حرب طويلة في المياه
قبل عامين، وافقت الحكومة الانتقالية الصومالية الضعيفة على السماح للقوات البحرية الأجنبية بمطاردة القراصنة داخل مياهها الإقليمية. ومنذ ذلك الحين، شهدت المياه قبالة ساحل الصومال عددا متزايدا من السفن الحربية، خاصة من الدول الغنية التي تحاول- بنجاح جزئي - درء القراصنة عن الدول الأكثر فقرا. وأصبحت السفن التي تبحر في قوافل على طول الممرات البحرية أكثر أمنا مما كانت عليه. وبالتالي اضطر القراصنة للمغامرة بالذهاب إلى مناطق أبعد في البحر الهندي للاستيلاء على الغنائم. وهذا يعني أن المناطق الأبعد لا تزال خطرة جدا.
وتشترك العديد من أقوى القوات البحرية في العالم في ذلك. وقتلت القوات الفرنسية والأمريكية قراصنة صوماليين وحررت مواطنيها. وفي العام الماضي، نشر الاتحاد الأوروبي أول قوة بحرية مشتركة له، تدعى عملية أتلانتا، لحماية السفن العابرة من وإلى البحر الأحمر في طريقها من أو إلى قناة السويس. ولدى روسيا بعثة نشطة لمكافحة القراصنة، تساعد، من بين أمور أخرى، على إحياء قواتها البحرية الصدئة. وطلبت الصين الإذن بإقامة قاعدة بحرية خاصة بها في كينيا أو أماكن أخرى في المنطقة لدعم دورياتها البحرية المكافحة للقراصنة. وأرسلت اليابان وكوريا الجنوبية سفنا بحرية لحماية السفن التي تحمل سياراتها. وانضمت الهند وماليزيا وإندونيسيا وجنوب إفريقيا أيضا إلى حملة مكافحة القراصنة.
ومع ذلك، لا يزال القراصنة يختطفون السفن ويتلقون الفدية ويفلتون من العقاب. وخلال الأسبوعين الماضيين، استولوا على أربع سفن كبيرة أخرى. وتم الاستيلاء على اثنتين منهما، هما Pramoni التي ترفع العلم السنغافوري وSt. James Park التي ترفع العلم البريطاني، وكلاهما ناقلتان تحملان مواد كيماوية، تحت سمع وبصر القوات البحرية الأجنبية التي تحرس خليج عدن.
ولا تزال أساليب القراصنة بدائية. فهم يستخدمون قوارب صيد التونا المختطفة أو المراكب الشراعية المحلية كالسفينة الأم، ثم يشنون الهجمات من الزوارق، عادة عند الفجر أو الغسق. ويحتجزون طاقم السفينة رهائن تحت تهديد الرشاشات والمسدسات شبه الآلية، ثم يجبرون القبطان على أن يرسو قبالة الجزء الشمالي من ساحل الصومال لعدة أسابيع إلى أن يتم دفع الفدية.
وتقول القوات البحرية التي تحرس المنطقة إنها حسنت أداءهم. إلا أن عدد عمليات الاختطاف المسجلة ارتفع من 32 عام 2008 إلى 42 عام 2009. وزاد أيضا متوسط الفدية التي تدفعها شركات الشحن، من مليون دولار إلى مليوني دولار. ولو تم إضافة المبالغ المدفوعة غير المعلنة، التي دفعت حكومة إسبانيا بعضها، يرتفع ما حققه القراصنة إلى نحو 100 مليون دولار العام الماضي. ولا شك أنه يتم تقاسم هذه المبالغ مع الممولين الذين يدعمونهم، خاصة في لبنان والصومال والإمارات. وتساعد أيضا عصابات الجريمة المنظمة في اليمن.
وقد زاد النطاق الجغرافي للقراصنة بصورة كبيرة من أجل تجنب دوريات الحراسة. ويجب على شركات الشحن دفع مبالغ إضافية للتأمين، حتى لو كانت تعبر مسارا بعيدا عن مياه الصومال. وقد تم الاستيلاء على سفينة شحن يونانية، هي Navios Apollon، من قبل الصوماليين في 28 من كانون الأول (ديسمبر)، على مسافة 370 كيلومترا (200 ميل بحري) شرق جزر سيشيل، التي تبعد أكثر من 1.300 كيلومتر عن الصومال.
ومن الواضح أنه لا توجد طريقة بحرية محضة لوقف القراصنة. فطول ساحل الصومال يزيد على ثلاثة آلاف كيلومتر. ويبدو أنهم لا يشعرون بالخوف من السفن الحربية. وعادة ما يلقي القراصنة أسلحتهم في البحر إذا اقتربت السفن الحربية. وتتردد القوات البحرية في إلقاء القبض عليهم بسبب التعقيدات القانونية. وفي المناسبات النادرة التي يتم فيها القبض على القراصنة، يتم عادة إعطاؤهم الدواء والمياه والوقود الكافي للعودة إلى الصومال. وينطلقون ثانية في غضون أيام بحثا عن فريسة.
وقد وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقا مع كينيا بسجن القراصنة الذين يتم إلقاء القبض عليهم. ولكن هناك مخاوف من أن تطلب كينيا الكثير من الخدمات مقابل الإقدام على ما يبدو أنه عملية قانونية فوضوية. وإذا تمكن الاتحاد الأوروبي وغيره من الدول المعنية من إقناع حكومات تنزانيا وجزر سيشل وغيرها من الدول في المنطقة بالموافقة على مقاضاة القراصنة في محاكمهم، سيكون الرادع القانوني ضدهم أقوى.
والميزة الرئيسة للقراصنة هي غياب القانون في الصومال، التي طالما كانت غارقة في حرب أهلية. وتخشى الحكومات الغربية من أن يتم تعزيز المقاتلين الإسلاميين من حركة شباب، التي تسيطر على جنوب ووسط الصومال وترتبط بالقاعدة، إذا أرسلت قواتها الأمنية لمهاجمة مدن مثل Haradheere، ملاذ القراصنة.
إلى جانب ذلك، قد يثبت القراصنة أنهم حلفاء غير عاديين في منع الإسلاميين من نشر شبكتهم الجهادية. فحركة شباب تعتبر القرصنة من أجل الربح عملا منافيا للإسلام. ويعارض المسلحون بعنف شرب الخمور والفجور الذي يمارسه القراصنة. وقد يقاتل القراصنة وحركة شباب بعضهم بعضا، الأمر الذي قد ينفع الجميع غيرهم. ولكن حتى الآن، فإن ثروة القراصنة تحميهم في الوطن. والصومال هي إحدى أشد الدول فقرا في العالم، ومع ذلك فإن القرصان ذا الرتبة المنخفضة قد يجني ما لا يقل عن 20 ألف دولار سنويا.
ويقول الاتحاد الأوروبي إن المهمة الرئيسة لقواته البحرية هي حماية سفن الشحن التي تحمل المساعدات الغذائية التي يعتمد عليها الصوماليون منذ السنوات الخمس الماضية، والتي منعت حتى الآن حدوث مجاعة واسعة النطاق. والأولوية الثانية لها هي ''ردع وتعطيل'' القرصنة بشكل عام. وقد تردع السفن الحربية أيضا الصيد غير المشروع في المياه الصومالية وإلقاء النفايات السامة. ولكنها قوة صغيرة في بحر كبير. وفي آخر إحصاء، كانت هناك سبع سفن دوريات من ست دول من الاتحاد الأوروبي.
وعلى أية حال، يقول بعض الأشخاص العاملين في مجال الشحن إن آثار القرصنة مبالغ فيها. فربما يكون دفع رسوم تأمين أعلى والمخاطرة بالتعرض لهجوم القراصنة أرخص وأكثر راحة من تكبد التكاليف الإضافية لتحويل السفن حول رأس الرجاء الصالح.
ويقول المكتب البحري الدولي في لندن أن 22 ألف سفينة عبرت العام الماضي بأمان عبر المياه على نطاق القراصنة الصوماليين، في حين لم تتجاوز الهجمات الفعلية بضع مئات. ويعتقد المكتب أيضا أن نسبة نجاح القراصنة ستنخفض مع اتخاذ السفن المزيد من الاحتياطات.
وتبحر معظم السفن الآن على طول ممرات ضيقة في الليل وبأقصى سرعة. وغالبا ما تبحر في قوافل في خليج عدن. وترفع عديد منها علو المنطقة بين سطح المياه وسطح السفينة لتصعب على القراصنة الصعود. وتستعد سفن أخرى لاستخدام صفارات الإنذار وخراطيم المياه. وهناك حراس أمن الآن على متن بعض السفن التي ترفع العلم الأمريكي، على الرغم من أنه من المتفق عليه عموما أنهم يجب أن يكونوا غير مسلحين، وإلا ستزيد حدة العنف وحالات الوفاة.
ومن الواضح أن المشكلة لا تزال دون حل. ومع ارتفاع مبالغ الفدية ودفعها، سيعتقد القراصنة أن الأمر يستحق المجازفة. والأهم من ذلك هو أنهم سيستمرون في سلوكهم طالما ظلت معظم مناطق الصومال، بما في ذلك الموانئ على طول الساحل، جحيما غير قابل للحكم