مخاطر جديدة تهدد الاقتصاد العالمي

مخاطر جديدة تهدد الاقتصاد العالمي

في العام الماضي كانت المشكلة في البنوك، ولكنها في الدول هذا العام. فالأزمة الاقتصادية، التي كان يبدو أنها خفت في الجزء الأخير من عام 2009، عادت بقوة ثانية مع اقتراب خطر التخلف عن سداد الديون السيادية.
ويكافح قادة أوروبا من أجل تجنب أكبر كارثة مالية في تاريخ اليورو البالغ 11 عاما. وهذا الأسبوع كان الجميع يراقب اليونان. فإذا تخلفت عن السداد، ستكون تلك المرة الأولى التي تتخلف فيها دولة عضو في الاتحاد الأوروبي عن السداد. وفي الوقت الذي تم فيه إرسال الإيكونوميست للنشر، كان قادة الاتحاد الأوروبي يعقدون اجتماعا لمناقشة ما يجب فعله، وكان هناك حديث عن خطة إنقاذ بقيادة ألمانيا. وإذا حدث هذا، قد تطالب دول أوروبية أخرى تعاني الوضع نفسه بالشيء نفسه. وفي أسواق السندات، يسود القلق بشأن قدرة إسبانيا وأيرلندا والبرتغال على سداد ديونها، مما اضطر هذه الدول إلى زيادة الضرائب وخفض الإنفاق، على الرغم من أنها ما زالت غارقة في الركود.
لقد منحت مشاكل أوروبا المستثمرين سببا وجيها للقلق، ولكنها ليست مصدر القلق الوحيد. فالتغييرات التي يتم إحداثها في السياسة في جميع أنحاء العالم أثارت أيضا خوف المستثمرين. وبدأت حكومة الصين كبح جماح فورة الإقراض الشهر الماضي، بسبب قلقها من تسارع التضخم وفقاعات الأصول. ورفع البنك المركزي الهندي متطلبات الاحتياط، وتم البدء بالتخلص التدريجي من الحوافز المالية في البرازيل. وبدأت أيضا البنوك المركزية الكبرى في العالم الغني بتفكيك تسهيلات السيولة الطارئة التي أدخلتها في ذروة الأزمة. وأوشكت عملية ''التخفيف الكمي''، التي يتم فيها طباعة المال لشراء الأوراق المالية المؤرخة لأجل أطول، على النهاية - أو على الأقل التأجيل. وأدى كل هذا إلى ضرب أسعار الأصول. وانخفضت أسواق الأسهم المالية بشكل حاد، وتراجعت أسعار السلع وزادت حدة التقلب. وانخفض مؤشر MSCI العالمي لأسعار الأسهم العالمية بنسبة 10 في المائة تقريبا من ذروته في 14 من كانون الثاني (يناير). وتلاشى التفاؤل بشأن الانتعاش على شكل V ليحل محله التشاؤم من ركود مصحوب بفترة نمو قصيرة ومتبوع بركود آخر، وذلك مع تنامي المخاوف بأن يضطر صنّاع السياسة، أو يتخذون قرارا خاطئا، إلى إزالة الدعائم النقدية والمالية في وقت مبكر.

الأكروبول الآن؟
هناك ثلاثة عوامل تحدد فيما إذا كانت هذه المخاوف مبررة. الأول هو قوة الانتعاش- فيما إذا كان سيستمر لوحده أو يظل معتمدا على الحوافز الحكومية. والثاني هو نطاق مشكلة الديون السيادية - فيما إذا كانت اليونان حالة وحيدة ميؤوس منها، أو إذا كان المستثمرون سيفقدون الثقة في حكومات أخرى مثقلة بالديون. أما العامل الثالث فهو مدى براعة المصرفيين المركزيين ووزراء المالية في العالم في تصميم وتنسيق عملية سحب حوافز السياسة.
إن صورة النمو العالمي تزداد انقساما. فالاقتصادات الناشئة الكبرى في أفضل حال، حيث تتمتع بنمو قوي للطلب المحلي وقدرة إنتاج فائضة قليلة. وقد تخلصت دول مثل الهند والبرازيل من الانكماش إلى حد كبير. وبالنظر إلى نطاق فورة الإقراض الموجه من قبل الحكومة في الصين، يمكن القول إن اقتصاد الصين عرضة لحملة مفاجئة من قبل البيروقراطيين. ولكن على الرغم من المخاوف السائدة في الأسواق، إلا أنه ليس هناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى أنها ستشدد السياسة بصورة كبيرة في وقت قصير. ومن المحتمل، بل من المستحسن، حدوث تباطؤ، إلا أنه من غير المرجح أن تتعثر على نحو خطير.
إلا أن الوضع مختلف تماما في العالم الثري، حيث ليس هناك الكثير من الدلائل على حدوث نمو قوي في الطلب الخاص. وأرقام الناتج المحلي الإجمالي الأخيرة، القوية، لأمريكا مضللة. فقد نما الناتج بمعدل سنوي يبلغ 5.7 في المائة في الربع الرابع من عام 2009، ويعود ذلك بصورة رئيسة إلى أن الشركات كانت تعيد بناء مخزوناتها. وبالنظر إلى أن الاقتصاد لا يزال يخفض الوظائف (وإن بمعدل أقل)، وأسعار الأسهم في تراجع، وسوق الإسكان لا تزال ضعيفة، وديون الأسر في تقلص، من المرجح أن يظل الإنفاق الاستهلاكي راكدا. ومع ركود كثير من القدرات، من غير المحتمل أيضا أن تبدأ الشركات فورة استثمار. والوضع أكثر كآبة في أوروبا واليابان. فعلى الرغم من أن الصادرات بدأت بالانتعاش، إلا أن اليابان انزلقت ثانية إلى الانكماش. وفي منطقة اليورو، كان الانتعاش متعثرا قبل وقت طويل من الأزمة اليونانية. وتوقف الطلب المحلي حتى في الدول التي لا تعاني فيها الأسر ديونا كبيرة يجب سدادها، مثل ألمانيا.

البحث عن المخرج
ينبغي أن ينعكس هذا التفاوت بين العالمين الغني والناشئ في سياساتهما للاقتصاد الكلي. فالاقتصادات الناشئة تستطيع، بل يجب أن، تخفض حوافزها وترفع أسعار فائدتها قبل أن يبدأ التضخم. ولكن ما زال الوقت مبكرا جدا على تشديد السياسة في الاقتصادات الكبيرة الضعيفة الغنية. ومخاطر تكرار الأخطاء التي تم ارتكابها في أمريكا عام 1937 وفي اليابان عام 1997- حين أدت الزيادات الضريبية السابقة لأوانها وتشديد السياسة النقدية في وقت مبكر إلى دفع الاقتصادين الضعيفين ثانية إلى الركود - أكبر من مخاطر عدم اتخاذ أي إجراءات الآن. وإذا كان الناتج أقل من الإمكانات ونمو الائتمان راكدا، ليس هناك فرصة كبيرة لاستمرار التضخم. ولا يجب أيضا أن يؤدي الخوف، في معظم الدول، من حملة السندات إلى تقشف مالي مفاجئ. والدرس الذي يجب استخلاصه من مشكلات اليونان وإسبانيا والبرتغال ليس أن جميع حالات العجز خطرة، بل إن على الحكومات أن تبذل جهودا أكبر للسيطرة على حالات العجز وتعزيز النمو الاقتصادي على المدى المتوسط من أجل إفساح المجال للتخفيف اليوم.
لقد فهمت معظم الاقتصادات الكبيرة الغنية نصف هذه الرسالة. ففي اجتماعهم في السادس من شباط (فبراير)، أدرك وزراء المالية في مجموعة السبعة أنه من السابق لأوانه البدء بسحب الحوافز، وهم على حق في ذلك. ولكن لم تضع أية دولة غنية خطة مالية موثوقة في الأجل المتوسط. ويجب أن تكون الإصلاحات على رأس القائمة، مثل رفع سن التقاعد أو وسائل التحقق من الموارد المالية للاستحقاقات المستقبلية، والتي تحسن التوقعات المالية للدول دون عرقلة الطلب اليوم. وتتجه فرنسا نحو الاتجاه الصحيح، حيث وضعت خطة لإصلاح نظام المعاشات التقاعدية. وفي هذا الصدد، كانت ميزانية أمريكا الجديدة، التي تراهن فقط على الأجل المتوسط، فشلا ذريعا.
والمهم بالقدر نفسه هو وضع أجندة أكثر وضوحا لتعزيز النمو في الأجل المتوسط. ولتقليل مخاطر وقوع اقتصادات العالم الغني في مستنقع الديون العامة المرتفعة، كما حدث مع اليابان، عليها حفز الإنتاجية وتشجيع الاستثمار وتعزيز المنافسة. ويشير هذا إلى تجديد التركيز على تحرير التجارة وتخفيض الإنفاق بدلا من رفع الضرائب والاتفاق على قوانين مالية جديدة. وأحد أسباب التوتر السائد اليوم هو ''مخاطر السياسة''. فلا أحد يعلم على وجه اليقين - سواء الشركات أم البنوك أم الأفراد - إلى أين تتجه سياسة الحكومة. وكلما زادت الحكومات جهودها للحد من عدم اليقين هذا، زادت احتمالات أن يكون الانتعاش أقوى

الأكثر قراءة