البحث عن حلفاء في عالم عدائي
لدى وصولك إلى مطار العاصمة السنغالية، داكار، من المحتمل جدا ألا يكون التاكسي الجديد الذي يوصلك إلى المدينة على شكل النموذج الفرنسي أو الياباني المعتاد، بل على الطراز الإيراني. ولن يكون مستوردا، كما هي معظم السيارات في إفريقيا، بل يتم تجميعه في Thies القريبة. فمن هناك، تم للتو إنتاج أول بضع مئات من سيارات التاكسي في مصنع في Khodro بنته إيران. وهذه رموز ملموسة على وجود قوة جديدة في إفريقيا جنوب الصحراء التي بدأت تسبب القلق بالنسبة للبعض.
ويقود الرئيس الإيراني المثير للجدل، محمود أحمدي نجاد، هذه الدفعة الإيرانية. وقد قال قبل عامين في نيويورك إنه ''لا يرى حدودا لتوسيع نطاق علاقات (إيران) مع الدول الإفريقية''. وفي العام الماضي، جال دبلوماسيو وجنرالات إيران ورئيسها في أنحاء القارة، موقعين على مجموعة كبيرة من الصفقات التجارية والدبلوماسية والدفاعية. ووفقا لأحد التقديرات، أجرت إيران 20 زيارة على المستوى الوزاري أو مستوى أعلى إلى إفريقيا العام الماضي، مما يذكرنا بزوبعة التجارة والمساعدات التي جلبتها الصين إلى إفريقيا في منتصف عام 2000.
وليس من الصعب فهم السبب، فإيران تسعى للحصول على الدعم الدبلوماسي لبرنامجها النووي في أجزاء العالم التي لا تزال فيها الحكومات مطواعة. وفي أمريكا اللاتينية، استغل الرئيس الإيراني المشاعر المعادية لأمريكا في دول مثل بوليفيا، ونيكاراجوا، وفنزويلا. وعلى النقيض من ذلك، ركزت إيران في إفريقيا، التي لدى معظم الدول فيها علاقات قوية مع الغرب، على تعزيز ولاءات المسلمين مع عروض بتقديم النفط والمساعدات.
خذ السنغال مثلا، الدولة التي نسبة المسلمين فيها 95 في المائة، فعلى الرغم من كونها دولة فقيرة وقليلة السكان، إلا أن لها أهمية دبلوماسية في إفريقيا المتحدثة بالفرنسية ونفوذ في الأمم المتحدة، حيث تتطلع إليها بعض الحكومات الإفريقية لتحقيق التقدم في بعض حالات التصويت المهمة. لذا تستهدفها إيران وتظهر لها حسن النية، وإضافة إلى مصنع السيارات في Khodro، وعد الإيرانيون بتصنيع جرارات ومصفاة لتكرير النفط ومصنع كيماوي، وكذلك توفير كثير من النفط الرخيص.
وقد قبل الرئيس السنغالي عبد الله واد هذه الهبات بامتنان، وقام في المقابل بأربع زيارات رسمية إلى إيران. وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، استضاف أحمدي نجاد في السنغال، وطمأنه علنا أنه يؤيد حق إيران في امتلاك القوة النووية - ووافق على أن هذا لأغراض سلمية فقط. وزار الرئيس الإيراني أيضا جامبيا المجاورة، وهي دولة أصغر يحكمها نظام استبدادي أسوأ- ولها صوت في الأمم المتحدة. واندفعت إيران أيضا في غرب إفريقيا إلى موريتانيا وعززت علاقاتها مع نيجيريا.
وفي شرق إفريقيا، تساعد إيران على تحويل السودان، وهي دولة غالبيتها من المسلمين، إلى ثالث أكبر دولة مصنعة للأسلحة في إفريقيا، وفقا لبعض الحسابات؛ وفي عام 2008، وقعت الدولتان اتفاقية للتعاون العسكري.
وتحاول إيران أيضا الحصول على بعض الحلفاء الأقل احتمالا في المنطقة. ففي العام الماضي، زار أحمدي نجاد كينيا التي تقطنها أغلبية مسيحية، وتم استقباله بحفاوة في ميناء مومباسا، على الساحل الذي يقطنه المسلمون. وأبرم اتفاقا لتصدير أربعة ملايين طن من النفط الخام إلى كينيا سنويا، ولفتح رحلات جوية مباشرة بين عاصمتي الدولتين، طهران ونيروبي، وتقديم منح دراسية للدراسة في إيران. وتنشئ إيران أيضا مراكز ثقافية في الدول التي لها فيها سفارات. وتحاول إيران استخدام نفطها للدخول إلى أوغندا أيضا. وفي زيارة حديثة إلى طهران، أرّق الرئيس الأوغندي، Yoweri Museveni، مضيفيه حين لمّح أنهم يفكرون في بناء مصفاة نفط وخط أنابيب لنفط أوغندا الذي تم اكتشافه أخيرا. وتم التودد أيضا لرئيس زيمبابوي، روبرت موجابي، وكذلك جنوب إفريقيا، الدولة الكبيرة والمهمة دبلوماسيا واقتصاديا في إفريقيا جنوب الصحراء، والتي يشترك الحزب الحاكم فيها، المؤتمر الوطني الإفريقي، مع إيران في دعم الفلسطينيين ضد إسرائيل. وتزود إيران منذ سنوات عديدة جنوب إفريقيا بكثير من النفط. ولكن تم تعزيز العلاقات الاقتصادية. وتستثمر الشركات الخاصة في جنوب إفريقيا مبالغ ضخمة في إيران. فعلى سبيل المثال، استثمرت شركة MTN للهواتف المحمولة أكثر من 1.5 مليار دولار في إيران عام 2007/08 لتوفير تغطية لأكثر من 40 في المائة من الإيرانيين. وفي المقابل، تعد جنوب إفريقيا أحد أكثر مناصري إيران شجاعة في الأمم المتحدة، حيث تمتنع عن التصويت على قرار إدانة انتهاكات إيران لحقوق الإنسان وتعارض فرض مزيد من العقوبات والحظر بسبب خطط إيران النووية.
ومع ذلك، فإن حجم المساعدات التي تقدمها إيران لإفريقيا لا يزال صغيرا مقارنة بالمبالغ التي يقدمها الأمريكيون والأوروبيون، ناهيك عن الصين. ومن المشكوك فيه فيما إذا كانت دول مثل السنغال ستعرض علاقات المساعدات مع الغرب للخطر عن طريق التقرب كثيرا من إيران. وأحيانا، لا يقترن الكلام الإيراني بالأفعال، فلم يتم بعد تنفيذ الرحلات المباشرة من كينيا إلى طهران. ولا تنتج Khodro سوى نصف عدد سيارات التاكسي الموعودة، وقد يكون من الصعب على إيران الشيعية التأثير في إفريقيا التي يهمين عليها المسلمون السنة.
هل يمكن أن تستعيد الدولة اليهودية نفوذها؟
ومع ذلك، تشعر إسرائيل بالانزعاج، فعلاقاتها الدبلوماسية أقل وأكثر ضعفا مما كانت عليه من قبل - وتبذل إيران قصارى جهدها لتدمير هذه العلاقات. وفي العام الماضي، طلبت موريتانيا، إحدى الدول القليلة في جامعة الدول العربية التي لديها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، منها أن تغلق سفارتها. وبعد زيارة وزير الخارجية الإيراني للدولة، قالت إيران إنها ستستولي على مستشفى كانت تبنيها إسرائيل في العاصمة، نواكشوط، مضيفة أنها ستوفر عددا أكبر من الأطباء والمعدات مما وعدت إسرائيل. وفي السنغال، عرض الإسرائيليون مساعدة مدينة طوبى المسلمة الصوفية في بناء نظام المياه والصرف الصحي، إلا أن المفاوضات انقطعت فجأة في مرحلة متقدمة، بعد أن وعدت إيران بتنفيذ المشروع نفسه، ومنح تبرع أكبر للمدينة، إضافة إلى مضخات المياه.
ويدخل اللبنانيون الأغنياء والمؤثرون في الشتات إلى اللعبة أيضا. ففي الكونجو وغينيا والسنغال، من بين دول أخرى، يجمع حزب وميليشيا حزب الله اللبناني الشيعي، الذي ترعاه إيران، كثيرا من المال من إخوانهم في الدين.
ونتيجة لنشاط إيران في إفريقيا، تحاول إسرائيل العودة ثانية إلى القارة، التي كان لديها فيها علاقات قوية في الخمسينيات والستينيات، إلا أن كثيرا من الدول قطعت تلك العلاقات بعد الحروب العربية الإسرائيلية في الأعوام 1967 و1973، ومرة أخرى حين اندلعت الانتفاضة الفلسطينية في أواخر الثمانينيات. وفي أيلول (سبتمبر)، قام وزير الخارجية الإسرائيلي، Avigdor Lieberman، بأول بعثة رفيعة المستوى إلى إفريقيا منذ عقود، حيث زار إثيوبيا، وغانا، وكينيا، ونيجيريا، وأوغندا. ومن الواضح أن التصدي للنفوذ الإيراني هو أحد أسباب هذه الرحلة.
ولا يزال عديد من الحكومات الإفريقية تتوق إلى خبرة إسرائيل في مشاريع مثل الري، ولكنها تسعى أيضا للحصول على التكنولوجيا العسكرية والاستخبارية. وقد أصبحت إثيوبيا التي يشغل بالها الأمن، والتي تواجه الميليشيات الإسلامية المدعومة من قبل المتمردين في الصومال المجاورة، أقرب حليف لإسرائيل في القارة وأحد كبار المشترين لمعدات الدفاع. وتتقبل كينيا أيضا، التي تشعر بالقلق من المقاتلين الإسلاميين الذين يعملون في الصومال المجاورة تودد إسرائيل. وفي غرب إفريقيا، أنفقت نيجيريا نحو 500 مليون دولار على الأسلحة الإسرائيلية، بما في ذلك الطائرات الآلية، في السنوات القليلة الماضية. وقد ينطلق Lieberman في جولة أخرى لإفريقيا هذا العام. وإسرائيل قلقة بشكل خاص من حماس إيران لتحسين العلاقات مع السودان وإرتيريا، الموقع الاستراتيجي على البحر الأحمر الذي قد يهدد الملاحة الإسرائيلية. وتسلّح إرتيريا أيضا الجهاديين الصوماليين المعادين بشدة لإسرائيل. وقد تكون السودان بمثابة قناة للأسلحة الإيرانية إلى حماس، الجماعة الإسلامية الفلسطينية التي تدعمها إيران، وإلى حزب الله. وقبل عام، دمرت الطائرات الإسرائيلية قافلة في شرق السودان يُقال إنها تحمل أسلحة إيرانية إلى حماس في قطاع غزة