الخروج من حفرة الديون

الخروج من حفرة الديون

> إن عملية تخفيض الديون هي مصطلح بشع لعملية مؤلمة. إلا أن هناك بعض الأمور المهمة بالنسبة للاقتصاد العالمي من فيما إذا كان سيتم تخفيض اقتراض العالم الغني ومدى سرعة ذلك. ويشير التاريخ إلى أن الأزمات المالية الحادة تعقبها عادة فترات طويلة من تخفيض الديون - التي ينخفض فيها الائتمان نسبة إلى حجم الاقتصاد. وهذه العملية جارية الآن أيضا. فالبنوك تخفض بصورة محمومة الديون. وانخفض الائتمان الاستهلاكي في أمريكا لمدة عشرة أشهر متتالية، وهو أكبر وأطول انخفاض مسجل. ولكن إلى أي مدى يمكن أن يذهب هذا؟
يحاول تقرير جديد من McKinsey Global Institute، ذراع الأبحاث للشركة الاستشارية، تقديم إجابة على ذلك. ويبدأ عن طريق مقارنة التطور الأخير لمستويات الديون في عشرة اقتصادات كبيرة غنية وأربعة اقتصادات كبيرة ناشئة. وتختلف نسب إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي (بما في ذلك الديون المستحقة على الأسر والحكومة والشركات غير المالية والصناعة المالية) بشكل واسع، حيث نسبة أمريكا، البالغة أقل من 300 في المائة بقليل، أقل من عديد غيرها. ولكن مع استثناءات قليلة، مثل ألمانيا واليابان، شهدت معظم الدول الغنية زيادة هائلة على مدى العقد الماضي. وكانت بريطانيا وإسبانيا الأكثر تطرفا، حيث بلغت الزيادة في نسب إجمالي الدين فيهما أكثر من 150 نقطة مئوية لكل منهما، إلى 465 في المائة و365 في المائة على التوالي.
وتراكمت الديون في أماكن مختلفة في دول مختلفة. وباستثناء اليابان، التي كانت تتعامل مع تداعيات أزمة الأصول السابقة، كان الدين الحكومي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ثابتا تقريبا أو في انخفاض. ولم تنغمس الشركات في العالم الغني، باستثناء العقارات التجارية وعمليات البيع بالقروض، في فورة ديون. وكان الرفع المالي للشركات مستقرا أو في انخفاض في معظم الدول قبل الأزمة. وارتفعت ديون القطاع المالي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في معظم الدول، خاصة بريطانيا وإسبانيا، وشهدت بعض جيوب التمويل (مثل البنوك الاستثمارية) زيادة هائلة في الرفع المالي. ولكن خارج ألمانيا واليابان، التي انخفض فيها، كانت الزيادة الأكثر ذهولا هي ديون الأسر. وشهدت معظم الدول الغنية زيادة تزيد على 40 في المائة في نسبة ديون الأسر إلى الدخل المتاح. ولكن حتى هناك، لم تكن الزيادة متناسقة. ففي أمريكا، جمعت الأسر متوسطة الدخل بعض الديون، أما في إسبانيا، فإن الأشخاص الأكثر فقرا هم من فعل ذلك.
والصورة التي ترسمها McKinsey هي صورة تجاوزات ائتمانية مركزة (وإن كانت كبيرة) وليس صورة فترات انغماس في الديون على نطاق الاقتصاد. ونتيجة لذلك، ستختلف عملية تخفيض الديون بحسب القطاع وبحسب الدولة. وبالحكم من نسب إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، يمكن القول إن عملية تخفيض الديون لم تبدأ بعد. وابتداء من حزيران (يونيو) 2009، انخفضت تلك النسب فقط في أمريكا وبريطانيا وكوريا الجنوبية، ولكن ليس بنسبة كبيرة. إلا أن تركيبة الديون تغيرت بصورة حادة، حيث زاد اقتراض الحكومة في حين انخفض الدين الخاص. وكان التخفيض هو الأكبر في القطاع المالي. وبحلول منتصف عام 2009، انخفض الرفع المالي في معظم الدول إلى نحو متوسطه خلال 15 عاما قبل الأزمة.
ولتحديد أين من المحتمل أن يكون الضغط، درست الدراسة إلى أي مدى كان مستوى ونمو الدين في مختلف القطاعات غير متوافق مع الدول الأخرى ومع المعدلات التاريخية. ونظرت أيضا إلى إجراءات قدرة المقترضين على خدمة ديونهم ومدى تعرضهم لصدمات الدخل. وعلى هذا الأساس، تمكنت من تقييم أين يمكن أن يكون تخفيض الديون خلال العامين الماضيين مرتفعا أو معتدلا أو منخفضا. وكان في نصف الدول الغنية العشر في عينة التقرير قطاع أو أكثر عرضة ''بصورة مرتفعة'' للمزيد من تخفيض الدين. وليس مستغربا أن هذا يشمل الأسر في أمريكا وبريطانيا وإسبانيا، وإلى درجة أقل كندا وكوريا الجنوبية، إضافة إلى العقارات التجارية في أمريكا وبريطانيا وإسبانيا. ومع وجود احتمال كبير بحدوث المزيد من تخفيض الديون على مستوى الشركات وعلى الصعيد المالي، فإن الطريق أمام إسبانيا هو الأصعب. وليس هناك دولة في العينة لديها فرصة كبيرة لتخفيض الديون الحكومية على مدى العامين المقبلين.

تغيير السرعة
إن تحديد احتمالات المزيد من تخفيض الديون ليس الشيء نفسه كقياس تأثيره الاقتصادي المحتمل. وللقيام بذلك، نظرت الدراسة إلى التاريخ. ووجدت 32 مثالا على تخفيض الديون المستدام (ثلاث سنوات متتالية على الأقل انخفضت فيها نسب إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة لا تقل عن 10 في المائة) في أعقاب الأزمة المالية. وفي بعض الحالات، تم تخفيض عبء الديون عن طريق التخلف عن السداد. وفي حالات أخرى، تمت المبالغة به للتخلص منه. ولكن في نحو نصف الحالات - التي يعتبرها التقرير نقاط المقارنة الأكثر ملاءمة - جاء تخفيض الديون من خلال فترة مطولة من شد الحزام، حيث نما الائتمان بصورة أبطأ من الناتج. والرسالة من كل هذه الفترات واقعية. فتخفيض الديون يبدأ عادة بعد نحو عامين من بداية الأزمة المالية ويدوم ستة أو سبعة أعوام. وفي جميع الحالات تقريبا، تقلص الناتج في العامين الأولين أو الثلاثة من العملية. (الدول التي تخلفت عن السداد أو ضخمت ديونها شهدت فترات ركود أكبر في البداية، ولكنها شهدت نموا أعلى في الناتج من الدول التي شدت الحزام بحلول النهاية).
والأسوأ من ذلك هو أن هناك عدة أسباب تفسر لماذا قد تكون الفوضى الحالية أطول وقتا من الفترات السابقة. أولا، حجم المديونية أعلى. فقد كانت أعلى نسبة ديون في المجموعة التي شدت الحزام في التقرير 286 في المائة، في بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية. واليوم، لدى نصف الدول الغنية في عينة McKinsey ديون تبلغ أكثر من 300 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ثانيا، عدد الدول المنكوبة في وقت واحد يعني أنه من الأصعب تحقيق التوسعات السريعة للصادرات، التي دعمت الناتج في الماضي. وثالثا، فإن الزيادات الكبيرة في الدين العام، ودعم الطلب على المدى القصير في الوقت نفسه، يزيد تخفيض الدين الكلي الذي سيكون ضروريا في النهاية. وحالما يتم الانتهاء من تخفيض ديون القطاع الخاص، سيحتاج القطاع العام إلى التخفيض.
ويبدو هذا بسيطا من الناحية النظرية. ولكن عمليا سيكون تحقيق التوازن على نحو صحيح صعبا للغاية. وربما يشعر المستثمرون بالقلق بشأن استدامة الدين العام قبل وقت طويل من انتهاء تخفيض ديون القطاع الخاص، مما يجبر على شد الحزام لدى الكثيرين في الوقت نفسه. وربما لم تحدث بعد الأجزاء الأكثر إيلاما في تخفيض الدين >

الأكثر قراءة