أي طريق نسلك الآن؟

أي طريق نسلك الآن؟

أثار انتخاب زعيم جديد للإخوان المسلمين، إحدى الحركات الأكثر نفوذا في العالم العربي، استجابة صامته على نحو غريب، ليس فقط من جانب منتقدي الجماعة بل أيضا من الإسلاميين الزملاء. ومحمد بديع، البيطري البالغ من العمر 66 عاما والذي يبتعد عن وسائل الإعلام، والذي تم الإعلان عن ترقيته إلى منصب ''المرشد الأعلى'' للإخوان في 16 من كانون الثاني (يناير)، هو ثامن زعيم للحركة التي تم تأسيسها عام 1928، والتي لها ملايين المتعاطفين معها في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ويواجه حاليا هو وجماعته تحديات متزايدة من الخارج والداخل.
وحركة الإخوان المسلمين، التي يراها البعض منبع التطرف الإسلامي العالمي فيما يراها البعض الآخر حركة معتدلة وعصرية للدفاع عن الهوية الإسلامية، لها نفوذ يمتد منذ زمن طويل إلى أبعد من حدود مصر، التي لا زالت فيها أقوى حزب معارض، على الرغم من الاضطهاد بين الحين والآخر والحظر الرسمي المفروض عليها منذ عام 1954.
وقد شهدت السنوات الأخيرة انتصارات ونكسات. فقد فازت حماس، الفرع الفلسطيني التابع للإخوان، بالانتخابات الفلسطينية العامة في عام 2006، وطردت فتح، منافستها العلمانية، بالقوة من المنطقة بعد عام من ذلك وهي تدير قطاع غزة منذ ذلك الحين. وتشمل بعض الحركات المماثلة لأيدولوجيتها أحزاب معارضة رئيسية في الأردن والكويت والمغرب واليمن، وكذلك جماعات تم حظرها وطردها من الدول التي لا تزال أكثر سلطوية، مثل الجزائر وسورية وتونس. ولكن يبدو أن النسخة الإسلامية المحافظة الشاملة للإخوان، التي تنبذ هذه الأيام العنف وتوافق على اللعب وفقا لقوانين الدولة العلمانية مع أنها تعتقد أنها غير عادلة، بدأت في الكثير من هذه المناطق تفقد مكانتها. ويبدو أن عددا متزايدا من الشباب، المحبطين من السلطوية والذين يتوقون للتغيير، منجذبين إلى اتجاهات أكثر تطرفا، مثل السلفية الراديكالية التي تتوق للشكل النقي من الإسلام الذي يُقال أنه كان سائدا في الأيام الأولى للدين، ناهيك عن الجهاد العنيف. وبدأت بعض الحركات المعتدلة، بل حتى العلمانية، باكتساب الشعبية بين الناس العاديين في مختلف الدول العربية. وفي دول عربية أخرى، يحد قمع الدولة من نفوذ الإخوان.
وفي مصر نفسها، حيث سيترأس بديع مقر الحركة، تشل موجات الاعتقالات المستمرة، المتبوعة بمحاكمات في محاكم ''أمن الدولة'' الخاصة، قوتها التنظيمية. ومع اقتراب الانتخابات العامة المقرر في وقت لاحق من هذا العام، يبدو أن حكومة حسني مبارك مصممة على تجنب تكرار الإذلال الذي تعرضت له عام 2005، حين فاز مرشحو الإخوان المسلمين، الذين رشحوا أنفسهم كمستقلين، بنسبة الخمس من المقاعد وكان من الممكن أن يحصلوا على نسبة أكبر لولا تدخل الدولة في الانتخابات. وفي الآونة الأخيرة، أعلن وزير الداخلية المصري، وهو رجل قليل الكلام يترأس قوة شرطة غالبا ما يتم اتهامها بالقسوة، أنه على الرغم من أن الإخوان حققوا نجاحا انتخابيا في الماضي، إلا أن ''الوضع مختلف الآن''.
وربما يعكس قرار الإخوان باختيار بديع، المحافظ النسبي الذي كان يدير قسم التجنيد وتعليم مبادئ الجماعة والذي قضى فترات كثيرة في السجون المصرية، هذه الأجواء القاتمة. وقد أقنعت علامات العداء المتزايد من قبل الدولة، التي كانت تفضل غالبا استيعاب الإخوان المسلمين بدلا من مواجهتهم، عديد من أعضائها بضرورة الاختباء عن الأنظار في الوقت الحالي. وكما كان الحال في فترات القمع السابقة، قد تلجأ الجماعة إلى التأكيد على ما يعتبره بعض الإخوان هدفها الرئيسي: نشر القيم الإسلامية ''الصحيحة'' بدلا من الخوض في السياسة. ولكن مع شيخوخة مبارك بعد 28 عام في المنصب ومع انتشار الاضطرابات الاجتماعية في مصر، يعتقد بعض الإخوان أيضا أن هناك فترة من التغير السياسي- وأن عليهم تجنب المواجهة للحفاظ على قوتهم للمستقبل.
ولكن على الرغم من اشتهارها بالانضباط الداخلي الذي حافظ على تماسك الجماعة لعقود عديدة، إلا أن إيجاد بديل لسلف بديع البالغ من العمر 81 عاما، مهدي عاكف، كشف عن انشقاقات واسعة. وكانت فصيلة أكثر ليبرالية من الشباب، بمن فيهم عديد من الإخوان الذين ذاع صيتهم في النقابات العمالية في الثمانينيات، تأمل الارتقاء إلى الصدارة. وبدلا من ذلك، فإن الانتخابات في كانون الأول (ديسمبر) إلى ''مجلس التوجيه'' في مصر المكون من 15 عضو والذي بدوره، وبالتشاور مع المجلس الدولي الأوسع نطاقا، ينتخب المرشد الأعلى، شهدت فوزا ساحقا للمحافظين. وفي انتهاك غير مسبوق لتقاليد الإخوان، استقال الرجل الثاني في القيادة لعاكف، وهو إصلاحي إلى حد ما، احتجاجا على ما قال أنه إجراءات انتخابية معيبة. ويُقال أن الفروع غير المصرية أصيبت بخيبة أمل من النتيجة ومن ترقية شخص غير معروف نسبيا للمنصب الأعلى.
ومثل بديع، ينتمي الكثير من الزعماء المصريين الجدد للإخوان المسلمين إلى جيل تعرض لتعذيب شديد بعد موجة من الاعتقالات عام 1965. ولا يزالون مخلصين لذكرى، إن لم يكن لكل الأيدولوجية المتطرفة، لسيد قطب، المثقف من جماعة الإخوان الذي تم اعتقاله في موجة الاعتقالات نفسها، ثم شنقه بسبب كتاباته التي روجت للتمرد ضد الأنظمة ''الكافرة''. ويعد قطب على نطاق واسع منبع للإلهام للجهاد المتطرف. ومنذ أن سمح لها بالظهور من جديد في السياسة المصرية في السبعينيات، نبذت جماعة الإخوان مرارا وبشدة العنف الذي تبناه قطب لتحقيق غايات سياسية، ما عدا في قضية الدفاع عن الأراضي الإسلامية؛ ومن هنا دعمها لـ ''حماس'' في فلسطين. إلا أن ولاء القيادة الجديدة لفلسفة قطب تثير حتما الكثير من المخاوف. ويشتبه البعض أن الحكومة المصرية نفسها تشجع ارتقاء المحافظين عن طريق اعتقال الإخوان المعتدلين لجعل الحركة تبدو أقل جاذبية. وفي خطاب قبول المنصب، أكد بديع على إيمانه بالعمل السلمي الديمقراطي. ولا يعتقد الإخوان أن الحكومة المصرية أو القوى الغربية معادية، كما قال. ولكنه أدان ما وصفه ''هذا النظام العالمي الذي يوافق على الحرية والديمقراطية لشعبه ولكنه يحرم شعبنا منها''. ويبدو أن الصراع المرير سيستمر

الأكثر قراءة