القنابل والبقشيش
غالبا ما يكون الهدف من الإرهاب وحرب العصابات إيجاد مسرح أحداث مروع. وهذا ما حدث في 18 من كانون الثاني (يناير)، حين تسللت فرق من المقاتلين والمفجرين الانتحاريين الأفغان عبر أطواق متعاقبة من نقاط التفتيش وسببت الفوضى في وسط كابول. وضربوا ضربتهم حين كان أعضاء من حكومة حميد كرزاي يؤدون اليمين الدستوري. وفي مكان قريب، حيث كان يسمع دوي الانفجارات وإطلاق النار في الشوارع، اختبأ الضيوف الأجانب في فندق Serena، الذي كان هدفا لهجومين في السابق. وتصاعدت أعمدة الدخان من مركز للتسوق. وكانت طالبان تنشر الأخبار وتحدثها على الإنترنت حول التقدم الذي يحققه ''الساعون للشهادة''.
وكان هذا الهجوم، من بعض النواحي، الهجوم الأكثر جرأة على العاصمة منذ التدخل بقيادة أمريكا عام 2001- بمثابة دعاية مسلحة لإظهار أن كرزاي وأنصاره الأجانب لا يستطيعون حماية وسط كابول. ولم تكن هذه بالتأكيد البداية التي كان كرزاي يريدها لحكومته الجديدة، قبل عشرة أيام فقط من مؤتمر مهم حول أفغانستان في لندن؛ قد تكون خطط عقد اجتماع ثان في كابول هذا الربيع موضع شك. كما أن هذا الهجوم يثير تساؤلات حول ما ادعاه أخيرا الجنرال ستانلي ماكريستال، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، بأن ''المد بدأ بالتراجع'' ضد طالبان، بما أن أول وحدات الجنود الإضافيين البالغ عددهم 40 ألفا تقريبا التي وعد بالحصول عليهم بدأت بالانتشار.
إلا أن دراسة الوضع من كثب تظهر أن الهجوم يقدم بصيصا من الأمل. ويبدو أنه تم تزويد المخابرات الأفغانية بمعلومات استخباراتية عن هجوم وشيك، وكانت القوات الأمنية في حالة تأهب قصوى. وعلى النقيض من الهجمات السابقة، حين كان المتمردين يتمكنون من دخول فندق Serena والمباني الحكومية ومجمع الأمم المتحدة الإسكاني، تم صد المهاجمين هذه المرة عن الوزارات وغيرها من الأهداف الكبيرة.
وفتح حراس البنك المركزي، أول مبنى تم ضربه، النار على رجل حددوا هويته بوصفه مفجر انتحاري قبل أن يتمكن من الدخول. وفي وقت لاحق من اليوم، منعوا أيضا مفجرا انتحاريا من قيادة سيارة إسعاف مليئة بالمتفجرات إلى أي مبنى. واستهدف المهاجمون أهدافا أصغر وأسهل، مثل سينما ومركز تسوق. وسرعان ما تم احتواؤهم من قبل قوات الأمن الأفغانية، وقتل الكثير منهم. والأفضل من هذا هو أن كل هذا تم من قبل القوات الأفغانية، مع مساعدة قتالية صغيرة من قبل جنود حلف شمال الأطلسي.
ومن شأن هذا زيادة الثقة بنية الجنرال ماكريستال الاستمرار في توسيع قوات الأمن الأفغانية. ويتوقع أن ينمو الجيش إلى 134 ألف جندي بحلول نهاية هذا العام. ويريد الجنرال أن يوافق مؤتمر لندن على توسيع آخر إلى 171 ألفا بحلول تشرين الأول (أكتوبر) 2011، وتوسيع الشرطة من نحو 94 ألف رجل إلى 134 ألفا وهذا سيجعل عدد القوات الأفغانية تماما كذلك الذي قال الجنرال ماكريستال إنه مطلوب بحلول عام 2013، والبالغ 400 ألف جندي ورجل شرطة. وفي العام الماضي، كان القادة العسكريون يجدون صعوبة في تجنيد والاحتفاظ بعدد كافي من الجنود للاستمرار في توسيع صفوفه، ولكن يبدو أن الإعلان عن أجور أعلى (من 120 دولارا إلى 165 دولارا شهريا، والآن مع مبلغ إضافي يبلغ 75 دولارا شهريا كأجر عن المخاطر للوحدات على خط المواجهة) أدى إلى زيادة عدد المجندين.
إن الحجم والكفاءة المتزايدين لقوات الأمن الأفغانية هي العناصر الأساسية في خطة الجنرال ماكريستال لاستعادة الزخم العسكري، خاصة لأن الرئيس باراك أوباما قال إن الزيادة الأمريكية ستبدأ بالانحسار في تموز (يوليو) 2011. ومدى سرعة الانسحاب هو موضع نقاشات تتم وراء الكواليس. والسياسيين على جانب الأطلسي حريصين على رؤية جدول زمني للبدء في تسليم المسؤولية الأمنية، مقاطعة تلو الأخرى، للقوات الأفغانية. ويريد الضباط العسكريون أن تحدد الظروف على أرض الواقع، وليس بجدول زمني، مثل هذه التحولات.
وهناك عنصر آخر، يتوقع أن تتم الموافقة عليه في لندن، وهو برنامج أكثر نشاطا وأفضل تمويلا ''لإعادة دمج'' مقاتلي طالبان من المستوى المنخفض والمتوسط، بما في ذلك توفير الوظائف للمنشقين ووعد بالحماية - ليس فقط من طالبان بل أيضا من القوات الخاصة بقيادة أمريكا. وسيراقب ضباط رفيعو المستوى من حلف شمال الأطلسي البرنامج، ويؤمل أن يتم تمويله من قبل الجهات المانحة الأجنبية، بما في ذلك الدول العربية. وقد دعا كرزاي إلى مجلس سلام قبلي، وذلك لتشجيع المصالحة مع المتمردين. إلا أن أمريكا متشككة بشأن أية محاولة للتودد لقيادة طالبان قبل أن يصبح حلف شمال الأطلسي في موقف عسكري أقوى.
وبحصوله على الجنود الإضافيين، يأمل الجنرال ماكريستال في توسيع نقاط الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة في المناطق السكانية الرئيسة في الجنوب. إلا أن طالبان قد تكثف هجماتها على أمل تقليل آثار الزيادة وإحباط معنويات قوات حلف شمال الأطلسي. وقد كان العام الماضي الأكثر دموية حتى الآن بالنسبة لحلف شمال الأطلسي في أفغانستان، ولم يدم هدوء القتال التقليدي في فصل الشتاء. ومن المتوقع وقوع هجمات أكبر في كابول، وربما سيتم بذل جهود أكبر لتهديد قندهار، ثاني أكبر مدينة. وتتحدث طالبان عن ''فشل الجزار الجنرال ماكريستال''، وتتنبأ حدوث ''اضطراب ضخم'' هذا العام.
ومن العوامل غير المساعدة الديناميكيا الغامضة لحكومة كرزاي. فبعد الفضائح حول عمليات التزوير في الانتخابات الرئاسية الصيف الماضي، تعرض كرزاي للإهانة من قبل البرلمان، الذي رفض مرتين معظم خياراته للمناصب الوزارية. ويبدو أنه تم استبعاد عديد من المرشحين لأسباب تستحق الثناء: مثل خلفيتهم كقادة حرب أو مشتبه بهم لكونهم فاسدين ولا يتمتعون بالكفاءة. ومع ذلك، فوجئ الكثيرون حين فاز Zarar Ahmad Moqbel، وزير الداخلية السابق، بعدد أكبر من الأصوات من أي وزير آخر، وتم منحه حافظة مكافحة المخدرات. وفي وظيفته السابقة، تعرض لانتقادات لفشله في كبح جماح فساد الشرطة.
وقد تم كشف انتشار الفساد على المستوى الرسمي في تقرير نادر للأمم المتحدة يسعى إلى تحديد نطاقه. ووجد مسح أجراه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن نصف الأفغان الذين تمت مقابلتهم، والبالغ عددهم 7600 شخص، دفعوا رشوة في العام السابق، حيث أعطوا ما متوسطه 160 دولارا كل مرة، أي نحو ثلث متوسط الناتج المحلي الإجمالي الفردي. ومن هذا يمكن استنباط أنه يتم منح بقشيش بنحو 2.5 مليار دولار على الصعيد الوطني كل عام: تقريبا حجم اقتصاد الأفيون نفسه في أفغانستان، وربع الناتج الاقتصادي المشروع. وبالنسبة لمعظم الأفغان، يتفوق الفساد على انعدام الأمن والبطالة في قائمة أكبر التحديات التي تواجه الدولة. ويأكل الفساد شرعية كرزاي؛ وإذا لم يضع له حدا، قد يتبين أن المشكلات الأخرى غير قابلة للحل