الانطلاقة المتعثرة الثانية لأنجيلا ميركل
لا يستطيع حتى أنصار حكومة يمين الوسط في ألمانيا أن يقولوا إنها بدأت بداية مثيرة للإعجاب. فمنذ أن تولى تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي لإنجيلا ميركل مع الحزب الديمقراطي الحر لـ Guido Westerwelle منصبه في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أطاح الخلاف حول أفغانستان بوزير واحد وأثار اضطرابا حول وزير آخر؛ وأقرت الحكومة تخفيضات ضريبية لا يريدها أحد كما يبدو؛ وتصارعت بمرارة حول تعيين أحد الأشخاص في منصب فرعي في أحد المتاحف. وفشلت ميركل، التي من المفترض أن تكون ''مستشارة المناخ''، في إنقاذ الكوكب في كوبنهاجن.
والإنجاز التشريعي الرئيسي لميركل هو ''قانون تسريع النمو'' الذي أثار سخرية الاقتصاديين وأدى إلى انقسام الاتحاد الديمقراطي المسيحي ولكنه لم يثر اهتمام الناخبين. ولا يتوقع الاقتصاديون تسريعا كبيرا من التخفيضات الضريبية البالغة 8.5 مليار يورو (12 مليار دولار) التي تشمل إغاثة العائلات، والتي سيتم ادخار الكثير منها، إضافة إلى تخفيض ضريبة القيمة المضافة للإقامة في الفنادق. ودون إجراء تخفيضات في الإنفاق أو وجود زيادات أخرى في الإيرادات، ستكون مثل هذه التخفيضات ''غير جدية''، كما تقول اللجنة الرسمية للحكماء الاقتصاديين. وتقول وكالة الاستطلاع Forsa إن خمس الناخبين فقط يريدونها. ويكره رؤساء وزراء الاتحاد الديمقراطي المسيحي من الولايات التي تعاني ضائقة مالية الهبات التي تأكل إيراداتهم.
وتوحي بداية الحكومة المتعثرة أن التحالف ''الأسود ـ الأصفر'' (الذي يتألف رسميا من الاتحاد الديمقراطي المسيحي وشقيقه الحزب البافاري، وأيضا الاتحاد الاجتماعي المسيحي، إضافة إلى الحزب الديمقراطي الحر) لم يكن على الإطلاق الفريق الرائع كما وصفته ميركل قبل الانتخابات الفيدرالية في أيلول (سبتمبر). وقد أمضى الحزب الديمقراطي الحر 11 عاما في المعارضة يثير الرأي العام لإجراء تخفيضات ضريبية ولم يستطع التراجع حين أصبح في السلطة. وهو يحظى أيضا بدعم الاتحاد الاجتماعي المسيحي. إلا أن هذين الحزبين الصغيرين كانا على خلاف بشأن متحف جديد للاجئين. فالاتحاد الاجتماعي المسيحي يريد أن يتم تخصيص مقعد في المجلس الاستشاري لزعيم مثير للجدل للألمان العرقيين الذين تم طردهم بعد الحرب من قبل بولندا وتشيكوسلوفاكيا، لأن أولادهم وأحفادهم هم مجموعة الناخبين الرئيسة في بافاريا. إلا أن Westerwelle، الذي أقام علاقات طيبة مع بولندا حين كان وزيرا للخارجية، يرفض ذلك.
ويقول بعض أعضاء الاتحاد الديمقراطي المسيحي إن الحياة كانت، من نواح كثيرة، أسهل في ظل ''التحالف الكبير'' مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي كان يحكم بأغلبية كبيرة حتى تشرين الأول (أكتوبر). وقد يكون الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي أعداء إيديولوجيين وسياسيين، إلا أنهما حزبان لديهما قاعدة عريضة يفهمان مسؤوليات المنصب. ويتذمر بعضهم بالقول إن على الحزب الديمقراطي الحر أن ينضج.
هموم الأفغان
لقد تمكنت ميركل من إقناع مجلسي البرلمان بإقرار التخفيضات الضريبية عن طريق تقديم وعود بمساعدات إضافية للولايات. ولن يكون حل مشكلاتها بشأن أفغانستان سهلا. وقد بدأت المشكلات في أيلول (سبتمبر) بغارة جوية شنها حلف شمال الأطلسي دعا إليها العقيد الألماني ضد مجموعة من طالبان اختطفت شاحنتي وقود في قندز. وفي البداية نفى Franz Josef، الذي كان حينها وزيرا للدفاع، مقتل أي من المدنيين. واضطر لتقديم استقالته كوزير للعمل في تشرين الثاني (نوفمبر) حين أصبح واضحا أن وزارة الدفاع كانت على علم من البداية أن الكثير من الضحايا البالغ عددهم 142 من المدنيين. ثم أقال وزير الدفاع الجديد، Karl-Theodor zu Guttenberg، أعلى جنرال، وهو Wolfgang Schneiderhan، وأحد كبار الموظفين البيروقراطيين، بسبب عدم إبلاغه بكامل التفاصيل. إلا أن الجنرال Schneiderhan وصف zu Guttenberg بأنه كاذب. وتعتزم لجنة برلمانية استدعاء جميع الجهات المعنية، وربما من ضمنهم ميركل.
ويزيد هذا وصمة العار القبيحة للبداية الواعدة. فقد أقام zu Guttenberg، الشاب ذو الشخصية الجذابة الذي يشتهر بصراحته، علاقات جيدة مع الجنود وأخبر الناخبين صراحة أنهم يواجهون ''ظروفا شبيهة بالحرب'' في أفغانستان، مما يعتبر صراحة جريئة في دولة لا تزال ترى نفسها في معزل عن الحرب. وما حدث في قندز سيجعل من الصعب على ألمانيا دعم زيادة حلف شمال الأطلسي في أفغانستان بالمزيد من الجنود. ولم يستبعد zu Guttenberg ذلك، مع أنه يبدو في الآونة الأخيرة أقل عدوانية حيث دعا إلى المفاوضات مع قادة طالبان المعتدلين وتحدث عن موعد للانسحاب.
ويعتقد الكثير من الجنود أن الجنرال Schneiderhan تجاوز حده في التشكيك بنزاهة الوزير؛ وهم يحبون قائد الجيش الجديد. ويقول Jan Techau من المجلس الألماني للعلاقات الخارجية، إنه على المدى البعيد، قد تساعد قضية قندز الدولة على تقبل التزاماتها العسكرية. وقد سمح السياسيون بتصعيد دور ألمانيا العسكري في الخارج ولكنهم بذلوا قصارى جهدهم لإخفائه. وإذا نجا zu Guttenberg، فإن حادث قندز ''سيمهد الطريق للغة من نوع جديد''، كما يأمل Techau.
وقد تستفيد ميركل من بداية جديدة لنفسها. فهي تريد التحول من مرحلة الانتعاش الاقتصادي لفترة ولايتها الثانية، التي تمثل فيها التخفيضات الضريبية جزءا كبيرا، إلى ''الاستدامة''، وهو وصفها لمختلف المبادرات التي تتراوح من تشجيع الصناعة الصديقة للبيئة إلى زيادة الاستثمار في التعليم. وتشمل هذه الأخيرة المزيد من الأموال للتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، خاصة للمهاجرين، وتوسيع نطاق المنح الجامعية. وسيتم أيضا تشجيع السكان المسنين الذين تزداد نسبتهم على ادخار المزيد من المال للحصول على الرعاية طويلة الأجل.
ومع ذلك، فإن أجندة الاستدامة قد لا تتقدم بسلاسة أكبر من أجندة الانتعاش. ويختلف الحزب الديمقراطي الحر والحزب الاجتماعي المسيحي حول إصلاحات الرعاية الصحية. ورضخت ميركل لمطالب الحزب الاجتماعي المسيحي لتقدم إعانات للأمهات اللواتي يبقين في المنزل، لتسير جنبا إلى جنب مع توسيع رعاية الأطفال الممولة من قبل الدولة. ويخشى المنتقدون، بمن فيهم البعض في الحزب الديمقراطي الحر، أن يكون الأطفال الذين يظلون في المنازل هم الذين في أمس الحاجة للخروج من المنزل.
وتم تقديم وعود بإدخال المزيد من التخفيضات الضريبية لعام 2011، الأمر الذي قد يعني أيضا المزيد من المشاحنات الداخلية. ولا أحد يعرف كيفية التوفيق بينها ليس فقط مع زيادة الإنفاق على التعليم، بل أيضا مع الالتزام الدستوري الجديد بتخفيض عجز الميزانية للحكومة الفيدرالية إلى الصفر تقريبا بحلول عام 2016. ويعد وزير المالية، Wolfgang Schauble، بزيادة الضرائب أو تخفيض الإنفاق على أمور أخرى إذا لزم الأمر.
ومن غير المرجح أن يكون أكثر تحديدا إلا بعد انتخابات الولاية في North Rhine-Westphalia، أكثر ولاية مزدحمة بالسكان في ألمانيا، في أيار (مايو). ويسعى التحالف الأسود الأصفر لإعادة الانتخاب. وإذا خسر، ستسلم الحكومة أغلبيتها إلى مجلس الشيوخ، البندسرات. ولكن إذا فاز، قد يمنح هذا ميركل طاقة متجددة ومساحة أكبر للمناورة في برلين. وبالطبع، لم تنحرف تماما عن مسارها - بعد