أحد المعرقلين لرغبة وودرو ويلسون في إشراك أمريكا في الحرب العالمية الأولى، تبنى مجلس الشيوخ قاعدة XXII، التي تمكنه من إغلاق باب النقاش وفرض تصويت إذا صوت ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ الحاضرين لمصلحة ذلك. والنسخة الحالية من هذه القاعدة تتطلب موافقة ثلاثة أخماس جميع أعضاء مجلس الشيوخ، بعبارة أخرى 60 من أصل 100. وقد يبدو هذا غامضا، إلا أن قاعدة XXII لها عواقب كبيرة. فهي تعني في الواقع أنه يمكن إقرار التشريعات الجديدة بالقوة عن طريق حشد أغلبية بنسبة 60 صوتا في مجلس الشيوخ. ولحسن حظ أوباما، قرر أحد الجمهوريين من بينسلفانيا، وهو Arlen Specter، في نيسان (أبريل) الماضي الانضمام إلى الديمقراطيين. وانشقاقه، إضافة إلى الحكم بفوز Al Franken في مينيسوتا، أعطى الديمقراطيين في مجلس الشيوخ أغلبية لمقاومة المعرقلين. وكان يبدو أن هذا جعل إقرار الإصلاح الصحي ـ الإنجاز الذي استعصى على بيل كلينتون- أمرا ممكنا جدا. لذا كان يبدو أن أوباما مصمم على النجاح في هذا الاختبار الذي يعد أحد الاختبارات الرئيسية لنجاحه كرئيس.
وفي بداية هذا العام كان النجاح يبدو قريبا, فقد أقر مجلس النواب نسخته من مشروع قانون الإصلاح الصحي في تشرين الثاني (نوفمبر). وحذا مجلس الشيوخ حذوه قبل عيد الميلاد بقليل. وكل ما كان يلزم حين عاد الكونجرس الشهر الماضي هو الجمع بين مشروعي القانون لكي يتم إقرار نسخة مشتركة من قبل كل مجلس مرة أخرى. لكن في 19 كانون الثاني (يناير) حصل الجمهوري Scott Brown على مقعد كنيدي في ماساشوستس، ما زاد عدد الجمهوريين في مجلس الشيوخ إلى 41 ودمر أغلبية الديمقراطيين. وفي الأسبوع التالي، ذهب أوباما إلى الكونجرس وناشده عدم التخلي عن الإصلاح بعد أن أصبح قريب المنال, لكن ربما تكون الخطة بأكملها قد انهارت الآن.
لقد كان تسلسل الأحداث هذا كئيبا بالنسبة إلى الديمقراطيين, لكن لم يتم تصويره كأزمة حكم؟ يكمن الجواب في الضوء الذي يلقيه على مجلس الشيوخ. وبوجود اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ عن كل ولاية بغض النظر عن عدد السكان، يعكس مجلس الشيوخ خوف المؤسسين من مركز قوي جدا وعزم الولايات على ترسيخ امتيازاتها, لكن في الوقت الحالي، يبدو مجلس الشيوخ لا يحتوي على أغلبيات، خاصة بالنظر إلى قاعدة XXII. وإذا كان بوسع 41 سيناتورا عرقلة مشروع قانون، وإذا صادف أنهم جميعهم ينحدرون من الولايات الأقل عددا بالسكان، يمكن للسياسيين الذين يمثلون نحو عشر السكان عرقلة عمل الكونجرس.
ومع ذلك، فإن قاعدة XXII موجودة في قواعد مجلس الشيوخ منذ قرن تقريبا، فلم الضجة حول هذا الموضوع الآن؟ من الضروري هنا النظر إلى الزاوية الثالثة من مثلث برمودا التشريعات الذي أبحر فيه أوباما: استقطاب الأحزاب السياسية خلال 20 عاما الماضية.
لن تكون قاعدة الأغلبية الكبرى سيئة إذا أجبرت حزب الأغلبية على التواصل مع الطرف الآخر. ولطالما كان الديمقراطيون أنفسهم راضين عنها، على سبيل المثال لعرقلة بعض التعيينات القضائية لجورج بوش الابن. ولم تمنع هذه القاعدة الكونجرس من إقرار تشريعات اجتماعية شاملة في الماضي. فقد اجتذب إنشاء الضمان الاجتماعي عام 1935 ونظام Medicare عام 1965 الدعم من كلا الحزبين. إلا أن هذا كان حين كانت أيديولوجيات الحزبين تتداخل في المنتصف, ما جعل التعاون بين الحزبين أسهل, لكنها أصبحت أكثر استقطابا الآن، وفي الكونجرس، أصبح الجمهوريون على وجه الخصوص على درجة عالية من الانضباط. واتضح مدى انضباطهم مع تقدم إصلاح الرعاية الصحية ببطء خلال الكونجرس العام الماضي. ففي مجلس النواب، تحدى كثير من الديمقراطيين قيادتهم وعارضوا مشروع القانون. لكن كان جمهوري واحد فقط في مجلس النواب مستعدا للتصويت لمصلحته، ولم يكن هناك أي أحد مستعد للتصويت في مجلس الشيوخ. وإذا استمر الجمهوريون في التصويت على خط الحزب، يمكنهم الآن عرقلة كل ما يريده أوباما والديمقراطيين تقريبا. ومع اقتراب موعد انتخابات منتصف الفترة، تبدو تلك استراتيجية مغرية. ويقول السيناتور Evan Bayh، الديمقراطي المحافظ: ''لا يعمل الكونجرس كما ينبغي.'' وقد أعلن Bayh هذا الأسبوع أنه قرر التقاعد لأن ''التحزب الميت دماغيا'' يمنع الاهتمام ''بشؤون الشعب''. وأوصى بطرد شاغلي المناصب الحاليين بالجملة في تشرين الثاني (نوفمبر)، واستبدالهم بأشخاص يهتمون بإصلاح النظام.

مرحلة وليست نمطا
لا يستطيع الرئيس الوفاء بولايته, ولا تستطيع الأغلبية إقرار مشاريع القوانين .. فهل هذا يثبت أن أمريكا غير قابلة للحكم؟
حسنا.. لا. فأولا، مرحلة الشلل المذكورة أعلاه هي مجرد مرحلة، وليست نمطا. وفي الواقع، فإن الحكومة الأمريكية ليست خامدة في الآونة الأخيرة. ويشتكي كثير من الأمريكيين، خاصة الشعبويين المحتجين الذين ساعدوا Brown على تحقيق النصر في ماساشوستس، من أن الحكومة الأمريكية نشطة جدا منذ الأزمة المالية لعام 2008. وبين الجزء الأخير من إدارة جورج بوش وبداية إدارة أوباما، أنفقت الحكومة الفيدرالية نحو 700 مليار دولار لإنقاذ البنوك و787 مليار دولار لتحفيز الاقتصاد. وحصلت على حصة ملكية في أجزاء من صناعة السيارات وأجبرت قطاعات أخرى على إعادة تنظيم نفسها. والآن، تعد الحكومة إحدى صناعات النمو القليلة في أمريكا.
وليست المشكلة أيضا في كون الكونجرس أحبط كل أجندة أوباما. فقد نفذ الرئيس ما يريده على معظم الجبهات. ولا ينطبق هذا فقط على الاهتمام الرئاسي المعتاد بالشؤون الخارجية - سحب أوباما الجنود من العراق، وأرسل المزيد إلى أفغانستان، الأمر الذي أثار الجدل - لكنه ينطبق أيضا على السياسة الداخلية.
إن Norman Ornstein هو زميل في معهد المشروعات الأمريكي والمؤلف المشارك لكتاب The Broken Branch الذي يرثي تراجع الكونجرس. لذلك من الغريب أنه قال في صحيفة Washington Post إن الكونجرس الحالي سيكون ''أحد الأكثر إنتاجية'' منذ الكونجرس التاسع والثمانين عام 1965 - 66، الذي مرر من خلاله ليندون جونسون كثيرا من مشاريع القوانين التي أنشأت ''المجتمع العظيم''.
وإنصافا له، لا بد من القول إن Ornstein توصل إلى هذا الاستنتاج عن طريق تبني وجهة نظر متفائلة لرزمة الحوافز. وهو يشير إلى أنها تشمل 288 مليار دولار كتخفيضات ضريبية، وهي ''أحد أكبر التخفيضات الضريبية في التاريخ''، مع منح ائتمانات للمحافظة على الطاقة وإنتاج الطاقة المتجددة وكذلك شراء المنازل ورسوم التعليم الجامعي. ووعدت الرزمة بمنح مبلغ 19 مليار دولار لتكنولوجيا المعلومات الصحية، وأكثر من مليار دولار لاختبار فاعلية علاجات الرعاية الصحية. وتم تخصيص بعض أموال الحوافز لإصلاح المدارس وبناء شبكة ذكية للكهرباء وتوسيع إمكانية الاتصال عريض النطاق بالإنترنت. ويقول Ornstein إنه لو أقر أي كونجرس جميع هذه التدابير على حدة، سيعد إنتاجيا إلى حد هائل. وهذا الكونجرس فعل هذا في مشروع قانون واحد، وأقر أيضا تدابير كبيرة أخرى، مثل توسيع نطاق التأمين الصحي للأطفال وقانون الحفاظ على الأرض.
ولا يعد هذا سجلا لإدارة مشلولة. إلا أن كثيرا من الحديث اليوم عن عدم قابلية الحكم لا يتعلق بالماضي القريب بل بالمستقبل المباشر. وبطبيعة الحال، كان أوباما قادرا على إنجاز الأمور حين كان لديه أغلبية، بل تم إقرار الحوافز دون وجود أغلبية. لكنه تولى الرئاسة لمدة أربع سنوات، وتمت عرقلته بعد سنة واحدة فقط. وإذا كان أداء الجمهوريين جيدا في منتصف الفترة، سيبذلون جهودا أكبر، كما يخشى Ornstein، لعرقلة أوباما عن طريق معارضة جميع مبادرات الديمقراطيين.
وربما يفعلون ذلك - مع أن الجمهوريين قد يضرون بفرصهم إذا أصبحوا ''الحزب الرافض''. لكن حتى إذا تحققت مخاوف Ornstein، يملك الرئيس العاجز عن إقرار التشريعات طرقا أخرى لإنجاز الأمور. فهو يستطيع مثلا استخدام السلطة التنفيذية. حتى قبل النكسة في ماساشوستس، اعتبر أوباما ذلك طريقة لتخفيض انبعاثات الكربون إذا فشل مجلس الشيوخ في إقرار مشروع قانون الحد الأقصى والاتجار. وفي اليوم الذي بدأت فيه قمة كوبنهاجن في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، قررت وكالة حماية البيئة أن انبعاثات غازات الدفيئة خطر يهدد الصحة العامة. ومبدئيا، يمنح هذا الوكالة سلطة واسعة لوضع قواعد جديدة للحد من انبعاثات الكربون الصادرة من السيارات والمصانع.
لقد زاد اهتمام البيت الأبيض بالحكم عن طريق التشريعات منذ ما حدث في ماساشوستس. فقد أخبر Rahm Emanuel، رئيس هيئة أركان أوباما، صحيفة New York Times الأسبوع الماضي أن الإدارة تعيد النظر في قائمة الأوامر والتوجيهات الرئاسية ''من أجل إنجاز المهمة في عدة قضايا''. وأحد الأمثلة هو العادة التي طورها الجمهوريون في مجلس الشيوخ بعرقلة تعيينات الموظفين للإدارة، غالبا لأسباب تكتيكية لا علاقة لها بمزايا المرشحين, إلا أن الرئيس يملك سلطة موازية: يمكنه تنفيذ ''تعيينات العطلة'' حين لا يكون الكونجرس منعقدا. وحالما هدد البيت الأبيض بفعل هذا في الآونة الأخيرة، أيد الجمهوريون كثيرا من المناصب التي عارضوها سابقا.
باختصار، لا يمكن القول إن الرئيس الذي تتم عرقلته في الكونجرس لا يملك موارد أخرى. فقبل وقت قصير، لم يكن المعلقون قلقين من عجز الرئاسة, بل من حرب بوش على الإرهاب التي نشطت ''الرئاسة الإمبراطورية'' على حساب الكونجرس والحريات المدنية والمحاكم. ولطالما زادت الحروب والأزمات الاقتصادية صلاحيات البيت الأبيض، وسيظل أوباما في المستقبل المنظور يتمتع ''بالفوائد'' المشكوك فيها للحروب والأزمات الاقتصادية.

الولاية المشكوك فيها
إلى جانب ذلك، هناك سؤال أكثر عمقا لا بد من طرحه عن أولئك الذين يلخصون المأزق الحالي من حيث منع الكونجرس لولاية أوباما, ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، فضله الأمريكيون على جون ماكين, وحصلوا على الرئيس الذي أرادوه. إلا أن هذا لا يعني أنهم كانوا يعتزمون منحه شيكا على بياض، بل على العكس، يمكن إثبات أن معظم الأمريكيين غير متحمسين لبعض السياسات التي اختارها أوباما والقيادة الديمقراطية كاختبارات لنجاحهم.
في أوائل عام 2009، درس Pietro Nivola، وهو زميل بارز في مؤسسة بروكينجز، استطلاعات الرأي لاكتشاف ما إذا كان الشعب يميل إلى اليسار أم إلى اليمين, فيما يتعلق بمسائل السياسة الرئيسة مع انتهاء رئاسة بوش وبدء رئاسة أوباما. وأظهرت تلك الاستطلاعات أن الأمريكيين كانوا يميلون نحو الديمقراطيين في بعض المسائل فقط. فقد أيدوا عملية الإنقاذ المالية ورزمة الحوافز، لكن بأغلبيات ضئيلة فقط. أما بالنسبة إلى البيئة، فقد تلاشى الدعم الذي يخول الحكومة ''بذل جهود أكبر'' لمعالجة الاحتباس الحراري حين سئل المجيبون أسئلة أقل غموضا، مثل فيما إذا كانوا مستعدين لدفع مزيد من المال للكهرباء.
ونبهت دراسة Nivola، التي نشرت في نيسان (أبريل) العام الماضي، صنّاع السياسة الديمقراطيين أن يحذروا من اتباع أجندة متطرفة جدا. وكان كثير من الناس متشككين في قدرة الحكومة على مواجهة التحديات التي تواجه الدولة. ويقول إن الحزب الحاكم كان يعمل بالتالي ''بهامش ضئيل خوفا من الخطأ''. أما بالنسبة إلى الرعاية الصحية، وهو موضوع صعب في جميع أنحاء العالم، كان الناخبون أكثر احتمالا لتفضيل إجراء تعديلات هامشية للنظام بدلا من إعادة الهيكلة الجذرية. ويلاحظ Nivola أنه حتى في فترة الركود، كان لا يزال تسعة من أصل 10 عمال لديهم وظائف، وكان لدى معظمهم تأمين صحي.
وكان هذا التحذير تنبؤيا. وحين خسر أوباما أغلبيته الكبيرة بسبب ماساشوستس، انخفض التأييد للإصلاح الصحي. وفي الواقع، أكدت الاستطلاعات التي تم إجراؤها بعد التصويت أن المخاوف المتعلقة بتكاليف الإصلاح ساعدت Brown على الفوز. وأيا كانت مزايا الخطة فقد فشل أوباما حتى الآن في إقناع الناس بها. وفيما يخص ذلك، فإن الجمهوريين لا يعرقلون الإرادة الشعبية، بل يعكسونها. ويمكن القول إن الديمقراطية الأمريكية لم تنهر، بل تعمل بحساسية كبيرة، ما يسمح للإدارة بالتقدم حين تحظى بتأييد الشعب، لكنه يكبحها حين تتجاوز حدودها.
وغني عن القول إن الناس لا يكونون دائما على معرفة بجميع المعلومات، ناهيك عن كونهم على حق أو موثوقين في رغباتهم. وفي أمريكا، تنفق جماعات المصالح الخاصة مبالغ طائلة لتشكيل التشريعات والمواقف العامة الأوسع نطاقا. وفي 12 شباط (فبراير)، أبلغ مركز السياسة المستجيبة غير الحزبي أن الشركات وغيرها من المنظمات أنفقت 3.5 مليار دولار على الضغط في عديد من المسائل عام 2009، واستهدف كثير من هذا المبلغ مشاريع قوانين الصحة والطاقة للإدارة. ويشير James Thurber من مركز دراسات الكونجرس والرئاسة في الجامعة الأمريكية إلى أن هذا يشمل فقط ما هو مسجل من قبل أفراد جماعات الضغط المسجلين، وليس الأموال التي تم إنفاقها لتنظيم الحركات الشعبية وبناء التحالفات والدعاية والدعوة على شبكة الإنترنت. ويقول Thurber إنه وفقا لبعض التقديرات، يبلغ إجمالي ما تم إنفاقه على الضغط على واشنطن تسعة مليارات دولار تقريبا سنويا. وقد تعهد أوباما، حتى قبل أن يصبح رئيسا، بتقليل حجم جماعات الضغط. ووعد ''بتغيير الطريقة التي تعمل بها واشنطن''، معلنا أنه لن يسمح لأعضاء جماعات الضغط بإدارة الحزب أو البيت الأبيض أو ''إغراق صوت الشعب الأمريكي''. ويغريه هذا بإلقاء اللوم للإحراج الذي يتعرض له اليوم ليس فقط على عرقلة الجمهوريين بل أيضا على مقاومة أصحاب المصالح الخاصة، مثل شركات التأمين الصحي.
ومع ذلك، ليست جماعات المصالح الخاصة هي التي عرقلت أساسا خططه للإصلاح الصحي, فعلى الرغم من حديثه المبهرج عن تغيير طرق عمل واشنطن، إلا أن أوباما كان حريصا على استمالة أقوى جماعات المصالح الخاصة مقدما. وقدمت صناعة التأمين الصحي كثيرا من الدعم، بالنظر إلى أن الإصلاح قد يوفر لها عشرات الملايين من الزبائن الجدد. وضغطت الصناعة الدوائية لمصلحة الإدارة - حين قيل لها إنه ستتم حماية مصالحها. ويبدو أن المعارضة جاءت من الشعب الذي لم يحب أو يفهم ما تم اقتراحه. ولم يبذل أوباما كثيرا من الجهد لإقناع الناس أو تشكيل النقاش في الكونجرس.

حكومة إلى أي مدى؟
إذا فشل في تلبية التوقعات، سيشعر ملايين الأمريكيين بخيبة أمل مريرة, إلا أن فشل أي رئيس في تحقيق مثل هذه الأهداف الكبيرة في أول عام له لا يثير الشكوك في النظام بأكمله. ففي النهاية، تتعلق مسألة بما إذا كانت دولة ما قابلة للحكم أم لا بمدى الحكومة التي تعتقد أنها تحتاج إليها. وقد حقن مؤسسو أمريكا الشكوك في الحكومة ليس فقط في الدستور، بل أيضا في التركيبة السياسية لشعبها. وحتى أثناء المتاعب الاقتصادية الحالية، يعتقد عدد مماثل على الأقل من الأمريكيين كما يبدو أن مشكلتهم هو وجود كثير من الحكومة، لا القليل منها.
إلا أن هناك عقبة, فعلى الرغم من أن كثيرا من الأمريكيين يقولون إنهم يريدون حكومة صغيرة، إلا أنه يبدو أنهم يميلون إلى الفوائد المكلفة للحكومة الكبيرة التي يملكونها الآن، مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية لكبار السن والدفاع الوطني القوي. وبما أن حالات العجز تبلغ تريليون دولار سنويا، ومن أجل الحفاظ على قدرتهم على سداد التزاماتهم المالية، عليهم في مرحلة ما تخفيض الإنفاق، أو دفع مزيد من الضرائب، أو كليهما. وفي الشهر الماضي، منع مجلس الشيوخ اقتراحا للجنة المكونة من الحزبين حول تخفيض العجز: كان عدد الأصوات الموافقة يتجاوز الأصوات المعارضة بنسبة 53 إلى 46، لكنه فشل في الحصول على أغلبية كبيرة. ويشكل أوباما الآن لجنة بأمر تنفيذي، إلا أن صلاحياتها غير واضحة. ولتحقيق توازن الحسابات، يضطر السياسيون أحيانا إلى فعل أمور يعارضها الشعب - حتى في أمريكا. وسيكون هذا الاختبار الحقيقي لمعرفة ما إذا كانت الدولة قابلة للحكم

الأكثر قراءة