شركات الوساطة المالية تلفظ أنفاسها الأخيرة وتطالب بـ «القرار الفصل»

شركات الوساطة المالية تلفظ أنفاسها الأخيرة وتطالب بـ «القرار الفصل»

شركات الوساطة المالية تلفظ أنفاسها الأخيرة وتطالب بـ «القرار الفصل»

تزايدت الضغوط على شركات الوساطة المالية العاملة في السوق السعودية ولاسيما المستقلة منها، وأصبح هاجس إعادة الهيكلة أو الاندماج والاستحواذ والتفكير في إغلاق النشاط نهائياً يمثل مصدر قلق كبير لهذه الشركات في الفترة الأخيرة. وفي ظل تداعيات الأزمة المالية العالمية وما أحدثته من تأثير في الأسواق المالية حول العالم، وتراجع الطلب على الخدمات الاستثمارية بأكثر من 50 في المائة في السوق السعودية إلى جانب المنافسة غير العادلة التي تراها الشركات المستقلة مع نظيرتها التابعة للبنوك التجارية، فإن عددا كبيرا من هذه الشركات قامت بإلغاء الرخص الحاصلة عليها من هيئة السوق المالية تلافياً للخسائر الكبيرة قبل تفاقمها.
وأوضح اقتصاديون وماليون لـ ''الاقتصادية'' أن شركات الوساطة المالية وتحديداً المستقلة تتعرض لضربات موجعة عبر أربعة محاور رئيسية تأتي في مقدمتها الأزمة المالية العالمية، الخلل الهيكلي في وضع السوق وانعدام التنافس العادل، ثم التراجع الكبير في الطلب على مختلف المنتجات الاستثمارية، وأخيراً دخول بيوت استثمارية أجنبية في تسويق منتجاتها في المملكة بطرق غير نظامية.
ولم يستبعد المختصون أن يشهد عام 2010 عمليات تقليص كبيرة في أعداد شركات الوساطة المالية الموجودة في السوق، إما عن طريق الاندماج، الاستحواذ أو إغلاق النشاط نهائياً، وأن هذا الأمر أصبح يشغل التفكير الأكبر لدى هذه الشركات ويعد محورياً في استراتيجياتها القادمة.وأكد الاقتصاديون أنفسهم بأن شركات الوساطة ''المستقلة'' ستبقى تعاني ما لم يتم الفصل الحقيقي بين المصرفية التجارية ومصرفية الاستثمار، موضحين بأن الاقتصاد السعودي واعد ويعد أكبر اقتصاد عربي والإنفاق الاستثماري للحكومة كبير، وهناك إقبال من الشركات الأجنبية وهو ما يؤكد أن الفرص متاحة لشركات الوساطة المالية للعمل فيه.
في سياق حديثه عن شركات الوساطة العاملة في السوق قال الدكتور إحسان بوحليقة الخبير الاقتصادي: ''يمكن تصنيف شركات الاستثمار المرخصة للعمل في السوق السعودية إلى فئتين: الشركات التابعة للبنوك التجارية، والشركات المستقلة، وحالياً وبصورة إجمالية كلا الفئتين تعاني نتيجة لتراجع الطلب على خدمات الاستثمار والتداول كأحد تداعيات الأزمة المالية العالمية والاتجاه للتحوط، من جهة ثانية تراجعت قيمة الطروحات الأولية (الاكتتابات) هذا العام بنحو 90 في المائة مقارنة بالعام الماضي، كما أن تراجع النشاط أصاب نشاط الاستشارات المالية والطروحات الخاصة والملكية الخاصة والاستحواذ والاندماج، وهذا يعني بالضرورة ضعف مصادر العمولات والأتعاب وبالتالي الدخل''.
ولفت بوحليقة إلى أن الشركات المستقلة معاناتها الكبيرة تتمثل في أن الفصل بين البنوك التجارية والشركات التابعة لها حتى هذه اللحظة سطحي بمعنى أن المنافسة في السوق فيها خلل هيكلي لا يمكن الشركات المستقلة من الحصول على حصة من السوق، وأكبر دليل على ذلك أن كل خدمات الاستثمار حصة الشركات التابعة للبنوك فيها تزيد على 90 في المائة، فيما بقية شركات الاستثمار المستقلة تتنافس على ''الفتات'' على حد قوله.
ويضيف الخبير الاقتصادي ''الأمر الآخر أن هناك من يأتي من خارج الحدود ويوزع منتجات مالية في المملكة ، فعلى الرغم من تعليمات هيئة سوق المال المتكررة وتجريم نظام هيئة السوق لأنشطة من هذا النوع، ومع ذلك نشاهد من يأتي (بالشنطة) وأصبحت مصرفية الاستثمار بالشنطة، فقد لوحظ قيام بيوت استثمارية بتسويق منتجات مختلفة (عقارية، استثمارية) غير مصرح لها ومخالفة للنظام، وتجلت هذه الظاهرة في الربعين الثالث والرابع من العام نتيجة للضغط الكبير الموجود في أسواقها لأنها تأتي من أسواق مجاورة لنا، بعضها أسواق صغيرة والبعض الآخر تعرض لهزات فاضطروا للذهاب إلى أماكن أخرى لتسويق منتجاتهم، نظاماً من المفترض أن يتفق مع شركة مرخصة من هيئة السوق المالية، وهذه الشركة تدرس الفرصة وفي حال اقتنعت بها تقدمها إلى هيئة السوق التي بدورها تصدر ما يسمى عدم ممانعة وبعد ذلك يمكن طرح الفرصة بصورة أو بأخرى، لكن هذا الأمر في العديد من المنتجات لا يتم''.
وأكد الدكتور إحسان بأنه ما دام لا يوجد هناك فصل حقيقي وعميق بين المصرفية التجارية ومصرفية الاستثمار ستبقى شركات الاستثمار المستقلة تعاني، وتابع ''علينا أن نلاحظ بأنه أخيرا اتخذت خطوة في الاتجاه المعاكس حيث أصبح بمقدور البنوك أن تستفيد من التعديل الأخير في نظام الشركات السعودية بما يمكنها من إنشاء شركة الشخص الواحد، واستفادت البنوك التجارية من أنها تمتلك شركات الوساطة التابعة لها 100 في المائة، وعلينا أن نتذكر أن من حرك هذا الموضوع وطالب بتعديل هذه المادة من نظام الشركات هي مؤسسة النقد العربي السعودي، من أجل مساندة البنوك، مع الإشارة إلى أن وضع البنوك من حيث ملكيتها لشركات الوساطة التابعة لها أمر فريد من نوعه في السعودية ويعد من السوابق''.وعلى الرغم من تفاوت وجهات النظر حول جدوى فصل المصرفية التجارية عن مصرفية الاستثمار، لكننا نقول ''إما أن تفصل شركات الاستثمار التابعة للبنوك فصلاً عضوياً عنها فيقطع الحبل السري بينها وبين البنوك المالكة لها، أو تتاح الفرصة لشركات الاستثمار المستقلة أن توسع ترخيصها (بعد أن تستوفي بعض الاشتراطات بما في ذلك ملاءمة رأس المال واكتمال عناصر إدارة المخاطر والالتزام وتقنية المعلومات) حتى يكون بوسعها أن تمتلك أو تنشئ بنوكاً تجارية، بمعنى أن المنافسة العادلة تتطلب إما حرمان الشركات التابعة للبنوك من الميزة الممنوحة لها أو منح الشركات المستقلة الميزة المحرومة منها، وهكذا تتساوى الرؤوس، وهو المطلوب حتى تستوى الأرضية التي ترتكز إليها جميع شركات الاستثمار المرخصة وبذلك يزول التفاوت أو يأخذ طريقه للزوال''.
وقال بوحليقة ''نريد جداراً أسمنتيا معززاً بحديد التسليح يفصل بين الأنشطة المصرفية التجارية والمصرفية الاستثمارية وإلا فإن شركات الاستثمار المستقلة ستبقى تعاني والسبب ليس ضيق السوق السعودية ولا لعدم حاجة الاقتصاد السعودي بل العكس، لكن السبب لأن التركيبة الحالية تجعل بوسع البنوك والشركات التابعة لها تحصر الشركات المستقلة في زاوية ضيقة جدا''. وعن الطلب على الخدمات الاستثمارية في السوق أوضح الدكتور إحسان أن هناك تراجعاً في الطلب نتيجة للأزمة يتجاوز الـ 50 في المائة وفقاً لأكثر التقديرات تفاؤلاً مدللاً على ذلك من خلال نشاط الوساطة وحجم التداول اليومي الذي وصل إلى ملياري ريال، مع العلم بأنه تجاوز 50 مليار ريال يومياً إبان فورة السوق سابقاً، مبيناً أن شركات الوساطة اليوم أصبحت تفرد حيزاً مهماً لمسألة الاندماج وإعادة الهيكلة أو التفكير في التخلي عن النشاط نهائياً، وأردف ''السؤال المطروح الآن هل الصعوبة ظرفية أي تتعلق بـ 2009، أم أنها مرحلية باعتبار أن الغالبية العظمى من شركات الوساطة بدأت في فترة تراجع فيها السوق السعودية تراجعا كبيرا بعد شباط (فبراير) 2006 بعد ذلك كان على هذه الشركات أن تتعامل مع أزمة مالية عاتية أم أن القضية هيكلية بمعنى السطوة الكبيرة ووجود منافسين مسيطرين عبارة عن الشركات التابعة للبنوك التجارية تجعل وضع السوق هيكلياً من حيث المنافسة لا يعمل بطريقة تمكن الشركات المستقلة من منافسة نظيراتها التابعة للبنوك''.
وأفاد أنه في حال تم الفصل الحقيقي بين البنوك التجارية والشركات التابعة لها وصحح وضع السوق فإن شركات الوساطة المستقلة ستجد الفرصة للنمو، وقال ''الاقتصاد السعودي واعد ويعد أكبر اقتصاد عربي والإنفاق الاستثماري للحكومة كبير، كما أن هناك إقبالا شديدا من الشركات الأجنبية، تدفق الاستثمار الأجنبي إلى المملكة لم نشهده منذ الطفرة الأولى في السبعينيات الميلادية، المهم هو البيئة التنافسية والعلاج يكمن في الفصل التام لهذه الشركات بحيث تطرح شركات مساهمة عامة منفصلة، ولابد من النظر استراتيجياً إلى هذا الأمر''. إلى ذلك، أكد هاني باعثمان عضو لجنة الأوراق المالية في غرفة جدة أن وضع السوق أصبح صعبا جداً في الوقت الراهن، مبيناً أنه تحول من الطفرة إلى الركود التام في المنتجات الاستثمارية وتزامن ذلك مع دخول أكثر من 100 شركة في هذا القطاع.ولفت باعثمان إلى أن الفترة الأخيرة شهدت الكثير من عمليات إلغاء الرخص معظمها لشركات جديدة لم يكن عليها أي التزامات مالية ولم تتكبد خسائر كبيرة لأن أصولها لم تستخدم بعد فكان من السهل على ملاكها الخروج والرضا بخسارة 20 أو 30 في المائة وهو الأمر الذي أدى إلى تقليص عدد الشركات.
وأضاف ''نتوقع أن يصبح هنالك نوع من التركيز على منتجات أخرى مختلفة لم يتم التركيز عليها من قبل لدى شركات الوساطة سواء في مجال العقارات، الاستثمارات الخاصة، أو إدارة صناديق الأسهم، وسنشهد تراجعا للنموذج الموجود وهو تقديم كل الخدمات''.
وشبه الخبير المالي من يتحدث عن منافسة مع البنوك في مجال الوساطة أو إدارة الأصول كمن يبني قصوراً من رمال، وقال ''من المعروف منذ البداية أن أحداً لن يستطيع أن ينافس البنوك، ومن كان يتوقع أن يفعل ذلك كمن يبني قصوراً من رمال، لأن هذه العملية تحتاج إلى استثمارات كبيرة تتوافر لدى البنوك من السابق، وإذا كانت شركات الوساطة الجديدة ترغب في منافسة البنوك كان لابد من استمرار التداول في السوق فوق الـ 40 مليار ريال لمدة خمس سنوات مقبلة، ومن المؤكد أن من أقاموا شركاتهم بناء على هذا التصور تعرضوا لخسائر كبيرة دون شك''.
وتوقع هاني باعثمان أن يشهد عام 2010 مزيداً من خروج شركات الوساطة من السوق إلى جانب عدد من عمليات الاستحواذ المحدودة مستبعداً في الوقت نفسه أي اندماج بين هذه الشركات نظراً لعدم تقبل الناس لعملية الاندماج في العالم العربي على حد قوله.

الأكثر قراءة