ارتباط العملات الخليجية بالدولار خيار استراتيجي
نرى بالضرورة صواب ارتباط عملات دول مجلس التعاون الخليجي بالدولار الأمريكي بشكل فردي أو جماعي نظرا لعدم وجود البديل المتكامل. تتمثل البدائل بربط العملات الخليجية باليورو أو سلة عملات أو اللجوء لخيار التعويم وهي خيارات معقدة في أحسن الأحوال.
فيما يخص الارتباط باليورو، كأن لزاما على دول مجلس التعاون تكيف عملاتها مع تطورات الأوضاع في دول تعاني من ظروف اقتصادية مختلفة فيما يخص العجز والتضخم ومعدلات الفائدة. بلغ عدد الدول الأعضاء في منطقة اليورو 16 بلدا مع انطلاق عام 2010 وهي النمسا، بلجيكا، قبرص، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، أيرلندا، إيطاليا، لوكسمبورج، مالطا، هولندا، البرتغال، سلوفاكيا، سلوفينيا، وإسبانيا.
تجربة مديونية اليونان
تبين حديثا كيف أن العملة الأوروبية خسرت نحو 3 في المائة من قيمتها بسبب تجربة مديونية اليونان. وبشكل أكثر تحديدا، كان بمقدور اليورو الواحد شراء 1.4321 دولار مع نهاية 2009 لكن تراجعت قيمة اليورو إلى 1.3862 دولار في آخر يوم عمل في كانون الثاني (يناير) من العام الجاري. وقد حدث هذا التطور والذي يمثل أكبر تراجع للعملة الأوروبية في غضون ستة أشهر على خلفية اكتشاف المستوى الفعلي لعجز الميزانية العامة في اليونان. فقد تبين أن مستوى عجز الموازنة يشكل 12.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أي أكثر بكثير من المستوى المسموح وقدره 3 في المائة.
فضلا عن خطر التراجع فهناك إشكالية ارتفاع قيمة العملة محل المثبت المشترك. فقد ارتفع سعر اليورو من نحو التساوي مع الدولار الأمريكي مع انطلاق العملة الأوروبية في عام 1999 إلى 1.4321 دولار مع نهاية 2009 أي في غضون عقد من الزمان. ومن شأن ارتفاع قيمة العملة إيجاد مشكلات بالنسبة للتصدير وبالتالي القدرة على تسجيل نمو اقتصادي.
خيار سلة عملات
من جهة أخرى، يتطلب موضوع الارتباط بسلة عملات تشمل الدولار واليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني واليوان الصيني على سبيل المثال التكيف مع الظروف الموضوعية لاقتصاديات مجموعة دول وليس دولة واحدة أو تكتل اقتصادي. فهناك مصالح مختلفة لهذه الدول تشمل القضاء على العجز التجاري والحكومي فيما يخص الولايات المتحدة مقابل ضمان عدم حدوث تراجع لقيمة الدولار بالنسبة للصين. تحتفظ الصين بغالبية أصولها بالدولار كونها مشتريا رئيسيا للسندات الرسمية والتي يتم بيعها لتمويل العجز الأمريكي. بلغ الدين الأمريكي 11.9 تريليون دولار في نهاية أيلول (سبتمبر) من عام 2009.
لا شك تقتضي مصلحة الولايات المتحدة تخفيض قيمة الدولار لغرض القضاء على معضلة العجز التجاري والذي بلغ 816 مليار دولار في 2008. فتدني سعر صرف الدولار يخدم الاقتصاد الأمريكي عن طريق جعل الصادرات الأمريكية أقل تكلفة في العالم وعليه التسبب في رفع أسعار الواردات ما يعني عمليا تشجيع المستهلكين المحليين على تجنب السلع المستوردة. وفي المحصلة، يستفيد الاقتصاد الأمريكي من فرص تعزيز الصادرات وبالتالي تنشيط الدورة الاقتصادية ما يعني إيجاد وظائف جديدة.
التعويم والشفافية
أما الخيار الآخر والمتمثل في تعويم العملات الخليجية بشكل منفرد أو في إطار مشروع الاتحاد النقدي الخليجي فيتضمن مجموعة من التحديات والتي لا تتناسب والسياسات الاقتصادية لدول مجلس التعاون. من جملة الأمور، يتطلب الأمر ضمان توافر شفافية كاملة وبصورة مستدامة، فيما يخص التحولات الاقتصادية مثل العجز والمديونية ونمو عرض النقد. بل ومن شأن فشل توفير إحصاءات محدثة تعريض قيمة العملات لأهواء المضاربين. ولنا في تجربة مديونية دبي عبرة، فيما يخص مستويات ردود الأفعال الدولية وعلى الخصوص وسائل الإعلام في حال اتخاذ قرار غير مرض بالنسبة للمستثمرين.
بالعودة للوراء، تعرضت عملات بعض دول مجلس التعاون وخصوصا الريال السعودي والدرهم الإماراتي بصورة منفردة لهجمات المضاربين في عام 2007 وذلك على خلفية معضلة التضخم. وكانت اقتصاديات دول المنطقة قد تعرضت لموجة من التضخم المستورد بسبب تراجع قيمة الدولار مقابل بعض العملات العالمية الأخرى مثل اليورو والين ما أدى إلى ارتفاع فاتورة السلع المستوردة من أوروبا وآسيا على وجه التحديد.
الاختيار الأمثل
باختصار، لا نرى بديلا في المستقبل المنظور سوى ارتباط عملات دول مجلس التعاون بالدولار كمثبت مشترك نظرا لارتباط تجارة دول مجلس التعاون وخصوصا الصادرات مثل النفط الخام والمشتقات النفطية والألمنيوم بالدولار الأمريكي. مؤكدا أنه بمقدور أي دولة خليجية رفع قيمة عملتها مقابل الدولار متى ما توافرت الظروف الموضوعية بدليل وجود تفاوت في مستويات الصرف.
تجد الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ليست بالضرورة راضية عن مسألة ارتباط العملات الأخرى، ومنها تلك التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي بالدولار. بل على العكس مارست واشنطن ضغوطا على بعض الدول صاحبة الاقتصاديات الضخمة مثل الصين لفك ربط عملتها الوطنية بالدولار حتى يتسنى استيراد المزيد من السلع والخدمات من الشركات الأمريكية. بيد أنه تقتضي المصالح الاقتصادية لدول المجلس الارتباط بالدولار من قبيل توفير الاستقرار لصغار المستثمرين ودفعهم للتركيز على المخاطر الأخرى في العمل التجاري.