مجال أعمال متنام
يحاول المزارعون منذ آلاف السنين ضمان محاصيل كبيرة. وفي حين أنهم لا يستطيعون السيطرة على الطقس، إلا أنه يمكن الآن تحسين التربة بطرق عملية. وقد أوحت زيادة أسعار الأسمدة، التي بلغت ذروتها لمعظم السلع الزراعية عام 2008، بالأموال التي يمكن تحقيقها عن طريق إطعام العالم. وتشير الموجة الأخيرة من عمليات الاستحواذ إلى أن شركات الأسمدة تعد الانخفاض اللاحق في الأسعار فرصة شراء قبل بدء الزيادة التالية.
وقد تم الكشف عن أكبر صفقة على الإطلاق لهذا العام في 15 شباط (فبراير). فقد وافقت شركة Yara النرويجية لصناعة الأسمدة على دفع 4.1 مليار دولار لشراء شركة Terra الأمريكية. وستوسع الصفقة تقدم شركة Yara بوصفها أكبر شركة في العالم للأسمدة النيتروجينية. وخصصت شركة Vale البرازيلية العملاقة للتعدين مبلغ 4.8 مليار دولار لعمليتي شراء، اللتين ستعززان أعمالها في مجال الأسمدة القائمة على الفوسفات والبوتاس، التي تخدم قطاع الزراعة الواسع والمتنامي في البرازيل.
وعززت شركة BHP Billiton، أكبر شركة تعدين في العالم، عملياتها في البوتاس أيضا. وفي كانون الثاني (يناير)، دفعت 320 مليون دولار لشراء Athabasca Potash الكندية الواقعة بالقرب من منجم تمتلكه في Saskatchewan. وخلال عقد من الزمان، قد ينتج الموقعان معا ثمانية ملايين طن من البوتاس سنويا، أي ضعف ناتج أكبر منجم في العالم ويعادل أقل قليلا من نسبة السدس من الاستهلاك العالمي. وجاذبية البوتاس هائلة الآن بحيث إن الشائعات اقترحت العام الماضي أن Vale أو BHP ربما تقدمان عروضا لشراء شركة أسمدة عالمية كبيرة مثل Mosaic الأمريكية أو PCS الكندية.
لا شك أن تفسير كل هذا يكمن في الأفواه التي يجب إطعامها وتغير العادات الغذائية لسكان العالم الذين يزيدون بسرعة كبيرة. ويتوقع أن ينمو عدد السكان بنسبة الثلث بحلول عام 2050 إلى أكثر من تسعة مليارات شخص، وجميعهم يحتاجون إلى الغذاء. علاوة على ذلك، يميل الناس إلى تناول مزيد من اللحوم مع زيادة ثرائهم، ما سيتطلب مزيدا من المحاصيل لتوفير العلف للماشية.
ويتوقع أن يكون الطلب الصيني على الأسمدة كبيرا بصورة خاصة نتيجة لعدد سكانها الضخم والنوعية الرديئة لأراضيها الصالحة للزراعة. والصين مكتفية ذاتيا إلى حد كبير في الأسمدة النيتروجينية. إلا أن الدولة هي إحدى كبريات الدول المستوردة للفوسفات، وبصورة خاصة البوتاس. وهي تستهلك نحو الربع من نسبة البوتاس التي يتم إنتاجها في العالم كل عام، البالغة 50 مليون طن. ووفقا لبعض التقديرات، ربما تستخدم الصين وحدها 26 مليون طن سنويا خلال عقد ونصف من الزمن.
هناك عوامل أخرى مؤثرة, إضافة إلى ضغوط عدد سكان العالم, فأسعار الأسمدة تنتعش بصورة أبطأ من أسعار سلع أخرى، ما يجعل شركات الأسمدة رخيصة نسبيا. وينطبق هذا بصفة خاصة إذا كان المشتري شركة تعدين تجني أسعارا مرتفعة جدا للخام الذي تحصل عليه. وتهتم شركات التعدين الكبرى أيضا بالفوسفات والبوتاس لأنه يتم استخراجهما عادة من مناجم ضخمة تعد من ضمن وسائل كسب عيشها الرئيسة.
وتعد صفقة Yara جزئيا استجابة للأسعار المنخفضة للغاز الطبيعي في أمريكا. وتمثل الطاقة نحو ثلاثة أرباع تكلفة إنتاج الأسمدة النيتروجينية، لذا فإن الغاز الأرخص والقرب من كثير من المزارعين في أمريكا يجعلان Terra صفقة شراء جذابة