المؤامرات الملعونة
كان العام السابق مريعا بالنسبة لجنرالات تركيا فقد كشفت سلسلة من الوثائق المسرّبة والمكالمات الهاتفية المسجلة وأحيانا حوادث واضحة ما يكفي من الإشكالات وسوء السلوك لزعزعة إيمان حتى أشد العلمانيين المتشددين. وقد تحدث رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، عن ''تغييرات تاريخية''. وربما تكون الأيام التي كان فيها المدنيون يتلقون أوامرهم من الجنرالات في تركيا قد ولت إلى غير رجعة.
وتتعلق أحدث فضيحة باثنين من الضباط في القوات الخاصة التركية تم اعتقالهما قبل يوم الميلاد مباشرة للاشتباه بمحاولة اغتيال Bulent Arinc، رئيس البرلمان (المتدين علنا) السابق الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس الوزراء. ويبدو أن أحدهم حاول أن يأكل قطعة الورق التي كتب عليها عنوان Arinc حين تم اعتقالهما بالقرب من منزله في أنقرة. وفشل تفسير الجيش بأن الضابطين كانا يتجسسان على زميل لهما بعد تلقي معلومة مجهولة المصدر بأنه يسرّب الأسرار إلى Arinc في إقناع أعضاء النيابة العامة: تم احتجاز عدة ضباط آخرين لفترة وجيزة في محاولة الاغتيال المزعومة.
وفتش المحققون، الذين قوبلوا بمقاومة شرسة في البداية، مقر القوات الخاصة في أنقرة الذي كان في السابق محصنا تفتيشا دقيقا على مدى عدة أيام بحثا عن أدلة لمؤامرات أخرى تهدف إلى زعزعة استقرار الدولة والإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم برئاسة أردوغان. وربما وجدوا بعض الخطط القديمة. ويعتقد أن مجموعة التعبئة التكتيكية لقيادة القوات الخاصة نظمت، من بين أمور أخرى، الاستفزازات التي أدت إلى الهجرة الجماعية لليونان العرقيين من إسطنبول عام 1955.
وربما تمثل أحدث عملية المرة الأولى التي ينفذ فيها مسؤولون مدنيون مثل هذا الإجراء ضد الجيش. وقدرتهم على فعل ذلك منصوص عليها في قانون تاريخي، تم إقراره من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية في حزيران (يونيو) 2009، ويسمح بأن تتم محاكمة العسكريين في المحاكم المدنية. وبعد بعض التذبذب، يبدو أردوغان الآن مستعدا للتصدي للجيش. ويقبع عديد من الضباط، بمن فيهم كثير من الجنرالات المتقاعدين، في السجن فيما يتعلق بما يسمى محاكمة Ergenekon لمجموعة من المتآمرين المحتملين لانقلاب. ومع كل اكتشاف جديد عن أفعال القوات المسلحة الشائنة، يخشى عدد أكبر من الأتراك أن يكون الجيش يعمل عاملا تقويض الدولة. وهذا الأسبوع، اعترف الجنرال Ilker Basbug، رئيس هيئة الأركان العامة، أنه تم تنفيذ الغارات على قيادة القوات الخاصة في إطار القانون. وعلى الرغم من الاعتراضات الصاخبة بين الحين والآخر بشأن الأعداء المجهولين الذين يشوهون سمعة الجيش، إلا أنه يبدو أن الجنرال Basbug يتعاون بهدوء مع الحكومة في تحقيقها. وعلى مر السنين، كان الجيش، الذي أطاح بأربع حكومات منذ عام 1960، من بين أكبر العقبات أمام إقامة ديمقراطية مستقرة في تركيا. إلا أن السياسيين المتنازعين ليسوا أفضل بكثير فزعيم حزب المعارضة الرئيس، Deniz Baykal، كان يبدو أحيانا أكثر حماسا من الجنرالات أنفسهم لتنفيذ انقلاب. وبعد أكثر من سبع سنوات من انتخاب حزب العدالة والتنمية لأول مرة للحكومة، لا تزال القوانين التي تقيد حرية التعبير قائمة. ولعل الجانب الأكثر إثارة للارتياح في هذه الفضائح الأخيرة هو أنه تم الكشف عن كثير جدا من قبل ضباط فضحوا المارقين داخل صفوفهم