كلام مكرر..!
كثيرا ما نقرأ موضوعا أو مقالة أو حتى قصة ونتوقف فوراً عن متابعتها لعدة أسباب - لا مجال لذكرها هنا - ولكن من ضمن تلك الأسباب؛ الكلمات المستهلكة التي تفسد النص وتصيب القارئ بالملل.
مثال على ذلك بعض الجمل التي استهلكتها الصحف كعناوين لها كـ (الواقع والمأمول - قضية بين أروقة المحاكم - رسالتها الإعلامية) كم مرة قرأنا أروقة المحاكم في الصحف، بدلاً من ردهات أو عتبات أو أبواب، لا أظن أن عدد كلمة أروقة تقارن بأعداد مترادفاتها التي وردت في صفحات الجرائد.
الشيء الذي لا ريب فيه هو أن لغة الإعلام لغة عادية وليست لغة إبداع، لكن بعض الكلمات أصبحت وكأنها المفردات الوحيدة في قاموس بعض الصحف.. ولم تطور من نفسها حتى الآن أو تبتكر.. متناسية أن القارئ ذكي وحاضر الذهن لالتقاط تلك الأخطاء.
وهذا يشبه إلى حد ما الكلمات التي يستخدمها بعض الكّتاب؛ حين يحشر نفسه بين السطور، متعالياً على قرائه، ذهباً بسياق المقال لإبراز شخصيته، وغفلاً بقلمه عن الموضوع، بتكرير'' أرى شخصيا؛ لاحظت، استنتجت، توصلت من خلال معرفتي، احتكاكي، علاقاتي... وغيرها من الكلمات التي توحي لك أنها سيرة ذاتية للكاتب؛ وخصوصاً أنها تظهر أحيانا مقصودة من صاحب المقالة ليظهر أنني أفقه مالا تفقهون.. لكن مالا يدركه هؤلاء المتحذلقون أن غالبية من يكتب على هذا النمط يدلل على أنه فقير الثقافة والمخزون المعرفي واللغوي ومصاب بجنون العظمة.
على العكس من ذلك نجد أن الكاتب المتميز هو الذي ينوع في مرادفات كلماته؛ دون أن تقف ''اللزمة '' عائقا في سير كتاباته.
ولنا في مصطفى صادق الرافعي أسوة حسنة في ذلك. لذا ينصح عمالقة الأدب الأقلام المبتدئة بقراءة مؤلفاته، حيث إن تنوع الصور الذي يقدمها تخدم مخيلة قارئه .لكن مشكلة القارئ الرافعي يصعب عليه ''هضم '' أشكاله البديعية.
يقول الدكتور راشد عبد الكريم في كتابه ( كيف تؤلف كتابا) كلما ابتعدتَ عن التراكيب المألوفة؛ كانت أشد انتباها وأكثر إثارة للمخيلة، فمثلا عبارة تلبدت السماء بالغيوم عبارة مستهلكة لم تعد تثير الصورة الخيالية التي كانت تصاحبها أول ما استخدمت، وعلى غرار ذلك أضيف على قوله جملة (توسطت الشمس في كبد السماء)، وغيرها من الجمل.. التي أترك المجال لذاكرتك كي تستحضرها.
يحكي الكاتب كالدويل عن نفسه قائلا ''كنت أقرأ القاموس في وقت الفراغ بدلاً من قراءة الروايات والمجلات'' لذلك فهو غزير التنوع في رواياته، وربما لهذا السبب وصف البعض كتابته بأنها الأكثر قراءة في القرن الماضي. بالتأكيد ليس هناك كتاب خالي من العيوب ماعدا القرآن الكريم.
فالله أبى ألا يتم إلا كتابه، رغم تكرر بعض الألفاظ فيه، خصوصاً حكاية موسى عليه السلام مع بني إسرائيل إلا أنها تزيدك إيماناً بعظمته سبحانه كلما أعدت قراءتها.
ختاما: كم مرة ذكرت في رأس مقالتي كلمة مكررة؟ أن كنت ذكياً ستلاحظ ذلك دون أن ترجع إليها!.
عدد القراءات: 3007
* "هذه المادة منتقاة من "الاقتصادية الإلكترونية" تم نشرها اليوم في النسخة الورقية"