لغز آخر

لغز آخر

لم ينحن الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، تحت الضغوط في الداخل والخارج. وكان أحدث اختبار لإيران، وهو إطلاق صاروخ على متنه فأر وسلحفتان وبعض الديدان (مع وعد بإرسال رجل إلى الفضاء قريبا) يهدف بلا شك إلى إصلاح صورة الرئيس بين الشعب الإيراني. فهم يشعرون بالغضب بسبب الحملة الأمنية التي تسببت في وضع كثيرين في السجن والبعض على منصة الإعدام منذ الانتخابات المثيرة للجدل في حزيران (يونيو) الماضي.
وكان إطلاق الصاروخ استفزازا لأمريكا، التي عانت خللا محرجا في الرادار لدى إجراء أحدث اختبار بإطلاق صواريخ طويلة المدى مضادة للصواريخ الباليستية في المحيط الهادئ. وفي غضون ذلك، أعلنت أمريكا أنها بصدد زيادة عدد الدوريات في الخليج بواسطة السفن المجهزة لإسقاط صواريخ قصيرة المدى وبيع أنظمة دفاع صاروخية أرضية متطورة لعديد من جيران إيران من العرب والأتراك. وما تتعلمه إيران من إرسال الديدان وغيرها من المخلوقات إلى الفضاء سيساعد على تحسين صواريخها العسكرية أيضا.
ولكن أكثر ما لفت انتباه المطلعين الخارجيين هو اقتراح أحمدي نجاد بأنه لا يمانع في السماح بإرسال بعض مخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى الخارج لإخضاعه للمزيد من المعالجة وتحويله إلى وقود خاص لاستخدامه في مفاعل الأبحاث في طهران، العاصمة الإيرانية. هل يمكن اعتبار هذا تقدما، بعد أشهر من الجمود، في الصفقة التي وافقت عليها إيران في البداية في تشرين الأول (أكتوبر)، ثم تراجعت بسرعة منها؟ أم هل هو محاولة لتقسيم الدول الست (أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين) التي تحاول إقناع إيران بوقف النشاط المشبوه في اليورانيوم الذي قد يكون له استخدامات مدنية، ولكن يمكن أيضا إساءة استخدامه لتصنيع قنبلة؟
وبموجب الصفقة التي عقدتها إيران في البداية مع أمريكا، وفرنسا، وروسيا، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهيئة المراقبة النووية التابعة للأمم المتحدة، وكان من المفترض إرسال نحو 1.200 كيلوجرام من اليورانيوم منخفض التخصيب (ثلاثة أرباع المخزون) إلى روسيا أولا ليتم زيادة تخصيبه من 3.5 في المائة إلى 20 في المائة، وهي النسبة اللازمة لمفاعل طهران، ثم إلى فرنسا، حيث سيتم تحويله إلى قضبان الوقود. وكان من المتوقع أن تستغرق العملية بأكملها نحو عام واحد. ثم تستعيد إيران الوقود، ولكن بشكل يصعب تحويله بسهولة إلى قنبلة.
والمهم في الصفقة هو أنها ستقلل بشكل مؤقت مخزون اليورانيوم الذي حصلت عليه إيران متحدية مجموعة من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وكان الدبلوماسيون يأملون أن يوفر تحويل المخزون إلى وقود يصعب تحويله إلى قنبلة فرصة لالتقاط الأنفاس، من أجل إجراء محادثات أوسع نطاقا لاستكشاف طرق تهدف إلى إقناع إيران بإنهاء تخصيب اليورانيوم تماما.
إلا أن أحمدي نجاد أصر حينها على إبقاء كل مخزون اليورانيوم الذي كان من المفترض إرساله إلى الخارج على الأراضي الإيرانية، وعدم السماح بخروجه إلا بكميات قليلة فيما يوفر الآخرون قضبان الوقود المخصبة بنسبة 20 في المائة التي تحتاج إليها. وأدى هذا إلى فشل الصفقة، على الرغم من محاولة تركيا والبرازيل، وأخيرا اليابان إبقاء المحادثات جارية.
ويقول Mark Fitzpatrick من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن إن الجديد هو استعداد أحمدي نجاد الواضح للسماح بفترة زمنية - أربعة أو خمسة أشهر- بالانقضاء بين إرسال بعض اليورانيوم إلى الخارج والحصول على قضبان الوقود المخصبة في المقابل. إلا أن أربعة أو خمسة أشهر تختلف عن عام. ولا يزال وزير الخارجية الإيراني يتحدث عن السماح بخروج 400 غم فقط في كل مرة، وهو ثلث الكمية التي تم الاتفاق عليها في البداية. وفي نفس الوقت، زاد مخزون إيران من اليورانيوم مع مرور الأشهر، ما جعل الصفقة تبدو غير مطمئنة مع مرور الوقت.
لهذا السبب كانت ردود الفعل الأولى حذرة. وتقول أمريكا أنها مستعدة للاستماع، ولكن يجب أن يتم كتابة اقتراح إيران الأخير أولا وتقديمه إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهل يريد أحمدي نجاد التوصل إلى اتفاق فعلا؟ تخشى أمريكا وفرنسا وروسيا من أن يقدم اقتراحات يعلم أنها لن تكون مقبولة فقط من أجل تعزيز حجة إيران لتخصيب نسبة الـ 20 في المائة بنفسها - وهي خطوة كبيرة نحو التخصيب بنسبة 90 في المائة اللازمة لتصنيع قنبلة.
وهناك مصدر قلق آخر، وهو أن يكون أحدث اقتراح لأحمدي نجاد حول صفقة الوقود يهدف إلى منح الصين، التي لديها مصالح تجارية كبيرة في إيران، الغطاء اللازم للحيلولة دون فرض عقوبات جديدة. وتتراكم الضغوط من أجل إصدار قرار جديد من قبل الأمم المتحدة. وقد أشارت روسيا، التي أغضبها مماطلة إيران، إلى أن صبرها قد نفد تقريبا. فقد حان الوقت للخطوة التالية لأحمدي نجاد

الأكثر قراءة