على فترات متقطعة
لعل هذه العلاقة هي الأهم في العالم اليوم، وربما أهم في المستقبل. فإذا لم تكن الولايات المتحدة والصين قادرتين على التعاون، فهل سيكون هناك أمل في معالجة مشكلة التغير المناخي وانتشار الأسلحة النووية، أو إعادة الاقتصاد العالمي إلى طريق النمو المستقر؟ على مدى العقد الماضي، استمرت العلاقة بين القوة العظمى الراسخة والقوة الناشئة بصورة جيدة إلى حد معقول على الرغم من كل شيء؛ ومن المعروف أن العلاقات مع الصين هي إحدى المسائل القليلة التي أتقنها جورج بوش الابن. ولكن بعد بداية ودية، بدأ الشعور بالازدراء والتعامل الفظ بالتزايد منذ بعض الوقت في ظل رئاسة باراك أوباما. وقد كان الأسبوع الماضي تذكيرا حادا للمدى الذي قد تصل إليه حساسية العلاقة- ومدى السرعة التي قد تخرج بها عن السيطرة.
وكما كان الحال غالبا في الماضي، كانت تايوان هي المشكلة، وبخاصة وعد أمريكا بالدفاع عن الجزيرة الجمهورية من البر الرئيس الشيوعي، الذي لا يزال يطالب بالسيادة عليها. وقد جسد الكونجرس الأمريكي هذا الالتزام في القانون الذي ينص على أن: الولايات المتحدة ملزمة بموجب قانون العلاقات مع تايوان عام 1979 بتزويد الجزيرة بالسلاح الذي تحتاج إليه للدفاع عن نفسها. وفي 29 من كانون الثاني (يناير)، أعطت إدارة أوباما الكونجرس فاتورة بقيمة تزيد على ستة مليارات دولار من مبيعات الأسلحة التي قررت أنها ضرورية للدفاع عن تايوان. وكانت تشمل بعض الأسلحة المتطورة، بما في ذلك صواريخ هاربون المضادة للسفن وطائرات الهيلوكبتر من طراز Black Hawk.
وغضبت الصين غضبا شديدا. واستدعت السفير الأمريكي ووبخته لهذا التدخل في ''الشؤون الداخلية'' للصين. وأعلنت أنها ستقطع بعض العلاقات التي تم تعزيزها في الآونة الأخيرة بين القوات المسلحة للبلدين. وهددت بفرض عقوبات تجارية على الشركات الأمريكية التي قد يتم بيع أسلحتها إلى تايوان، بحيث تحرمها من الدخول إلى السوق الصينية. ويبدو هذا تصادما لا يبعث على الراحة بين القوتين الكبيرتين. فإلى أي مدى ينبغي أن يقلق بقية العالم؟
للإجابة على هذا السؤال، من المهم النظر إلى ما وراء هذا الاستعراض. فالصين تميل للإصابة بنوبات الغضب، أو على الأقل تبدو كأنها تصاب بها. ولكن في الحقيقة، لم يكن قرار أوباما ببيع تلك الأسلحة لتايوان مفاجئا على الإطلاق بالنسبة للمسؤولين الصينيين. فلطالما أصر المسؤولون الأمريكيون، على الأقل أمام الشعب، على عدم مشاورة الصين بشأن مثل هذه المبيعات. ومع ذلك، فإنه في اليوم نفسه الذي تم فيه الإعلان عن ذلك، قال James Jones، مستشار الأمن القومي لأوباما، إن أمريكا ستشاور الصين ''بطريقة شفافة'' حول هذه المسألة. وأوضح المسؤولون في وقت لاحق أنه كان يعني إبلاغها، وليس التشاور معها. ولكن بما أن بوش وافق على أهم عناصر الصفقة (التي تأخرت بسبب المشاحنات السياسية في تايوان والمساومات بين تايوان وأمريكا)، كان لدى الصين الكثير من الوقت للاستعداد والتخطيط لاستجابتها. وعلى الرغم من أنهم لم يصرحوا بذلك بالطبع، إلا أنه من المؤكد أن الصينيين كانوا مسرورين لأن أوباما لم يضطلع بمسؤولية عرض بوش الذي لم يتجسد بتجهيز تايوان بالغواصات. وتشمل الصفقة 60 طائرة هيلوكبتر من طراز Black Hawk، التي لم يوافق عليها بوش، إلا أنها لن تخيف الصين. ولم تحصل تايوان على طائرات F-16 المقاتلة التي تطلبها منذ وقت طويل. وكانت المرة الأخيرة التي وافقت فيها أمريكا على بيع تايوان طائرات F-16 (نسخة أقل تقدما من التي تطمح إليها تايوان الآن) هي في عام 1992 حين كان جورج بوش الأب رئيسا. ولم يغضب هذا الصين، إلا أن إحساسها بالضعف في ذلك الحين بعد انهيار الشيوعية في أوروبا خفف من حدة رد فعلها. ولكنها أقل تحفظا اليوم في استجابتها لقائمة الأسلحة الأقل خطرا.
ومع ذلك، لم تثر استجابتها هذه المرة خوف مراقبي الصين في واشنطن العاصمة - ليس حتى الآن على الأقل. وقال أحد كبار المسؤولين في الإدارة أن استجابتها ''متوقعة إلى حد كبير'' ومماثلة لاستجابتها على أحداث سابقة. وتستجيب الصين عادة لمبيعات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان عن طريق تعليق الحوار العسكري. وبعد صفقة بيع طائرات F-16، انسحبت أيضا من محادثات الأمم المتحدة بشأن الحد من الأسلحة. إلا أن أهمية الحفاظ على علاقتها مع أمريكا كانت دائما في المقام الأول. وكانت الصين تعرف حين أقامت علاقات دبلوماسية مع أمريكا عام 1979 أن مبيعات الأسلحة ستستمر.
وفي الواقع، اعترفت بذلك في بيان مشترك صدر عام 1982 في عهد رونالد ريجان، تعهدت فيه أمريكا بشكل غير ملزم ''بالحد تدريجيا من بيع الأسلحة إلى تايوان، مما يؤدي على مدى فترة من الزمن إلى حل نهائي.'' ووعد كلا البلدين ببذل الجهود لتهيئة الظروف ''المواتية'' لذلك. ومن وجهة نظر المسؤولين في أمريكا وتايوان، فإن نشر أعداد هائلة من الصواريخ الصينية والأسلحة الهجومية الأخرى على ساحلها المواجه لتايوان منذ أواخر التسعينيات لا يعد على الإطلاق ظروفا مواتية لإنهاء مبيعات الأسلحة الأمريكية. وقد استمر تكديس الأسلحة الصينية منذ تنصيب رئيس تايواني أكثر ودية مع الصين، وهو Ma Ying-Jeou في أيار (مايو) 2008، على الرغم من التحسن السريع في العلاقات السياسية بين البر الرئيس والجزيرة. ولكن من وجهة نظر المسؤولين الصينيين، فقد تغير العالم بصورة كبيرة منذ أوائل التسعينيات حين باع الرئيس جورج بوش الأب طائرات F-16، وأيضا منذ عام 2001 حين عرض ابنه أولا على تايوان مجموعة أخرى كبيرة من الأسلحة، بما في ذلك الغواصات. ويشعرون أن نقاط ضعف أمريكا أصبحت واضحة جدا منذ اندلاع الأزمة المالية عام 2007. ويعتقدون أن الصين تزداد قوة. ويقول الكثير من العلماء الصينيين أن ميزان القوى العالمي يتحول لصالح الصين. وتستطيع الصين الآن أن تستعرض عضلاتها بفضل الزيادة السنوية الهائلة في الإنفاق على الدفاع خلال معظم فترات العقدين الماضيين.
وعلى الرغم من ذلك، ليس من المرجح أن تكرر الصين الآن استعراض قوتها العسكرية، بما في ذلك إطلاق الصواريخ غير المسلحة بالقرب من تايوان، التي كادت أن تؤدي إلى حرب مع تايوان وأمريكا في منتصف التسعينيات. وكانت تلك الأزمة مدفوعة بما تعتبره الصين تصريحات انفصالية من قبل الرئيس التايواني، Lee Teng-hui، بما في ذلك التصريحات التي أدلى بها في زيارة خاصة إلى أمريكا عام 1995. وكانت الصين مستاءة جدا أيضا من نهج أول انتخابات رئاسية مباشرة في تايوان عام 1996، وكانت تريد ردع الناخبين عن دعم Lee أو غيره من المرشحين المتشككين بالصين. وبدأت صحة Deng Xiaoping، الزعيم الصيني المحنك شبه المتقاعد، بالتراجع وكان خليفته، Jiang Zemin، يريد إثبات نفسه. وتحسنت علاقات الصين مع تايوان إلى حد كبير بعد أكثر من عشر سنوات من الجمود في أعقاب الأزمة. وبعد أن شهدت قوة العزيمة الأمريكية عام 1996، حين أرسلت أمريكا مجموعتين مقاتلتين من حاملات الطائرات إلى تايوان، لا ترغب الصين على الأرجح باختبارها مرة أخرى- مع أن قيامها بنشر الصواريخ والغواصات قد يجعل حاملات الطائرات الأمريكية أكثر حذرا.
هل كان أوباما ''يشن هجوما''؟
إذا كان غضب الصين مجرد استعراض، فما دافع أوباما في الإعلان عن مبيعات الأسلحة إلى تايوان الآن؟ تقول إحدى مدارس الفكر إن الرئيس الأمريكي، الذي يعاني الاضطرابات المحلية، قرر أخيرا أن ''يشن هجوما'' على الصين التي لم تكن متجاوبة بصورة كافية، بل وعدائية بشكل صريحة أحيانا لحملته الدعائية في عامه الأول لاجتذابها.
ولا شك أن الأمريكيين يشعرون أن لديهم أسبابا تدعوهم إلى التذمر والقلق. فقوة الخطابات الصينية فيما يتعلق بتايوان تشير إلى أن العلاقات تتغير بصورة قد يتبين أنها الأكثر إثارة للقلق. وفي الأشهر الأخيرة، أصبح قادة الصين أكثر حساسية في تعاملاتهم مع العالم الخارجي. وتشمل العلامات التي تدل على ذلك إرسال أحد المسؤولين الصغار للتفاوض مع أوباما في قمة التغير المناخي في كوبنهاجن، والحكم على منشق بارز بالسجن لفترة طويلة جدا في كانون الأول (ديسمبر)، وإعدام تاجر مخدرات بريطاني زُعم أنه مريض عقليا هذا الشهر على الرغم من مناشدات رئيس الوزراء البريطاني، وموقف الصين الأكثر صلابة في النزاعات الحدودية مع جيرانها، وعدم استعدادها لتأييد العقوبات ضد إيران.
وعلى الرغم من هذا، هناك أدلة قليلة تشير إلى أن أوباما كان يعتزم استخدام صفقة بيع الأسلحة إلى تايوان كوسيلة لإظهار موقف أكثر صرامة للصين. وكان لا بد من الإعلان عن النقل في وقت ما، وكانت تلك المسألة، على حد قول أحد كبار المسؤولين، ''إحدى تلك المسائل التي لا يكون توقيتها مناسبا أبدا''.
وفي الواقع، يمكن تفسير هذا التوقيت أيضا باعتباره يهدف إلى تقليل الاحتكاك إلى أقصى حد ممكن. وكان يمكن أن يكون أكثر استفزازية بكثير لو أعلنت أمريكا عن صفقة البيع عشية زيارة أوباما في تشرين الثاني (نوفمبر) أو عقب ذلك مباشرة - قبل قمة كوبنهاجن. ولأنه كان من المتوقع أن يزور الرئيس هيو جينتاو الولايات المتحدة في وقت لاحق من هذا العام، لم يكن هذا وقتا غير مناسبا للتخلص من الأمور غير السارة. ويسخر المسؤولون الأمريكيون من فكرة أن أوباما سيسمح لبعض التصرفات الشخصية ''الوقحة'' التي واجهها من بعض المسؤولين الصينيين في كوبنهاجن بالتأثير في القرارات الاستراتيجية. وإذا كان في مزاج يسمح له بإطلاق العنان لغضبه من الصين، لماذا لم يظهر ذلك في مراجعة الدفاع الرباعية الأخيرة لوزارة الدفاع، الذي صدر في الأول من شباط (فبراير)؟
ومقارنة بآخر مراجعة دفاع رباعية صدرت عام 2006 في عهد إدارة بوش، لا تتناول هذه المراجعة بصورة مطولة الخطر الذي يفرضه صعود الصين. وقبل أربع سنوات، جاء في المراجعة أنه من بين القوى الكبرى والناشئة، لدى الصين ''أكبر الإمكانات للتنافس عسكريا'' مع أمريكا. وجاء أيضا أن سرعة ونطاق البناء العسكري الصيني يعرض بالفعل الموازين العسكرية الإقليمية ''للخطر''.
وشدد التقرير الأخير على المخاوف التي جاء ذكرها في آخر تقرير بشأن سرية الحشد العسكري للصين. ولكنه قال أيضا إن تطور القدرات العسكرية الصينية قد يمكنها من لعب ''دور أكثر جوهرية وفائدة في الشؤون الدولية''. وفي عام 2006، أشارت وزارة الدفاع إلى استثمار الصين الضخم في حرب الإنترنت وكذلك أنظمة مكافحة الفضاء والصواريخ. وقالت أن أمريكا ''ستسعى إلى ضمان ألا تملي أي قوة أجنبية شروط الأمن الإقليمي أو العالمي.'' وشددت هذه المرة ضرورة أن ''تحافظ الصين وأمريكا على قنوات اتصال مفتوحة لمناقشة الخلافات'' من أجل تقليل مخاطر الصراع.
دور الإنترنت
عموما، تشير الأدلة إلى أن صفقة الأسلحة الأمريكية وكذلك رد فعل الصين عليها لا يهدفان إلى زعزعة العلاقة التي غالبا ما تكون مشحونة ولكن التي استثمر فيها الجانبان بصورة كبيرة. ومع ذلك، من الخطأ التلميح أن الدولتين متفقتان على جميع أو حتى معظم القضايا الكبرى، أو استبعاد حدوث خلاف خطير في المستقبل. ويبدو أن بعض المخاطر تتزايد. ويقول Doug Paal، وهو مستشار كبير في شؤون الصين للرؤساء الأمريكيين السابقين ويعمل الآن لدى مؤسسة كارنيجي في واشنطن العاصمة، أن أحد التغيرات الكبرى هو أن نمو جيل الإنترنت في الصين اليوم يتطلب أن تنتبه حكومتها إلى المشاعر القومية القوية لشعبها. وتؤكد الصحف في الصين على هذا أيضا. فقد قالت صحيفة Global Times المرتبطة بالحزب الشيوعي في بكين أن ''رد فعل الصين الأقوى من المتوقع'' على المبيعات إلى تايوان كان في جزء منه انعكاسا لتغير الرأي العام. وقالت إنه في السنوات الأخيرة، يسهم الشعور العام ''بصورة متزايدة في تشكيل استراتيجيات السياسة الخارجية للصين'' ويدفع الحكومة الصينية للاستجابة بصورة أقوى ''للاستفزاز'' الأمريكي.
ولا يمكن إنكار أن هذا مجرد جانب واحد للمواقف الصينية الشعبية تجاه أمريكا. ولم تناقش الصحيفة الجاذبية الهائلة التي لا تزال تمارسها الثقافة الأمريكية في الصين. وقد كان الفيلم الهوليودي الناجح جدا Avatar ضربة هائلة، حيث أثار الكثير من التكهنات بين الصينيين حول الكيفية التي قد تستجيب بها السلطات لإيحاءاته المعادية للاستبدادية. كما إن معركة جوجل الأخيرة مع السلطات الصينية تحظى بشعبية كبيرة بين الناس داخل الصين. إلا أن الإنترنت يؤثر في الطرفين بالتساوي. فقد شهد العقد الماضي فورات دورية من المشاعر المعادية للغرب، التي ضخمتها الحرية التي يتمتع بها مستخدمو الإنترنت لبث آرائهم دون تدخل من الرقابة الصينية التي عادة ما تكون صارمة.
ولهذا السبب من المحتمل أن يتصاعد الغضب على المستوى الشعبي والحكومي ضد أوباما في وقت لاحق من هذا الشهر إذا قرر، كما يتوقع الكثيرون، الاجتماع بالدالاي لاما خلال زيارة القائد الروحي للتبت إلى أمريكا. وهذا الأسبوع، قال البيت الأبيض إن الدالاي لاما ''زعيم ثقافي وديني يحظى بالاحترام على الصعيد الدولي'' وأنه على الرغم من أن أمريكا تعد التبت جزء من الصين، إلا أن أوباما سيلتقي به بهذه الصفة. وردت الصين أن أي اجتماع ''سيقوض بشكل جدي الأساس السياسي للعلاقات الصينية الأمريكية''. وموضوع التبت يمس وترا حساسا. وقد أثارت أعمال الشغب في لاسا في آذار (مارس) 2008 والاضطرابات اللاحقة في جميع أنحاء هضبة التبت ردود فعل معادية للغرب على الإنترنت وفي وسائل الإعلام. وخفت حدة هذه المشاعر بسبب رد الفعل المتعاطف من قبل الغرب للزلزال في مقاطعة Sichuan في أيار (مايو) 2008، والذي أودى بحياة 70 ألف شخص، وبسبب قرار القادة الغربيين (خاصة بوش) بحضور الألعاب الأولمبية في بكين في آب (أغسطس) من ذلك العام. ولكنها لم تختف. ويخشى المسؤولون الصينيون أيضا، على الرغم من أنهم قلقون من المواجهة مع أمريكا، من أن تتحول القومية الشعبية ضد الحزب الشيوعي نفسه إذا اعتبر الشعب أن الحزب يرضخ للغرب. وقد يفسر هذا السبب الذي يدعو المسؤولين الآن للتهديد بفرض عقوبات تجارية على الشركات الأمريكية المتورطة في مبيعات الأسلحة في تايوان (وهي فكرة تحظى بدعم كبير على الإنترنت حتى قبل الإعلان من واشنطن). ومن غير المرجح أن تستمر الصين في ذلك إلا بطريقة رمزية. فبعض الشركات الأمريكية المشتركة في مبيعات الأسلحة لا تقوم بالكثير من الأعمال أو ليس لديها أصلا مشاريع هناك. إلا أن شركة بوينج، التي تصنع صواريخ هاربون المضادة للسفن، صنعت أيضا أكثر من نصف الطائرات التجارية الصينية وهي التي تضمن أن تظل صالحة للطيران بواسطة قطع غيارها. ويدرك الصينيون جيدا أن بوينج لديها عمليات في الكثير من الولايات الأمريكية وأن الكونجرس سيرد بقوة إذا تم بالفعل تطبيق العقوبات.
ومع ذلك، فإن هذه الفترة متوترة وغير قابلة للتنبؤ في مجال العلاقات التجارية بين الدولتين. وفي الأول من شباط (فبراير)، أصدرت وزارة التجارة الصينية بيانا تقول فيه إن الحمائية التجارية تتزايد في أمريكا منذ اندلاع الأزمة المالية، وإن الصين هي ''أكبر ضحية لسوء استخدام أمريكا للتدابير العلاجية التجارية''. وقد فرضت كلتا الدولتين تعريفات لمكافحة الإغراق على بعض منتجات بعضهما البعض في الأشهر الأخيرة. ويتزايد كذلك نفاد صبر أمريكا من امتناع الصين عن السماح لعملتها بالارتفاع. وقد يعقد شعور الصين بالمرارة من مبيعات الأسلحة الجهود الرامية إلى حل مثل هذه المشاحنات. وبعد أن أعادت الصين اتصالاتها العسكرية على أعلى مستوى مع أمريكا في العام الماضي فقط (التي تم قطعها آخر مرة عام 2008 بعد أن أعلنت إدارة بوش عن مبيعات الأسلحة إلى تايوان)، من المحتمل أن تنأى الصين بنفسها عن وزارة الدفاع مرة أخرى، لبضعة أشهر على الأقل. وقد تكون إحدى الخسائر الزيارة التي من المقرر أن يقوم بها وزير الدفاع الأمريكي، روبرت جيتس، إلى بكين. ولكن من غير المحتمل أن يتخلى هيو جينتاو عن خططه للقيام برحلة إلى واشنطن هذا العام. ولطالما شعر قادة الصين أن التباهي بالاحترام الدبلوماسي الذي يحظون به من الأمريكيين سيحقق لهم المزيد من المكاسب السياسية في الداخل.
معضلة إيران
حالما يهدأ الخلاف بشأن مبيعات الأسلحة إلى تايوان، من المرجح أن يكون التصادم الكبير التالي متعلقا بإيران. وفي الواقع، إحدى تفسيرات توقيت صفقة تايوان يقول إن أمريكا كانت تهدف إلى إظهار انزعاجها من امتناع الصين عن الانضمام إلى بقية أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وألمانيا في فرض عقوبات اقتصادية جديدة على إيران. ومع انتهاء الموعد النهائي الذي حدده أوباما لإقناع آيات الله، أصبحت إيران لا شك أحد مصادر القلق الرئيسة لأمريكا في مجال السياسة الخارجية. إلا أن الفكرة القائلة إن أمريكا كانت تعاقب الصين من خلال تايوان غير معقولة. فالإدارة تبدو حريصة على تجنب إقامة أي رابط بين إيران وتايوان من منظور الصينيين.
وصحيح أن الصين هي الآن الطرف الشاذ في موضوع إيران في مجلس الأمن. إلا أن السبب في هذا، كما تقول Nina Hachigian من مركز التقدم الأمريكي، وهو مركز فكري مقرب من إدارة أوباما، هو أن روسيا أصبحت أكثر قلقا من إيران وأكثر تعاونا مع الغرب، وليس لأن الصين غيرت موقفها. وما يوضح ذلك هو أن أمريكا لم تتخل بعد عن احتمالية أن تلعب الصين دورا بناء في ثني إيران عن السعي لامتلاك أسلحة نووية. وفي خطاب في باريس يوم الإعلان عن صفقة تايوان، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، إنها تفهم سبب تردد الصين في فرض عقوبات على إحدى أكبر مزودي الطاقة لها، ولكنها حثتها على التفكير في ''الآثار طويلة الأجل'' لإيران المسلحة نوويا التي قد تزعزع الاستقرار. وبالنظر إلى كمية النفط الذي تستورده الصين من إيران، ورغبتها بالاستثمار في ثروات الطاقة في إيران، لا يتوقع أن تؤيد الصين فرض عقوبات قوية. ولكنها لن تفعل بالضرورة أكثر من مجرد الامتناع عن التصويت حين يصوت مجلس الأمن - ومع توخي الحذر، قد تتعاون في مجالات أخرى. ومن بعض النواحي، فإن الاحتكاك الجديد في العلاقات بين أمريكا والصين لافت للنظر فقط لأن ظهور آثاره استغرق وقتا طويلا. ويقول Kenneth Lieberthal، مدير مركز الصين لمعهد بروكينجز في واشنطن، إن العلاقات الصينية الأمريكية تكون عرضة دائما للاختبار في العام الأول لأي إدارة جديدة، حيث تقيس الدولتان شجاعة كل منهما. وقرار أوباما الواعي بتأجيل القضايا المثيرة للخلاف مثل الخلافات بشأن تايوان والدالاي لاما وإيران أدى إلى بعض الدفء في العلاقة، ولكن لا تزال الخلافات تحدث. ويقول Lieberthal إن العام المقبل سيكون عاما صعبا.
وليس هناك شيء مؤكد أبعد من ذلك. ولا يزال المسؤولون الأمريكيون يقولون إنهم حريصون على بناء علاقة أكثر ''نضجا'' و''استراتيجية'' مع الصين، علاقة يمكنها تحمل فترات الخلاف المحتومة. إلا أن توازن القوى النسبي بين أمريكا والصين يتغير بطرق مثيرة للأعصاب - وكذلك السياسة الداخلية للصين نفسها. وبعد عشر سنوات في السلطة، سيتنحى هيو جينتاو عن قيادة الحزب عام 2012 وعن الرئاسة في العام الذي يليه. وقد يؤدي عدم اليقين بشأن الخلافة، كما أظهرت أزمة مضيق تايوان عام 1996، إلى سلوك غير متوقع بين الزعماء الصينيين. وإذا أساءت الصين تقدير قوتها وقللت من قوة أمريكا، قد يصبح عدم القدرة على التنبؤ خطرا بصفة خاصة