الحرب بين الدول الكبرى ومواقع الإنترنت..!
إذا أردت أن تبحث عن دليل يثبت مدى تمدد قوة مواقع الإنترنت الأمريكية الكبرى، فانظر إلى حكاية موقع جوجل مع الصين.
الصين دولة كبرى يعتبرها الاستراتيجيون المنافس الرئيس للولايات المتحدة سياسيا واقتصاديا، لكن الصين تعاني مشكلة مع موقع إنترنت اسمه جوجل، الذي يهدد بإيقاف جميع أعماله في الصين.
بالنسبة للصين هذا يعني تذمرا كبيرا في أوساط الشباب الصينيين، الذين سيجدون أنفسهم محرومين من موقع جوجل وخدماته التي أعادت صياغة شبكة الإنترنت واستخداماتها، خاصة أن هذه الخدمات ستزداد بشكل كبير خلال السنوات القليلة المقبلة، حسب المعلن من خطط شركة جوجل المستقبلية. ليس ذلك فحسب، بل إن هذا الإيقاف سيمثل شوكة في سجل الصين لحقوق الإنسان، وسيكون ذريعة تتخذها الدول الكبرى في تقييم سجل الصين نحو حقوق الإنسان، وهو السجل سيئ السمعة الذي استفاد منه الأمريكيون والأوروبيون خلال السنوات العشر السابقة في وضع عقبات أمام العلاقات الصينية الغربية على المستوى السياسي والاقتصادي.
قرار ''جوجل'' جاء بعد هجمات منظمة ضد موقعي جوجل وياهو وغيرهما من المواقع الأمريكية الكبرى، وهذه الهجمات وإن بدت وكأنها من أفراد هكر في الصين، إلا أن حجمها والإمكانات الهائلة التي تتطلبها، وهدف هذه الهجمات، وهو الحصول على قواعد المعلومات التي تتضمن المعلومات المفصلة للصينيين الذين يستخدمون هذه المواقع، يضع الحكومة الصينية محل الاتهام المباشر لأنها المستفيد الوحيد من قواعد المعلومات هذه، ومن إثارة الذعر في أوساط الشباب الصينيين من استخدام المواقع الأمريكية الكبرى بما يتناقض مع المسموح في الأنظمة الصينية.
''جوجل'' أيضا تقع بين نارين، فالصين سوق كبرى، والقرار بالخروج منها يمثل خسارة اقتصادية هائلة، ويعطي الفرصة للمنافسين للحركة، لكنها في الوقت نفسه لو سكتت عن هذه الهجمات فهذا يعني خسران مصداقية الموقع، التي ستؤثر على المدى البعيد في المستخدمين في مختلف دول العالم، الذين سيخافون من تدخل حكوماتهم في خصوصية معلوماتهم على المواقع الأمريكية الكبرى على الإنترنت.
الصين من جهة أخرى، لديها تحد آخر لا يقتصر على الأثر السياسي داخليا وخارجيا، بل أيضا ستعاني على المستوى الثقافي، لأن موقع جوجل تحول إلى أداة مهمة جدا لإتاحة الثقافة الصينية للعالم من خلال أدوات الترجمة التي يقدمها موقع جوجل، التي تتوسع تدريجيا في مختلف خدماته.
هذه المعركة النادرة من نوعها تؤكد أن تأثير مواقع الإنترنت العالمي يزداد بسرعة وخلال سنوات قليلة، لتصبح لاعبا مؤثرا لا يمكن الاستهانة به أبدا، وتؤكد أن العالم الافتراضي صار أمرا من الواقع الذي قد لا يستطيع الناس العيش دونه.
لقد غزت الثقافة الأمريكية العالم خلال القرن 20 من خلال منتوجاتها الاستهلاكية، ومن خلال مبادئها الأيديولوجية، ومن خلال الحلم الأمريكي، لكن الأمر الآن صار مختلفا تماما وصارت مواقع مثل ''جوجل'' و''ياهو'' و''فيس بوك'' و''يوتيوب''، مقدمة ناجحة للانتشار الأمريكي الثقافي حول العالم، في سيطرة هائلة لا يبدو أنه من الممكن الانتصار عليها في الأفق القريب.
طلبات ''جوجل'' الآن للاستمرار في السوق الصينية هي ألا يمر استخدام موقع جوجل الصيني google.cn بالرقابة الحكومية التي تحدد ما النتائج التي تظهر ومن طلب البحث، وأن تحتفظ بوجودها الرسمي من خلال فريقها البرمجي والتسويقي في الصين، والمفاوضات الآن ستبدأ بين الصين و''جوجل''، وسيراقب الصينيون والعالم النتائج.
ومن يدري، فقد تشارك ''جوجل'' و''ياهو'' في الحرب العالمية المقبلة!!