أزمة أوروبية جدا

أزمة أوروبية جدا

قد يقول البعض إن هذه المأساة كانت محتومة منذ انضمام اليونان، قبل تسع سنوات الشهر الماضي، إلى منطقة اليورو. وقد يزعم آخرون أنه كان لا بد أن تصيب هذه الكارثة هذا الاتحاد النقدي المتفاوت عاجلا أم آجلا: إذا لم تكن اليونان، فسيكون السبب عضو ضعيف آخر في النادي. وسواء كانت محتومة أم لا، فقد حدثت الكارثة. وفي أحسن الأحوال، على اليونان أن تخضع لتشديد كبير في الميزانية. ولم يضطر زملاؤها الأوروبيون، أو صندوق النقد الدولي، بعد لتنظيم عملية إنقاذ. ويتحدث البعض - ربما بصورة خاطئة - عن بداية النهاية لمنطقة اليورو.
وفي العام الماضي، بلغ عجز الميزانية في اليونان 12.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وأثارت المخاوف بشأن ما إذا كان اليونانيون سيتخذون إجراءات لتخفيضه نوبات هلع في أسواق السندات: في أواخر الشهر الماضي، قفز العائد على سندات الحكومة اليونانية لمدة عشر سنوات إلى 7.1 في المائة، وهو الأعلى منذ انضمام الدولة إلى منطقة اليورو وأكثر بنحو أربع نقاط مئوية منه على سندات الحكومة الألمانية، أكثر الاستثمارات أمنا في منطقة اليورو. وخفت حدة الهلع في الثالث من شباط (فبراير)، حين صادقت المفوضية الأوروبية على خطة الحكومة اليونانية بتخفيض العجز إلى 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2012. وقبل يوم من ذلك، استغل رئيس الوزراء اليوناني، George Papandreou، خطابه على التلفزيون للإعلان عن فرض ضرائب أعلى على الوقود وتمديد تجميد أجور القطاع العام ليشمل موظفي الخدمة المدنية ذوي الأجور المنخفضة.
ومع ذلك، لم تتخلص اليونان وأوروبا من المشكلات بعد. وتقول المفوضية إنها ستراقب اليونان عن كثب لضمان أن تفي بوعودها: تتوقع المفوضية تقريرا في منتصف آذار (مارس) عن فرص اليونان في تحقيق هدف العجز لهذا العام البالغ 8.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وقال Joaquin Almunia، مفوض الشؤون الاقتصادية المنتهية ولايته، إنه يأمل أن يساعد التقييم الإيجابي من قبل المفوضية في منتصف أيار (مايو) على استعادة الثقة في اليونان، التي تعاني من أحد أكبر أعباء الديون في العالم نسبة إلى ناتجها المحلي الإجمالي. وإذا لم يستعد اليونانيون ثقة الأسواق، فقد يفشلون في تمويل الديون التي ستستحق الدفع في نيسان (إبريل) وأيار (مايو) البالغة 20 مليار يورو (28 مليار دولار) أو نحو ذلك. وحينها ستتخلف الحكومة عن الدفع أو قد تحتاج إلى عملية إنقاذ. واليونان هي الدولة الوحيدة التي تقلق بشأنها أسواق السندات. ففي اليوم نفسه الذي وافقت فيه المفوضية على خطط اليونان، كان المستثمرون يبيعون السندات البرتغالية. واتسع الهامش لسندات السنوات العشر مقابل السندات الألمانية بنسبة 0.16 نقطة مئوية، ليصل إلى 1.43 نقطة.

ماراثون وليس سباقاً قصيراً
لليونان تاريخ طويل من المشكلات المالية. فقد تخلفت عن السداد خلال نصف القرنين الماضيين، كما تشير Carmen Reinhart و Kenneth Rogoff في ''This Time Is Different''، وهو تاريخ من الأزمات المالية. وحين أصبحت الدولة الثانية عشرة التي تنضم لليورو عام 2001، كانت ديونها العامة تتجاوز 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. واعتقد الكثيرون أن سوء إدارتها المزمنة للميزانية قد يضر بالعملة.
وبالنسبة لليونان، كانت العضوية نعمة كبيرة. ولم يعد على أسواق السندات أن تقلق بشأن ارتفاع التضخم أو انخفاض قيمة العملة. وسمحت أسعار الفائدة المنخفضة للحكومة بإعادة تمويل الدين بشروط أكثر يسرا: انخفضت نسبة صافي تكاليف الفائدة إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.5 نقطة مئوية في العقد الذي تلا عام 1995. وسمح تبخيس قيمة خطر التخلف عن السداد خلال ازدهار الائتمان لليونان الحصول على القروض طويلة الأجل. وأطلقت أسعار الفائدة المنخفضة أيضا العنان لفورة إنفاق. ونما الاقتصاد بنسبة 4 في المائة سنويا حتى عام 2008.
إلا أن النمو القوي للناتج المحلي الإجمالي أخفى الضعف الكامن في المالية العامة. وانخفضت نسبة الدين العام، ولكن فقط لأن الناتج المحلي الإجمالي من حيث النقدية نما بسرعة أكبر من الدين. واستمرت حالات العجز الضخمة في الميزانية. وفي الواقع، حالما دخلت اليونان في اليورو وأصبحت آمنة، خففت قبضتها المالية. وكان هناك فائض في رصيد الميزانية الأساسي (أي باستثناء مدفوعات الفائدة) خلال الفترة التي سبقت العضوية، ولكن أصبح هناك عجز منذ عام 2003. ولم يساعد هذا كثيرا على تهدئة الاقتصاد. وظل معدل التضخم في اليونان أعلى من متوسطه في منطقة اليورو، ما أضر بقدرتها التنافسية. وكان الاقتصاد يزداد اعتمادا على الاقتراض الخارجي. وزاد عجز الحساب الجاري إلى 14.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2008.
ولو احتفظت اليونان بعملتها الخاصة، ربما كانت المشكلات ستحدث في وقت أبكر. ولكن في الأشهر التي أعقبت انهيار Lehman Brothers، كانت اليونان محمية بعضوية اليورو. وكانت لا تزال قادرة على الاقتراض بسهولة، إن لم يكن بأسعار رخيصة، في أسواق السندات على الرغم من أن نفور المستثمرين من الأصول الخطرة بلغ ذروته في آذار (مارس) الماضي. وكان الاقتصاد في طريقه إلى ركود سطحي في أسوأ الأحوال. وكانت بنوك اليونان خالية من سندات القروض العقارية السامة التي تسببت في انهيار بنوك أخرى. وكانت توقعات عجز الميزانية عام 2009، البالغة 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، تبدو متواضعة تقريبا مقارنة بحالات العجز المتوقعة لدول أخرى.
إلا أن الواقع كان أسوأ بكثير، كما اتضح بعد انتخابات تشرين الأول (أكتوبر). وقالت الحكومة الجديدة إنه من المحتمل أن يكون العجز الحقيقي 12.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. والأسوأ من ذلك هو أنه تم تعديل ورفع العجز عام 2008 ليشمل الفواتير غير المدفوعة لمزودي المواد الطبية. وأضر الانكماش المعتدل بالإيرادات الضريبية بصور أكبر مما أعلنت الإدارة السابقة. وتقلص الاقتصاد بنسبة تقارب 1 في المائة العام الماضي، إلا أن الإنفاق الاستهلاكي انخفض بنسبة أكبر. وتم تقليص ضرائب القيمة المضافة، التي تعد مصدراً موثوقاً للدخل. وتم تخفيف ضوابط الإنفاق العام خلال الفترة التي سبقت الانتخابات، مما زاد العجز.
وتلاشت تماما ثقة المستثمرين في الإحصاءات اليونانية، التي لم تكن أبدا دقيقة. وخفضت اثنتان من وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الرئيسة، وهما Fitch وStandard & Poor's S&P، درجة السندات اليونانية وحذرتا من احتمالية تخفيض درجتها أكثر. وأدى تأجيل سداد الديون من قبل Dubai World، شركة العقارات المدعومة من قبل الدولة في الشرق الأوسط، إلى إثارة قلق المستثمرين في السندات بشأن المخاطر السيادية. وبدأت هوامش السندات اليونانية في الاتساع ثانية. وفي منتصف كانون الأول (ديسمبر)، استجابت الحكومة بخطة جديدة لتخفيض العجز. ولم تقتنع أسواق السندات، ولا وكالات التصنيف: خفضت Fitch و S&P درجة اليونان ثانية، من A- إلى BBB+. وفي 25 من كانون الثاني (يناير)، استمتعت الحكومة اليونانية بفترة طمأنينة قصيرة، حيث جمعت ثمانية مليارات يورو في بيع سندات لمدة خمس سنوات. وقالت النقابة المصرفية المكلفة بوضع السندات إنها جمعت ما قيمته 25 مليار يورو من الطلبات في غضون ساعات من المستثمرين الذين اجتذبتهم أسعار الفائدة البالغة 6.2 في المائة. ولكن في غضون بضعة أيام، ارتفعت عائدات السندات اليونانية مرة أخرى. وزعزعت القصص القائلة إن الصين رفضت عرضا من السندات اليونانية الأسواق أيضا على الرغم من نفيها في كل من أثينا وبكين.
وكما هو متوقع، يلوم Papandreou المضاربين على اشتعال الأسواق. ولكنه يعترف أيضا بأن دولته أصبحت ضعيفة بسبب تبذيرها. وإذا كانت الحكومة تريد استعادة ثقة أسواق السندات، فعليها أن تكون أكثر جرأة.
وتبدو التخفيضات المقررة لأجور القطاع العام صغيرة مقارنة مع هذا العجز الكبير في الميزانية. وتبدو أيضا متواضعة مقارنة مع الإجراءات الأكثر جرأة التي تم اتخاذها في أيرلندا، وهي عضو آخر في الاتحاد الأوروبي يعاني من ضائقة مالية. وفي كانون الأول (ديسمبر)، أعلنت الحكومة الأيرلندية عن تخفيضات كبيرة في أجور موظفي الخدمة المدنية، بعد أشهر فقط من إدخال ''ضريبة المعاشات التقاعدية'' التي تخفض أجور القطاع العام بنسبة 7 في المائة. وقد جنت ثمار شجاعتها، حيث انخفضت تكاليف الاقتراض.
ويقول وزير المالية اليوناني، George Papaconstantinou، إن المشكلة الرئيسة كثرة الموظفين في الخدمة المدنية وليس الأجور المفرطة: النهج الصحيح هو إبطاء التوظيف والسماح للرواتب بالتقلص مع تقاعد موظفي الخدمة المدنية. حسنا، إلا أن الوقت ليس في صالحه. ولاسترضاء الدائنين المتوترين لليونان من الضروري وضع سياسة لها نتائج أسرع وأكثر وضوحا. وسيساعد إجراء تخفيض أجور كبير في القطاع العام. وقد يسهل على الشركات الخاصة حينها أن تحذو حذوه، ما سيساعد اليونان على استعادة قدرتها التنافسية من حيث التكلفة.
وتقول الحكومة إنها ستقدم خطة لإصلاح المعاشات التقاعدية قريبا. ونظام المعاشات التقاعدية الحكومية في اليونان يعد من بين الأكثر سخاء، وبالتالي تكلفة، بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الـ 30 الغنية. ويتطلع العمال إلى معاش تقاعدي بنسبة 96 في المائة من إيراداتهم قبل التقاعد. ولم يعد اليونانيون قادرين على تحمل تكاليف المعاشات التقاعدية السخية. وفي خطابه على التلفزيون، لمّح Papandreou إلى أن رفع سن التقاعد سيكون أحد بنود الإصلاح. وربما تسهم مجموعة أكثر جرأة من تخفيضات الميزانية في تأمين تمويل أسواق السندات بأسعار فائدة مقبولة. وتقول الحكومة اليونانية إن عليها أن تحقق التوازن بين تخفيضات الميزانية وإبقاء ''شركائها الاجتماعيين'' سعداء. ولكن إذا كانت لطيفة جدا مع عمّال القطاع العام والمتقاعدين وهلم جرا، ستكافح كثيرا لإيجاد مشترين لسنداتها. وإذا أغلقت أسواق السندات أمام اليونان، فستواجه الدولة عملية إنقاذ أو ستتخلف عن السداد. وليس من المرجح أن يسهم أي من الخيارين كثيرا في السلام الاجتماعي.

ما شكل عملية الإنقاذ اللازمة؟
دفعت فكرة أن اليونان قد تفشل في تنفيذ تخفيضات الميزانية اللازمة المسؤولين إلى التفكير في شكل عملية الإنقاذ. فحين ارتفعت العائدات في أواخر كانون الثاني (يناير)، كان كبار المسؤولين المتوترين في الاتحاد الأوروبي يبلغون الصحافيين أنه تتم مناقشة عملية إنقاذ لليونان. وتشمل المعاهدة التي تحكم الاتحاد الأوروبي بنداً ''بعدم الإنقاذ''، يمنع الدول من الاضطلاع بديون الآخرين. وقد تم إدراج هذا البند عام 1991، تحت إصرار ألمانيا، في قمة الاتحاد الأوروبي في ماستريخت، المدينة الهولندية التي تم فيها وضع الكثير من القواعد الأساسية لليورو. إلا أن هناك بنوداً أخرى في المعاهدة قد تسمح بتقديم المساعدة لأي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تقع في مأزق.
وأحد الحلول هو أن ترتب اليونان لقرض تجسيري من دولة أخرى في منطقة اليورو في وضع ائتماني جيد، مثل ألمانيا. وقد يكون مثل هذا الترتيب قانونيا أو غير قانوني؛ ومن المؤكد أنه سيؤدي إلى سياسة مريعة. وسيشعر الناخبون في الدولة المانحة بغضب شديد إذا تم استخدام مدخراتهم من التقشف لإنقاذ دولة مبذرة. ولضمان عدم إنفاق المزيد من المال على قضية فاشلة، لا بد أن يكون أي قرض مرتبطاً بشروط معينة. ويثير هذا مشكلة أخرى. فمن الصعب على دولة ما أن تخبر دولة أخرى بكيفية تخفيض ميزانيتها. وحين تم إنقاذ المكسيك عام 1994، كانت إدارة كلينتون تريد في البداية إدارة عملية الإنقاذ وحدها. ولكنها سرعان ما أدركت أنه من الأفضل أن تدع صندوق النقد الدولي يطلب من المكسيك الموافقة على الشروط. ووضع المكسيك في منتصف التسعينيات مشابه لوضع اليونان اليوم. ويعلق أحد الاقتصاديين بالقول: ''إذا تدخلت ألمانيا، فسيقول البعض في الشارع الأثيني إن قوة الدفاع لألمانيا النازية قد عادت''.
ويشعر المسؤولون الأوروبيون في السر بالخوف من فكرة استدعاء صندوق النقد الدولي لإنقاذ اليونان. فكبرياؤهم على المحك. واللجوء إلى الصندوق لطلب المساعدة سيكون بمثابة إهانة لأوروبا، ناهيك عن اليونانيين. وسمعة اليورو أيضا على المحك ويجب أن يكون أعضاؤه أقوياء بما فيه الكفاية لمعالجة المشكلات داخل حدوده. ولن تسهم عملية الإنقاذ بقيادة صندوق النقد الدولي إلا في إبراز نقاط ضعف إجراءات منطقة اليورو في منع التسيب المالي، على الرغم من أن الكثيرين خارج بروكسل وفرانكفورت لا يؤمنون بها. ويبدو أن المسؤولين الأوروبيين مترددون أيضا في تقبل فكرة أن اليورو ليس درعا ضد جميع الأزمات. ولم يكن الاتحاد الأوروبي يمانع في العمل مع صندوق النقد الدولي لمساعدة هنجاريا ولاتفيا ورومانيا، إلا أن تلك الدول لم تنضم بعد لليورو.
والمشكلة هي أن منطقة اليورو ليس لديها آلية لمساعدة أي عضو لا يستطيع تمويل نفسه في أسواق رأس المال. لذا فإن التخلف عن السداد أمر محتمل. وإذا كانت أوروبا فخورة جدا، حيث لا تستطيع اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، فعليها أن تنشئ صندوقاً خاصاً بها لدعم اليونان، وبسرعة.
وهناك بالفعل نموذج لمثل هذا الصندوق. ويملك الاتحاد الأوروبي تسهيلات قروض لمساعدة الأعضاء خارج اليورو على حل مشكلاتهم المتعلقة بميزان المدفوعات. وقد تم رفع سقف الصندوق إلى 50 مليار يورو في الربيع الماضي، لمواجهة الحاجة المحتملة للقروض الطارئة لهنجاريا وغيرها. ويتم تمويل تسهيلات القروض بواسطة السندات المدعومة من الاتحاد الأوروبي، التي يتم إصدارها حسب الحاجة. ويمكن جمع القروض لليونان بالطريقة نفسها، على الرغم من أن هذا قد يعني أن الدول خارج اليورو، بما في ذلك بريطانيا والسويد، ستكون مسؤولة إذا لم يتم سداد القروض. وتبدو احتمالات أن توافق بريطانيا، المصممة على البقاء خارج العملة الموحدة والتي ينقصها المال، على تعريض نفسها للخطر من أجل عضو مفلس في اليورو ضئيلة جدا، على الرغم من أن صناديق المعاشات التقاعدية والتأمين البريطانية لديها جزء كبير من الديون اليونانية.
وعلى أية حال، من غير المرجح أن تكون عملية إنقاذ من قبل شركاء اليونان فاعلة في معالجة مالية الدولة بقدر فعالية برنامج صندوق النقد الدولي. ولتهدئة الناخبين المحليين في الدول المقرضة، يجب أن يتم تقديم قروض الاتحاد الأوروبي بأسعار فائدة عقابية. وعلى النقيض من ذلك، سيقدم صندوق النقد الدولي أموالاً أرخص بشروط أكثر صرامة. ولديه أيضا الموظفون المخضرمون الذين يفتقر إليهم الاتحاد الأوروبي لضمان أن تلتزم الدولة بخطة لإصلاح ماليتها.
وهناك بديل آخر لعملية الإنقاذ داخل أوروبا أو من قبل صندوق الأمم المتحدة: وهو التخلف عن السداد. وقد أصر Almunia على أن هذا لن يحدث. فقد أعلن (ربما بتهور) على قناة Bloomberg: ''في منطقة اليورو.. لا وجود للتخلف عن السداد''. ولكن هناك وجهة نظر تقول إن التخلف عن السداد قد يكون أقل سوءاً من عملية الإنقاذ، خاصة عملية إنقاذ فاشلة. والمشكلات المالية لليونان مشكلة يجب على الدولة ودائنيها حلها. ويقول المتشددون إنه إذا اضطرت اليونان لإعلان تأجيل سداد الديون، فليكن كذلك. فالمساعدات المالية لن تسهم سوى في عدم تشجيع الدول على إصلاح شؤونها المالية. وقد تكون المخاوف من أن يؤدي هذا إلى تقويض مصداقية اليورو في غير محلها. فالدول التي تقف وراء العملات الرئيسة الأخرى للعالم الغني (الدولار والين والجنيه الاسترليني) تعاني من مشكلات خاصة بها. وفي الواقع، يعاني اليورو من فرط مصداقية بما أنه مقدر، وفقا لعديد من المقاييس، بأكثر من قيمته مقابل الدولار.

أكروبوليس المستقبلية
إن ما يجعل التخلف عن السداد غير مقبول هو الخوف من العدوى - إذا تم السماح لليونان بالغرق، قد ترتفع تكلفة الاقتراض بالنسبة لأعضاء مضطربين آخرين في اليورو. (ستعاني أيضا البنوك التي تحتفظ بسندات الدول المضطربة) والبرتغال هي التالية، كما تشير عملية البيع في الثالث من شباط (فبراير). فنسبة الدين العام للبرتغال تبلغ 77 في المائة وهي في تزايد. والعجز الذي تعانيه في الحساب الجاري كبير بقدر عجز اليونان. وتعاني إيطاليا من ديون عامة على نطاق مماثل، نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، لنطاق الدين العام في اليونان؛ إلا أن عجز الميزانية لإيطاليا نصف حجمه في اليونان، كما أنها تعاني من عجز صغير نسبيا في الحساب الجاري. وتعد سوق السندات الإيطالية ثالث أكبر سوق في العالم. ومثل هذه السوق الكبيرة والسائلة أقل عرضة لهجوم المضاربين من السوق الصغيرة، مثل السوق اليونانية أو البرتغالية. وأيرلندا صغيرة أيضا، إلا أن حكومتها أثبتت استعدادها لاتخاذ قرارات لا تحظى بالشعبية لتصحيح ماليتها العامة. والاقتصاد الأيرلندي أكثر مرونة، لذا تبدو توقعاته على المدى المتوسط أكثر تفاؤلا. وقد نما الاقتصاد بشكل طفيف في الربع الثالث من العام الماضي، بل إن هناك دلائل تشير إلى أن الإيرادات الضريبية بدأت في التعافي.
وتؤكد الأزمة اليونانية حماقة ربط مجموعة متباينة من الدول معا في منطقة عملة دون وجود آلية، مثل هيئة مركزية مالية، لمعالجة اختلالاتها الداخلية. ويبدو الانقسام بين الشمال والجنوب في منطقة اليورو أكثر وضوحا من أي وقت مضى. فالشمال، المتمثل في ألمانيا، يعتمد على الصادرات لدفع النمو، ويدخر بصورة كبيرة، ويدير فوائض تجارية، في حين اعتمدت الاقتصادات في الجنوب، مثل اليونان، اعتمادا كبيرا على الإنفاق الاستهلاكي، ولديها ماليات عامة ضعيفة، وتعتمد على رأس المال الأجنبي لاستكمال مدخراتها المنخفضة.
هل تهدد هذه الفوارق، ومشاكل اليونان، بتفكيك اليورو، كما يعتقد البعض؟ يرد المسؤولون الأوروبيون على ذلك بالقول إن هناك اختلالات هائلة في جميع مناطق العملات الكبيرة - حتى الولايات المتحدة. ويبدو أن أزمة البناء وأسواق العمل الجامدة في إسبانيا ستؤدي إلى سنوات من الكفاح الاقتصادي وارتفاع معدل البطالة، إلا أن ميتشجان ليست في حالة أفضل، حيث إن التوقعات للولاية كئيبة بسبب تراجع صناعة السيارات في ديترويت. وتسعى اليونان جاهدة لجمع الأموال، ولكن هذا ما تفعله كاليفورنيا أيضا، التي تشكل حصة أكبر بكثير من ناتج أمريكا (نسبة الثمن) من تلك التي تسهم بها اليونان في ناتج منطقة اليورو (أكثر قليلا من واحد على أربعين).
ولكن هناك اختلاف مهم في حالة الولايات المتحدة، وهو أن الجزء الأكبر من الضرائب والإنفاق العام يتم من جانب الحكومة الفيدرالية. وكما يشير Marco Annunziata من بنك UniCredit الإيطالي، فإن ديون كاليفورنيا أقل من 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا. وتبلغ ديون اليونان 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو.
ومن غير المحتمل أن يتم إجبار اليونان على الخروج من اليورو، والأقل احتمالا هو أن تختار الخروج منه. فأي تلميح من هذا النوع سيؤدي إلى تدافع على سحب الودائع من البنوك. وقد تحظى الدولة التي ستخرج من اليورو بدفعة وجيزة بسبب العملة الأرخص، ولكنها ستظل تعاني من دين باهظ باليورو يجب خدمته. وسترتفع تكاليف الاقتراض لتعكس عملة أعلى وخطر التضخم. والسيناريو الأكثر احتمالا من التفكيك هو أن تجد منطقة اليورو طرقاً لمعالجة عدم وجود هيئة مركزية مالية ولكن دون توحيد الميزانية، الأمر الذي لا يحظى بدعم سياسي كبير.
وتقدم دراسة ستصدر قريبا عن مركز دراسات السياسة الأوروبية الفكري في بروكسل بعض الأفكار المتعلقة بكيفية القيام بذلك. ويعتقد المؤلفان، Daniel Gros و Thomas Mayer، أن على منطقة اليورو الاستعداد للأزمات المالية بدلا من محاولة منعها فقط. ويقترحان وضع نظام تأمين مع أقساط قائمة على أساس ديون كل دولة وعجز ميزانيتها. وسيتم استخدام الأموال التي يتم جمعها لمنح قروض لأعضاء اليورو الذين يحرمون من دخول أسواق السندات. وإذا فشلت دولة تم إنقاذها في الامتثال للشروط المرتبطة بالقروض وهددت بالتخلف عن السداد، يجب أن يكون الصندوق مستعدا لمبادلة السندات ''السيئة'' للدولة، بسعر مخفض، بسندات ''جيدة'' مدعومة من أعضاء منطقة اليورو، من أجل الحد من تكاليف العدوى. ويقول المؤلفان: ''لا يمكن الحفاظ على انضباط الأسواق إلا إذا كان التخلف عن السداد أمرا محتملا''.
ولن تغني مثل هذه الخطة عن الحاجة لتنفيذ إصلاحات عميقة في اليونان. وتشتكي الشركات الناجحة أنه يتم فرض ضرائب مرهقة عليها لتعويض التهرب من الضرائب في أمكنة أخرى. ولا تزال الشركات الصغيرة تعمل على نطاق أدنى من كفاءتها، لأنها ستلفت انتباه السلطات الضريبية لو كانت شركات أكبر. ويمكن تفسير التضخم المرتفع في اليونان جزئيا بعدم وجود منافسة في بعض أجزاء الاقتصاد. وكما هو الحال في إيطاليا وإسبانيا، يتم تحديد الأجور بصورة مركزية دون اعتبار الاختلافات في الإنتاجية عبر الصناعات والشركات. وإذا أرادت اليونان الخروج من المشكلات، فإن إصلاح المالية العامة ليس سوى البداية

الأكثر قراءة