معسكر بازل

معسكر بازل

إن النظام المصرفي في العالم معقد بصورة مذهلة ولكنه مهم جدا، حيث لا يجب أن يفشل. وبعد عام واحد فقط من المداولات، قررت ألمع العقول في الحكومة والهيئات التنظيمية والبنوك المركزية كيفية تحسين طريقة الإشراف عليه. ويبدو أن الحل هو إيجاد عازل أكثر سماكة واستعداد أفضل ضد الحماقة والحوادث. وفي كانون الأول (ديسمبر)، وبموجب تعليمات من مجموعة العشرين، نشر نادي بازل للمشرفين على البنوك مقترحات جديدة حول ''عوازل'' رأس المال والسيولة. وقد تصبح سارية المفعول بحلول نهاية عام 2012.
وسرعة رد الفعل مثيرة للإعجاب ومعظم المقترحات تبدو معقولة. ولكن هناك شعور أن هذه العقول الذكية تهربت من المسألة الصعبة. فإذا كان النظام المصرفي يشبه صفا من المتسلقين المرتبطين ببعضهم بعضا بحبل، يكون المنظمون إذن منشغلين بجعل الملابس أكثر دفئا والخرائط أكثر دقة، وحصص الغذاء أكثر إشباعا والصفارات أعلى صوتا. ولسوء الحظ، كل هذا ليس مفيدا إذا وقع أحدهم من الحافة، كما تفعل بعض البنوك عادة في الأزمات المالية. وما لم يتم إيجاد طريقة لحل هذه المشكلة، سيظل دافعو الضرائب ملزمين بإنقاذ الشركات الهشة مرة تلو الأخرى.
ويعكس التركيز على عوازل رأس المال والسيولة جزئيا سوء البدائل. فتقسيم البنوك أمر صعب وفائدته غير مؤكدة. وتكليف البيروقراطيين من القطاع العام بإدارتها أمر غير مرغوب فيه بقدر ترك سادة الكون الذين فقدوا مصداقيتهم في السلطة. وعلى الرغم من الوعود بأن يكون المنظمون أكثر ذكاء والمصرفيون المركزيون أكثر تيقظا، من المؤكد أن البنوك ستقع في المشكلات مرة أخرى، كما يحدث دائما. وتقول الحجة إن طريقة حماية دافعي الضرائب هي إلزام البنوك أن يكون لديها عوازل سميكة بما فيه الكفاية لتحمّل خسائر أعلى وفترات تجميد أطول في الأسواق المالية قبل أن تطلب مساعدة الدولة.
وقد تمت تسمية المقترحات ''بازل 3''- مما يدل على أن المنظمين قاموا بذلك مرتين من قبل. وللأسف، سجل قواعد البنوك الرأسمالية سيئ بصورة ساحقة. ويمثل نظام بازل (تستخدم البنوك الأوروبية والأمريكية إما النسخة 1 أو 2) جهودا ضخمة منذ عقود من الكمال، مع الحد الأدنى من متطلبات رأس المال المحسوبة بعناية من صيغ تفصيلية. وكانت الإجابات تماما. وقبل خمسة أيام من انهياره، تباهى Lehman Brothers بنسبة رأس المال ''الطبقة 1'' تبلغ 11 في المائة، أي أكبر بنحوي ثلاثة أضعاف من الحد الأدنى التنظيمي.
ويطرح هذا السؤال البديهي للمشرفين على البنوك: إذا حاولوا بالفعل وفشلوا في جعل قواعد رأس المال محصنة ضد الحماقة، ما الذي سيجعلهم ينجحون هذه المرة؟ وليس عليهم فقط أن يقلقوا لأن القواعد متساهلة جدا. فإذا بالغوا في استجابتهم للأزمة المالية وابتكروا قواعد صارمة جدا، قد يعرضون الانتعاش للخطر. وكيف يمكن للمشرفين التعامل مع البنوك عديمة الجدوى، التي لن يكون من الكافي وضع أي عازل معقول لها؟
في الأيام التي لم يكن يمكن للبنوك (وعملائها) الاعتماد على الحكومات لإنقاذهم، كانت تضع عوازل ضخمة لحماية نفسها من الخسائر وتراجع الثقة. وفي أواخر القرن الـ 19، كان لدى أي بنك أمريكي أو بريطاني عازل للأسهم - أي رأسمال أساسي - يعادل 15 و25 في المائة من أصوله. وفي الستينيات، كان أكثر من ربع أصول البنوك البريطانية على شكل سائل منخفض الخطر، مثل النقد أو السندات الحكومية.
وقد وفرت الحكومة على مر الزمن مزيدا من الحماية من الكوارث. أولا، جاء دعم السيولة من البنوك المركزية؛ وتبع ذلك التأمين على الودائع؛ وفي الأزمة الأخيرة، أعطت الحكومات جميع الدائنين ضمانات ضمنية شاملة. ونتيجة لذلك، كانت البنوك على استعداد للسماح للعوازل الخاصة بها أن تزداد رقة. وخلال الأزمة، كان رأس المال الأساسي لبعض المؤسسات الغربية 3 في المائة من أصولها أو أقل، وكان أقل من عشر تلك الأصول على شكل سائل. وربما يكون الدعم الحكومي قد منح البنوك حافزا كي تصبح أكبر حجما بكثير، حيث إن معظم الدول الأوروبية الآن تضمن أنظمتها المصرفية بأموال أكبر عدة أضعاف من ناتجها المحلي الإجمالي. وكما أشار Andrew Haldane من بنك إنجلترا، فإن العالم قطع شوطا طويلا منذ عام 1360، حين تم إعدام أحد المصرفيين في برشلونة أمام شركته الفاشلة.
ومثل هذه الضمانات الحكومية واسعة النطاق تجعل القوانين الطبيعية لهيكل رأسمال الشركات مبالغا فيه، وتنص هذه القوانين على أن الرفع المالي الضخم والاعتماد المفرط على الاقتراض قصير الأجل هو مزيج انتحاري. ويمكن للبنك أن يعمل دون أسهم تقريبا، حيث يعلم تماما أنه سيظل قادرا على الاقتراض وجمع الودائع بأسعار رخيصة، لأن الدائنين يعلمون أنها مضمونة. علاوة على ذلك، إذا كان البنك يعلم أن الدولة ستوفر دائما السيولة إذا جفت الأسواق، يصبح لديه حافز كبير للاعتماد على الاقتراض قصير الأجل (الذي هو أرخص عادة من الأموال طويلة الأجل). ويترتب على ذلك أنه إذا كان لدى البنوك في النظام المدعوم من قبل الدولة عوازل للسلامة، على الدولة أن تقرر مدى سماكتها وجودتها.

محظوظة للمرة الثالثة؟
تم منذ عام 1988 وضع قواعد رأس المال العالمية من قبل لجنة بازل، وهي مجموعة من المنظمين تعتمد على السلطات الوطنية لتنفيذ معاييرها. أما بازل 2، وهي نسخة معدلة من القواعد الأصلية، فقد أدخلتها معظم البنوك الأوروبية في العامين الماضيين. ومن المتوقع أن تطبقها البنوك الأمريكية الكبرى بحلول العام المقبل. وتنطوي على مرحلتين. الأولى هي تحديد رأس المال: الفجوة بين الأصول والخصوم. والثانية هي مقارنة هذا مع الأصول. وبما أن كل الأصول هي نفسها، فإن القواعد تعدلها بحسب المخاطر، غالبا باستخدام نماذج معقدة: تعتبر السندات الحكومية آمنة تماما وبالتالي لا تحتاج إلى رأسمال وراءها، إلا أن القرض العقاري الخطر يحتاج إلى الكثير. وتنص القواعد على أن رأس المال من الطبقة الأولى - وهي أساسا كما يفترض الأسهم العادية والأدوات المماثلة للأسهم - يجب أن يكون ما لا يقل عن 4 في المائة من أصول البنك المعدلة.
إلا أن تعريف رأس المال من الطبقة الأولى كان واسع النطاق للغاية. وكان كثير من الأدوات الشبيهة بالأسهم المسموح بها ديونا في الحقيقة. وفي الواقع، فإن الشروط المكتوبة بخط صغير سمحت أن يكون رأس المال ''الأساسي'' من الطبقة الأولى للبنوك، وهي أنقى وأكثر أشكال رأس المال مرونة، 2 في المائة من الأصول المعدلة حسب المخاطر. ويقول أحد المنظمين إن هذه النسبة كانت ''منخفضة جدا جدا.. منخفضة بشكل غير مقبول''. علاوة على ذلك، فقد المستثمرون الثقة بالطريقة التي كان يتم تعديل الأصول بها حسب المخاطر لحساب نسبة رأس المال. فعلى سبيل المثال، كان يمكن الاحتفاظ بسندات الرهن العقاري الفاسدة مقابل رأسمال صغير، على أساس أن وكالات التصنيف الائتماني صنفتها بدرجة AAA. وبما أنها معدلة حسب المخاطر وفقا لـ ''بازل 2''، كانت تعتبر آمنة تماما بقدر السندات الحكومية تقريبا.
وقد ساعدت المقترحات الجديدة كثيرا على علاج حالات الفشل هذه. وسيكون تعريف رأس المال أكثر صرامة بكثير. وجوهريا، لن يتم شمل سوى رأس المال الصافي وذلك بعد خصم المنافع الزائفة مثل أصول الضرائب وشمل أمور غير مرغوبة مثل الخسائر قصيرة الأجل على الأوراق المالية. ووفقا لبعض التقديرات، قد يؤدي هذا فقط إلى محو كثير من أسهم عديد من البنوك الأوروبية، على الرغم من أنه من المرجح أن يتم إدخال التغييرات ببطء. ويقول Jose Maria Roldan، من بنك إسبانيا، الذي يترأس لجنة التنفيذ في نادي بازل: ''كلما زدنا ثورية''، زادت ضرورة ''التحول الأبطأ''.
وفي الوقت نفسه، سيصبح التعديل بحسب المخاطر أقل اعتمادا على النماذج الداخلية الخاصة بالشركات، ويكون أصعب على البنوك الاستثمارية، ويشجع البنوك على التمحيص في التصنيفات الائتمانية لأصولها. واقترح نادي بازل أيضا نظام سيولة جديدا من شأنه أن يلزم البنوك بأن تكون قادرة على تحمل تجميد لمدة 30 يوما في أسواق الائتمان وإجبارها على أن تصبح أقل اعتمادا على التمويل بالجملة قصير الأجل. ويقول أحد المسؤولين الأمريكيين إن الاختبارات قاسية وإنه تم تعديلها بموجب معلومات وفرتها الأزمة.
السؤال المهم: كم؟
في الحقيقة، لا يجيب أي من هذا على السؤال المهم، أي ما هو مبلغ رأس المال الذي تحتاج إليه البنوك؟ هناك مفاضلة بين الأمن والنمو الاقتصادي: البنك الذي لا يجازف على الإطلاق لن يكون مفيدا في توفير الائتمان للشركات أو الأفراد. ومن الصعب فهم أو حل هذه المفاضلة. وقد استنتجت دراسة عام 2009 لهيئة الخدمات المالية في بريطانيا لأن الانهيارات الدورية تسبب أضرارا كثيرة، ينبغي أن تكون الأنظمة المصرفية مجهزة برأسمال أفضل وتكون أقل تقلبا مما كانت عليه قبل الأزمة. ويعتزم نادي بازل أن يحدث تأثيره الخاص على مدى الأشهر الستة المقبلة. ويقول Peter Sands، المدير التنفيذي لـ Standard Chartered: ''من المهم بصورة كبيرة'' فهم هذه المفاضلة.
إلا أن هناك جزءا واضحا في الإجابة: يجب أن يكون لدى البنوك رأسمال كاف للتغلب على أي أزمة حادة مثل تلك التي عانتها الأنظمة المالية الغربية في الآونة الأخيرة. وهذا مجموع جزأين. الأول هو الحد الأدنى الذي، إذا كان البنك لديه أقل منه، سيفقد ثقة المودعين والدائنين الآخرين ونظرائه. ويتعلق هذا إلى حد كبير بعلم النفس الجماعي: القاعدة الأساسية في الأسواق هو أنه ربما تضاعف إلى نحو 4 في المائة من الأصول المعدلة بحسب المخاطر. ويحظى هذا بتأييد شبه رسمي: استخدمت ''اختبارات الجهد'' في أمريكا وبريطانيا أخيرا هذه النسبة باعتبارها الحد الأدنى.
إضافة إلى هذا، تحتاج البنوك إلى رأسمال كاف لتجنب انتهاك الحد الأدنى البالغ 4 في المائة خلال انهيار السوق. وهنا، أدت تجربة الأزمة بالفعل إلى إنتاج بعض التوجيهات. وتشير نتائج اختبارات الجهد في أمريكا إلى أن البنوك الكبيرة في الدولة ستكون قد استنزفت، من خلال خسائرها الأساسية، ورأسمال بقيمة تقارب 4 في المائة من الأصول المرجحة حسب المخاطر. وقد وجدت دراسة جديدة من بنك إنجلترا عن الأزمات المصرفية منذ أواخر الثمانينيات في اليابان وفنلندا والنرويج والسويد أن البنك العادي استنزف 4.5 في المائة من الأصول المعدلة حسب المخاطر.
ويعني جمع هذين العنصرين معا أنه يجب أن يعمل البنك العادي برأسمال أساسي يبلغ 8 إلى 9 في المائة من الأصول المعدلة حسب المخاطر، والتي سيتم استنزاف 4 في المائة منها خلال الأزمة. وليس من المستغرب أن تكون معظم البنوك الكبيرة قاربت على الحصول على هذه النسبة بعد نوبة من جمع رأس المال. وتملك أكبر أربعة بنوك في أمريكا رأسمالا أساسيا يبلغ 400 مليار دولار، أي نحو ضعف ما كان عليه قبل عام.
ويرى بعض، ولكن ليس كل، المنظمين أن المستوى المطلق لرأس المال في النظام يقترب من مستويات مقبولة. ولا يزالون يريدون إضافة بعض السمات الإضافية. وقد تزيد متطلبات رأس المال لعمليات التداول المحفوفة بالمخاطر بنسبة ثلاثة أضعاف. وتحسبا لهذا، تعمل بنوك استثمارية مثل Goldman Sachs برأسمال أساسي يزيد على 10 في المائة من الأصول المعدلة حسب المخاطر. ولزيادة قواعد رأس المال، من المرجح أن تكون بنود الديون السيئة أكثر استشرافا للمستقبل. ولا تزال الطريقة التي يجب إدارة نطاق رأس المال الجديد من خلالها موضع نقاش. ومن المرجح أن تكون البنوك المركزية، التي أصبحت ترغب الآن في تجنب فقاعات الائتمان، مهتمة للغاية بذلك. وتشمل مقترحات بازل عقوبات على الشركات التي يقترب رأسمالها من الحد الأدنى لرأس المال، حيث يمنعها ذلك من دفع أرباح الأسهم.
ومن الأصعب معرفة، فيما إذا كانت البنوك استبقت بالفعل متطلبات السيولة المقترحة. ولا تزال بعض البنوك، مثل Dexia في بلجيكا و HBOS في بريطانيا، تعتمد بصورة كبيرة على التمويل الحكومي. ولكن بشكل عام، حدث تحول دراماتيكي نحو التمويل طويل الأجل. فثلاثة أرباع ميزانيات أكبر أربع بنوك في أمريكا ممولة الآن بواسطة الأسهم أو الديون طويلة الأجل أو الودائع.
ولكن على الرغم من هذا، لا يزال هناك حقيقة واحدة مريعة. بسبب كون معظم البنوك الكبيرة متداخلة جدا، حيث لا يجب أن تفشل، ولأنه يمكن إسقاطها من قبل أطراف مقابلة، فإن النظام قوي فقط بقدر أضعف عضو فيه. وعلى الرغم من أن البنك الأمريكي العادي استنزف نحو 4 في المائة من الأصول المعدلة حسب المخاطر على شكل خسائر خلال الأزمة، إلا أن أسوأ البنوك استهلكت أكثر من ذلك. فعلى سبيل المثال، خسرت Citigroup وHBOS و KBC البلجيكي 6 إلى 8 في المائة من الأصول المعدلة حسب المخاطر. وعلى الطرف الآخر الجنوني من الطيف، فإن Merrill Lynch، التي كان لديها كثير من الأوراق المالية المراوغة التي تم إعادة تقييمها، وفقا لأسعار السوق (حيث تم الاعتراف بالخسائر مقدما)، خسرت 19 في المائة. وكانت لتحتاج إلى رأسمال أساسي بنسبة 23 في المائة لتجنب الوصول إلى الحد الأدنى البالغ 4 في المائة. وخسر UBS نسبة 13 في المائة، ما يعني أنه كان في حاجة إلى نسبة 17 في المائة.
وينبّه Bernard de Longevialle من Standard & Poor’s، أن هذا يعكس جزئيا حقيقة أن حسابات البنوك الخارجة عن النسق للأصول المعدلة حسب المخاطر كانت خاطئة وغير قابلة للتعديل. فعلى سبيل المثال، تم التعامل مع الأوراق المالية سيئة الائتمان باعتبارها آمنة إلى حد كبير. ولكن مع ذلك، لعله من الصحيح على الأرجح أنه حتى مع وجود القيم المتطرفة، كانت تلك الشركات ستحتاج إلى نسب رأسمال أعلى بكثير من 8 إلى 9 في المائة في بداية الأزمة لتجنب الفشل. ويشير بحث بنك إنجلترا عن أزمات أخرى إلى استنتاجات مماثلة: كان أسوأ بنك فاشل سيكون في حاجة إلى رأسمال بنسبة 18 في المائة ليظل أعلى من الحد الأدنى البالغ 4 في المائة.
ومن الواضح أنه يمكن للمنظمين ببساطة رفع رأسمال جميع البنوك إلى مستوى يحمي حتى القيم المتطرفة من الفشل، إلا أن هذا سيكون مكلفا للغاية. وبالنسبة للبنوك الأربعة العملاقة في أمريكا، فإن رفع رأس المال الأساسي إلى 20 في المائة من الأصول المعدلة حسب المخاطر قد يلزمها بجمع مبلغ إضافي بقيمة 30 مليار دولار تقريبا من الدخل السنوي (لتوفير عائد على رأس المال الإضافي هذا). وإذا تم تمريره للعملاء، قد يرفع هذا سعر الفائدة المتوسط المرجح الذي تفرضه بنسبة نقطة مئوية تقريبا، من نسبة 6 في المائة الآن، وسيضر هذا بالنمو الاقتصادي.
والحل الواضح لمشكلة القيم المتطرفة هو فرض خسائر على أخطر البنوك حتى هياكل رأس المال الخاصة بالبنوك، بحيث يعاني الدائنون بدلا من دافعين الضرائب. ولدى معظم البنوك بالفعل شرائح إضافية من رأس المال، إضافة إلى الأسهم. على سبيل المثال، في نهاية عام 2008، كان لدى الشركات البريطانية رأسمال أساسي (أسهم عادية ملموسة) يبلغ 200 مليار جنيه استرليني (290 مليار دولار)، وإضافة إلى هذا 200 مليار جنيه استرليني أخرى من ''شبه رأس المال'' يتكون من أشياء مثل رأس المال الهجين والأوراق المالية من ''الطبقة الثانية''. وجوهريا، تعد هذه أشكالا متدنية الدرجة من الديون، وعند الإفلاس ستتضرر قبل كبار الدائنين والمودعين والعملاء.
إلا أن المشكلة في هذه الأدوات هو أنه إذا انتهى بها الأمر بتكبد خسائر، يتم الحكم على البنك بأكمله بأنه غير قادر على تلبية التزاماته المالية، ما يسبب تدافع الأطراف المقابلة والمودعين وغيرهم من كبار الدائنين الذين يخشون أن يخسروا أيضا مع فشل البنك، ما يزعج استقرار النظام ككل. وهذه الأدوات غير قادرة على تكبد خسائر في الوقت الذي يكون فيه ''ناجحا ونشطا''.
ومن المفضل أن يكون هناك طبقة من الدائنين قادرة على استيعاب الخسائر في حين يظل البنك يمارس أعماله، والفكرة الأكثر واقعية حتى الآن هي رأس المال ''الطارئ القابل للتحويل'': الديون التي تتحول إلى أسهم إذا وقع البنك في المشكلات. وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، أصدر Lloyds البريطاني، الذي استحوذ على HBOS وتم إنقاذه من قبل الدولة عام 2008، سند طارئ قابل للتحويل يعادل 1.6 في المائة من الأصول المعدلة حسب المخاطر. ويدفع أسعار فائدة، مثل السندات العادية، ما لم ينخفض رأس المال الأساسي للبنك إلى أقل من 5 في المائة من الأصول المعدلة حسب المخاطر. وفي هذه المرحلة، يتم إلغاء الفائدة ويتحول السند إلى أسهم، ما يدعم قدرة البنك على استيعاب الخسائر، ويظل في الوقت نفسه ناجحا ونشطا. ووفقا لأحد المصرفيين في لندن، ''يعمل الناس في جميع أنحاء المدينة'' على أفكار مماثلة. وأشار Goldman Sachs أنه سيفكر في إصدار سندات طارئة قابلة للتحويل.
وتبدو السندات الطارئة القابلة للتحويل رائعة جدا بحيث لا يمكن أن تكون حقيقية، وهو بالضبط ما يقلق بعض المراقبين، ويقول أحد المنظمين الأمريكيين: ''تبدو الفكرة بأكملها كأنها حل سحري''. ويدفع Lloyds فائدة مرتفعة نسبيا تبلغ 10 إلى 11 في المائة لاجتذاب المشترين إلى هذه الأوراق المالية الجديدة. وهذا مكلف بقدر الأسهم تقريبا. وما يقلق المديرين التنفيذيين في البنوك الأخرى وبعض المنظمين هو أنه في ظل الظروف الشديدة للغاية نادرا ما تنجح الأدوات المعقدة على النحو المنشود. وإنتاج السندات في حد ذاتها قد يسبب تدافعا على سحب الودائع: قد تعدها الأطراف المقابلة إشارة على أن البنك كان في ورطة شديدة. ويرفض أنصار السندات الطارئة القابلة للتحويل هذا الخطر - وهم مخطئون في ذلك. فخلال أي أزمة، تصبح درجة عدم اليقين بشأن أسوأ الخسائر، وانعدام الثقة بحسابات البنوك كبيرة جدا بحيث تفر الأطراف المقابلة بعد أي اعتراف بمواجهة متاعب.
وهناك تفاصيل صغيرة أخرى. فنسبة رأس المال في أي وقت معين تعتمد بصورة كبيرة على وقت تخفيض المديرين للديون السيئة، ويرسم مدير أحد البنوك الأوروبية صورة مريعة لمستثمري السندات الطارئة القابلة للتحويل الذين يشترون ''أغلفة'' تأمين بحيث ينقلون المخاطر إلى طرف مقابل آخر، بالطريقة نفسها التي أصبحت فيها المجموعة الأمريكية الدولية، التي كانت في السابق شركة تأمين ضخمة، مكبا للنفايات لجميع ''مخاطر المحافظ'' التي لا يريدها أحد. وإذا حدث هذا للسندات الطارئة القابلة للتحويل، قد تحول الخسائر من مكان إلى آخر، ولن يوفر على دافعي الضرائب شيء في النهاية.

بين القائمة والسابقة
وتستحق السندات الطارئة القابلة للتحويل الحصول على فرصة، ولكن هناك بديل، وهو محاولة إيجاد حالة وسطى للبنوك بين النجاح والفشل: الإفلاس الجزئي. وعلى مدى العام الماضي كان هناك كثير من الحديث عن تأسيس ''أنظمة قرار خاصة''، و''وصايا الأحياء'' للبنوك الفاشلة. وكثير من تلك الأفكار مجرد هراء حسن النية، أفضل قليلا من التخطيط المضخم للطوارئ. وهناك بعض الأفكار الأكثر ذكورية التي لا تفيد كثيرا أيضا. ومجرد منح هيئة اتخاذ القرار الحق بضرب جميع الدائنين سيضمن أن أي بنك معرض لخطر الوقوع تحت رعايتها سيواجه تدافعا على سحب الودائع.
وأحد الخيارات هو تحجيم أقسام أخذ الودائع في البنوك ومنحها ضمانات كاملة. وسيكون هذا بمثابة إعادة فرض قانون Glass-Steagall، القانون الذي تم سنه في فترة الكساد العظيم، الذي فصل البنوك الأمريكية التجارية والاستثمارية، وسيكون معقدا للغاية. والبديل هو إجبار البنوك على إصدار سندات تتكبد تلقائيا خسائر جزئية في حال تدخل الدولة، أي تشبه قليلا السندات الطارئة القابلة للتحويل. وعلى أية حال، فإن الهدف هو ضمان ما يكفي من ميزانية المؤسسة لتجنب التدافع على سحب الودائع، وفي الوقت نفسه إبقاء ما يكفي فيها دون ضمانة لحماية دافعي الضرائب من البنوك ذات الحسابات المتطرفة.
وليس من السهل تحقيق هذا التوازن. إلا أن الخطر الآن هو أن يتراجع المنظمون إلى تصميم طرق أكثر ذكاء لجعل البنك العادي أكثر أمانا، في الوقت الذي يتجاهلون فيه السؤال الأهم. وليس السؤال هو كيف يمكن جعل الأنظمة أكثر ذكاء، بل كيف يجب حماية دافعي الضرائب من الفاتورة الضخمة حين تفشل جميع الاحتياطات ويفشل البنك

الأكثر قراءة