سيارات صغيرة.. وسؤال كبير

سيارات صغيرة.. وسؤال كبير

على الرغم من الويلات التي تعانيها المدينة التي تستضيفه، إلا أن معرض السيارات السنوي في ديترويت لا يزال مركز الريادة لصناعة السيارات في أمريكا. وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، في الوقت الذي تكافح فيه الصناعة أكبر أزمة لها في الذاكرة الحية ومع ترنح شركتين على الأقل من شركات السيارات الثلاث الكبيرة في ديترويت على حافة الانهيار، حل الخوف والتشاؤم محل الإثارة والحماس المعتادين. وقد عاد الأمل هذا العام، ولكنه مصحوب بشكوك عميقة.
وسبب الأمل هو أن شركة فورد، التي تجنبت الإفلاس، وشركة جنرال موتورز، التي لم تتمكن من ذلك، عرضتا سيارات جديدة جذابة وسط مؤشرات على انتعاش السوق، وقد تحققان مبيعات تبلغ 12 مليون سيارة في أمريكا هذا العام. وسبب الشكوك هو أن السيارات التي تعلّق عليها ديترويت مستقبلها، والتي هيمنت على المعرض، هي سيارات صغيرة من النوع الذي طالما كان حجر الأساس للسوق الأوروبية، ولكن التي يعتبرها الأمريكيون سيارات الفقراء.
وهناك عدة أسباب تفسير تحول ديترويت إلى السيارات الصغيرة. وأهمها هو الضغوط التي تتعرض لها كل شركة تصنيع سيارات كبيرة لتلبية القواعد التي تزداد صرامة المتعلقة باقتصاد الوقود والانبعاثات. وفي منتصف العام الماضي، أعلن باراك أوباما أن معيار 35mpg CAFE (متوسط معايير الاقتصاد في استهلاك الوقود)، سيدخل حيز النفاذ عام 2016 بدلا من عام 2020. وبدلا من الاحتجاج بصخب، كما حدث في الماضي، أشادت ديترويت بحكمته. وبما أن بقاءهما يعتمد على أموال عمليات الإنقاذ الفيدرالية، لم يكن أمام ''جنرال موتورز'' و''كرايسلر'' خيار سوى الموافقة، إلا أن ''فورد'' كانت متحمسة بالقدر نفسه. وقد تضررت الشركات الثلاث بشدة جراء زيادة أسعار الوقود بنسبة الضعف تقريبا عام 2008، واقتنعت أنه على الرغم من أن الغاز أصبح رخيصا مرة أخرى، إلا أن نموذج العمل المبني على أساس بقائه رخيصا هو نموذج سيئ.
وأدى هذا إلى استنتاج آخر لا مفر منه. فعلى الرغم من أن بعض الأمريكيين سيرفضون التخلي عن شاحناتهم الصغيرة وسياراتهم القوية، إلا أن تلبية رغبات الأمريكيين فيما يتعلق بالسيارات لم يعد أحد الخيارات المتوافرة. ويعني معيار CAFE الجديد أن على السيارات أن تحقق 42 ميلا لكل جالون (26 ميلا لكل جالون للشاحنات) في وقت أقل من الذي يستغرقه عادة تطوير نماذج سيارات جديدة. ولن يكون أمام شركات تصنيع السيارات خيار سوى محاولة بيع الأمريكيين سيارات تم تطويرها لأوروبا وآسيا. علاوة على ذلك، لن تتمكن شركات تصنيع السيارات من البدء بتعويض خسائر الأرباح الضخمة التي كانت تأتي بيع السيارات الكبيرة إلا عن طريق استخدام الأنظمة نفسها في جميع أنحاء العالم. هذا هو السبب الذي دفع Alan Mulally، الرئيس التنفيذي لـ ''فورد''، إلى البدء في أوائل 2007، بصورة مثيرة للجدل في ذلك الوقت، بإعادة تصميم الشركة حول تصميمه العالمي واستراتيجية التطوير الخاصة به، ''فورد واحدة''. وهذا هو السبب أيضا الذي جعل ''جنرال موتورز'' تدرك في وقت متأخر أن بيع فرعها الأوروبي، Opel/Vauxhall، سيكون خطأ فادحا. وهذا ما يجعل فكرة إنقاذ ''فيات'' لشركة كرايسلر ليست فكرة مجنونة كما كانت تبدو في البداية. إلا أن السؤال الذي لم يتمكن أحد من إجابته حتى الآن هو فيما إذا ما كان الأمريكيون سيدفعون ما فيه الكفاية لشراء سيارات أصغر لجعلها مربحة وإن بصورة متواضعة.
الشركة الأولى التي ستكتشف ذلك هي ''فورد''. فبعد أن حصلت على جوائز سيارة وشاحنة العام من أمريكا الشمالية، على التوالي، وسيارة Fusion Hybrid وشاحنة Transit Connect الصغيرة المغلقة، كشفت النقاب عن نجمة العرض في معرض ديترويت. وهي سيارة صغيرة أنيقة ومليئة بالتكنولوجيا سيتم بيعها (وتصنيعها) في كل سوق عالمية كبيرة ابتداء من العام المقبل مع بعض التعديلات الصغيرة لكي تناسب الظروف والأذواق المحلية.
ومع ذلك، في حين أن Focus التي تبيعها ''فورد'' حاليا في أمريكا بمبلغ يقارب 20 ألف دولار هي نسخة مخفضة من سيارة تم استبدالها في أوروبا قبل خمس سنوات، سيتم بيع Focus الجديدة بأسعار أقرب من تلك التي اعتاد الأوروبيون على دفعها إذا أريد تحقيق الربح منها لشركة فورد. ويوحي هذا بسعر لا يقل عن 30 ألف دولار قبل الضرائب للنسخة متوسطة النطاق.
وقبل وصول Focus إلى السوق بوقت طويل، ستطلق ''فورد'' سيارة Fiesta الجديدة في أمريكا هذا الصيف. وهذه السيارة الأنيقة رائجة في أوروبا منذ أواخر 2008. ويعتمد الكثير على سيارة Fiesta، ليس فقط بالنسبة لـ ''فورد'' بل للصناعة ككل. ويخطط Jim Farley، الخبير التسويقي الذي تمت سرقته من ''تويوتا''، لإطلاقها منذ عامين تقريبا. واستخدم Farley وسائل الإعلام الاجتماعية وتقنيات التسوق الفيروسي لتوليد الحماس والتعريف بها. ولكنه حتى هو لا يعتقد أن ''فورد'' ستتمكن من بيع Fiesta بمثل هذه الأسعار- 17.250 يورو (24.700 دولار) للنسخ الأكثر تطورا التي شكلت 30 في المائة من المبيعات العام الماضي – التي على استعداد ليدفعها الأوروبيون.
وقد تضع Fiesta معايير فئة جديدة للتحسين والمعالجة، ولكنها سيارة صغيرة مع ذلك ويخشى بعض مراقبي الصناعة أن تكون معقدة للغاية بالنسبة للسوق. وعلى الرغم من أن سيارة BMW الصغيرة Mini تباع بأكثر من 30 ألف دولار، ستقدم فورد Fiesta ابتداء من نحو 14 ألف دولار للإصدار الأساسي إلى 20 ألف دولار مع جميع الإضافات - نحو أسعار ''هوندا'' نفسها لسيارة Fit، وهي سيارة صغيرة قوية ولكنها أقل تطورا. وبهذه الأسعار، ستكافح ''فورد'' لتحقيق أرباح كبيرة حتى لو اختار المشترون الكثير من الإضافات.
تمر ''فورد'' بفترة نجاح مذهل بفضل قيامها بتحسين جودة منتجاتها وتأثير هالة تجنب الإفلاس. إلا أن ماركة ''فورد'' التجارية لا تزال تشتهر بشاحنات البيك أب F-150 والسيارات الرياضية. ولم تكلف الشركة نفسها عناء تقديم سيارة صغيرة في أمريكا منذ عام 1997، حين تخلت عن سيارة Aspire العادية التي تم صنعها في كوريا. والأهم من ذلك هو أنه من غير المؤكد فيما إذا كان تجار ''فورد'' سيعرفون كيف يبيعون مثل هذه السيارة.
ستصل موجة من السيارات الصغيرة إلى ساحات عرض السيارات الخاصة بالتجار الأمريكيين - ليست أفضل من السيارات التي تم تطويرها في أوروبا التي ستقدمها ''فورد''. والسؤال المهم الآن هو فيما إذا كان يمكن إقناع الأمريكيين بدفع ما يكفي من المال لشرائها لبناء مستقبل مربح للصناعة؟

الأكثر قراءة