الشبح الذي يطارد أوروبا

الشبح الذي يطارد أوروبا

حين اجتمع وزراء مالية الاتحاد الأوروبي في بروكسل لعقد قمة ''غير رسمية'' لمدة يومين في 11 من شباط (فبراير)، كان هناك موضوع واحد فقط على الأجندة: أفضل طريقة لمساعدة اليونان على تجنب التخلف عن سداد ديونها، وفي الوقت نفسه طمأنة أسواق السندات إن دول منطقة اليورو الأخرى التي تعاني من حالات عجز كبيرة في الميزانية، مثل أيرلندا والبرتغال وإسبانيا، لا تزال رهانات آمنة.
وفي الوقت الذي تم فيه إرسال الإيكونوميست للنشر، لم تكن قد ظهرت سوى العناصر الأساسية لخطة دعم محتملة لليونان. وكبرياء الاتحاد الأوروبي على المحك، لذا سيكون هناك ''حل أوروبي''، بحيث يقتصر دور صندوق النقد الدولي على الاستشارة. وسيكون هناك جهد مشترك بقيادة فرنسا وألمانيا المترددة إلى حد ما، وهي الدولة الأثرى. وتخشى برلين أن تؤدي عملية الإنقاذ إلى تشجيع المزيد من التبذير.
إن اتخاذ إجراءات منسقة يحد من التداعيات السياسية الناتجة عن إنقاذ الدول. كما يساعد على الضغط على اليونان من أجل إجراء المزيد من الإصلاحات وخفض الإنفاق العام كشروط لعملية الإنقاذ. إلا أن ضرورة التنسيق يجعل من الصعب التصرف بشكل حاسم، مما يترك أسواق السندات قلقة. وسيكون التمويل محدودا، وقد يتم تقديم فقط ما يكفي لمساعدة اليونان على الوفاء بالتزاماتها الفورية ''20 مليار يورو من ديونها ستستحق الدفع في نيسان (أبريل) وأيار (مايو)''. وقد تأخذ المساعدة شكل ضمانة على إعادة تمويل السندات أو عملية شراء مباشرة لتلك السندات من قبل منقذي اليونان.
وهناك حديث عن أن أحد أسباب إبقاء صندوق النقد الدولي خارج عملية الإنقاذ هو أن رئيسه، دومينيك شتراوس خان، قد يكون منافسا للرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، في الانتخابات الفرنسية لعام 2012. وإذا رفضت أوروبا مساعدة صندوق النقد الدولي، قد تضطر في النهاية إلى تأسيس صندوق مشابه - صندوق النقد الأوروبي - للتعامل مع أزمات التمويل المستقبلية. ولكن يبدو أن هذه الفكرة لا تحظى بتأييد كبير في الوقت الراهن. وقد تكون الاستجابة الخاصة بحالة اليونان انعكاسا جزئيا للخوف من أن يكون التأسيس الرسمي للصندوق مع موظفين وميزانية وقدرة على جمع الأموال في أسواق رأس المال قريب جدا من اتحاد مالي بحيث يجعل من الصعب على عديد من الدول قبوله.
وبالنسبة للبعض، يمثل إنقاذ اليونان موجة جديدة من الأزمة المالية العالمية. وكانت الموجة الأولى تتعلق بقدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها المالية؛ أما هذه الموجة فتتعلق بقدرة الدول السيادية على الوفاء بالتزاماتها المالية. إلا أن مشكلات المالية العامة في اليونان كانت تختمر قبل وقت طويل من بدء تعثر البنوك في العالم الغني. وحين انضمت لليورو عام 2001، كان الدين العام فيها يتجاوز بالفعل نسبة 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من فترة الازدهار الطويلة المدعومة بأسعار الفائدة المنخفضة داخل اليورو، إلا أن اليونان لم تبذل جهدا يذكر لمعالجة حالات عجزها المستمرة.
وبعد أن اعترفت حكومتها الجديدة، في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أن عجز الميزانية سيبلغ 13 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أكثر من ضعف التوقعات السابقة، بدأت تكلفة اقتراض اليونان بالارتفاع. وذعر مستثمرو السندات أكثر حين تم الكشف عن أن ديون اليونان المعلنة أقل من ديونها الفعلية، وتم فعل ذلك عن طريق عدم إدخال فواتيرها غير المسددة في دفاتر الحسابات. ومع تبدد مصداقية الدولة، لم يؤد حتى برنامج التقشف الصارم الذي تم الإعلان عنه في وقت سابق من هذا الشهر إلى استعادة الثقة.
وقد هدأ الحديث عن عملية الإنقاذ من روع الأسواق المالية، على الرغم من أن هناك خطرا أن يؤدي عدم وجود تفاصيل إلى إثارة نوبات ذعر جديدة. وانخفض العائد على السندات اليونانية لمدة عشر سنوات إلى أقل من 6 في المائة في اليوم السابق لاجتماع الاتحاد الأوروبي: في أواخر كانون الثاني (يناير)، ارتفع إلى أعلى من 7 في المائة. وارتفع اليورو قليلا، بعد أن كان قد تراجع بشكل مطرد مقابل الدولار.
ويشعر بعض موظفي الاتحاد الأوروبي (وعدد لا بأس به في اليونان) أن المضاربين أزعجوا منطقة اليورو. وهم يشيرون إلى أن عبء ديونها ليس أسوأ منه في أجزاء أخرى من العالم الغني. وتقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدين العام في بريطانيا وأمريكا بنسبة أعلى منه في منطقة اليورو بحلول عام 2011، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. والمشكلة في منطقة اليورو هي أن لديه دول تعاني من المشكلات، مثل اليونان، لها مالية عامة أسوأ من المتوسط دون وجود وسيلة (حتى الآن) للاستفادة من الائتمان من إخوانها الأكثر توفيرا.
وحتى تلك قد تكون مقارنة لطيفة. وما يقلق مستثمرو السندات هو الدول التي لديها احتياجات اقتراض كبيرة تزيد من مخزون ديونها العالية أصلا. وفي المستقبل، قد يشعرون بقلق أكبر من التوقعات الأطول أجلا لنمو الناتج المحلي الإجمالي. ولا تستطيع الاقتصادات الراكدة دعم عبء الديون الكبير للأبد؛ وتواجه دول منطقة اليورو التي تعاني من ديون هائلة أيضا عقبات شديدة أمام النمو. وإصلاح المالية العامة ليس سوى بداية لبرنامج إصلاحات تشتد الحاجة إليه

الأكثر قراءة