إنذار مبكر لعواصف الغبار .. فهل نخطط لرفع الضرر عن المواطن
لعل موجة الغبار التي مرت بنا في الأسبوع الماضي ولو ليوم واحد تكون إنذارا مبكرا لما سنعانيه بعد أشهر من ظاهرة الغبار المحمل بالأتربة. فنحن على موعد مع تلك الظاهرة في كل عام ومنذ سنوات. ومع ذلك لا نجد أية تحذيرات أو توعية مبكرة عن خطورتها أو كيفية التأقلم والتعايش معها. وأتمنى من الجهات المسؤولة والمسؤولين عن مراقبة الظواهر الجوية وإدارة الأزمات أن يستيقظوا ويتجاوبوا معنا. وأن نخطط من الآن لتفادي آثارها، فهي قد تفاجئنا وتصبح هذا العام رياحا قوية أكثر من العادة أو رياح عنيفة عاتية لا تبقي ولا تذر. وقد تكون ضحاياها وتلفياتها أكثر من أزمة فيضانات جدة. ولن نحتاج إلى تكرار أزمة جدة ليفز الجميع. فأزمة أو موجة الرياح القوية والمحملة بالغبار والأتربة، وكما عهدناها في المرات السابقة تتسبب في تعطيل الأجواء سواء في منطقة الخليج أو مدن وقرى المملكة. وقد سبق أن أشرت لهذا الموضوع ولم أجد تجاوباً. وأشرت إلى أهمية الإعداد والاحتياط لإدارة الأزمات والكوارث. فهي أزمة سبق أن رأينا كيف أثرت على مجريات العمل في مدننا وعطلت الأعمال وكان لها تأثيرها الواضح على ضيق التنفس للمصابين بالأمراض الصدرية والحساسية وما ستضيفه من ضحايا جدد لهذا المرض، خاصة الأطفال ومرضى الربو، إضافة إلى ما تسببه الأتربة المحملة مع الرياح من تلف لأجهزة وآليات. لقد ضربت الأزمة عديداً من المناطق وتعذرت الرؤية وتسببت في وقوع عديد من الحوادث وسقوط أعمدة الكهرباء والأشجار على المنازل والمواطنين وسببت إرباك عديد من خطوط الملاحة، وقد وصل أذاها إلى تحويل أكثر من 16 رحلة من قطر والبحرين للدمام. وكذلك تعطلت حركة السفن والموانئ. هي أزمة تعودنا عليها في السنوات الثلاث الماضية ويبدو أنها ستستمر وتلازمنا للسنوات المقبلة. فهي غير معروف المصدر حسبما تروجه الصحف، فالبعض يعتقد أنها بسبب التحول المناخي والتصحر وتقلص طبقة الأوزون. والآخرون يعزونها إلى ما تثيره الحروب حولنا من تحريك الأراضي والأتربة سواء أثناء حرب تحرير الكويت أو حرب العراق وغزة. ويبدو أننا في هذه المنطقة سنمتاز بعدم الاستقرار وكثرة الحروب ومشكلات التصحر وكأنها شر لابد منه ابتلينا به وسيستمر يلازمنا! وهذا الوضع يحتم علينا التفكير في دراسة وبحث الموضوع على مستوى عالمي لمعرفة مدى استمراريته من عدمها ومدى تطورها، وهل سيأتي اليوم الذي تهب فيه رياح عنيفة ومن ثم وضع الحلول قصيرة وطويلة المدى. وفي كلتا الحالتين فإننا لم نتعود على هذه الظاهرة وليس لدينا الوعي بسلبياتها أو معالجتها ووضع الحلول لها سواء على مستوى الفرد في عمله أو منزله لمنع دخول الغبار أو على مستوى المدن. والأزمات ليست فقط بالرياح القوية والعواصف بل قد تكون بالفيضانات أو الزلازل أو اندلاع وتسرب غازات صناعية وسامة، أبعدنا الله عنها.
وتزامنت مع الأزمة مجهودات أمير منطقة الرياض ونائبه لتطوير خطة استراتيجية لتحسين جودة الهواء لمدينة الرياض والتي يجب أن تحتذي بها مدن ومناطق المملكة. ومع أن الخطة تتناول عدة برامج ومعظمها موجهة لبرامج بيئية للحد من مصادر التلوث ثم معالجته إلا أن موضوع الغبار ذكر على استحياء. ويبدو لي أننا يجب أن نفكر جدياَ في أزمات الغبار. ومع أهمية حماية البيئة والحيوانات إلا أننا يجب أيضا أن نحمي الإنسان.
طالبت منذ فترة بالتخطيط لوضع حزام أخضر حول مدينة الرياض وكذلك سلسلة من الحدائق الكبرى وسط المدينة. وكانت أمنيتي وأمنية الكثيرين أن تحول أرض وزارة المعارف على طريق الملك عبد الله إلى متنزه كبير يكون رئة للمدينة يلتهم الغبار وينقيه ليساعدنا على التنفس. فمنطقة شمال الرياض خالية من المتنزهات الكبرى. ويتم العمل على تنفيذه وفق برنامج زمني طويل المدى وعلى مراحل مختلفة. وهو مشروع تحيط به الصعوبات من عدة جهات أولها أن معظم الأراضي حول المدن ملكية خاصة، والثاني أن وضع الحزام وهو عبارة عن مناطق مزروعة سيجعل الناس يرتادونها للنزهة ومعظمهم ليس لديهم الإحساس بالمسؤولية الوطنية فهم يعبثون ويرمون المهملات والفضلات حتى لو كان صندوق النفايات أقرب من أذن أحدهم. كما أن مدننا تحتاج إلى توعية الجهات الأمنية والصحية لوضع خطط إسعافية وطوارئ. وأن يكون المواطن على علم بها ليساعد على إنجاحها بدلاَ من ارتباكه أو هلعه والذي عادة تكون آثاره سلبية وتعوق مجهودات المسؤولين.
وعلى مستوى الفرد فإنه لا بد من توعية المواطنين إلى الحلول والعلاج سواء في مقر العمل أو المنزل وفي كلتا الحالتين لابد من إرشاده إلى أن هناك احتياطات سهلة مثل وضع أشرطة لاصقة وأشرطة إسفنجية تحت الأبواب وعلى حنباتها والتأكد من سد أية فتحات سواء من المكيفات الصحراية أو مراوح شفط الهواء. والمهم هو التأكد من إحكام إغلاق النوافذ ووضع قطع أو أشرطة إسفنجية لاصقة. ومن الاحتياطات أيضا وضع المناشف (الفوط) المبللة والرطبة عند تلك الفتحات والمداخل. ولزيادة الاحتياط، فإن هناك أجهزة لتنقية الهواء تفيد كثيراَ في الحد من مشكلات الغبار وهي موجودة في محال العدد والأدوات. وصحياَ فإنه لابد من لبس أقنعة واقيه من الغبار وهي أقنعة موجودة في الصيدليات ومحال العدد والأدوات وأسعارها رمزية مقارنة بمضاعفات ومخاطر الغبار.
وفي المناطق التي تشتد فيها العواصف أو لا سمح الله توقعنا حدوث تلك العواصف فإن الأمور قد تؤدي بنا إلى إغلاق النوافذ الزجاجية بالألواح الخشبية ( أبلكاش بليوود). لمنع تكسرها من شدة الهواء والرياح وبالتالي تناثرها وإصابة أفراد الأسرة بالجروح.
إدارة الأزمات والكوارث وحزام أخضر دائري حول المدن هو موضوع من الأهمية في حد ذاته، لحماية مدننا من الدفن بالأتربة أو التلوث البيئي وكوارث وغازات الحروب.