ليس شيئا مقلدا آخر
> انتعشت الصين من التباطؤ العالمي بشكل أسرع من أي اقتصاد آخر كبير، ويعود الفضل في ذلك إلى حوافزها النقدية والمالية الهائلة. وتشير التقديرات على أن ناتجها المحلي الإجمالي نما خلال العام حتى الربع الرابع من عام 2009 بنسبة تزيد على 10 في المائة. إلا أن عديدا من المتشككين يزعمون أن انتعاشها يستند إلى أسس هشة. ويقولون إن الصين في الواقع تبدو الآن بصورة مثيرة للقلق مثل اليابان في أواخر الثمانينيات قبل انفجار فقاعتها وبدء العقدين الضائعين من النمو البطيء. والأسوأ من ذلك هو أنه إذا تعثرت الصين الآن، في الوقت الذي لا يزال فيه الانتعاش في الدول الغنية ضعيفا، سيكون هذا ضربة قاسية، ليس فقط في الداخل، بل بالنسبة للاقتصاد العالمي ككل.
وظاهريا، تبدو أوجه الشبه بين الصين اليوم واليابان في حقبة الفقاعات مثيرة للقلق. فمعدل الادخار المرتفع بصورة غير عادية وسعر الصرف المقدر بأقل من قيمته ساعدا كثيرا على النمو السريع المدفوع بالصادرات وعلى نمو أكبر فائض في الحساب الجاري في العالم. ويُقال أن الاستثمار المفرط المزمن أدى إلى سعة إنتاج فائضة جدا وعائدات منخفضة على رأس المال. وقد يؤدي تدفق القروض المصرفية إلى زيادة الديون السيئة في المستقبل، في حين تبدو أسواق الأسهم والعقارات رغوية بشكل خطير.
وتماما مثل كان الحال في أواخر الثمانينيات، حين كان من المتوقع أن يتفوق الاقتصاد الياباني على الاقتصاد الأمريكي، دفع الانتعاش القوي للصين الكثيرين إلى الإعلان أنها ستصبح الدولة رقم واحد في وقت أقرب من المتوقع. وفي المقابل، تحذّر موجة جديدة من التقارير التشاؤمية من احتمالية انهيار الاقتصاد الصيني قريبا. ويقول James Chanos، المستثمر في صناديق التحوّط (وأحد أوائل المحللين الذين اكتشفوا أن أرباح شركة Enron كانت محض خيال)، أن الصين هي ''دبي مضروبة في 1.000، أو أسوأ''. ويقول صندوق تحوّط آخر، هو Pivot Capital Management، أن فرص حدوث انهيار سريع، مع تراجع الإنفاق الرأسمالي والأزمة المصرفية، آخذة في الازدياد.
وهذا مخيف. ومع ذلك، فإن إلقاء نظرة من كثب على المخاوف الرئيسة الثلاثة للمتشائمين - أسعار الأصول المقدرة بأكثر من قيمتها، والاستثمار المفرط، والإقراض المصرفي الهائل - يشير إلى أن الاقتصاد الصيني أكثر قوة مما يعتقدون. فلنبدأ بأسواق الأصول. فأسعار الأسهم الصينية ليست متقلبة كما كانت أسعار الأسهم اليابانية في أواخر الثمانينيات. وفي عام 1989، كان معدل السعر إلى الأرباح في بورصة طوكيو يبلغ نحو 70؛ ويبلغ الرقم لأسهم A في شنغهاي اليوم 28، أي أقل بكثير من متوسطها على المدى الطويل البالغ 37. وعلى الرغم من أن الأسعار قفزت بنسبة 80 في المائة العام الماضي، إلا أن الأسواق في الاقتصادات الناشئة الكبيرة الأخرى ارتفعت بصورة أكبر: زادت البرازيل والهند وروسيا بمتوسط 120 في المائة بأسعار الدولار. وانتعشت الأرباح الصينية بصورة أسرع منها في أي مكان آخر. وخلال الأشهر الثلاثة حتى تشرين الثاني (نوفمبر)، كانت الأرباح الصناعية أعلى بنسبة 70 في المائة منها قبل عام.
ولا شك أن سوق العقارات في الصين نشطة جدا. فقد قفزت أسعار الشقق الجديدة في بكين وشنغهاي بنسبة 50 إلى 60 في المائة خلال عام 2009. وتتشابه بعض المشاريع الفخمة كثيرا مع المشاريع في دبي - خاصة ''العالم''، العقار الفاخر في Tianjin، التي تبعد 120 كيلومتراً (75 ميلاً) عن بكين، التي سيتم فيه ترتيب المنازل على شكل خريطة العالم، إلى جانب أكبر منحدر تزلج داخلي في العالم وفندق سبع نجوم.
ولكن لا يمكن وصف متوسط أسعار المنازل على الصعيد الوطني فقاعة بعد. وفي 14 من كانون الثاني (يناير)، أبلغت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح أن متوسط الأسعار في 70 مدينة ارتفع بنسبة 8 في المائة خلال العام حتى كانون الأول (ديسمبر)، وهي أسرع وتيرة منذ 18 شهراً؛ تشير المقاييس الأخرى إلى زيادة أكبر. إلا أن هذا كان في أعقاب انخفاض في الأسعار عام 2008. ووفقا لمعظم المقاييس، فقد انخفض متوسط الأسعار نسبة إلى الدخول خلال العقد الماضي.
والدليل الذي يشار إليه كثيرا عن وجود فقاعة - وبالتالي انهيار وشيك - هو نسبة متوسط أسعار المنازل إلى متوسط الدخول السنوية للأسر. وتبلغ هذه النسبة عشرة تقريبا في الصين؛ تبلغ أربعة إلى خمسة فقط في معظم الاقتصادات المتقدمة. إلا أن Tao Wang، الاقتصادية في UBS، تقول إن هذا المقياس للعالم الغني مضلل. فمشترو المنازل الصينيون ليس لديهم متوسط دخل ولكنهم يأتون إلى حد كبير من أغنى 20 إلى 30 في المائة من السكان الحضر. وباستخدام متوسط الدخل لهذه المجموعة، تنخفض النسبة إلى مستويات العالم الغني. وفي اليابان، بلغت نسبة السعر إلى الدخل 18 عام 1990، مما أجبر بعض المشترين على أخذ قروض عقارية لمدة 100 عام.
علاوة على ذلك، تحمل المنازل الصينية ديون أقل بكثير مما كانت العقارات اليابانية قبل 20 عاما. فربع المشترين الصينيين يدفعون نقدا. والقرض العقاري العادي لا يغطي إلا نحو نصف قيمة العقار. ويجب على ساكني العقار وضع وديعة بحد أدنى 20 في المائة، والمستثمرين وديعة بنسبة 40 في المائة. ويبلغ إجمالي ديون الأسر الصينية 35 في المائة فقط من دخلهم المتاح، مقارنة بنسبة 130 في المائة في اليابان عام 1990.
والازدهار العقاري في الصين ممول بصورة رئيسة بالادخار، وليس بالقروض المصرفية. ووفقا لـ Yan Wang، الاقتصادي في شركة BCA Research الكندية للأبحاث، فإن نحو خمس تكلفة البناء الجديد (التجاري والسكني) ممول بالإقراض المصرفي. وتشكل القروض الممنوحة لمشتري المنازل ومطوري العقارات نسبة 17 في المائة فقط من إجمالي البنوك الصينية، مقارنة بنسبة 56 في المائة للبنوك الأمريكية. والفقاعة المدفوعة بالادخار أقل خطرا بكثير من تلك المدفوعة بالائتمان. وحين تبدأ السوق في الانهيار، يضطر المضاربون المثقلون بالديون إلى البيع، مما يخفض الأسعار، ويؤدي بالتالي إلى تخلف المزيد من المقترضين عن السداد.
وحتى لو لم تكن الصين تعاني (بعد) فقاعة إسكان مدفوعة بالائتمان، فإن حقيقة أن أسعار العقارات في بكين وشنغهاي مرتفعة جدا، حيث لا يستطيع معظم الناس العاديين تحملها تعتبر مشكلة اجتماعية خطيرة. ولم تف الحكومة بوعدها ببناء مساكن منخفضة التكلفة، ومن الواضح أنها قلقة بشأن ارتفاع الأسعار. وفي محاولة لإحباط المضاربين، أعادت فرض ضريبة المبيعات على المنازل المباعة في غضون خمس سنوات، وشددت القوانين الصارمة على القروض العقارية للعقارات الاستثمارية، وتحاول تضييق الخناق على التدفقات غير المشروعة لرأس المال الأجنبي إلى سوق العقارات. ولا تريد الحكومة فرض إجراءات متشددة جدا، كما فعلت عام 2007 حين قطعت الائتمان، لأنها في حاجة إلى قطاع عقارات نشط لدعم الانتعاش الاقتصادي. ولكن إذا لم تشدد السياسة قريبا، من المحتمل أن تتضخم الفقاعة الشاملة.
رأس المال العالمي
وجه الشبه الثاني الواضح بين الصين واليابان هو فرط الاستثمار. فقد قفز إجمالي الاستثمار الثابت إلى ما يقدر بنسبة 47 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي- أي أكثر بعشر نقاط منها في اليابان عند ذروتها. ولا شك أن الاستثمار الصيني مرتفع: في معظم الدول المتقدمة، يشكل نحو 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ولكن لا يمكن الاستنتاج أن هناك تبذيراً من نسبة الاستثمار العالية فقط. ومن الصعب القول إن الصين أضافت الكثير جدا إلى رصيد رأسمالها في الوقت الذي تملك فيه، للشخص الواحد، نحو 5 في المائة مما لدى أمريكا أو اليابان. ولدى الصين سعة إنتاج زائدة في بعض الصناعات، مثل الفولاذ والأسمنت، ولكن في مختلف قطاعات الاقتصاد ككل، غالبا ما تكون المخاوف بشأن فرط الاستثمار مبالغاً بها.
وتشير Pivot Capital Management إلى المعدل المتزايد لرأس المال - الإنتاج في الصين، الذي يتم حسابه عن طريق قسمة الاستثمار السنوي على الزيادة السنوية في الناتج المحلي الإجمالي، كدليل على انهيار كفاءة الاستثمار. وتقول Pivot إنه في عام 2009، كان المعدل المتزايد لرأس المال - الإنتاج في الصين أكثر من ضعف متوسطه في الثمانينيات والتسعينيات، مما يعني أنها كانت في حاجة إلى المزيد من الاستثمارات لتوليد وحدة إضافية من الناتج. ولكن من المضلل النظر إلى المعدل المتزايد لرأس المال - الإنتاج لعام واحد. ومع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي، بسبب انهيار الطلب العالمي، ارتفع المعدل المتزايد لرأس المال - الإنتاج بصورة حادة في كل مكان. ومن المفيد أكثر النظر إلى العائد على الاستثمار من حيث النمو على فترة أطول. وعن طريق إجراء القياس بهذه الطريقة، لم تجد BCA Research أي زيادة كبيرة في المعدل المتزايد لرأس المال - الإنتاج للصين خلال العقود الثلاثة الماضية.
واستنتج Chanos أوجه تشابه بين الصين وسوء توزيع الموارد الهائل في الاتحاد السوفياتي، قائلا: إن الصين تتجه في الطريق نفسه. وأفضل مقياس للكفاءة هو إنتاجية عوامل الإنتاج، الزيادة في الناتج التي لا يتم تبريرها مباشرة بالمدخلات الإضافية لرأس المال والعمالة. وإذا كانت الصين مسرفة كما يؤكد Chanos، يفترض أن يكون نمو إنتاجية عوامل الإنتاج سلبيا، كما كان في الاتحاد السوفياتي. ولكن خلال العقدين الماضيين، تمتعت الصين بأسرع نمو في إنتاجية عوامل الإنتاج من أي دولة في العالم.
وحتى في الصناعات التي لديها سعة إنتاج زائدة بشكل واضح، يبالغ منتقدو الصين في الحجج التي يقدمونها. وتشير التقديرات في تقرير جديد صادر عن غرفة التجارة للاتحاد الأوروبي في الصين أنه في أوائل 2009 كانت صناعة الفولاذ تعمل بسعة إنتاج تبلغ 72 في المائة فقط. وكان هذا في ذروة التباطؤ العالمي. وارتفع الطلب بصورة قوية منذ ذلك الحين. ويزعم التقرير أن سعة الإنتاج المفرطة في الصناعة تتضح ''برقم مذهل'': في عام 2008، كان إنتاج الصين من الفولاذ للشخص الواحد أعلى منه في أمريكا. ولكن ماذا في ذلك؟ ففي مرحلة التصنيع التي تمر بها الصين، يجب أن تستخدم الكثير من الفولاذ. والمقياس الأكثر ملاءمة هو أمريكا في أوائل القرن الـ 20. ووفقا لـ Wang من UBS، فإن سعة إنتاج الفولاذ للصين البالغة نحو 0.5 كجم للشخص الواحد أقل قليلا من ناتج أمريكا عام 1920 (0.6 كجم) وأقل بكثير من ذروتها في اليابان التي بلغت 1.1 كجم عام 1973.
يشكو كثير من المعلقين أن فورة الإنفاق الرأسمالي للصين العام الماضي أدت إلى تفاقم سعة الإنتاج الصناعية المفرطة. إلا أن الازدهار كان مدفوعا بصورة رئيسية بالاستثمار في البنية التحتية، في حين أن الاستثمار في التصنيع تباطأ بصورة حادة. وبالنظر إلى حجم الإنفاق، من المؤكد أنه تم تبديد بعض المال، ولكن بشكل عام، ستساعد الاستثمارات في الطرق وسكك الحديد وشبكة الكهرباء الصين على المحافظة على نموها في السنوات المقبلة.
ولا يتفق بعض المحللين مع هذا الرأي. فعلى سبيل المثال، تقول Pivot إن البنية التحتية في الصين بلغت بالفعل مستوى متقدماً. فلديها ستة من أطول عشرة جسور في العالم، ولديها أيضا أسرع قطار في العالم؛ وليس هناك مجال كبير لمزيد من الاستثمارات المنتجة. وهذا هراء. فالدول التي تفتقر خمسي القرى فيها إلى طريق معبد إلى أقرب سوق لا يزال لديها مجال كبير لبناء الطرق. وينطبق الأمر نفسه على سكك الحديد. وهنا أيضا، من الملائم المقارنة بين الصين اليوم وأمريكا قبل قرن من الزمن. فمساحة الصين تبلغ مساحة أمريكا نفسها تقريبا ، إلا أنها تضم عدد سكان أكبر بـ 13 ضعفاً من الولايات المتحدة في ذلك الحين. ولكن وفقا للخطط الحالية، سيكون لديها 110 كيلومترات فقط من سكك الحديد بحلول عام 2012، مقارنة بأكثر من 400 ألف كيلومتر في أمريكا عام 1916. وعلى عكس اليابان، التي شيدت ''جسورا لا تؤدي إلى مكان'' لدعم اقتصادها، فإن الصين تحتاج إلى بنية تحتية أفضل.
وصحيح أنه على المدى القصير، لن تكون إيرادات بعض مشاريع البنية التحتية كافية لخدمة الدين، وبالتالي ستضطر الحكومة إلى تغطية الخسائر. ولكن على المدى الطويل، من المفترض أن ترفع مثل هذه المشاريع الإنتاجية في مختلف قطاعات الاقتصاد. وخلال هوس السكك الحديدية في بريطانيا في منتصف القرن الـ 19، لم تحقق الكثير من سكك الحديد عائداً مالياً جيداً، ولكنها جلبت فوائد اقتصادية هائلة على المدى الطويل.
وأكبر مصدر للقلق بشأن الصين هو وجه الشبه الثالث مع اليابان: الموجة العارمة الجديدة من الإقراض المصرفي. فقد قفز إجمالي الائتمان بنسبة تزيد على 30 في المائة العام الماضي. وحتى على افتراض تراجع هذه النسبة إلى أقل من 20 في المائة هذا العام، كما لمحت الحكومة، قد يصل إجمالي القروض غير المسددة إلى 135 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول كانون الأول (ديسمبر). وتشعر السلطات بالقلق. وزادت هذا الأسبوع متطلبات الاحتياط في البنوك بنسبة نصف نقطة مئوية. ورفعت أيضا العائد على سندات البنك المركزي.
ومع ذلك، يتحدث كثير جدا من المعلقين كما لو أن البنوك الصينية منغمسة في الإقراض منذ سنوات. وبدلا من ذلك، فإن الطفرة عام 2009، التي رتبتها الحكومة لإنعاش الاقتصاد، جاءت بعد عدة سنوات نما فيها الائتمان بصورة أبطأ من الناتج المحلي الإجمالي. وتشير تقديرات Michael Buchanan من Goldman Sachs أنه منذ عام 2004 ارتفع الائتمان الزائد في الصين (الفجوة بين معدلات نمو الائتمان والناتج المحلي الإجمالي الاسمي) بنسبة أقل منها في معظم الاقتصادات المتقدمة.
ومع ذلك، فإن الإقراض في الآونة الأخيرة مبالغ به؛ ومن المرجح أن يؤدي، إضافة إلى سعة الإنتاج الفائضة في بعض الصناعات، إلى زيادة القروض غير العاملة في البنوك. وتشير حسابات Wang إلى أنه إذا تحول 20 في المائة من القروض الجديدة العام الماضي ونسبة 10 في المائة أخرى من قروض هذا العام إلى قروض سيئة، سيوجد هذا قروضاً سيئة تعادل نسبتها 5.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2012، إضافة إلى النسبة الحالية البالغة 2 في المائة. وهذه النسبة ليست صغيرة، ولكنها أقل بكثير من نسبة 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي التي بلغتها القروض السيئة في أواخر التسعينيات.
ويجب حقا النظر إلى معظم الإقراض المصرفي في العام الماضي باعتباره شكلاً من أشكال الحوافز المالية. وسينتهي الأمر بمشاريع البنية التحتية التي لا أمل كبيراً في سداد قروضها بالعودة إلى دفاتر الحكومة. وسيكون من الأفضل بكثير لو تم تمويل مثل هذه المشاريع بصورة أكثر شفافية من خلال ميزانية الحكومة، إلا أن السؤال المهم هو فيما إذا كانت الدولة قادرة على تحمل تغطية الخسائر.
ويقل إجمالي الدين الحكومي الرسمي عن 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن المتشائمين في الصين يقولون إن هذا أقل من النسبة الحقيقية، لأنها تستثني ديون الحكومات المحلية والسندات المصدرة من قبل شركات إدارة الأصول التي أخذت القروض غير العاملة السابقة للبنوك. وقد يكون إجمالي الدين الحكومي 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. إلا أن هذه النسبة أقل بكثير من متوسط النسبة في الدول الغنية، البالغة نحو 90 في المائة. علاوة على ذلك، تمتلك الحكومة الصينية كثيراً من الأصول، مثلا أسهم الشركات المدرجة التي تساوي قيمتها 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
الينج واليانج
وكما هو مذكور أعلاه، حتى لو كانت المخاوف المتعلقة بإمكانية الانهيار المالي في الصين سابقة لأوانها، من الواضح أن مخاطر تكون فقاعة خطرة واستثمار مفرط ستزيد إذا استمر الائتمان بالتوسع بوتيرته الحالية. فقد يتفكك الاقتصاد الصيني وينفجر. فهل يعني ذلك نهاية حقبة النمو السريع للصين؟
إن التنبؤات التي تقول إن الصين تتجه نحو تباطؤ طويل الأمد على غرار اليابان تتجاهل الاختلافات الكبيرة بين الصين اليوم واليابان في أواخر الثمانينيات. فقد كانت اليابان بالفعل اقتصاداً متقدماً وناضجاً، وكان الناتج المحلي الإجمالي الفردي قريبا من مستوياته في أمريكا. إلا أن الصين لا تزال دولة نامية فقيرة، يقل ناتجها الإجمالي الفردي عن نسبة العشر منه في أمريكا أو اليابان. وأمامها مجال واسع للحاق بركب الاقتصادات الغنية عن طريق زيادة رصيد رأسمالها، واستيراد التكنولوجيا الأجنبية، وزيادة الإنتاجية عن طريق تحويل العمالة من المزارع إلى المصانع. وسيسهل هذا على الصين التعافي من انفجار الفقاعة.
يتناول الرسم البياني 4 العلاقة بين معدلات النمو والدخل الفردي لستة اقتصادات آسيوية. وتظهر كل مجموعة معدل النمو والناتج المحلي الإجمالي الفردي للدولة نسبة إلى معدل النمو والناتج المحلي الإجمالي الفردي في أمريكا على مدى فترات متتالية من عشر سنوات، بدءاً من انطلاق نموها السريع. ويوضح الكيفية التي تباطأت فيها معدلات النمو أثناء لحاق الاقتصادات بركب أمريكا، الرائدة في مجال التكنولوجيا. وتشير حقيقة أن الناتج المحلي الإجمالي الفردي في الصين أقل بكثير عنه في اليابان في الثمانينيات إلى أن إمكانات نموها على مدى العقد المقبل أعلى بكثير. وعلى الرغم من أن قوة العمل في الصين ستبدأ بالتقلص بعد عام 2016، إلا أن مكاسب الإنتاجية السريعة تعني أن معدل نمو ناتجها المحلي الإجمالي لا يزال نحو 8 في المائة، بعد أن بلغ 10 في المائة في العقد الماضي.
وتقدم فقاعات البورصة وأسعار الأراضي في اليابان في الستينيات وجه شبه أفضل مع الصين من حقبة الفقاعات في الثمانينيات، فقد كان الاقتصاد الياباني أكثر فقرا في ذلك الوقت، على الرغم من أنه مقارنة بأمريكا كان ناتجها المحلي الإجمالي الفردي أكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي الفردي للصين اليوم، وكان معدل النمو فيها نحو 9 في المائة. ووفقا لبنك HSBC، فإنه بعد انفجار الفقاعة في الأعوام 62/1965، انخفض معدل النمو السنوي لليابان إلى أقل من 6 في المائة، ولكنه ارتد بسرعة إلى 10 في المائة في معظم أوقات العقد التالي.
من الجدير أيضا دراسة كوريا الجنوبية وتايوان، اللتين شهدتها فقاعات كبيرة في البورصة في الثمانينيات فخلال السنوات الخمس حتى عام 1990، ارتفعت بورصة Taipei بنسبة 1.600 في المائة (بأسعار الدولار) وبورصة Seoul بنسبة 700 في المائة، وتجاوزتا بورصة طوكيو التي ارتفعت بنسبة 450 في المائة في الفترة نفسها. وبعد تراجع أسعار الأسهم، تباطأ النمو السنوي في كل من كوريا الجنوبية وتايوان إلى نحو 6 في المائة، ولكنه انتعش بسرعة إلى مستواه السابق البالغ 7 إلى 8 في المائة.
وكلما زاد معدل النمو المحتمل لدولة ما كان أسهل بالنسبة للاقتصاد التعافي بعد انفجار الفقاعة، طالما كانت مواردها المالية والخارجية في حالة جيدة. ويعني النمو السريع في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي أن أسعار الأصول ليست في حاجة للانخفاض كثيرا لاستعادة قيمتها العادلة، وأنه من الأسهل التخلص من القروض السيئة، وأنه يمكن استيعاب سعة الإنتاج الفائضة بصورة أسرع عن طريق زيادة الطلب. وتوحي تجربة اليابان في الستينيات بأنه إذا انفجرت فقاعة الصين، ستضر النمو مؤقتا ولكنها لن تؤدي إلى ركود طويل الأجل.
ومع ذلك، فإن تجربة اليابان بعد سنوات الثمانينيات هي التي تؤثر بصورة أكبر في تفكير صنّاع السياسة في بكين. ويحمّل كثيرون مسؤولية الانكماش في اليابان وعقديها الضائعين من النمو لإذعان الحكومة لمطالب أمريكا برفع قيمة الين. وفي عام 1985، وافقت البنوك المركزية في الاقتصادات الغنية الكبرى، في اتفاقية بلازا، على التدخل لتخفيض قيمة الدولار. وبحلول عام 1988، ارتفع الين بنسبة تزيد على 100 في المائة مقابل الدولار. وأحد الأسباب التي دفعت صنّاع السياسة في بكين إلى مقاومة الزيادة الكبيرة لليوان هو خوفهم من أن يؤدي هذا إلى ركود انكماشي لاقتصادهم، مثلما حدث في اليابان.
الدرس الخاطئ
إلا أن الخطأ الحقيقي لليابان ليس السماح للين بالارتفاع، بل معارضتها في السابق رفع قيمة العملة فترة طويلة جدا، حيث إنها حين فعلت ذلك ارتفع الين. والخطأ الثاني هو أن اليابان حاولت تعويض الآثار الاقتصادية السيئة للين القوي عن طريق السياسة النقدية المتساهلة بصورة مفرطة. ولو كانت السياسة أكثر تشددا، كانت الفقاعة المالية ستكون أصغر وتداعياتها أقل إيلاما.
ويقدم هذا درسين مهمين للصين، الأول أنه من الأفضل السماح لسعر الصرف بالارتفاع في وقت قريب وبشكل تدريجي بدلا من المخاطرة برفع قيمة العملة بصورة حادة في وقت لاحق. والآخر أن السياسة النقدية يجب ألا تكون متساهلة جدا. ورفع متطلبات الاحتياط هو خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح. وعلى الرغم من تذمر المتشائمين، إلا أن الانهيار الاقتصادي للصين ليس وشيكا ولا محتوما. ولكن إذا استمرت باستخلاص الدرس الخاطئ من حكاية اليابان، قد يبدو اقتصادها يوما ما رديئا بالقدر نفسه >