التدريب.. هموم وعلوم
تبقى مهنة التدريب من أصعب المهن والمسؤوليات التي يتقلدها أشخاص يقودون كتيبة من اللاعبين، مطالبون كل أسبوع بالفوز، لأن وراءهم آلافا من المشجعين الذين يهتفون باسم هذا المدرب عند النجاحات، بل يرفعونه فوق الأكتاف، كما قد يرمى بكل أنواع سهام النقد عند الإخفاقات وعلى المدرب أن يتحمل بين الفينة والأخرى ضغط هذا الجمهور وكذا وسائل الإعلام·
المدرب يقف وحيدا في بنك الاحتياط، ينتظر ما تجود به أقدام تلاميذه فوق البساط الأخضر وينتظر أيضا حصاد أسبوع من العمل المضني ومن الخطط ودراسة الخصم ومن التمارين والصراخ، وقد تكون نتيجة مباراة فاصلة لتحديد مصيره ومستقبله، وقد يدفعه هدف يتيم لتقديم استقالته «مكرها لا بطل».
ذلك هو حال المدرب الذي يعيش كل أنواع الضغوط، وهو الذي لا يؤمن إلا بالنتائج الإيجابية ولا شيء غيرها، لذلك هناك مدرب ناجح وآخر فاشل، ناجح لأنه كلما رحل ترك وراءه بصمة النجاحات والألقاب، والفاشل هو الذي لا يترك وراءه إلا الخيبة والإخفاقات والأصفار، لكن ما الذي يفرق بين المدرب الناجح والفاشل مع أن جميع المدربين يحملون المؤهلات نفسها ويعملون بالآليات نفسها، والمناهج والخطط التكتيكية·
سيقول قائل إن الحظ يلعب لعبته، لأن مجموعة من المدربين محظوظون، صحيح أن الحظ هو جزء من اللعبة وكل مدرب أو لاعب يتمنى أن يكون هذا الحظ بجانبه ويبتسم له لكني لا أعتقد أن الحظ يبتسم دائما وفي جميع المناسبات، ولا أعتقد أن كل مدرب ناجح هو مدرب محظوظ، فثمة أشياء تتداخل فيما بينها لتصنع مدربين خطوا صفحات التدريب بمداد من ذهب كالإنجليزي فيرجسون والبرتغالي مورينيو والإيطالي كابيلو وغيرهم من مشاهير المدربين·
من ضمن أسباب النجاح (الموهبة)، فلا بد من أن يكون موهوبا، شغوفا بمهنته، فعندما توقف مثلا مورينيو عن ممارسة كرة القدم كلاعب في سن 23 فلأنه وجد نفسه يميل إلى التدريب، ذلك أن هذا الميول والشغف هما ما دعاه لامتهان التدريب والذهاب بعيدا في هذا المجال، فكم هم المدربون الذين لم تنفع معهم الشهادات ولا نجوميتهم كلاعبين سابقين، لأنهم افتقدوا موهبة التدريب·
وبالنظر إلى نماذج المدربين الذين مروا على الملاعب السعودية نجد أن أكثر المدربين حصولا على البطولات هم أقواهم شخصية وأكثرهم صرامة مع اللاعبين وتدخلات الإدارة, فطبيعة المجتمع السعودي تميل إلى الكسل والتسويف ما يجعل المدربين العالميين يتساقطون واحدا تلو الآخر على الرغم من نجاحاتهم ومنهم (ليوبنهاكر صانع أمجاد 94 الحقيقي وكالديرون وباوزا ويوزيك وهانقيم وبلاتشي وآرثر جورج وغيرهم) لأنهم لا يعلمون (أو يعلمون) أن اللاعب السعودي يعيبه عدم الانضباط في الحضور أو الجدية أو تطبيق ما يطلب منه في الملعب إلا ما ندر.
ولكن الغريب في الأمر سياسة بعض إدارات الأندية وتدخلاتها (المؤدبة) لصالح نجوم الفريق تحت شعار (المدرب راحل والنجم هو من يبقى) حتى أنها أصبحت ظاهرة في ملاعبنا ولعل آخرها ما فعله (بعض) لاعبي الاتحاد بعد خلافات مع مدربهم (فقط ببساطة) أطاحوا به وانتصرت لهم الإدارة ولمن وراءهم بإقالة السيد كالديرون.
ولكن في الجهة المقابلة وبعد تصريح الأمير عبد الرحمن بن مساعد رئيس نادي الهلال نهاية الموسم الماضي حول صلاحيات المدرب ومساواة اللاعبين في التعامل ودعمه فيما يراه مناسبا قطف الهلاليون ثمرة هذه السياسة ووجدنا هلالا مختلفا ليس داخل الملعب فقط إنما خارجه أيضا فالتلاحم بين اللاعبين واندماج الأجانب مع زملائهم المحليين والعلاقة الحميمة والمتميزة بين اللاعبين هي ثمرة المساواة فعندما يعدل الأب بين أبنائه تجدهم قريبين من بعضهم بعضا والعكس صحيح.
وأنا أتابع أفراح الهلاليين بعد مباراة الحزم لفت انتباهي خالد عزيز وهو (ينطط) ويعانق زملاءه اللاعبين حتى أنني شعرت إنه أكثر اللاعبين فرحة بالإنجاز وعندما التقطت الصورة الجماعية في النادي كان أقرب اللاعبين لرئيس النادي ففكرت فيما لو أن خالد واصل إهماله للتمارين وللتعليمات وبقي في النادي يجري تدريباته في صالة الحديد فيما يحتفل زملاؤه في الرس ودرة الملاعب, ماذا سيكون شعوره؟ وهل كان سيصطف في المكان نفسه؟ سؤال يوجه لعزيز.
خالد عزيز لاعب ذو إمكانات هائلة قدم مواسم رائعة مع الهلال, لاعب لديه مواصفات المحور الذي لا غنى عنه, ولا أجد لاعبا في الدوري السعودي بمواصفاته سوى أحمد حديد لاعب الاتحاد ويأتي خلفه الروماني رادوي, والموهبة وحدها لا تكفي كي يكون اللاعب نجما يشار إليه بالبنان بل يجب أن يصاحب ذلك الجدية في التمارين والانضباطية داخل الملعب وخارجه.
نقطة توقف
من مفارقات هذا الموسم أنه في الوقت الذي كان لهوساوي وعبد الغني وحديد ورادوي وشهيل وولي والشلهوب ومهند عسيري والسهلاوي ونيفيز الثقل الفني الأبرز مع فرقهم كان لغياب (الدوليين) سعد الحارثي وخالد عزيز التأثير الأقل, وفي المقابل كان لغياب كماتشو والتائب والشمراني ونور وبوشروان وهزازي فنيا كان أو بداعي الإصابة الأثر السلبي الأكبر في فرقهم هذا الموسم.
يتمتع الدبلوماسي بالحصانة ولكن لاعب النصر الفرعوني يتمتع بحصانة تحكيمية عجيبة داخل الملعب بدأت من حادثة الجيزاوي وتوليدو وانتهت بأحمد الخير ثم يده التي اعتبرها خليل جلال قدما ثالثة للاعب لحظة هدفه الثاني في الرائد, العجيب في الأمر أن الحكم خليل جلال بدا وكأنه يعتذر من غالي أثناء الاشتباك وليس العكس والعجيب أنه يخرج منها (زي الشعرة من العجين).
أرجو ألا يتفرغ النجم النصراوي الأول سعد الحارثي للبحث عن مواقع الكاميرا وينسى مهمته الأساسية وهي البحث عن شباك الخصوم, ففي مباراة الهلال كان (أنشط) لاعبي النصر ولم يشترك بعدها من بداية المباراة إلا في المباراة التي تلتها أمام القادسية ويبدو أن هناك قرارا نصراويا سريا بإبعاد اللاعب عن التشكيلة الأساسية بعد أن دخل في جدل مع لجنة مكافحة المنشطات ما تسبب في عودته برا إلى الرياض في اليوم التالي ليغيب على أثرها عن التمارين ويتم إبعاده عن مباراة الاتحاد المهمة.
المباريات التي تقابل فيها النصر والهلال الموسم الماضي وهذا الموسم وسجل فيها النصر في الدقائق الأولى لم يفز فيها الهلال وهي مباراة كأس الأبطال الموسم الماضي الأولى ومباراتي الدوري هذا الموسم لذلك أعتقد أنه إذا نجح النصر في التسجيل بداية المباراة سيخطف التأهل.
أتمنى ألا تكون آراء المحلل محمد فودة قد تأثرت بتعيينه مستشارا للجنة الحكام لأنها ستكون بمثابة المعجزة أن ينتقد مسؤول رياضي سعودي عمله وكم نحن في حاجة إلى المعجزات.
يقول الأديب الألماني بيرتولد أورباخ (1818-1882م): دائما ما يلفت انتباهنا ويكسب احترامنا كل ما هو جديد ولكنه سرعان ما يصطدم بالعادات والتقاليد فيصبح مثل قوس القزح الذي يتلاشى في الأفق وأمام أعيننا.