الابتعاث.. حل مؤقت للجامعات!

كن ذاتك، be your self، هذا ما تعلمته يوماً ما من أستاذي التربوي الدكتور راضي السرور. واليوم أكتب عملاً بهذا المبدأ.. وأقول إن المشكلة التي سببت هذا الشرخ الكبير في العلاقة بين كثير من طلاب جامعاتنا وبين أساتذتهم، والتي تترجم على شكل تسربٍ لا يستهان به في كثير من التخصصات الإنسانية تحديداً، مردها إلى الموقف الأكاديمي، وتحديداً في مرحلة الدراسات العليا.
يأتي الإشكال مترجماً في أن عدداً لا بأس به من الأساتذة المحاضرين الكرام لا يتبنون مفهوم «احتياجات الدارس»، فحتى لو خضع بعض طلاب الدراسات العليا لرغبة لا يمكن تفسيرها إلا بشغف بعض الأكاديميين لأن يكون طلابهم نسخاً عنهم وعن محتواهم الأكاديمي، إلا أن الناتج التقييمي في نهاية المطاف يظل رهناً بمنطقة قياس مبهمة! ورغم ما يتاح للطلاب الآن من مساحات مهولة للتعبير عن تحفظاتهم تجاه بعض سياسات القياس الأكاديمي المعمول بها في الجامعات من خلال ما يكتبون في المنتديات وعبر مواقع إنترنت، إلا أن النتيجة في النهاية هي بقاء الأكاديميين وتسرب الطلاب بعد أن تكون الدولة قد أنفقت عليهم الملايين!
س: هل يحتاج الأمر إلى أن أكون أكثر وضوحاً؟
ج: حسناً!
إذا أخذنا كمثال مادة مناهج وطرق البحث، هل من الأولى أن تدرس على شكل كتاب يفوق عدد صفحاته الألف وثلاثمائة صفحة، أم أنه من الأولى أن تأخذ جانباً تطبيقياً يهيئ الدارس للانتقال إلى مرحلة باحث؟
بعبارة أخرى، هل تنتهي مهمة الطالب عند حفظ ما لم يستوعب تطبيقياً، وكيف سيؤثر هذا في معالجته لموضوع بحثه الذي من المفترض أن يضيف للمكتبة السعودية العملية والبحثية؟

المثال الثاني: في مادة كالإحصاء، هل من المهم أن «يبصم» الطالب كتابين يفوق مجموع صفحاتهما الألف وأربعمائة صفحة، وأن يعيش في دوامة استحضار ما جاء فيهما من مذاهب ونظريات إحصائية في اختبار من ساعتين، أم أنه من الأولى أن يعلم الطالب كيف يستفيد من الإحصاء وتطبيقاته على موضوع رسالته أو مشروع تخرجه بشكل عملي؟

المثال الثالث: الاعتماد بشكل شبه كلي على مفهوم الاختبار بالتلاوة أو التسميعrecitation في مرحلة الدراسات العليا، وما يصحبه من قلق واحتراق نفسي للطالب، هل سيترك فرصة كافية لتنويع القراءات، كما يفترض في الدراسات العليا أن تتيح؟

شارفت المساحة على الانتهاء، والسؤال الأهم يطل برأسه ويقول تمهيداً:
الابتعاث إلى الخارج لن يدوم للأبد، وخلال سنوات قليلة سيكون جميع طلاب وطالبات الماجستير والدكتوراة مضطرين للدراسة في الداخل. والسؤال هو: هل ستنفع آلية التدريس والقياس بهذا الشكل مع أجيال من المخطط والمرجو لهم أن يواكبوا الاحتياجات التنموية المهولة للبلاد؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي