تعداد السكان ومن يحمي معلوماتنا الشخصية؟

تعد وزارة الاقتصاد والتخطيط خطة للتعداد بعد 70 يوماَ وتوظف لها أكثر من 43 ألف موظف. ومن المسلم به أن الدقة في الإحصاءات وخاصة تعداد السكان هو أهم أساسيات قاعدة المعلومات الدقيقة عن السكان هو أساس أي عملية تخطيطية ومن دونها لا يمكن الوثوق بأي عملية تخطيطية أو حتى أي توقعات مستقبلية. والإحصاءات ليست مقصورة على تعداد السكان فقط، وإنما تشمل معظم المعلومات الشخصية عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية (ديموجرافية) للأفراد والمؤسسات. وهي من أهم الثروات الوطنية التي تساعد على إثراء البحث العلمي والتي من دونها لا يمكن الاعتماد على صحة أي ما ينشر عن النمو السكاني أو الاقتصادي ولا يمكن رسم سياسات مستقبلية واضحة. وأن أي خطأ ولو كان صغيراً يلغي صلاحية هذه التوقعات. ولكن المهم هو أن تكون هناك حملة توعوية لتشجيع المواطن على إعطاء المعلومة الصحيحة وأنها ستكون سرية، وأنه سيتم احترام خصوصيته. وأن القانون سيعاقب من يسرب أية معلومات عن المواطن. وإلا فإن الحملة سيكون مصيرها الفشل.
وما تقوم به الوزارة هو خطوة مهمة وامتداد لما جرت عليه العادة كل عشر سنوات من محاولة الحصول على أدق المعلومات. وهذه المعلومات رهن لدى المواطن ومن دون تعاونه مع موظفي الإحصاء وإعطائه المعلومة الصحيحة والدقيقة فإنها لا يمكن أن تحقق الأهداف المرجوة منها. وبذلك فإن المواطن هو الخاسر الأكبر. حيث إن دقة إعطاء المعلومة يساعد الدولة على توفير الخدمات الضرورية لها وبكفاءة جيدة. ودون إسراف أو تكاليف زائدة عن حدها وباتزان جيد في تحقيق العدالة والتوزيع المتكافئ للجميع. فلا تتكلف أكثر من اللازم لشرائح معينة، بينما الحاجة أكبر إلى شرائح أخرى. ولكن هذه الإحصاءات تعاني بعض الممارسات الخاطئة والتي تؤثر في جدواها للتخطيط المستقبلي سواءً في دقتها أو طريقة التعامل معها تخطيطياً. فبعض الأفراد ليس لديهم الوعي اللازم للتعاون في إنجاح التعداد بإعطاء المعلومات الدقيقة المطلوبة وبكل صراحة. بينما يتردد بعض المواطنين عن إعطاء بعض المعلومات الشخصية لما يراه أحيانا من انتهاك للخصوصية وسرية المعلومات بسهولة من قبل بعض المسؤولين ويتم إفشاء بعض أسرار المواطنين وعائلاتهم أو الشركات ودون مبالاة. فاليوم يقوم بعض ضعاف النفوس بالحصول على معلومات عن المواطنين بسهولة عن طريق معارفهم من المسؤولين. ويتيحون اتصال المعاكسين بالمرور لمعرفة اسم عائلة من يعاكسون عن طريق ذكر رقم لوحة السيارة أو الاتصال بشركة الاتصالات لمعرفة معلومات عن أرقام هواتف معينة. أو الاتصال بالبنوك لمعرفة حساباتنا. لذلك فإن الدخول إلى مصادر المعلومات وإن كانت الدولة تمنع وتحافظ على سريتها أصبح مستهانا من قبل بعض المسؤولين الذين لا يبالون بذلك لعدم وجود رادع أو نظام تأديبي يردعهم في الوقت الذي نرى فيه معظم دول العالم تهتم بسرية المعلومات الشخصية للمواطنين، وتعتبر أن كل مواطن له الحق في رفع دعوى قضائية على المخالفين ومقاضاته بالسجن والغرامات المالية الكبيرة.
ومن منطلق آخر فإن تعطل الحصول على معلومات دقيقة له تأثيره في صحة التوقعات السكانية التي تعاني أساسا من عدم إلمام المسؤولين بتأثيرات المتغيرات المستقبلية عليها. فالتوقعات السكانية عادة تبني على أساس معدلات النمو الطبيعي للسكان (الفرق بين الولادة والوفيات) ومعدلات الهجرة والجذب إلى المدن. وبذلك فإن أي تغير اجتماعي في مستوى الإنجاب أو لجوء الجيل الجديد إلى تحديد النسل نوعاً ما أو تأثير الظروف الاقتصادية على تأخير سن الزواج قد يؤثر في معدل الولادة أو تميز مجتمعنا بكثرة الحوادث المرورية المميتة يلغي صحة التوقعات المستقبلية للسكان. فالتوقعات السكانية تتأثر كثيراً بتغير القرارات الاقتصادية أو الاجتماعية. فعندما تقرر الدولة مستقبلاً على سبيل المثال تشجيع الصناعة في مناطق معينة خارج المدن الرئيسة وإعطاء مغريات مجزية لإيجاد فرص عمل، فإن ذلك يسبب هجرة من المدن الرئيسة وبذلك تختل جميع التوقعات السكانية الحالية. لذلك وجب التحفظ والاحتساب لمثل هذه التغيرات التي لا يمكن توقعها الآن وإنما هي مستقبلية وفي علم الله. لذلك فإنه من الضروري توظيف المخططين الأكفاء للاستفادة من هذه الأرقام وتوظيفها في الاتجاه السليم. بعكس ما هو متبع الآن من توظيف مهندسين سواء مدنيين أو معماريين غير مؤهلين تخطيطياً لأعمال أصلها تخطيطي. حيث إن المهندس لا يدرس أو يستطيع الربط بين المعلومات الإحصائية ومدى تأثرها بالمتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ومدى تأثيرها في المجتمع وتقبلها له. فالتخطيط يعتمد أصلا على دراسة الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمدينة والدولة ككل وكيفية تسيير الأمور والاستفادة من الأوضاع الحالية وتسخيرها للنمو بالمستوى الحضاري للإنسان وللحصول على مجتمع متحضر ومدن مثالية. فما زال الكثير من المسؤولين في بعض الدوائر العامة والخاصة يجهلون أهمية الإحصاءات ودورها الأساسي في عملية التخطيط. بل إنهم يجهلون الفرق بين عمل المهندس الذي ليس لديه الخلفية، الأزمة في مجال الإحصاءات السكانية والتغيرات الاجتماعية أو المخطط الذي يعتبر ذلك من صميم عمله، بل إنهم يجهلون مفهوم ومعنى التخطيط، وبالتالي فإنهم يخلطون بين مفهومين مختلفين لكلمة تخطيط. وفي الغالب فهم يخلطون بين أنواع التخطيط المختلفة. فهناك فرق كبير بين التخطيط الوطني (القومي والمحلي) National Planning، التخطيط العمراني Urban Planning، حيث إن التخطيط الوطني وهو ما تقوم به معظم الدول من رسم سياسات مستقبلية مبنية على أسس ومتغيرات داخلية وخارجية ومبنية على احتمالات وتوقعات مستقبلية ومحاولة التنبؤ بالتأثيرات المستقبلية وكيفية تجنبها للنهوض بالناتج القومي. وهذا عادةً ما تقوم به وزارة التخطيط من رسم سياسات وخطط مستقبلية للدولة مثل إصدار الخطط الخمسية. بينما التخطيط العمراني يرتبط أكثر بالعمران والبيئة الحضرية وهو مبني على متغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية وغالباً ما تكون داخلية وهو ما تقوم به وزارة الشؤون البلدية والقروية. ومثال ذلك مخططات المدن والنطاق العمراني. والخلط بين هذين النوعين ما زال مستمراً لدى بعض الناس فهم تارة يلومون ويرجعون مشكلات التخطيط الوطني إلى البلديات أو العكس.
والمخطط هو المختص في الاستفادة من المعلومات ليلبي حاجة كل شريحة من شرائح العمر وإعطائها متطلباتها المستقبلية، فالأطفال الذين يولدون اليوم سيحتاجون إلى مدارس ابتدائية بعد ست سنوات ثم متوسطة بعد 12 سنة وهكذا للثانوية والجامعة ومعرفة هذه الأعداد لكل سنة مستقبلية يساعد الدولة علي وضع خطط وميزانيات مبرمجة للسنوات المقبلة. حيث لا يوفر أكثر أو أقل من المطلوب. وعلى غرار ذلك يتم تحديد الاحتياجات من المراكز الصحية والاجتماعية وغيرها. وكذلك الحال للشباب بعد 20 إلى 25 عاما (وهي مرحلة الزواج)، وبعدها بسنة عادة تأتي المواليد فنحتاج إلى مستشفيات ولادة وأطفال. ونحتاج إلى كمية هائلة من المساكن الصغيرة (الفلل المتلاصقة) أو الشقق. ولو توقعنا ارتفاع معدل العجزة وجب علينا أن نخطط لتوفير دور عجزة ومراكز علاج طبيعي. وكذلك الحال بالنسبة لاختيار مواقع الخدمات وتحديد حجمها فإن اختيار مواقعها يجب أن يتم على أساس مواقع كل شريحة في المدينة. من جهة أخرى، فإنه لا بد من ربط وتوحيد المعلومات لتشمل جميع القطاعات العامة والخاصة وأخص بذلك عملية ربط البلديات والوزارات وسجلات الأراضي وكتابة العدل. وأن يتم ربطها مباشرة مع مراكز الأبحاث الوطنية وإمكانية استثمارها ببيعها على الشركات الكبرى في القطاع الخاص، وأن يكون الدخول إلى المعلومة وفق مستويات من السرية، وأن يتم توحيد بطاقات ممغنطة لكل مواطن يمكن بها التعامل بصورة تقنية وحضرية لجمع واستعراض المعلومات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي