القوات المسلحة.. فرصة ذهبية للصناعة الوطنية
إن معظم رجال الأعمال وخصوصا الصناعيين ما زالوا يعتقدون أن القوات المسلحة بأفرعها الأربعة البرية والجوية والبحرية وقوات الدفاع الجوي جهات مغلقة، للفكر السائد أن متطلباتها بصفة عامة سرية.
إننا كصناعيين تعودنا على الركض خلف بعض الجهات الحكومية لحثها على وضع استراتيجيات لها أو تنفيذ القائم منها ولكن القوات المسلحة تحقيقا لأوامر سامية وتنفيذا لتوجيهات الأمير سلطان بن عبد العزيز، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام بتعزيز التعاون البناء بين قطاعات وزارة الدفاع والطيران والقطاع الخاص وتشجيع المصنعين الوطنيين للمشاركة في مساندة منظومات القوات المسلحة والعمل على نقل وتوطين التقنية.
وقد يخفى علينا الأدوار التنموية لوزارة الدفاع والطيران ومنها التنمية الاقتصادية وذلك بإنشاء المدن العسكرية والقواعد الجوية والبحرية ومجموعات الدفاع الجوي والعقود المحلية وكذلك مشاركتها في التنمية التعليمية، حيث لديها مدارس فيها نحو 72 ألف طالب وطالبة، ولديها مستشفيات عامة ومستشفيات ميدانية ومستشفى ميداني محمول والكثير من المستوصفات. وفي تنمية الموارد البشرية لدى وزارة الدفاع سبع كليات عسكرية و35 مركزا ومعهدا ومدرسة عسكرية، وأما في التنمية الصناعية فإن للوزارة، المؤسسة العامة للصناعات الحربية – برامج التوازن الاقتصادي -. ولقد وضعت القوات المسلحة استراتيجية واضحة للتعاون مع القطاع الخاص والجامعات ومراكز التقنية، وسبق أن أنشأت اللجنة التحضيرية العليا للتصنيع المحلي برئاسة الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز مساعد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام للشؤون العسكرية، المشرف العام على اللجنة المركزية للتصنيع المحلي، وضمت اللجنة قائد القوات الجوية الأمير الفريق ركن عبد الرحمن بن فهد الفيصل، رئيس اللجنة المركزية للتصنيع المحلي للقوات المسلحة وعددا كبيرا من خيرة رجال الأعمال وهم أصحاب خبرة عالية في الصناعة، وكذلك مدير عام صندوق التنمية الصناعية السعودية. ومن مهام اللجنة المركزية وضع الاستراتيجية العامة للتعاون بين القوات المسلحة السعودية والمصادر الوطنية لاستغلال قدرات التصنيع المحلي لمساندة القوات المسلحة واقتراح السياسات والإجراءات والأهداف قريبة وبعيدة المدى، وتحديد قطع الغيار والمواد الممكن تصنيعها محليا بالتنسيق مع المصادر الوطنية وتأهيلها.
ومن أهداف اللجنة القريبة تحديد المواد وقطع الغيار الخاصة بالمعدات وغير المرتبطة مباشرة بالمنظومات القتالية، ذات الاستهلاك العالي والسلامة والتقنية المنخفضة لكل قوة، والمواد المشتركة لأفرع القوات المسلحة ومخاطبة المصانع والشركات الوطنية وعرض تلك المواد عليهم لإبداء إمكانية تصنيعها محليا. كذلك تحديد المواصفات الفنية والتصاميم ومتطلبات المنتج للقطع والمواد المختارة والتأكد من مطابقتها للمواصفات الخليجية والمواصفات الخارجية. ومن أهم أهداف اللجنة في رأيي التواصل بين القوات المسلحة والشركات الأجنبية للحصول على المعلومات والمواصفات الفنية لتصنيع المنتج محليا. وأقترح عند تأكد الوزارة من إمكانية تصنيع بعض هذه المواد محليا إبلاغ الشركات المصدرة بالرغبة في إلغاء العقود بعد فترة تحددها الوزارة لحثهم على الاستثمار محليا، أو نقل التقنية للمصانع المحلية.
ومن بعض أهداف اللجنة البعيدة تحديد قطع الغيار والمواد ذات الاستهلاك العالي والسلامة المرتفعة والتقنية المتوسطة لكل قوة والمواد المشتركة لأفرع القوات المسلحة، وبناء قاعدة صناعية تسهم في القدرة على تصميم وتصنيع قطع الغيار والمواد الاستهلاكية للقوات المسلحة بجودة عالية مع الحصول على التراخيص اللازمة لإنتاج قطع الغيار والمواد من المصانع الأصلية الخارجية وذلك ضمن عقود المشاريع المقبلة، وأخيرا تعزيز قدرات القطاع الخاص ليتعاون بمرونة وكفاءة مع القوات المسلحة. أتمنى أن أرى هذه الاستراتيجيات والسياسات مطبقة في المملكة فهذا حلم يمكن تطبيقه لأنه منفذ في الدول المتقدمة، فنرى أن وزارات دفاعها من المحركين الأساسيين في الاقتصاد والموجهين والداعمين للأبحاث المتقدمة فيما يخص الوزارة وغيرها من المجالات. إن القوات المسلحة السعودية فعلا تستطيع أن تكون المحرك الأساسي في المستقبل القريب للأبحاث المتقدمة والمصانع الوطنية الجديدة وليس كل هذه المصانع تحتاج إلى ضخامة في الاستثمار أو الحجم ولكنها عالية الجودة ويعتمد عليها. ويوجد أمثلة كثيرة لهذه المصانع الصغيرة والمتوسطة ومراكز الأبحاث الجامعية والخاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وهولندا وغيرها من الدول. إن هذا التعاون والمشاركة بين القوات المسلحة والقطاع الخاص سيكون له آثار إيجابية في الصناعة الوطنية والتنمية البشرية ونقل التقنية وتطويرها وكذلك سيوفر آلاف الملايين للقوات المسلحة التي يمكنها أن تستثمر بعضا منها في تقديم الدعم المالي للقطاعات الصناعية والبحثية مما يسرع في تطوير التنمية الوطنية بأنواعها. وعلى الوزارة تخصيص مبالغ مالية للبحوث وتكون رائدة في ذلك ولا تحمل شركات القطاع الخاص هذه المسؤولية لأن ذلك ما تقوم به وزارات دفاع الدول المتقدمة.
ولقد أشار سمو رئيس اللجنة المركزية للتصنيع المحلي خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد اجتماعه في غرفة الرياض “بأن التعاون بين قطاعات وزارة الدفاع والطيران والقطاع الخاص له دور كبير في تعزيز الاقتصاد الوطني وإيجاد فرص استثمارية واعدة وخلق فرص عمل جديدة لدى القطاع الخاص وتدوير الموارد المالية محليا وسرعة تلبية الاحتياجات للقوات المسلحة والمحافظة على الجاهزية التشغيلية ومنع الاحتكار من المصادر الأجنبية وإيجاد مصادر محلية عند تعذر خطوط الإنتاج الخارجية”.
وقد يدور في خاطر الصناعيين والمستثمرين كيف نعرف عن احتياجات القوات المسلحة وكيف نصل إليها. ولكن سموه كفانا السؤال وذلك بإعلانه أن القوات المسلحة بأفرعها الأربعة تعتزم إقامة معرض القوات المسلحة للمواد وقطع الغيار 2010 في مركز معارض الرياض الدولي ابتداء من يوم السبت 29 صفر الموافق 13/2/2010 إلى 18/2/2010، وبلغ عدد القطع والمواد المزمع عرضها للقطاع الخاص أكثر من 14 ألف قطعة ومادة بعد أن تم تحديد معايير لاختيار المواد وقطع الغيار التي بالإمكان تصنيعها محليا، وهذه هي الخطوة الأولى التي نتحقق من الإمكانية لدى القطاع الخاص وفاعلية الإجراءات التي تضمن الاستمرارية وجودة المنتج ومطابقته لشروط الجودة والسلامة.
وما علينا إلا أن نتقدم بالشكر للقائد العام للقوات المسلحة ونائبه، حفظهما الله، ولقيادات القوات المسلحة فقد كفيتم ووفيتم. والآن على القطاع الخاص أن ينتهز هذه الفرصة لنجني جميعا ثمرة التعاون المشترك وعلى مجلس الغرف ورئيس كل غرفة أن يعمم على الصناعيين والمستثمرين موعد هذا المعرض لزيارته والمشاركة فيه. وكما ذُكر فإن الاقتصاد الوطني يمثل عصب الحياة ومحور التنمية المستدامة للمملكة، فعلينا أن نثبت قدراتنا محليا لنقوم بتسويقها عالميا.