منظمة سعفة القدوة الحسنة.. الطريق إلى الشفافية والنزاهة

أصبح موضوع الشفافية والنزاهة من الموضوعات المهمة التي يُعنى بها المجتمع المتحضر في العصر الحديث. وفي عام 2006 أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرها السنوي وصنفت السعودية في الترتيب الـ 72 في قائمة تتضمن نحو 150 دولة منها أربع دول خليجية هي الإمارات والكويت وقطر والبحرين. ولقد احتلت هذه الدول الخليجية مراتب أفضل بين الـ 32 و38.
وفي عام 2008 أصدرت منظمة الشفافية العالمية تقريرها السنوي وصنفت المملكة في الترتيب الـ 73 من قائمة بلغت 160 دولة.
وبين عام 2006 و2008 نشأت منظمة القدوة الحسنة الشفافية والنزاهة في العاصمة الرياض، وهدفها بالطبع هو نشر ثقافة الشفافية والنزاهة في ربوع المجتمع السعودي عملاً بقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، وقوله تعالى''وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون''، وقول حبيبنا ورسولنا - صلى الله عليه وسلم -''من عمل منكم عملاً فليتقنه''.
وواضح من التصنيف العالمي في عامي 2006 و2008 إن ترتيب المملكة لدى منظمة الشفافية الدولية ظل يراوح مكانه طوال ثلاث سنوات، بمعنى أن تأسيس منظمة سعفة القدوة الحسنة لم يؤثر كثيراً في تصنيف المملكة على لائحة منظمة الشفافية العالمية، أو لنقل بأن البيانات والمعلومات التي توافرت لدى المنظمة الدولية لم تكن بالقدر المطلوب مما وضع المملكة في التصنيف الأدنى، وهو تصنيف نشك في صدقيته وشفافيته.
ولذلك فإنني أهيب بمنظمة سعفة القدوة الحسنة السعودية أن يكون ضمن مسؤولياتها تزويد منظمة الشفافية العالمية وغيرها من المنظمات العالمية بالمعلومات والبيانات الدقيقة التي تطلبها حتى تأخذ المملكة حقها من التصنيف الموضوعي، إذ إنه من غير المعقول أن يكون ترتيب المملكة على هذا الترتيب المتأخر جداً، فما زال المجتمع السعودي المسلم بخير - إن شاء الله تعالى.
إن الأضواء التي بدأت تحيط بمنظمة سعفة القدوة الحسنة ازدادت كثيراً بعد كارثة شرق مدينة جدة، حيث ثبت - بما لا يدع مجالاً للشك ـ إن الفساد الإداري هو اللاعب الرئيسي في حدوث كارثة بهذا الحجم، بل كشفت الكارثة حاجتنا الماسة إلى منظمة وطنية للشفافية والنزاهة تنصف المواطن السعودي وتضع المملكة في الترتيب الذي تستحق.
ولذلك فإن مسؤوليات منظمة سعفة القدوة الحسنة في نشر ثقافة الشفافية وتثبيت مبادئ النزاهة في المجتمع السعودي باتت مسؤوليات ضرورية وكبيرة للغاية، أو كما قال مؤسس''سعفة'' الأمير تركي بن عبد الله بن عبد الرحمن: إن مشروع سعفة القدوة الحسنة يهدف إلى تطبيق الشفافية وتعزيز النزاهة، فالحكومة أسست هيئة النزاهة ويبقى دور المجتمع لنجعل الشفافية في تعاملاتنا مطلب لاغنى عنه، وسنسعى - إن شاء الله - إلى إلقاء الضوء على المؤسسات التي مارست الشفافية بنجاح في أعمالها وتكريم أكثرها فعالية وإبراز تلك المؤسسات كقدوة يحتذى بها، كما سنعمل جاهدين على نشر ثقافة الشفافية في مساحات واسعة من المجتمع السعودي. إننا نقر بأن مجموعة الإجراءات التي اتخذتها منظمة القدوة الحسنة وفي مقدمتها مشروع جائزة''سعفة'' تستحق الشكر والتقدير، ولكن هذه الجائزة هي قطرة في محيط كبير، إذ يتعين على المنظمة المزيد من الجهد لمحاربة أمراض الفساد الإداري والمالي الذي انتشر في أوصال المؤسسات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، ونقر بأن الجائزة لوحدها لا تحقق الهدف من إنشاء المنظمة، لأن الأمراض التي انتشرت في أوصال الإدارة السعودية تحتاج إلى برنامج واسع الأرجاء حتى نصل إلى جذورها ونجتثها من مكامنها التي عششت فيها لأكثر من قرن من الزمان.
لقد أكد الدكتور صالح الشنيفي أمين عام سعفة القدوة الحسنة: إن من أهم المبادرات التي تسعى إلى تعزيز قيم الشفافية والنزاهة في المجتمع السعودي جائزة سعفة القدوة الحسنة التي تمنح للشركات والمؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية التي تجعل عملية صنع القرار فيها واضحة وعادلة وتكفل مصالح المؤسسة والمتعاملين معها وتؤهلها لتكون قدوة يستفاد منها، كذلك قال الأمين العام إن جائزة سعفة القدوة الحسنة تعد تشجيعاً للسلوك الأخلاقي السوي في التعاملات بهدف رفع مستوى الأداء والأعمال وتحقيق المصلحة والفائدة للجميع، وأكد الشنيفي أن الترشيح لنيل الجائزة يدل على أن المؤسسة المتقدمة معنية بأمور الشفافية والنزاهة وأنها ترى أن مشوارها في الشفافية متقدم على الآخرين. وإذا كان يبدو أن منظمة سعفة القدوة الحسنة قد حصرت نفسها في جائزة سنوية''سعفة'' تمنحها لكل من يثبت أنه مارس الشفافية وجعل النزاهة هي المنهاج الذي يمارسه في تعاملاته مع الغير، فإن المنظمة يجب أن تسعى إلى وضع برنامج واسع الأرجاء لنشر ثقافة الشفافية والنزاهة على نطاق واسع بين الشركات وبين الأفراد حتى تكون هذه الثقافة هي النبراس الذي تتعامل من خلاله كل الشركات مع كل فئات المجتمع. إن الموظف الحكومي وموظف القطاع الخاص من الفئات التي يجب أن تستهدف لممارسة مبادئ الشفافية والنزاهة، ونؤكد بأن ثقافة الشفافية والنزاهة لن تنتشر إلاّ إذا استطاعت المنظمة أن تتغلغل في حشود الموظفين في القطاعين العام والخاص، وإذا كان الفساد المالي والإداري أصبح عنواناً كبيراً في وسائل الإعلام في هذه الأيام، فإن المقصود بذلك هم مجموعة الموظفين الذين يسهلون لمثلهم من المقاولين المنحرفين ممارسة الغش والتدليس وتسلُّم وتسليم مشاريع التنمية ذات المستوى الرديء الذي لا يتفق مع المواصفات ذات الجودة العالية، بل لقد سمعنا إن هناك مشاريع صرفت أموالها وجرى تسلمها وهي َلمّا تزل على الورق وليس لها وجود في الواقع.
إذن، المطلوب من''سعفة القدوة الحسنة'' الكثير من العمل حتى تستطيع أن تنتشر داخل كل فئات المجتمع، المطلوب منها ـ على سبيل المثال ـ أن تنظم ورش العمل وتعقد المؤتمرات وتصدر النشرات وتؤسس المحطات الفضائية وتضع الاستراتيجيات وتتصل بكل الفعاليات النقية في المجتمع وتجندها لتقوم بدورها المهم في نشر ثقافة الشفافية والنزاهة وتنظيف المجتمع من متعلقات الفساد الذي انتشر كالأخطبوط في كل أرجاء النفس الإنسانية الأمارة بالسوء.
مرة أخرى أقول إن كارثة شرق جدة أثبتت أن قضية تنظيف المجتمع السعودي من الأدران والفساد أصبحت ضرورة قطعية، وأن نشر ثقافة الشفافية والنزاهة والمساءلة يحتاج بالفعل إلى جهد جبار، وإلاّ فإن محاولات''سعفة'' ستظل قطرة في محيط متلاطم الأمواج، ونؤكد أنه إذا ظلت''سعفة'' قطرة في محيط متلاطم الأمواج، فإنها لن تحقق الأهداف السامية التي تأسست من أجلها وستكون منظمة تذروها الرياح يمنة ويسرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي